| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

مقالات وآراء حرة

 

 

 

الأحد 13/12/ 2009



خياط الفرفوري...أحد المهن الشعبية التي إندثرت

أحمد السيد علي

هناك مهن عراقية إندثرت بحكم التقدم العلمي والتكنلوجي، وتغير نمط الحياة التقليدية القديمة.
ومن هذه المهن على سبيل المثال لا الحصر…خياط الفرفرفوري…بائع الملح على الجمال…حدّاد السكاكين والمناجل المتجول بعجلته وعتلته الدوّارة… مرّكِبْ أسنان الذهب، وطب الاعشاب، وهم عادة من الغجر{الكاولية}…المطهرجي{الزعرّتي} وعادة يكون حلاق المنطقة… بائع { الجَقْجِقِدرْ… العَلوجَة…الكَركَري} ويحمل الصينية المعدنية، وعادة ما تكون مقسمة على شكل مثلثات بألوان زاهية … ولديه عيدان صغيرة يلف بها هذه المواد التي أغلبها من صبغ اللوزينة… وهناك مهن في طريقها الى الزوال منها…سيارة أم الدخان وسائقها…الجدّة أو القابلة المأذونة…البائع الجوال للـ {الجُرَكْ…البادم…المكاوية…شعر بنات…الداطلي…وغيرها من المعجنات} …صناع {كراسي من سعف النخيل..علاكة الخوص… المهافيف} وصناعات يدوية أخرى …أتمنى ان لا تختفي، لما تكوّن هذه المهن من إرث لتراث شعبي في بلد عريق وعتيق بحضاراته الاصيلة .

أما عن خياط الفرفوري
(*)
هذه المهنة التي اندثرت في ستينيات القرن الفائت، والفرفوري هو الفخار الذي يصنع منه الصحون والاباريق،وهناك انواع مختلفة من الفخار ، والانواع الجيدة تكون غالية الثمن، ولم يكن بإستطاعت أصحاب المقاهي ان يبتاعوا أباريق شاي جديدة بعد كسرها أو أجزاء من الابريق وعملهم يعتمد دائما على هذه الاباريق، ولذا يضطرون لخياطة الابريق أو جزء منه ولم يكن شائعا في وقتها إستخدام اباريق الشاي المصنوعة من معادن الصفر أو الرصاص أو الستيل أو غيرها.
كان معظم أصحاب هذه المهنة الفنية الرائعة من الايرانيين
(1)، وأذكر في مدينتي بعقوبة كان هناك محل واحد لخياط الفرفوري في السوق القديم {المْسَكَفْ}، خلف جامع الشاهبندر قرب القيصرية، وإختفت هذه المهنة في بداية السبعينيات من القرن المنصرم. وعادة ما تكون المواد التي تعرض للخياطة هي الاواني والكاسات وأباريق الشاي التي تصنع من الفخار، ويعُتَقَدْ إن أفضل أنواع الفخار هو الفخار الصيني والروسي والسكسوني والكردنر(2)، ويكون صاحب هذه المهنة عادة متجولا
وليس له مكانا ثابتا وقليل منهم من يستقر في مدينة وله صيحة معروفة هي { خياط فرفوري...فرفوري خياط} وأغلب هؤلاء من المعدمين، وقد يعطوهم الاهالي الملابس والمأكل بدلا من النقود،
ويستعمل خياط الفرفوري في عمله هذا ماكنة بدائية ذات أرجل تتحرك مثل ماكنة الخياطة وفيها عجلة لتشغيل الثاقب الذي يثقب الفرفوري من أجل خياطته وأيضا يستخدم مادة لزّجة للصق أجزاء الفخار وهي بيضاء اللون، ويستعمل ايضا شرائط من القيد وهي عادة من التنك تحيط بإبريق الشاي للحفاظ عليه من الكسر، ويضعها بشكل شرائط طولية متوازية مربوطة بشرائط أخرى عرضية
(3).
وكانت أكثر أجزاء الاباريق المعرضة للكسر هي البلبولة
(4) والمقود وغطاء الابريق،
والاهالي عادة يربطون المقود وغطاء الابريق بخيط متين لمنع سقوط الغطاء وكسره. وأغلب الظن ان خياط الفرفوري هي مهنة يتوارثها الابناء عن أبائهم وقد اندثرت هذه المهنة بسبب تكاثر الفخار وهبوط ثمنها مما لا يستدعي خياطة الاباريق والاواني المكسرة ولكن تبقى هذه المهنة في ذاكرة العراقيين كسائر المهن الشعبية الاخرى، لتمثل جزء من تراثنا الشعبي الأصيل.
وعلى ذكر أجود أنواع الفخار السكسون، كتب الشاعر النجفي الراحل...حسين القسام{الجسام} ، عن لسان فلاح معدم يوصي قبل وفاته... بعدم إعطاء القوري أو بيعه ،
بالرغم من مواصفاته البائسة

وعندي فرد قوري    بغير بلبولة
موسكسون محد       يعرف شجولة
يخر من كل كُتر       لو هيّس بلولة
خلّوه بثوابي          لا تبيعونه (5)



(1) ذكر لي الاستاذ الاديب النجفي الراحل عبد الغني الخليلي ،ان أغلب أصحاب هذه المهنة من الايرانيين.
(2) إسم شركة لصنع الفخار .
(3) يستخدم هذه الطريقة عادة أصحاب المقاهي.
(4) البلبولة : مفردة فصيحة مشتقة أغلب الظن من كلمة البلبل، والبلبل تعني قناة الابريق الصغيرة التي يصب منها الماء وفي العامة تعني لعبة الدوامة.
(5) القوري والاستكان مفردات غير عربية ويرجح انها روسية.
(*) نشر جزء من هذا المقال في مجلة المنار في ستوكهولم ـ عدد1نيسان ـ سنة 1988
 

 

free web counter

 

أرشيف المقالات