| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الثلاثاء 12 / 12 / 2017 أرشيف المقالات
لكي لا نكون آخر من يعلم !
صبحي مبارك مال الله *
(موقع الناس)قد يثير عنوان المقال، تساؤل عند القارئ ما هو المقصود؟ من خلال التحليلات والمتابعات السياسية وما يطرحه المفكرين الستراتيجيين من أفكار سوف نجد هناك الكثير من الحقائق المُعلنة وغير المُعلنة وعند تجميع الصورة بإبعادها المتفرقة القريبة منها والبعيدة، نلاحظ العالم والشعوب حكام ومحكومين أصبحوا جميعاً في دائرة كبيرة ومقفلة تتميز فيها ما تتطلبه المصالح السياسية والإقتصادية والثقافية العالمية ولكن الذي يمتلك مفاتيح هذه الدائرة هو من يمتلك القوة العظمى وفي مقدمتها الدول الرأسمالية أو العالم الحر تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية تأتي بعدها قوة الإتحاد الروسي العظمى، فبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الأشتراكية أصبح الطريق سالكاً لسيطرة المعسكر الغربي وبالتالي فالدول التي كانت لها وشائج إقتصادية وعسكرية مع المعسكر الأشتراكي، قد تقطعت على الأقل بعد الإنهيار والزلزال الكبير.
تمّ بعد ذلك تفعيل التدخل وبوتيرة عالية في شؤون الدول النامية ودول أخرى والتوجه بخطط علمية نحو تقزيم القوى الأخرى وشل حركتها ودفعها خارج التأثير، بعد سلخ الدول السوفياتية السابقة شرقاً وغرباً وتعزيز النظم السياسية القومية بدلاً من النظام الأشتراكي والإدعاء بإنتهاء الحرب الباردة، فأصبح العالم تحت سيطرة القطب الواحد وبدون منازع وبالتالي أصبح اللعب مكشوفاً من خلال تجنيد الآلاف من الخبراء السياسيين والعلماء الإقتصاديين والبدء أولاً بتجديد الليبرالية وإعتماد الليبرالية الجديدة، وثانياً وضع خارطة جديدة للعالم ومن ثم وضع خرائط تفصيلية وجديدة لمناطق العالم خصوصاً الساخنة منها وثالثاً البحث عن أساليب جديدة حول كيفية التعامل مع الدول صغيرها وكبيرها، ولكن التحليلات ووضع النظريات من جانب والصراع السياسي والإقتصادي والجغرافي من جانب آخر أي صراع المصالح، فنتج وبسرعة ظهور الإتحاد الروسي كقطب ثاني بعد أن أعاد ترميم وضعه ومن ثمّ العمل على تعدد الأقطاب بشكل نشط وفعال.
ولكي تمتلك الرأسمالية المتوحشة سيطرتها وسطوتها على ثروات الشعوب فعليها ضمان وقوف حكامها بجانبها من خلال إتباع سياسة الترهيب والترغيب والتحكم بالمفاصل الإقتصادية والعسكرية خصوصاً التسليح، ولكن هذه السياسة تظهر بعدة وجوه عملت عليها الحكومات الخفية والتي هي إستخباراتية أو مخابرتية وتجديد الجهود، ومنها الإستفادة من كل الأحداث والمتغيرات السياسية في وقت ظهر كيان تمت تربيته، هذا الكيان المرعب الذي هزّ أمن العالم هو (الأرهاب) تحت واجهات دينية تعتمد أفكار سلفية متطرفة ونظريات وكتب تراثية تعود إلى أكثر من ألف سنة هدفها إثارة الخلافات الطائفية والمذهبية وإيقاظ الفتنة النائمة .. فأين ما تكون المصالح يكونوا آولئك المخططين معها، وقد لاحظنا العديد من التناقضات في هذه السياسة ولكن الحقيقة هو زرع التناقض لغرض السيطرة من خلال عدة أساليب، فظاهرة الأرهاب عالمياً عليها أكثر من علامة إستفهام . فبعد إن كانت البداية في أفغانستان ودعم واضح بالضد من القوات الروسية في الثمانينات وإسقاط النظام هناك، تطور الموقف بإتجاه تكوين القاعدة وغيرها من المنظمات الإرهابية.
هناك خطين في العمل التنفيذي، خط علني وإعلان كل شيئ بصراحة وخط خفي الذي يمثل إستخدام القوة بشكل مباشر أو غير مباشر وهذا ما لوحظ بعد التغيير السياسي في العراق وضم المعارضة وتقديم الخدمات، وشرعنة الإحتلال عن طريق مجلس الأمن، والمتوقع إيجاد موافقة إيجابية من قبل الشعب الذي كان يتوق للتحرر من الدكتاتورية البشعة وإمتلاك الحريات والإستفادة من النموذج الأمريكي الديمقراطي، وإعادة بناء الوطن الذي دُمر، ولكن الخطط السلبية عملت عملها فتدهورت الأوضاع أكثر فأكثر ولم يحصد الشعب غير الفتن والمذابح الدامية والتدهور والفساد. ثمّ إندلعت الثورة الشعبية في الوطن العربي، والتي سُميت بالربيع العربي التي سرعان ماخُطفت فأنتهت تطلعات الشعوب نحو تحقيق الديمقراطية الحقيقية وليست المزيفة، وإرساء قواعد العمل البرلماني وإزاحة السلطة الأمنية والتي عذّبت وقتلت من إجل حرمان الشعب من حقوق الإنسان وهكذا فماذا حصل؟ مواجهة تطلعات الشعب بالقوة الناعمة والمقصود بها ليس إستخدام السلاح وإنما بطرق أخرى تحت الترهيب وتقزيم الديمقراطية، وإفساد مؤسسات الدولة الجديدة، وكسب المئات بل الآلاف ممن وضع خدمته تحت طلب القوة العظمى فكان سلاح الفساد وتفسيد الذمم وتفشي الرشا مستفيدين من نقاط الضعف سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الأحزاب أو مستوى دوائر الدولة المعنية.
وكانت منافذ نهب ثروات بطرق عديدة ومنها تهريب النفط مع تقديم مساعدات التكنلوجيا والتخريب الإقتصادي. وكلما إزداد نهب الثروات أو تقسيمها بصورة غير عادلة إزدادت طبقة الفقراء والجوع في العديد من البلدان مع تحرك القطب الثاني أشتعلت الحرب الباردة الدافئة حول العديد من محاور الإختلاف. لقد جاء في خطاب تنصيب الرئيس الأمريكي ترامب في يناير 2017 قال الرئيس (سوف نجعل أمريكا قوية، سوف نجعل أمريكا فخورة مرة أخرى، سوف نجعل أمريكا آمنة، ونعم إننا معاً سوف نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى) وهذا الوصف جاء من قبل الرئيس الجمهوري ومن الذين يسمون أنفسهم بصقور البيت الأبيض. فكيف يتم السيطرة على العالم إنطلاقاً من المصالح السياسية والإقتصادية أو الهيمنة على كل شيئ وهذا يحدث عندما تغيب القوى المنافسة.
لقد وضعت العديد من الخطط ومنها إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط أو مشروع الشرق أوسط الجديد بدلاً من الشرق الأوسط الكبير. ولهذا طُرح في العام 2006 وبمساعدة من المفكرين والخبراء نظرية (الفوضى الخلاقة) والذي قدمته كوندوليزارايس وزيرة الخارجية الأمريكية بصورة علنية وهذه النظرية تعتمد الفوضى والعنف وعدم الإستقرار وكان التعاون بين أمريكا وأسرائيل حول هذا الموضوع واضحاً. لقد أكدت النظرية على إشعال مناطق العالم الأكثر حساسية والأكثر ثروة بالعنف المفرط والتدمير الذي يشمل البنى التحتية وإحتلال المدن، فرسم قوس على الخارطة يبدأ من فلسطين، سورية، العراق، الخليج العربي، إيران، حدود أفغانستان والمشروع يطلق من لبنان الذي يشكل نقطة ضغط لإعادة وتنظيم وترتيب الإصطفافات في الشرق الأوسط وحسب النظرية لابدّ من إندلاع العنف والحرب في كل أنحاء المنطقة ولكي يتم ذلك أصبح من الضروري تهيئة الأرضية، ظاهرها محاربة الإرهاب وداعش وباطنها الترقب والمراقبة وإبقاء التواصل ولكن الإصطفاف تطلب بأن تكون السعودية هي من يتزعم بلدان الخليج وكشف حالة أو تمرير حالات بالضبط تشبه طرق مكافحة حرائق الغابات، فعلم الغابات ينصح بفتح طرق أمام إنتشار الحرائق وتوصيل المناطق المتقطعة بعضها مع البعض الآخر ليسهل مكافحتها، ولهذا إشعال الحرائق في كل مكان سوف يولد الكثير من الضحايا والألم ولغرض توسيع رقعة النفوذ لابد من تنفيذ فكرة القوس لتأمين الوصول إلى أسيا الوسطى عن طريق الشرق الأوسط فالشرق الأوسط الجديد وأفغانستان وباكستان تعتبر نقاط للإنطلاق لتوسيع نفوذ الولايات المتحدة إلى مناطق أسيا الوسطى، وتكوين طوق على حدود الإتحاد الروسي. وبالرغم من تغيير الإدارة الأمريكية إلا إنه هناك العشرات من الملفات تحتاج إلى حسم بغض النظر عن مصالح الشعوب، وأهما والتي تعاني دولها من الإرهاب وهي العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر ، فالمعركة في العراق مع داعش تقريباً حُسمت عسكرياً ولكن هناك صفحات أخرى وهي الفكرية ومحاربة الفساد الذي يحتاج إلى حكومة وطنية عابرة للطائفية والمذهبية، وإعادة النازحين والمهجرين وفي سوريا إنتصارات عسكرية ولكن لازال الواقع مرير بوجود التنظيمات المسلحة المعارضة ولازال العمل مستمر حول حسم هذا الملف بوجود روسيا. بالنسبة للإصطفافات فهي السعودية ودول الخليج بإستثناء قطر مرتبطة بمشروع ترامب الذي طالب بثمن حماية هذه الدول مع الإرتباط بتسوية القضية الفلسطينية وتوطيد العلاقات مع أسرائيل. إصطفاف آخر مكون من روسيا -سوريا -إيران -العراق ولو إن العراق يريد البقاء على الحياد ونوع آخر من الإصطفافات أمريكا -كوريا الجنوبية -اليابان -الفلبين بالمقابل الصين -فيتنام - كوريا الشمالية - روسيا. أوربا تنسيق وتنظيم بريطانيا - فرنسا - دول أوربا الأخرى مع الولايات المتحدة. الدول العربية منتظمة في الجامعةالعربية الضعيفة والمشلولة والأمم المتحدة فقدت الكثير من خصوصيتها وفقدان الثقة بين اعضائها.
السعودية تضغط بإتجاه تريد أن تكون مقدمة محاربة إيران ولكنها لاتريد حرب مباشرة بل بواسطة الآخرين وإفتعال أزمة لبنان الأخيرة جزء من المخطط. هناك تحضيرات إلى تهيئة المسرح للصفقة الكبرى لغرض السيطرة على العالم بعدة وسائل دون حساب لردود أفعال الشعوب وخطرها الكامن. والمشهد الدولي والإقليمي يوضح السباق نحو الحصول عل مناطق جديدة وموطئ قدم مؤثر للتهيئة نحو الإصطدام الذري الهيدروجيني بين القوى الكبرى أذا لم تقبل بقسمة المصالح والثروات بينها وإعادة عجلة التأريخ إلى الوراء إلى الظلام والجهل المُطبق .
* كتاب ومحلل سياسي