|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  27  / 2 / 2016                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

تظاهرات الوعي وتظاهرات اللاوعي

زكي رضا
(موقع الناس) 

تعتبر التظاهرات في العراق اليوم " وغيرها من البلدان" شكل من أشكال الإحتجاج السلمي على واقع سياسي أو أجتماعي أو إقتصادي أو أمني أو خدمي أو مجتمعة يؤثر سلبا على حياة الناس، للتعبير عن رفض هذا الواقع والعمل على تغييره نحو الأحسن من خلال الضغط على القوى السياسية المهيمنة على مقاليد الحكم كونها أساس المشاكل التي تعصف بالبلد. والجماهير التي تمارس هذا الفعل الثوري عادة ما تكون بل يجب أن تكون مسلّحة بالوعي، إذ من غيره فأن التظاهر سيتحول الى أصطفافات سياسية "جديدة" نابعة من رحم الإصطفافات التي قبلها والتي خرجت الجماهير بداية لتغييرها. فهل الجماهير التي خرجت للتظاهر في ساحات تحرير العراق والتي بدأت فعلا في أواخر شباط / فبراير 2011 والمستمرة لليوم تحمل الوعي القادر على قيادة حركة التغيير نحو إصلاح كم الفساد الهائل الذي خلّفته سياسة المحاصصة لليوم والتي تهدد وحدة الوطن ومستقبل شعبه؟

من الممكن القول من خلال تجربة التظاهرات التي بدأت منذ أواخر تموز 2015 ولليوم وبعد تظاهرة التيار الصدري يوم الجمعة " 26 /2/2016 من إننا أمام تجربتين من أشكال التظاهر بالبلد، أولهما هي تظاهرات الوعي إن جاز التعبير، وهي التي تخرج بإصرار كل يوم جمعة في بغداد ومختلف مدن الوسط والجنوب بأعداد تقل وتتزايد من أسبوع الى آخر ولكنها لاتتعدى بضعة آلاف في أحسن الحالات متسلحة بوعي جماهيري ضيّق لليوم وقابل للإتساع الحتمي مستقبلا. وهذا ما يظهر في أعداد المشاركين فيه والذين يرفعون شعارات الإصلاح الحقيقية وهي إنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية وبناء نظام مدني على أنقاضه كهدف استراتيجي وهذا ما يرعب القوى الطائفية القومية على قلّة أعداد المتظاهرين، ما دفعها ويدفعها دوما على قمع المتظاهرين بخطف وقتل بعض ناشطيهم أو الإعتداء الجسدي على المتظاهرين عن طريق " شقاوات" أحزابهم وتنظيماتهم كما حصل في ساحة التحرير ببغداد وفي تظاهرات البصرة وأخيرا أعتداءات جلاوزة حزب الدعوة الحاكم على المتظاهرين في الناصرية.

والتجربة الثانية والتي من الممكن نعتها بتظاهرات اللاوعي هي التي خرجت الجمعة الماضية ببغداد، والتي أستطاع السيد الصدر أن يحشّد فيها عشرات الالاف من المتظاهرين الذين ملئوا ساحة التحرير والساحات والشوارع المحيطة بها دون أن تتعرض لا القوات الأمنية لهم ولا شقاوات حزب الدعوة الحاكم! ولكن لمَ هذا الوصف " القاسي" لهذه الآلاف من الجماهير التي تعاني كما بقية أبناء شعبنا من الفقر والجوع والمرض والمهددَّة بفقدان القليل من المكاسب التي حققتها مستقبلا؟

للإجابة على السؤال أعلاه علينا أن نطرح أسئلة إعتراضية لنحرك قليلا من الماء الراكد الذي تحول الى مستنقع تعيش فيه وتتغذى من خلاله الاحزاب المهيمنة على السلطة كأية فطريات لتنهب ما لم تصل له يدها لليوم وليظل الشعب يعاني من أزمات يستنسخها المتحاصصون بمهارة وحرفنة بعد أن تراكمت عندهم خبرة السرقة منذ الاحتلال لليوم من جهة، ولإنتشار ثقافة اللاوعي وأنحسار ثقافة الوعي عند أعداد كبيرة جدا من أبناء شعبنا ، من جهة ثانية.

من هذه الأسئلة، لو فرضنا أن بناء نظام مدني ديموقراطي ليس هدفا لهذه الجماهير على الرغم من فشل النظام الطائفي في تلبية حاجاتها اليومية وهو فعلا كذلك، فَلِمَ لَم تتظاهر لليوم بنفس الكثافة كما خرجت الجمعة الماضية ضد عدم توفر الخدمات مثلا؟ لماذا لم تتظاهر لليوم لغياب الأمن؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد البطالة وعدم توفير فرص عمل؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد الواقع الصحي والتعلمي البائس؟ لماذا لم تتظاهر لليوم ضد الفساد الذي يهدد المجتمع نتيجة أستشراءه بأزمات إقتصادية ستؤثر على حياة عامّة الشعب والتي بدأت آثاره نتيجة إنخفاض أسعار النفط العالمية وريعية الإقتصاد العراقي؟

إنّ عدم خروج هذه الجماهير بهذه الكثافة دفاعا عن مصالحها وخروجها فقط بعد نداء السيد الصدر لها لا يعني الا أنتشار وشيوع ثقافة اللاوعي بينها، إذ من غير المنطقي أن يبقى الأنسان يعاني من الجوع والمرض والبطالة وانعدام الخدمات ويرى بنفس الوقت وطنه مهددا بالمجهول ولا يخرج للتظاهر في سبيل تغيير واقع مأساوي يعيشه نحو الأفضل. أن متظاهري التيار الصدري لا يعملون من حيث يدرون أو لا يدرون على أصلاح العملية السياسية بالبلد كون التيار الصدري كان ولا يزال جزء مهم وفاعل في مؤسسة الفساد التي خرّبت البلد، كما وإنّ التيار الصدري لا يعمل على أصلاح جذري بالعملية السياسية بل على إعادة توزيع المناصب في نفس مؤسسة الفساد وذلك من خلال عدم رفعه شعارات واضحة تدعو ودون أية تأويلات وبعيدا عن التقية في نبذه للمحاصصة كنهج للحكم، كون المحاصصة هي أسُّ البلاء وليس الفساد الذي هو وغيره من الجرائم أبناء شرعيين لهذه المحاصصة. والآن هل السيد الصدر جاد فعلا بمبدأ التغيير؟

إن كان السيد الصدر جادا فعلا بمبدأ التغيير وهذا ما نتمناه فإنه مطالب اليوم ولغرض أنهاء الإصطفافات الطائفية بالمجتمع بأن يعلن عن خروج تياره متسلحا بحالة الرفض الجماهيري من البيت الشيعي أولا والبرلمان والحكومة العراقيتين ثانيا كي يسحب البساط عن شرعية الفساد التي تمثلها الحكومة وبرلمان اكثر فسادا منها وقوّة قضائية لا تعرف غير الصمت أمام غول الفساد والمصادقة على قرارات الفاسدين وتغطية جرائمهم بفتاوى قانونية! على السيد الصدر ان يجيبنا حول نظرته لشكل الحكم التي ستنقذ البلد من المشاكل التي يمرُّ بها وهل هي بأعادة الإصطفافات السابقة بنفس رموزها أو من يخرج من عباءتهم على الرغم من فشلها الكبير لليوم، أم بنبذه للطائفية نهجا وقولا وفعلا وعملا؟ وما هي رؤيته لشكل الدولة هل هي دولة إسلامية أم مدنية؟ كون التجربة الاسلامية بالعراق فشلت لليوم في بناء دولة بعد أن ضيّعت الهوية الوطنية لصالح هويّات فرعية وساهمت مع غيرها من القوى المتحاصصة بشيوع ثقافة الكراهية والقتل والقتل المضاد وسرقة ونهب ثروات البلد، أنّ أي بديل إسلامي لنظام المحاصصة سيكون إعادة أستنساخ لتجربة ثلاثة عشر عاما من الجرائم بحقّ شعبنا ووطننا.

اليوم والإقتصاد العراقي يترنح من ثقل فساد ساسته الأشرار لم أرى جملة أنهي بها هذه المقالة غير قول الامام علي بن أبي طالب "ع" ...

إذا غضب الله على أمّة غلت أسعارها وغَلَبَها أشرارها.


الدنمارك
27/2/2016



 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter