|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس 27/9/ 2012                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ايها الساسة الكرد لا فدرالية في ظل محاصصة طائفية قومية

زكي رضا

يعتبر الشعب الكردي واحدا من اكبر الشعوب في العالم من تلك التي لم تستطع بناء دولتها الوطنية لليوم على الرغم من انه يمتلك كامل الحق في اقامة كيان سياسي خاص به على ارضه، هذا الحق الذي دفعه للقيام بعشرات الانتفاضات ضد السلطتين العثمانية والفارسية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. الا ان اول ظهور لقضيتهم خلال القرن الماضي بدأ اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى وتحديدا بعد معاهدتي سيفر (1920) ولوزان (1923) ليكونوا حينها ولليوم، مصدرا لقلق الانظمة في الدول الاربع التي يعيشون فيها (ايران - العراق - تركيا - سوريا) و ليشكلوا ارقا للقوميين الفرس والعرب والطورانيين وتوجهاتهم الشوفينية.

ولو تجاوزنا هنا تجربة جمهورية مهاباد والنضال الطويل للكرد وانتفاضاتهم العديدة من اجل الحصول على حقوقهم القومية، فاننا نستطيع الاشارة الى ان القضية الكردية المنسية وغير المعروفة عند الكثير من شعوب العالم لاسباب لسنا بصدد تناولها في هذه المقالة، لم تأخذ بعدا سياسيا دوليا الا بعد اصدار مجلس الامن الدولي قراره الرقم 688 في 5 نيسان من العام 1991 واقامة منطقة آمنة شمال خط العرض 38 لحماية الشعب الكردي من بطش السلطة المركزية في بغداد،التي استخدمت ابشع انواع القمع مرتكبة العديد من المجازر ضد الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي.

لقد نما الحس القومي عند العديد من القوميات التي كانت تعيش تحت نير الحكم العثماني منذ القرن التاسع عشر، واستمر هذا الحس بالتصاعد خلال وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى بين العديد من الشعوب ومنهم العرب الذين اعلنوا الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين ضد الاحتلال العثماني الى جانب الحلفاء الذين نكثوا بعهوهم لاحقا. اما الكرد فانهم شعروا بعمق مأساتهم اثر توقيع معاهدة لوزان في سويسرا عام 1923 والتي الغت بضغط من "اتاتورك" معاهدة سيفر اثر انتصار الجيش التركي على الجيش اليوناني في المعارك التي اندلعت بينهم بين الاعوام 1919-1922 .

لقد كان المجتمع الكردي ولازال (لحدود كبيرة) عبارة عن مجتمع قبلي يلعب فيه الآغا ورجل الدين "الملّا" دورا محوريا حالهم حال المجتمع العربي، وكان لزعماء القبائل المدعومين من المؤسسة الدينية دورا كبيرا في الحياة السياسية لرعاياهم " قبائلهم" اثناء حكم الامارات الكردية التي كانت تتحالف مع الفرس تارة ومع الاتراك تارة اخرى قبل ان تحسم غالبية الامارات الكردية امرها بالاصطفاف الى جانب الاتراك نتيجة الخلاف المذهبي والقتال الى جانبهم في العديد من المعارك التي خاضتها الدولة العثمانية. وقد كانت احدى نتائج هذا الاصطفاف هو حماية العثمانيين للامارات الكردية وتمتعها بشكل من اشكال الحكم المحلي مقابل رسوم تدفعها تلك الامارات للباب العالي. الا ان اول انتكاسة للشعب الكردي لنيل حقوقه بدأت بعقد اتفاقية (اماسيا) لرسم الحدود بين الدولتين الفارسية والعثمانية والتي تم من جرّائها تقسيم الامارات الكردية "كردستان" بين الدولتين، ولتتوالى الاتفاقيات والمعاهدات بينهما كمعاهدة (زهاو) ومعاهدتي (ارضروم) الاولى والثانية واتفاقيتي (طهران والاستانة) لترسيم الحدود والتي انتهت ببروتوكول (الاستانة) في العام 1913 لتنتهي حقبة الاتفاقات والمعاهدات بين الدولتين بدخول العثمانيين الحرب العالمية الاولى والتي كانت احدى اهم ثمارها بعد خسارتهم تلك الحرب، هو تفتيت الامبراطورية العثمانية وانهيار حكم الخلافة الاسلامية بعد اعلان تركيا دولة علمانية ذات نظام جمهوري من قبل مؤسس الدولة "اتاتورك".

وبعد ان تنصل الحلفاء وخصوصا الانكليز والفرنسيين لانشغال الروس بثورة اكتوبر من اتفاقاتهم مع العرب تم تقسيم الولايات المجزأة من جسد الدولة العثمانية شرق المتوسط بينهم، وكانت سوريا ولبنان من نصيب الفرنسيين فيما كان العراق بحدوده اليوم "ولايات الموصل وبغداد والبصرة" وشرق الاردن وفلسطين وغيرها من نصيب البريطانيين، وبهذا تم تقسيم الاراضي التي يقطنها الكرد "كردستان" وعلى الضد من تطلعاتهم القومية بين سوريا والعراق وتركيا بعد رسم حدودها النهائية مع بقاء اكراد "ايران" ضمن الدولة الفارسية .

ان الحكم الوطني في العراق بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة ولسيطرة الضباط الشريفيون الذين جا
ءوا مع الملك المنّصب من سوريا على معظم مقاليد السلطة، ورث من العثمانيين سياسة التهميش والقمع ضد القوميات غير العربية بل وحتى العربية كشيعة العراق. وقمعت حكومات النظام الملكي بقسوة مفرطة انتفاضات الاكراد في كردستان العراق والايزيديين والاشوريين وعشائر الجنوب الشيعية، كما مارست سياسة التهميش ضد ابناء هذه الاثنيات والطوائف حيث كان البؤس يلف حياتها بعد ان اهملت الدولة عن عمد مناطقها واستثنتها من التطور العمراني والصناعي والزراعي في عهود لاحقة. ونتيجة لضعف الطبقة العاملة في كردستان العراق بشكل خاص والعراق بشكل عام وسيطرة الاغوات المدعومين من زعماء القبائل ورجال الدين فان الحس القومي كان رهنا للتزاوج بين سلطة القبيلة ورجل الدين والذي تجسد لاحقا بالزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني "وزير في حكومة مهاباد الكردية في ايران" مؤسس الحزب الديموقراطي الكردستاني "البارتي سابقا"، والذي قاد العديد من الحركات المسلحة المناوئة للسلطة المركزية التي تحولت منذ عام 1961 الى ما يطلق عليه الاكراد في ادبياتهم السياسية " ثورة ايلول". ولو تتبعنا مطالب الكرد من خلال صراعهم الطويل ضد سلطة المركز فاننا نرى انها لم تخرج بداية عن المطالبة بحقوق ثقافية والمساهمة في السلطة وبعض الحقوق الادارية، وعلى الرغم من بساطة هذه المطالب فانها لم تتحقق نتيجة للنظرة الشوفينية للسلطات المركزية في بغداد خلال مختلف العهود مما دفع ثمنه العراق والعراقيين غاليا نتيجة استمرار المعارك بين الطرفين لسنوات طويلة. وقد اثر الصراع هذا على التنمية والبناء لتتوجها السلطة المركزية لاحقا بتنازلها عن جزء من مياه واراضي البلد لصالح ايران اثر اتفاقية الجزائر عام 1975 والتي الغت اتفاقية آذار 1970 التي طورت المطالب الكردية الى حكم ذاتي في المحافظات الكردية عدا كركوك "موضع خلاف لليوم"، وقد ادت تلك الاتفاقية في النهاية الى انهيار الثورة الكردية وبذا يكون العراق من الدول القلائل في العالم التي لم تجد طريقة لحل المسألة القومية في بلدانها على الرغم من تنازله عن اجزاء من اراضيه.

وهنا نرى ان ابعد ما ذهبت اليه القيادات القومية الكردية كان نظاما للحكم الذاتي والمشاركة في السلطة وتنمية المناطق الكردية وتوزيع عادل للثروات بما يتناسب ونفوس وحاجة المناطق الكردية للاعمار قبل ان تتطور الى مطالبتها بالفدرالية، وهذا ما تبنته القوى السياسية العراقية كنظام للحكم بعد انهيار حكومة بغداد اثر الاحتلال الامريكي سنة 2003، ولتتجه المطالب الكردية نتيجة تصاعد الاتهامات السياسية بين المركز والاقليم وانعدام الثقة بين اطراف السلطة الثلاث الى تهديدات بالانفصال تصدر من هذه الشخصية السياسية الكردية او تلك، كرد فعل وطريقة لرفع سقف المطالب نتيجة عدم استقرار الوضع السياسي في البلاد واستقواء اطراف الازمة بالمحيطين الاقليمي والدولي ضد بعضهم البعض مما يجعلنا ان نشك بنياتهم في احلال الامن والبدء في عملية اعادة الاعمار.

اعتقد انه من المهم جدا وقبل طرحنا لسؤال غاية في الاهمية حول حق الاكراد للعيش في ظل نظام فدرالي من عدمه، ونتيجة لضبابية مفهومي الفدرالية والكونفدرالية وتداخلهما عند غالبية ابناء العراق نتيجة لاصطفاف البعض من المثقفين العراقيين طائفيا وقوميا الى جانب المركز والاقليم "كردستان" وتأثرهم بالشد الطائفي والقومي الذي استثمرته اطراف الازمة لمصالحها الضيقة على حساب الوطن ومستقبل ابناءه. ان نتعرف عن الفرق بين الفدرالية والكونفدرالية بعد ان ذهب البعض بعيدا في تفسيرهما لصالح هذه الجهة او تلك استنادا لمواقف سياسية، نتيجة تحويل حكومة المركز الصراع السياسي حول صلاحية الحكومة ومشاركة الاطراف الاخرى فيها الى صراع قومي وتجييش للشارع العربي ضد الكرد ليس كسلطة فقط بل وحتى شعب، وهذا ما لاحظناه مؤخرا من تهديد فصائل "سياسية" مقربة من السلطة المركزية للكرد في مغادرة المناطق العربية تحت تهديد السلاح (لم تنجح ولكنها بادرة قد تشكل خطرا مستقبلا)، والغوص في عمق التراث والتاريخ للبحث عمّا يسيء للاكراد كشعب من خلال محاضرات دينية هدفها شحن الشارع العربي ضد الكرد في بادرة خطيرة لم تمارسها اية سلطة عراقية قبل اليوم. وكذلك ذهاب حكومة الاقليم بعيدا في اتخاذ قرارات لاتمت في بعض منها بصلة الى مفهوم الفدرالية وتعريفاتها مما جعلها ان تفقد بوصلتها وهي تلعب على وتر الخلاف الطائفي الشيعي السني، ناسية ان هذا الصراع قد ينتهي متى ما ارتفع قرع طبول القومية ووحدة الوطن من قبل ساسة الطائفتين وهذا ما شرعت به حكومة المركز بالفعل.

ولان الكونفدرالية ليست نظاما للحكم في العراق ومن السهل تفسير معناها القانوني لانها لاتحتاج في قيامها الى دستور بل الى بعض التعريفات من بنود القانون الدولي والتي تمنح الحق للدول المنضوية في اتحاد كونفدرالي الانسحاب منه متى ماشاءت عكس الدول الفدرالية. فاننا سوف لانتناول مفهوم الكونفدرالية والتي تتكون اساسا من دول ذات سيادة اي مستقلة، وهذا مايطلق عليه احيانا بالاتحاد الاستقلالي الذي لاينطبق على النموذج العراقي اليوم. ولكننا سنتناول النظام الفدرالي باعتباره نظاما توافق العراقيون عليه من خلال دستور (بل منذ مؤتمر لندن) شاركت غالبية الاحزاب السياسية في تدوينه واقراره على الرغم من ان هناك العديد من المآخذ عليه، اما ما يقال عن عرضه للاستفتاء الجماهيري فانه ليس اكثر من نكتة لعدم قراءة الجماهير لاسباب كثيرة مسودة الدستور هذا قبل اقراره واهم هذه الاسباب هي الأمية والأمية السياسية والفكرية عند الغالبية العظمى من ابناء شعبنا الذي ترك مصير بلده الى افراد او احزاب لاتملك لليوم اية برامج لبناء دولة.

ان الخلاف القومي والديني والطائفي بين ابناء شعب العراق وتركة البعث الثقيلة من الدمار الذي طال الانسان العراقي قبل الارض، يتطلب اليوم ايجاد طرق ووسائل جديدة للحكم تسهل العيش المشترك بينهم على اساس عدم تفرد جهة ما قومية كانت ام دينية ام مذهبية على مقاليد الحكم والسلطة وما تشكله من خطر على النسيج الاجتماعي ووحدة البلد، بعد ان اثبتت تجربة الحكم الحالية كما سابقاتها منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم، فشلها في بناء دولة تحترم مواطنيها على اساس احترام التنوع العرقي والديني والطائفي الذي يتميز به شعب العراق عن طريق زرع الثقة بين هذه "المكونات" من جهة وبينها وبين الدولة بمؤسساتها المختلفة من جهة ثانية. ومن هذه الوسائل هو شكل الحكم الفدرالي الذي ارتضاه العراقيون كما اشرنا قبل قليل اليه على انه الشكل الامثل لنظام الحكم في البلد، والمفارقة هنا هو ان الفدرالية في اللغة اللاتينية تعني (الثقة) التي اصبحت نتيجة العديد من العوامل مفقودة بين القوى السياسية المهيمنة على القرار السياسي والتي تنتمي بعضها الى نفس "المكون " القومي او الطائفي. وقبل ان ندخل في موضوعة الفدرالية كشكل لنظام الحكم في العراق "كما يقال!!" علينا ان نشير الى ان لافدرالية دون ديموقراطية حقيقية ولان الديموقراطية لا تتجزأ فان النظام السياسي الذي يعتمد على التوافق السياسي والذي يعتمد بدوره على التمثيل القومي والطائفي والديني هو ابعد ما يكون عن الديموقراطية، لاسباب عدة اهمها عدم وجود معارضة برلمانية للحكومة التي لاتتغير بنيتها الاساسية في الانتخابات بعد ان تقوم باستنساخ نفس اجنّتها المشوهه مقابل تجميد عمل الدولة. لان الدولة في العراق اليوم وعلى الرغم من عدم تكاملها فانها تستمد شرعيتها من حكم الطوائف والقوميات وهذا ما يفقدها ديناميكية العمل في بناء مؤسسات دستورية لاتتأثر بعد كل انتخابات بتغيير الطاقم الوزاري تبعا لتوزيع الوزارات بين القوى الطائفية والقومية نفسها. كما وان شكل الحكم اليوم في العراق يراد له ان يستمر بحالته "المريضة" التي يعيشها اليوم دون ادراك الغالبية العظمى من ابناء العراق وسياسييه ومثقفيه (نتيجة تخندقهم الطائفي والقومي والديني) لخطورة ان السلطة التي تتغير شكليا فقط بعد كل انتخابات كما هي عليه اليوم لاتصل الى اهمية الدولة الراسخة المنشودة بمؤسساتها ودورها في بناء البلد.

للنظام الفدرالي تعريفات قانونية عدة الا انها متداخلة مع بعضها البعض وقد حددت بعض التعريفات مفهوم الفدرالية واختياراتها المختلفة من خلال ورودها (في اربعة كتب تبحث في الفدرالية لكل من :زيبلات، ويبلس، دياز-كايروس وكيلمين تعريفات دقيقة للفدرالية رغم انها متشابكة الى حد ما. بالنسبة لكتاب زيبلات تتضمن الفدرالية "ثلاث ميزات دستورية مؤسساتية لا تتجزأ:

(1) مشاركة رسمية او غير رسمية للحكومات المحلية في عملية صنع القرارعلى مستوى الحكومات الوطنية .

(2) حرية التصرف بالمالية العامة على المستوى المحلي  .

(3) الادارة الذاتية للحكومات المحلية". على العكس من هذا التعريف ذي الاجزاء الثلاثة يركز ويبلس ودياز- كايروس على شرطين ضروريين وكافيين فقط. بالنسبة لويبلس يكون البلد فدراليا اذا كانت مناطقه :

(1) ممثلة في مجلس تشريعي وطني .

(2) تملك مجلسا تشريعيا خاصا بها. ويركز دياز- كايروس على شرطين مختلفين تماما :

(1) يجب ان تنبثق السلطة التنفيذية للاقليم من خلال الانتخابات التي تجري بشكل مستقل عن السلطة الوطنية .

(2) يجب ان تتمتع الاقاليم بسلطة مالية اصيلة. ونظرا لتركيزه على الفاعل غير التابع لدولة، الاتحاد الاوربي، لا يعرف كيلمين ما الذي يجعل الدولة اتحادية، ففي الواقع واحدة من النقاط الرئيسية في انطلاق دراسته تشير بانه يجب علينا عدم "دمج مبدأ الفدرالية مع الدولة الفدرالية". بالقول بان الفدرالية تتطلب مجرد "توزيع عمودي للسلطة بين الحكومات المركزية والحكومات المحلية"، لذا يقدم كيلمين تعريفا اقل تحديدا بالنسبة للكتاب الاربعة) " (1)

تعتبر الفدرالية اتحادا طوعيا "للتحرر من هيمنة وسطوة الحكومة المركزية" تقسم فيه السلطات بين المركز والاقاليم "اثنين او اكثر" وتختلف النظم الفدرالية بعضها عن البعض الاخر وفقا للدستور الذي تتبناه كمرجع للفدرالية التي قامت عليه، ولا يستطيع اي طرف من الاطراف تغيير بنود الدستور دون موافقة الطرف الاخر ولا تعديله. وتعتبر الفدرالية ضامنة لعدم انفصال مجموعة سكانية من جسد الدولة نتيجة اضطهاد السلطة المركزية كما ويكون السكان امام التزامات ثنائية واحدة تجاه سلطات الاقليم واخرى تجاه السلطة المركزية. ومن اهم صلاحيات الحكومة الفدرالية هي الاشراف على الجيش والسياسة الخارجية واستثمار ما في باطن الارض وادارة المطارات والموانيء والمراكز الحدودية والكمارك والضرائب، فيما تكون صلاحيات حكومة الاقليم مماثلة لصلاحيات حكومة المركز تجاه مواطنيها الا في رسم السياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي والقنصلي وشؤون الجنسية واصدار العملة والدفاع الوطني وادارة المطارات والموانيء والمنافذ الحدودية ورسم السياسة الاقتصادية للبلد والامور الاخرى التي تخص سيادة البلد وموقعه في الهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية كالامم المتحدة ومنظمة المؤتمر الاسلامي وجامعة الدول العربية وغيرها، وعلى الرغم من صلاحيات الحكومتين تجاه القضايا المختلفة الا انهما عادة ما يتشاوران حول العديد من القضايا المصيرية التي تهم مستقبل البلد. والان، وبعيدا عن تعريف الفدرالية ان كانت نظاما قانونيا ام سياسيا، فاننا نستطيع القول من انها تعمل وفق خيارات المواطنين على ترسيخ مبدأ التعايش بين مكونات الوطن الواحد من خلال اصوات الناخبين الحرة ومن خلال نظام ديموقراطي حقيقي والذي يعتبر في حالة تطبيقه - بشكله الحقيقي- نصرا لكل العراقيين على مختلف انتمائاتهم القومية والدينية والمذهبية.

والان هل من حق الشعب الكردي في العراق ان يعيش في ظل نظام فدرالي؟ وهل الفدرالية التي يطمح اليه الشعب الكردي ممكن ترجمتها من خلال الصراع السياسي العبثي الموجود اليوم الى ديموقراطية حقيقية وغير توافقية كما يريدها البعض على غرار الحكومات التوافقية التي عطلت الحياة في البلد منذ انهيار نظام البعث ولليوم؟ اعتقد ان الاجابة على السؤال الاول يمكن الوصول اليها من خلال دراسة تاريخ الشعب الكردي ونضالاته لعقود عديدة والحيف الذي لحقه من مختلف الحكومات العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية الحديثة لليوم بل وقبلها حتى. ام للاجابة على السؤال الثاني فنحن بحاجة الى العودة للوراء قليلا وتحديدا الى مؤتمر لندن الذي وافقت فيه قيادات الحركة الكردية حينها ومن اجل اقامة نظام فدرالي توافقي، ان تتعامل مع قيادات الاحزاب الشيعية دون النظر الى المستقبل وخطورة تلك التوافقات او التفاهمات على مستقبل العراق كبلد، بعد ان وافقت على ان تكون اهتماماتها منصبة على الاقليم - بقاء كركوك مؤجلة- وذلك من خلال موافقة الاسلاميين على فدرالية توافقية، مقابل غض الاكراد النظر على عملية اسلمة المجتمع وتهميش القوى الديموقراطية واليسارية التي دافعت عن الشعب الكردي كأمة وتطلعاته لعقود، بل كان لها في فترات عدة حلول اكثر نضجا من القيادات الكردية نفسها للمشكلة القومية في العراق ولازالت.

فعلى سبيل المثال فان الحزب الشيوعي العراقي كان قد حدد موقفه من القضية الكردية في الكونفرنس الثاني للحزب والمنعقد عام 1956 والذي اشار الى ان " الاستقلال الذاتي لكردستان العراق (الحكم الذاتي)، وفق اتحاد اختياري كفاحي اخوي، هو تدبير موقوت بظروفه، تقتضيه مصلحة الشعب الكردي نفسه. وهو بهذا المعنى ليس حلا نهائيا للمسألة القومية الكردية، ولايمكن ان يكون بديلا عن حق تقرير مصير الامة الكردية، وفي تحقيق وحدتها القومية،وفي تهيئة الظروف الملائمة لممارسة الامة الكردية حقها في تقرير المصير، بما في ذلك تكوين دولة مستقلة لكردستان كله (2) وجدد الحزب موقفه من الحكم الذاتي وحق الامة الكردية في تقرير مصيرها بنفسها بما فيه اقامة دولته المستقلة ثانية من خلال تقرير تحت عنوان " سياستنا وطريقنا لحل المسألة الكردية في العراق حلا ديموقراطيا عادلا"، "وكانت الوثيقة عبارة عن برنامج ديموقراطي واف لحل القضية الكردية، باعتبارها جزء لايتجزأ من قضية الديموقراطية في العراق. وفي عين الوقت فهي تعتبر القضية التي لايمكن من دون حلها انتصار الديموقراطية فيه. وكما جرى التأكيد على مطالبة الحزب بالحكم الذاتي لكردستان العراق، وعلى حق الامة الكردية في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك حقها في تكوين دولتها المستقلة (3).

وعلى الرغم من كل هذه المواقف التي اتخذها حزب سياسي كالحزب الشيوعي العراقي والديموقراطيين العراقيين في دفاعهم عن القضية الكردية لعقود مثلما قلنا، فاننا نرى اليوم النواب الكرد وبايعاز من قياداتهم تصوت الى جانب الاسلاميين والقوميين وبقايا البعث وايتامه في سرقة اصوات الناخبين – كما الانتخابات البرلمانية الاخيرة- من خلال تصويتهم اللصوصي على قانون انتخابات مجالس المحافظات. في طعنة غادرة لعموم الحركة الديموقراطية العراقية خدمة للاسلام السياسي الذي بدأ يكشر عن انيابه ليس من اجل اسلمة المجتمع في التجاوز على بنود الدستور الذي كفل الحريات الشخصية فقط ، بل وفي الوقوف ضد الشعب الكردي وشحن الشارع السياسي العربي ضده. ان تهميش التيار الديموقراطي سيمنح الاسلاميين الفرصة للانقضاض مستقبلا على ما حققه الشعب الكردي من منجزات بدماء ابنائه بعد ان تعمل كما تعمل اليوم على اضفاء العامل القومي للصراع ليكون الصراع مستقبلا كما الامس صراعا عربيا كرديا ، لكن نتائجه هذه المرة ستكون كارثية لان الصراع سابقا كان بمعزل عن نسبة كبيرة من ابناء شعبنا الذين منحوا اصواتهم لسياسيي اليوم بعد شحنهم طائفيا اضافة الى الشحن القومي، ولثقل اليسار والديموقراطيين سابقا عكس اليوم.

وخطأ الاكراد في تصويتهم لقانوني انتخابات البرلمان ومجالس المحافظات وعدم اهتمامهم بما يجري في بقية العراق خارج سلطة الاقليم والابتعاد عن حلفائهم الطبيعيين واصرارهم على مبدأ المحاصصة في بناء " الدولة"، يضاف الى خطأهم الكبير بقبولهم الفدرالية على اساس مناطقي وليس على اساس قومي والذي يعتبر الشكل الامثل للفيدرالية، وقد صرح بعض الساسة الاكراد في وقت معين وبشكل علني عن استعدادهم لدعم مبادرة بعض القوى الاسلامية التي طالبت باقامة اقليم الجنوب مما ساهم في تخلي العديد من المتعاطفين مع القضية الكردية العادلة عنها. وقد اشار الاستاذ عادل حبه الى هذا الخطأ الجسيم اي خطأ القبول بالفدرالية المناطقية وليست القومية قائلا ( وجرى القبول في هذا الدستور المتناقض بالفدرالية ليس على الاساس القومي بل بالنفي الصريح له، كما يشير الى ذلك قانون ادارة الدولة المؤقت والذي انسحب على الدستور. وهذا مجافي لمبدأ حق تقرير المصير المسند من قبل الشرعية الدولية، واضعف هذا موقف الكرد امام القوى التي لاتؤمن اصلا بالمبدأ المذكور. وخلقت لنا هذه الوجهة الخطيرة مطالبة بعض المحافظات التماثل مع اقليم كردستان في الحقوق والصلاحيات والفدرالية... الخ) " (4)

ختاما اود الاشارة الى ان لاخوف من الفدرالية الكردية في تقسيم البلد – على الرغم من تهديدات بعض السياسيين الكرد بين الاونة والاخرى- قدر خطورة فدرالية شيعية في الجنوب سيبتلعها جار نووي قوي كايران، او فدرالية سنية سيبتلعها المشروع الطائفي السعودي- القطري بعد رحيل النظم القومية العربية الى متاحف التاريخ.

تيار ديموقراطي قوي وفاعل هو ضمانة لفدرالية حقيقية ونظام ديموقراطي حقيقي فمتى يعي الساسة الكرد ذلك؟
 


(1)
الفدرالية : الفدرالية، المفاهيم والاسباب والنتائج "1" الحوار المتمدن العدد 2897 ، د. هاشم نعمة.
(2)
محطات مهمة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلوائي 179.
(3)
نفس المصدر ص 184.
(4)
على النخب القومية في اقليم كردستان العراق اخذ العبر من دروس التاريخ (3-3) ، عادل حبه.
http://al-nnas.com/ARTICLE/AHaba/21v003.htm
 

27/9/2012
الدنمارك

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter