| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأثنين 13/4/ 2009



اسعار النفط تريد حلا

د. رمزي سلمان *

مقدمة:
كان معدل سعر نفوط الاوبك لسنة 2006-61 دولار للبرميل وارتفع الى 69 لسنة 2007 ومع بداية 2008 استمر بالصعود بوتائر عالية وغير مسبوقة ليتجاوز 145 دولار للبرميل في يوليو 2009.

اكدت دول منظمة الاوبك اكثر من مرة بأن الزيادات الاستثنائية في الاسعار هي بسبب المضاربات وليس لنقص في التجهيزات وبالرغم من ذلك الحت الدول المستوردة وعلى الاخص الكبرى منها على دول الاوبك لزيادة انتاجها وبعد تجاوب بعض دول الاوبك واعلان موافقتها على زيادة الانتاج لم تتمكن من زيادة مبيعاتها بسبب تشبع السوق ولم تنخفض الاسعار.

في 22 يونيو عقد بدعوة من المملكة العربية السعودية اجتماع في جدة شارك فيه وعلى مستوى رفيع كبار الدول المستهلكة والمنتجة والشركات العالمية وفي حينه كان سعر النفط 126 دولار للبرميل.

كان موقف المنتجين ان السوق مشبعة ولاحاجة او جدوى لزيادة الانتاج لعدم توفر المشترين وان المسبب لزيادة الاسعار يبقى المضاربين بينما كان موقف الدول المستوردة بان لا حل لأزمة الاسعار غير زيادة الانتاج.

في حينه كانت بوارد الانهيارات المصرفية واضحة ولاتبشر بخير الامر الذي جعلني اتوقع كغيري من المراقبين ان يؤدي ذلك الى انسحاب المغامرين والمضاربين . وتعود اسواق النفط الى اساسيات العرض والطلب لتحديد الاسعار. الامر الذي دفعني لاكتب مقالة بعنوان "ما الذي نتوقعه من مؤتمر جدة" نشرت في الشرق القطرية يوم 21 يونيو والاقتصادية السعودية يوم 22 يونيو – يوم انعقاد المؤتمر.

جاء في المقالة ان انسحاب المضاربين سيؤدي بالسوق بالعودة الى موازنة العرض والطلب عندئذٍ ستنخفض الاسعار. ورجعت الى ماكانت قد اعتمدته الاوبك كمدى سعري لسلة نفوطها وهو 22-28 دولار للبرميل مع آلية لزيادة وخفض الانتاج لابقاء الاسعار ضمن هذا الاطار السعري.

وبتعديل معدل الاطار السعري 25 دولار للبرميل بالاخذ بنظر الاعتبار تغير سعر صرف الدولار والتضخم توصلت الى سعر بين 53 و 75 دولار للبرميل ( 64 كمعدل) اعتمادا على معدل التضخم المستخدم ان كان التضخم العالمي او التضخم المستورد للدول النفطية.

نشرت المقالة في الاقتصادية السعودية في صفحة كاملة تقابلها مقالتين احداهما لوزير نفطي اعتبر 170 دولار للبرميل هو المتوقع وفي المقالة الثانية توقع احد بيوت الخبرة الامريكية سعرا يزيد على 210 دولار للبرميل هو ما سيسود في الامد القريب ووصفت في حينه " مغردا خارج السرب".

بعد ان ارتفعت الاسعار في يوليو 2008 الى 147 دولار للبرميل بدأت نزولها دون تعثر الى ما دون حتى الحد الادنى الذي دكرته 53 دولار للبرميل.

اسباب انهيار الاسعار.
بسبب توقع البعض استمرار ارتفاع الاسعار قام العديد منهم بشراء وتخزين كميات من النفط الخام ( وهو نفس ماحدث لسلع أُخرى كالحديد والكبريت وغيرهما) كما وان بعض الدول المنتجة التي لم تتمكن من بيع كامل انتاجها قامت بتخزينه في ناقلات عملاقة وتوجيهها الى مناطق الاستهلاك على امل بيعها بأسعار اعلى لاحقا هذا بالاضافة الى زيادة الانتاج العالمي عموما بإعادة الانتاج من حقول اغلقت سابقا لعدم كونها مربحة في فترة سواد الاسعار المعتدلة.

وعليه فبعد انهيار اسواق المال والبورصات وانسحاب المضاربين من الاتجار بالنفط وتحويل موجوداتهم النفطية الى نقد ، عاد التوازن بين العرض والطلب الحقيقي والفعلي ليكون المقرر لاسعار النفط وبسبب مستوى الخزين العالي لدى المستهلكين والكميات الكبيرة من النفط الخام الغير مباع في الناقلات العملاقة العائمة واستمرار المنتجين العمل بطاقات مرتفعة كان العرض يفوق بكثير مستوى الطلب لاسيما بان الطلب شهد انخفاضا كبيرة بسبب ارتفاع الاسعار اولا وثم الركود الاقتصادي العالمي وتوقف الكثير من المصانع ومراكز الاستهلاك وارتفاع البطالة .

وعليه فإن انهيار الاسعار كان طبيعيا وما حدث لاسعار النفط يماثل ماحدث لعديد من السلع والمواد الاولية الاخرى.

وبالرغم من التخفيض الكبير في انتاج الاوبك استمرت الاسعار بالانخفاض بسبب انتاج الاوبك بطاقاتها القصوى لفترة طويلة وارتفاع مستوى الخزين وانخفاض الطلب بسبب الركود الاقتصادي ولكون تخفيض الاوبك جاء متأخرا ودون اسناد من الدول المصدرة الاخرى.

ماالذي تتوقعه للاسعار:
تفاوتت التنبؤات والتقديرات عما يشار اليه بالسعر العادل للنفط الخام وكذلك موعد تحققه فسمعنا وقرأنا ارقاما عديدة تتراوح بين 45 و 85 دولار للبرميل وان ذلك سيتحقق في زمن يمتد من النصف الثاني للسنة الحالية 2009 وحتى مطلع 2011 دون ذكر اي اسس اعتمدت للتوصل الى هذه التنبؤات .

ولتسهيل المهمة لابد من مناقشة سعرين الاول هو الحد الادنى المتوقع والثاني السقف السعري المحتمل.

أولاً: الحد الادنى للسعر:
من المعلوم ان كلفة الانتاج في معظم دول منظمة الاوبك وعلى الاخص الخليجية منها هو الاقل عالميا ومع انخفاض الاسعار دون 65 دولار للبرميل تصبح الحقول ذات كلفة انتاجية 65 دولار للبرميل او اكثر غير اقتصادية ومعظم هذه الحقول في مناطق بحرية عميقة ومع استمرار الاسعار بالانخفاض يتزايد عدد الحقول المتساقطة بسبب كون كلف انتاجها اعلى من مردودات مبيعاتها.

كذلك الحال بالنسبة لانتاج النفط غير التقليدي من الرمال النفطية في كندا على سبيل المثال هذا بالاضافة الى انصراف الامر الى البدائل الطاقوية كالكحول.

من الجدير بالذكر ان توقف بعض العمليات سوف لايكون فوريا اعتمادا على مدى امكانية المستثمر تحمل خسائر على امل عودة الاسعار الى مستويات مجدية.

توقف بعض الحقول والعمليات يعني انخفاض العرض وبالتالي تقليل الفجوة بين العرض والطلب وما ان يتوازن العرض والطلب تستقر الاسعار واي زيادة في الطلب بعدها ستؤدي الى ارتفاع الاسعار.

اذن سيستقر مستوى الاسعار عند مستوى الكلفة للحقل الاعلى كلفة القادر على الاستمرار في الانتاج وسيكون ذلك عندئذٍ الحد الادنى للاسعار.

وعليه، فإن الحد الادنى للاسعار سوف لاتحدده الاوبك وانما الحقول الاكثر كلفة القادرة على الاستمرار بالانتاج المجدي اقتصاديا او كلفة البدائل التي تدعمها حكوماتها لاسباب استراتيجية.

وقد يكون من المفيد ان نذكر ان انهيار الاسعار ادى الى تأجيل العديد من المشاريع الانتاجية وكذلك الاستثمار في طاقات انتاجية جديدة وسبب ارباكا شديدا في خطط تطوير البدائل الطاقوية ومعظمها ذات طبيعة استراتيجية الامر الذي قد يدفع الدول المستهلكة الكبرى الى زيادة الضرائب على المنتجات النفطية للاستمرار بالاستثمار في البدائل الطاقوية لتقليل الاعتماد على النفط.

ثانياً: الحد الاعلى للسعر:
اذا ماتركنا الامر للسوق العالمي لتحديد الاسعار ففي غياب المضاربين سيبقى التوازن بين العرض والطلب هو المقرر لمستوى السعر باستثناء الحالات التي تتأثر بعوامل سياسية او حربية طارئة في مناطق الانتاج او حولها وهي في الغالب قصيرة الامد.

بعد ان قررت منظمة الاوبك التخلي عن الاسعار الرسمية او التسعير بصورة عامة واعتمدت مبدأ ادارة الانتاج لضمان التوازن بين العرض والطلب وليؤمن لها حدا ادنى من السعر وفي الوقت ذاته عدم السماح للاسعار بالارتفاع الى مستويات تؤثر في الاستهلاك وتشجع الاستثمار في الاستكشاف والانتاج خارج دولها وهذا مافعلته عند اعتمادها الاطار السعري مع آلية لرفع او خفض الانتاج لابقاء السعر ضمن الاطار السعري. لم تتمكن الاوبك منذ دخول المضاربين بزخم كبير في اسواق النفط بالتحكم بالحد الاعلى للاسعار لعدم استيعاب السوق لاي زيادة في الانتاج بالاضافة الى إن معظم اعضاء الاوبك كانوا ينتجون بطاقاتهم القصوى ولم يبدوا اي انزعاج من زيادة ايراداتهم بمبالغ غير متوقعة ساعدتهم على امتصاص زيادات الاسعار في السلع والخدمات التي يستوردونها وتوفير فوائض مالية.

ولما كانت الزيادة في الاسعار الى مستويات خيالية لاتخدم مصالح دول الاوبك في الامد البعيد بسبب تشجيع الاستثمارات في الاستكشاف والانتاج في المناطق المكلفة خارج دول المنظمة وكذلك تطوير البدائل الطاقوية وكلها امور سلبية بالنسبة للطلب على نفوط الاوبك في المستقبل.

وعليه فقد يكون من المناسب ان تعود منظمة الاوبك الى اعتماد اطار سعري جديد يكون سقفه كلفة اكثر البدائل منافسة لنفوط الاوبك سواء كان نفط من مناطق بحرية عميقة او نفوط مكلفة اخرى في مناطق خارج دول المنظمة او بدائل لانفطية مثل الاستخدام النظيف للفحم الحجري وغيرها.

عندئذٍ تتمكن دول الاوبك من برمجة انتاجها لابقاء الاسعار ضمن اطار حده الادنى تقرره كلف الانتاج لدى الغير كما ذكرنا في اولا وسقفه كلفة البديل الاكثر تنافسية للنفط الخام اهم مدخراتها لاجيالها القادمة.

وهنا قد يكون من المفيد ان نذكر للقارئ الكريم تخمينات الكلف لانتاج النفوط وبعض البدائل الطاقوية.

· معدل كلفة الانتاج في الشرق الاوسط وشمال افريقيا حوالي 30 دولار للبرميل.
· معدل كلفة الانتاج في المناطق الاخرى حوالي 40 دولار للبرميل.
· كلفة انتاج النفط من الرمال النفطية يتراوح بين 30 و 70 دولار للبرميل.
· كلفة الانتاج من الحقول القديمة او المعقدة باستخدام تكنولوجيا الدعم تتراوح بين 30 و80 دولار للبرميل.
· كلفة الانتاج من حقول المياه العميقة جدا قرب البرازيل تتراوح بين 65 و 85 دولار للبرميل.
· كلفة انتاج نفط من حجر السجيل النفطي تتراوح بين 50 و 110 دولار للبرميل.
· تخمن احتياطيات الجرف القاري البحري للولايات المتحدة الامريكية القابلة للانتاج بـ 115 مليار برميل وهو ما يوازي الاحتياطي المثبت لايران او العراق كما وتخمن كلفة انتاج 52 مليار برميل منها بـ60 دولار للبرميل والمتبقي بكلفة 160 دولار للبرميل .

ونترك الامر لمنظمة الدول المصدرة للنفط (الاوبك) اختيار السقف السعري الذي سيكون بمثابة الخط الاحمر الفاصل بينها وبين منافسيها الاكثر خطورة مع الامل ان الاوبك ستبقى واعيه لتجنب الوقوع في فخ مماثل لما حيك لها في سبعينيات القرن الماضي عندما رفعت الاسعار دون مبرر الى مستويات جعلت الاستثمار في حقول بحر الشمال والمياه العميقة الاخرى والاسكا مجديا اقتصاديا وما ان باشرت هذه الحقول بالانتاج انهارت الاسعار واضطرت الاوبك الى خفض انتاجها الى اقل من النصف في محاولاتها لدعم الاسعار دون جدوى وتحولت في منتصف الثمانينيات من دول فائض مالي كبير الى دول مدينة . دروس التاريخ تعلمنا الحذر من أن نُلدغ مرتين ان كنا مؤمنين.


*
الكاتب عمل رئيساً لمؤسسة النفط العراقية (سومو) 1972-1991 ، وأمين مساعد لمنظمة الاوبك 1991-1997 ، ومنذ 1997 مستشارا لمعالي وزير الطاقة والصناعة في دولة قطر.

وماجاء في المقالة يعبر عن أراء شخصية للكاتب.

 

عن صحيفة الشرق القطرية 9/نيسان/ 2009




 

free web counter

 

أرشيف المقالات