| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

زكي رضــا
rezazaki@hotmail.com

 

 

 

                                                                                    الثلاثاء 8/3/ 2011



حصن حزب شاده فهد لن تستطيع هدمه قرد *

زكي رضا

ان قراءة بسيطة لتاريخ الحزب الشيوعي العراقي ، منذ ثلاثينات القرن الماضي ولليوم . تكشف ليس للسياسيين فقط بل وللقاريء الفطن . ان جميع محاولات من كانوا على سدة الحكم ، طيلة تلك الفترة ولليوم ، وخططهم للاجهاز على الحزب نهائيا كما كانوا يحلمون قد فشلت . وها نحن نرى الحزب اليوم ، يؤرق ساسة العراق الجدد . اثر وقوفه ( الحزب ) الطبيعي الى جانب الجماهير ، التي تظاهرت وتتظاهر من اجل اصلاح وتقويم النظام السياسي ، الذي شط بعيدا عن مصالح الناس وتأمين احتياجاتها ، نتيجة الفساد المالي والسياسي الذي اغرق الفئة الحاكمة في مستنقعها حتى ارنبة انوفهم .

( فنوري ) السعيد ومكتب تحقيقاته الجنائية ، بقيادة جلاد متمرس كبهجت العطية . فشل كما كان يحلم ومن وراءه المستعمر البريطاني ، في القضاء على الحزب الشيوعي العراقي . عندما تخيل ان اعدام قادة الحزب الثلاثة ، اثر قيادة الحزب لوثبة كانون المجيدة ، لاجهاض معاهدة بورتسموث ستنهي الحزب . ولم يفق نوري ( السعيد ) من نشوته باعدام قيادة الحزب الشيوعي وضرب منظماته ، حتى كان على موعد مع الحزب في انتفاضي عامي 1952 و .1956 ليتوجها الحزب في مساهمته الفاعلة في جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 ، التي انتهت بثورة 14 تموز 1958 ، وليرحل نوري ( السعيد ) اثر نجاحها الى مكانه الطبيعي في اقرب مزبلة للتاريخ .

ونتيجة للنشاط المحموم للقوى الرجعية والمتضررة من الثورة ، ولامتلاك الحزب حينها الشارع العراقي وتأثيره الواضح على الوضع السياسي . قام الشهيد عبد الكريم قاسم بمحاولة فاشلة ليس للقضاء على الحزب ، بل لتهميش دوره في الحياة السياسية ، عندما اوعز لشيوعي منشق باسم داود الصائغ لـتأسيس حزب شيوعي رديف ، هذه المحاولة التي فشلت في مهدها . وخرج الحزب منها كما خرج بعد اعدام رفاقه الاوائل من قبل السلطات الملكية ، معافى واكثر حيوية .

وما ان حل يوم الثامن من شباط المشؤوم ، حتى كان الحزب الشيوعي العراقي ، على موعد مع سادية وهمجية البعثيين وحرسهم القومي . اذ تحول العراق باكمله الى اقبية للتعذيب والقتل الساديين ، بحق الشيوعيين العراقيين وقادتهم ، الذين وقفوا صامدين بشكل اسطوري ازاء الموت ، متحدين جلاديهم هاتفين باسم حزبهم وشعبهم ووطنهم . وهذا ما اعترف به العديد من قادتهم ( البعثيين ) بعد صفاء ذهني في سنوات لاحقة ، كطالب شبيب وهاني الفكيكي وعلي صالح السعدي وغيرهم . ولم تمر تسعة اشهر حتى كان الجلادون يرحلون بذلة ، الى مكانهم الطبيعي ايضا الى جوار نوري ( السعيد ) . ولم تكن معاداة الحزب وضرب منظماته واعتقال اعضائه وتعذيبهم المستمر في اقبية الامن والمخابرات . بعيدة يوما ما عن حكم الاخوين عارف ، الذين لم يستطيعا كما الحالمين من اسلافهم ، في القضاء على الحزب وابعاده عن الجماهير . ليرحل عارف الاكبر على الاقل الى حيث يقيم نوري ( السعيد ) .

واستهل البعثيون بعد وصولهم الى السلطة ثانية في عام 1968 حكمهم ، بفتح ابواب معتقل قصر النهاية سيء الصيت والسمعة ثانية . ليستقبل افواجا من خيرة ابناء العراق ، لتمارس بحقهم اشكالا من التعذيب لم تدر بخلد انسان ، الا العتاة من المجرمين كصدام حسين وناظم كزار وعصابتهم من الاشقياء واولاد الشوارع . وليتوجها البعث بضرب جميع منظمات الحزب ، في طول العراق وعرضه في العام 1979 والاعوام التي تلته ، وليحدد المجرم صدام حسين مزهوا ، سقفا زمنيا للقضاء فيه على الحزب الشيوعي العراقي !! وما ان جاء صباح التاسع من نيسان 2003 حتى كان المجرم صدام حسين في مزبلة التاريخ بجانب نوري ( السعيد ) .

وعاد الحزب الى مكانه الطبيعي بين جماهير شعبه ، مساهما فاعلا في العملية السياسية على الرغم من موقفه الواضح من الاحتلال . وبانت صحة افكار الحزب ، في الاثار السلبية التي افرزتها المحاصصة الطائفية القومية البغيضة ، وتأثيرها السيء ليس على الحياة السياسية فقط بل والاقتصادية والاجتماعية ايضا . وعمل الحزب ولليوم من خلال عمله في البرلمان والحكومة او خارجهما ، على ان يكون جزءا من الحياة السياسية في البلد ، مثقفا رفاقه وانصاره وجماهير شعبنا ، الى خطر النكوص الى الخلف والالتفاف على العملية الديموقراطية الناشئة والوليدة ، والعودة بالعراق الى المربع الاول .

لقد عانى شعبنا الكثير خلال سنوات ما بعد الاحتلال ، ولم تستطع الحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة من توفير ابسط مسلتزمات الحياة الكريمة له . نتيجة للفساد السياسي والاداري والمالي ، والنهب المنظم لموارد الدولة ، ولعدم وجود معارضة داخل البرلمان ، كي تكون الرقيب على عمل السلطة التنفيذية ، بعد ان اتفقت القوى السياسية المتنفذة ، على تقسيم الكعكة العراقية الدسمة بينها ، عن طريق التستر عن سرقات بعضهم البعض . ولم يستطع النظام الجديد في العراق ولليوم ، الاشارة الى حالة فساد واحدة قام بها شيوعي ، سواء كان ذلك في البرلمان او الوزارة او دوائر الدولة الاخرى . ولم تسلط الصحافة ولليوم الضوء على اية حالة رشوة او سرقة قام بها شيوعي ، ليس لان الشيوعيين جبلوا من طينة اخرى ، بل لان تربيتهم الحزبية التي تشير بوصلتها الى مصالح الشعب والوطن دوما ، هي التي تجعلهم بعيدين عن سرقة ابناء شعبهم وتدمير وطنهم .
ولكن بعد ان بلغ سيل الجماهير الزبى مثلما يقال ، وتوجهها الى الشارع لعرض مطالبها ، بعد ان نفضت يدها من سياسيين انتخبتهم لتمثيل مصالحها . لم يجد الحزب نفسه الا في موقعه الطبيعي بين هذه الجماهير ، فقام بأخذ دوره في الدفاع عن مطالب هذه الجماهير ، التي لم تحتكم الى الشارع لاسقاط النظام ، بل الى اصلاح النظام السياسي الذي اهمل تلبية حاجاتها منذ 9 نيسان 2003 ولليوم . واثبت شعبنا في مظاهراته واعتصاماته التي عمت جميع المدن العراقية تقريبا ، من انه ناضج الى حد كبير ، ولن يسمح لراكبي الموجة من البعثيين واعداء العملية السياسية ، من استغلال هذه المظاهرات لحساب اجندتها في عودة عقارب الساعة للخلف . عدا بعض الحالات هنا وهناك ، وهذا ما اعترفت به المرجعية الدينية في النجف والعديد من اقطاب الحكومة نفسها .

ان قرب الحزب الشيوعي من الجماهير وتبني مطالبها المشروعة ، والدفاع بصوت عال عن مصالحها ونشر اخبار التململ الجماهيري في صحافته . قد اقض مضاجع الصقور وهم الاكثرية المطلقة تقريبا في الاحزاب الاسلامية الحاكمة ونبهها على ما يبدو ، الى خطر هذه المواقف من الحزب على شعبيتها بين الجماهير ، بعد ان افصحت هذه الجماهير عن ندمها في انتخابها لهم . بالاضافة الى تعزيز موقع الحزب بين الجماهير التي بدأت تبحث عن التغيير ، بعيدا حتى عن المؤسسة الدينية ذات السطوة في عراق اليوم ، وهذا ما يمكن ملاحظته من الشعارات التي رفعتها بعض التظاهرات .

لقد ترجم السيد رئيس الوزراء نوري ( المالكي ) سياسة الاحزاب الاسلامية والحكومة التي يقودها ، بعد هذا النشاط الجماهيري واصطفاف الحزب الى جانب المتظاهرين . بطلب الأخلاء الفوري لمقر الحزب ومقر جريدة طريق الشعب بحجة ان البنايتين هما من املاك الدولة المتجاوز عليها !! وكأن الشيوعيين قد احتلوا هذه الابنية ، ناسيا او متناسيا من ان الحزب الشيوعي يدفع بدلات ايجار هذه الابنية ، وقد قام بترميمها وصيانتها طيلة السنوات الماضية . حتى انه قد اوعز بكتاب صادر من مكتبه الى وزارة المالية بتخفيض بدلات ايجار هذه المباني هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فان القوى السياسية الاخرى ومنها حزب الدعوة الحاكم ، لا زالوا ولليوم يحتلون ابنية الدولة ، ومن ضمنها البيوت العديدة التي اغتصبوها في ما يسمى بالمنطقة الخضراء ، التي تحولت الى اقطاعيات للسياسيين الموالين للمالكي والطبقة المخملية من السياسيين الجدد وعوائلهم . كما ان السيد المالكي على دراية كاملة بمطالب الحزب الشيوعي المتكررة منذ الاحتلال ولليوم ، باعادة عقاراته وممتلكاته التي صادرها نظام البعث المقبور ، وعدم البت فيها من قبل الجهات المسؤولة ، والتي تنهي الكثير من مشاكل الحزب فيما لو اعيدت اليه اليوم .

ان الموقف الذي اتخذه السيد نوري ( المالكي ) باخلاء مقري الحزب ، هو موقف سياسي ناجم عن رفضه للصوت المعارض الذي يتطير منه السيد رئيس الوزراء ، وهو موقف ابعد ما يكون عن الديموقراطية التي يتبجح بها السيد رئيس الوزراء ، بعد ان تم اختبارها هذه الديموقراطية عن طريق ممارسات الاسلاميين في مجالس المحافظات ومنها مجلس محافظة بغداد ، والدور غير الحضاري والقمعي للقوى الامنية ، في اعتدائها وارهابها للمتظاهرين والصحفيين . لتنزع الديموقراطية في عهده آخر سراويلها ، وليبرز منها جسدها القميء والمتعفن والقبيح . ولم يتخلف السيد نوري ( المالكي ) عن غيره من الحكام في العراق ( وان تأخر قليلا ) ، في منحه الشيوعيين العراقيين وساما جديدا سيعلقونه بفخر على صدورهم ، الى جانب الاوسمة التي منحها لهم طغاة العراق السابقون .

وعلى الحزب ان يحسب لمغامرة الحكومة العراقية هذه حسابها ، ويأخذها على محمل الجد ، من انها وعلى الرغم من كل الاسباب الواهية التي جاءت بها الحكومة في تعاملها مع الحزب ، فانها تعتبر اولى الحلقات في مسلسل الاقصاء والتهميش التي بدأتها الاحزاب الاسلامية ضد القوى الديموقراطية . بعد ان مهدت لها السبيل في محاربتها للنقابات وتقليص هامش نشاطاتها ، وقمعها للحريات العامة التي كفلها الدستور العراقي على علاته ، والتي توجها النظام بتضييقه على حق التظاهر التي افرز لها الدستور مكانا بارزا ، في ديموقراطية تأبى مغادرة غرفة الانعاش .

ان موقع الحزب اليوم ليس في مقراته بل بين الجماهير ، في الساحات والشوارع وعند مساطر العمال ، في المدارس والمعاهد والجامعات ، فيما تبقى من معامل ومزارع ، بين الكادحين والفقراء ، في وسائط النقل التي يتكدس بها المتعبون ، بين الارامل اللواتي ينتظرن تحت الشمس الحارقة او البرد القارس ، امام مصارف الحكومة لساعات طويلة للحصول على رواتب لا تغني ولا تسمن . ان قرار المالكي باخلاء مقري الحزب قدر ما عزز موقف الحزب بين الجماهير ، فانها كشفت لهم هشاشة الديموقراطية التي يتبجح بها قادة الاسلام السياسي .

واليوم ونحن في شهر آذار الخير ، فمن حق الشيوعيين العراقيين ان يفتخروا بحزبهم وتاريخهم الناصع ، ونضالهم المستمر دون كلل ولعقود في سبيل مصلحة الشعب والوطن ، الذي قدم لهما الحزب قوافل الشهداء الواحدة تلو الاخرى ، وليغنوا واصدقائهم وجماهيرهم نشيدهم الذي بدأوه منذ عهد نوري ( السعيد ) وصولا الى عهد نوري (المالكي) باعلى اصواتهم على ان ....

حصن حزب شاده فهد لن تستطيع هدمه قرد



* مقطع من نشيد الشيوعيين العراقيين في سجون ومعتقلات الانظمة العراقية المختلفة .

 

الدنمارك
7 / 3 / 2011


 


 

free web counter