| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 13/9/ 2009



 وداعا خاله ( ام عدنان ) (*)

محمد حسب الله

بعد صراع طويل مع المرض رحلت الخاله ام عدنان في الاول من ايلول في هولنده تاركه ورائها سفرا خالدا من التاريخ النضالي في مواجهة الانظمه الرجعيه والدكتاتوريه التي جثمت على صدور العراقيين لعقود طويله كانوا فيها يتوجعون ألما وينزفون دما ثمنا لطغيان الحكام واستبدادهم
كانت بأفكارها الفطريه التي لم تستخلصها من كتاب بل من واقع مرير من فرط مرارته يلوح غير انساني غير واقعي ينافي كل القيم الانسانيه والاخلاقيه الاصيله المتجذره في اعماق العراقيين ترجمت هذه الافكار الى واقع ملموس بمواجهة عنيده واصرار لا يلين من اجل حياة افضل منذ ثلاثينيات القرن الماضي بعد اقترانها بالشيوعي الراحل الخالد هادي صالح متروك الذي تولى رئاسة نقابة الغزل والنسيج ، النقابات السريه في فترة الخمسينات في بغداد واحد اعضاء الهيئة المؤسسه لطلب اجازة حزب اتحاد الشعب (1) في العهد الجمهوري في فترة حكم عبد الكريم قاسم .

لقد كان الفقيد الراحل رفيق دربها ومعلمها الاول لأبجديات الحزب التي ظلت وفيه له ولمبادئه حتى بعد رحيله كانت تذكره بفخر واعتزاز وكانت وصيتها الوحيده ان تدفن الى جانبه وان تتعفر بتراب العراق رافضه الارض الهولنديه بالرغم من طبيعتها الخلابه وكانت تدعو الى السير على ذات الطريق الذي ساروا عليه .

لقد جسدت خلال مسيرتها الطويله واقع المرأة العراقيه بهمومها ,هواجسها, رغباتها, ضغط التقاليد العشائريه الباليه والقيم الدينيه المتطرفه, محاولة سلخ انسانيتها وامتلاكها عملت . بأخلاص متناهي وبقية النساء المتنورات من خلال التنظيمات النسويه التي شكلها الحزب للانتقال من هذا الواقع واقع الاضطراب والخراب في الحياة العراقيه الى واقع انساني جديد يؤمن بحقوق المرأة وموقعها المساوي للرجل والعمل معا من اجل مستقبل افضل. لم يكن الدرب الذي سلكته مطرزا بالورود بل كان دربا شائكا صعبا تكتنفه المخاطر التي تصل الى حد التضحيه بالنفس وكثيرون الذين عفروا هذا الدرب بدمائهم الزكيه من اجل ديمومة النضال فصاروا بيارق عاليه في سماء العراق خلدهم التاريخ على صفحاته البيضاء بكل فخر واعتزاز.

لقد تحملت الخاله ام عدنان بشرف واعتزاز مسؤوليات جسام واعباء مزدوجه توزعت بين تلبية متطلبات العائله الكبيرة وتربية الابناء وطبيعة العمل الحزبي الذي يقتضي السريه التامه والتنقل من محله الى اخرى لأيهام عصابات الأمن والشرطه السريه التي لا تكتفي بمراقبة الناس بل راقبت ضمائرهم واحلامهم.
وكانت بأساليب مبتكره توهم الشرطه السريه عندما يعقد اجتماع حزبي في دارها الذي تحول الى بيت للحزب. وكانت تعد للرفاق طعاما بسيطا ، بعض من ارغفة الخبز من تنورها الطيني واقداح من الشاي وفي حالات الترف شيئا من الحليب من معزتها التي كانت ترعاها لتراقب من خلالها تحركات اجهزة وعناصر الأمن. كانت تشد من ازر الرفاق وتلهب حماستهم وتزيد من اندفاعهم بكلمات عفويه بسيطه بقولها ,, انتم سباع ما ينخاف عليكم واعدائكم جبناء مثلهم كالطبل الأجوف الذي يزحم الفضاء بضجيجه واذا نقرت بطنه وجد فارغا,,كانت ترى في اعداء الشيوعيين اعداء للشعب العراقي لا يحظوون بحب الناس وثقتهم. وكانت تشعر بحجم معاناة الشعب العراقي من فقر مدقع وجوع كافر والذي وصل الى حد شد البطون وامراض تفتك بأطفالهم وشيوخهم واميه سلبت عقولهم مما سهل للأفكار الرجعيه والظلاميه ان تجد لها بيئة خصبه غير ان هذه الظروف لم تثنيها عن مواصلة النضال فأقتسمت قوتها ورغيف خبزها مع الفقراء ابناء محلتها مستغله هذا الواقع لتعرية وفضح اساليب الاقليه المستحوذة على المال العام والسلطه ونهب قوت الاخرين مما استوعب الناس البسطاء مفهوم الصراع الطبقي واثره في حياة الناس..

كما شاركت بشكل فعال في تظاهرات الحزب ومسيراته الأحتجاجيه تشد على وسطها عباءتها السوداء تخفي تحتها لافتات الحزب لتظهرها في ذروة الحماس مردده الاهازيج الثوريه المحفزة فكانت تثير اعجاب الاصدقاء ودهشة الاعداء.. لقد تحركت بخفه رغم محدودية الزمان والمكان بين سجون ومعتقلات العراق من شماله الى جنوبه بحثا عن زوجها او احد ابنائها او احد الرفاق للحصول على معلومه عن اماكن اعتقالهم . واجهت السجانيين بشموخ وأباء كنخلة عراقيه امتدت جذورها في اعماق الارض . ابت ان تنحني للعاصفه ظلت صابرة بالرغم من عاتيات الزمن وصامده قويه بالرغم من شدة وشراسة الهجمه في الوقت الذي تغلغل الخوف الى قلوب الاخرين في جمهورية الخوف .

كانت تدعو الرفاق الى الصمود تحت سياط الجلادين وان ينسوا امهاتهم واهلهم لكنهم لا ينسوا حزبهم. كم كانت ايام صعبه وليال كالحه عندما اضطر ابنائها وبقية رفاق حزبها الى مغادرة الوطن والتشتت في منافي الدنيا لا تعرف لهم اثرا ولا تسمع عنهم خبرا وصار كل شئ مراقب الخارج والداخل من والى البيت ، التلفون ، الحركه الى السوق ، الاطفال في المدارس .

ظلت وحيدة والذي زاد من وحدتها رحيل رفيق دربها . مع كل هذه المعاناة والضغوط النفسيه وكل اساليب التشويه الاجتماعي والفساد الذي اشاعته سلطات القمع والارهاب انذاك ظلت صامده لم تنهار يوما ولم تفقد الامل بقدرة حزبها على النهوض من كبوته وما هي الا غيمة سوداء غير قادرة ان تحجب شمس الحرية الحمراء وقد تحقق ما تنبأت به...

لم تدخر من الدنيا غير الذكر الطيب والاحترام والتقدير من ابنائها واحفادها الذين سهرت على تربيتهم في غياب ابنائها وبذلك تستحق ان نطلق عليها لقب ام الامهات . بتاريخها المشرف هذا ملكت ما يصبوا اليه كل المناضلين الشرفاء اذ صارت محط اعجاب وتقدير كل من عرفها او سمع عنها والحشد الكبيرالذي تشرف بحمل نعشها سواء في هولنده او العراق ما هو الا دليل على محبة الناس لها واحترام مبادئها .

يبقي كل ما اكتبه لا يفي حقك من التكريم والأشادة ، ستظلين خالدة ابد الدهر في قلوبنا وذكراك تتربع في ذاكرتنا والزمن في دورته الازليه اضطرنا الى فراقك كجسد لكن روحك الساميه المتواضعه لا زالت تعيش معنا وايامك الطويله مرت كساعات راكضه الى امكنة اخرى لتستمر الحياة التى نتمنى كما تمنيتِ ان تكون افضل.

الذي كتبته اعرف انك لا تقرأيه بل اكتبه الى باقي الامهات والنساء ليتخذوا من تاريخك الناصع البياض العبر والدروس, الذكر الطيب اتمناه لك والصبر والسلوان لمن احبك وسار على دربك..



(*) ام عدنان...هي بسعاد عبيد المفرجي
(1) حزب اتحاد الشعب... هو الحزب الشيوعي العراقي انذاك

 

free web counter

 

أرشيف المقالات