|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  23  / 3 / 2018                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

خمسة عشر عاما على الأحتلال ... وعود ونتائج وآمال

زكي رضا
(موقع الناس) 

ليس هناك عراقي وطنّي واحد بهذا البلد المستباح يستطيع أن يجد عذرا للنظام البعثي الفاشي وزعيمه الساديّ (صدام حسين) وهما يضعان بلدنا نتيجة إجرامهما بحقّ شعبنا وجيرانه في قلب العاصفة، كما وليس هناك عراقي وطني واحد يستطيع أن يجد عذرا للنظام الفاسد الذي خلفه بالحكم من أنّه وسّع مجال العاصفة وشدّتها كي تلتهم كل شيء. هذه العاصفة التي بدأها المحتل الأمريكي من خلال خطبة الرئيس الامريكي (بوش) الإبن في السابع عشر من آذار 2003 ، حينما قال وهو يخاطب شعبنا "عراقيّون كثر يستطيعون سماعي هذا المساء، عبر بثّ معرّب، ولدي رسالة لهم: عندما سنبدأ حملتنا العسكرية، ستكون موجّهة ضد الرجال الذّين لا دين لهم ولا شرع لديهم، وليس ضدّكم". وأستمر في خطابه يقول "عندما ستضع قواتنا المتحالفة نهاية لنظامهم، سنقدّم لكم الطعام والدواء اللذين تحتاجون إليهما. سندمّر آلة الإرهاب، ونساعدكم على بناء عراق جديد مزدهر وحر". وأستمر بوش الإبن في خطابه ذلك المساء ليصل الى النقطة المهمة فيه والتي إندلعت الحرب بسببها حينما قال موجها كلامه الى المدنيين والعسكريين العراقيين "يجب على كل المدنيين والعسكريين الإستماع جيدا الى هذا التحذير: خلال القتال يتوقف مصيركم على أفعالكم، لا تدمروا آبار البترول، فهي ثروة تعود للشعب العراقي"!!

لقد سمع الكثير من العراقيين خطاب "المحرر" بوش ذلك المساء الآذاري، سمعه كل الجياع والمرضى نتيجة الحصار الظالم على شعبنا وقته. سمعه كل المتضررين من نظام القسوة البعثي، سمعه الفقراء والمعوزين والمحرومين. سمعه شعب عاش حياة العبيد تحت ظل سلطة القرية، وأنتظر ليرى نتيجة الهجوم على بلاده دون أن يقاوم نتيجة الكره الذي زرعه النظام فيه تجاهه. آملا برحيل الطغاة وليلهم، وحالماً بنهار عراقي جديد مزدهر وحر ذلك الذي بشّرهم به "بوش" الأبن، هذا الذي جاءنا محررا لا فاتحا كما الجنرال مود!! وما هي الا أسابيع قليلة، وبعد أن عاد العراق الى ما قبل الثورة الصناعية بعد هذا الخطاب نتيجة الدمار الكبير الذي خلّفه "المحرر"، وإذا بـ "الرجال" الذين لا دين ولا شرع لديهم يرحلون بملابسهم الداخلية، وليلقى القبض بعدها بشهور على زعيمهم كالجرذ في قبو حقير يليق به وبحزبه. لكن المفاجأة كانت هو قدوم "رجال" لهم دين وشرع وعمائم ولكن بلا ضمير ولا شرف ولا ولاء للوطن ليجلسوا على دست الحكم بأمر من البيت الأبيض. وليفعل هؤلاء المتدينين وأصحاب الشرع والعمائم بالعراق والعراقيين ما لم تفعله سلطة بشعبها على مرّ التأريخ، وبدلا من تقديم الدواء والغذاء لشعبنا كما وعدنا "المحرر" الأمريكي فأننا نرى أطفالنا ونسائنا يعتاشون على المزابل ولا يملكون ثمن الدواء. فقد تبخّرت عهد هؤلاء المؤمنين البطاقة التموينية، وأنهار القطاع الصحي لتتحول المستشفيات الى مسالخ بشرية ولينتشر الفقر رغم مداخيل النفط الهائلة بين قطاعات واسعة من المجتمع. وليخرج الإرهاب من عقاله، فبعد أن كان الإرهاب إرهاب دولة. تحوّل الى ارهاب منظمات كالقاعدة وداعش والعشرات من الميليشيات الشيعية والسنية التي ساهمت بقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين من أبرياء شعبنا. وليصبح العراق الجديد عراقا مدمرا وأسيرا لأملاءات الدول الأقليمية التي جعلته ساحة لتصفية حسابتها فيه، وليتبخر العراق الجديد والمزدهر والحر الذي بشّر به بوش شعبنا كما تبخّر كل شيء في وطننا. الأمر الوحيد الذي تحقق هو التحذير الأمريكي بعدم حرق آبار النفط "وزارة النفط العراقية هي الوحيدة التي لم يهاجمها الرعاع أثناء الاحتلال"، لكن ليس بسبب كونها ثروة تعود للشعب العراقي كما جاء في خطاب "بوش" بل لكونها ثروة للشركات الأمريكية والمتعددة الجنسية. هذا النفط أصبح عامل أفقار لشعبنا، كونه لم يساهم بأعادة تعمير البلاد ولا توفير فرص عمل لأبناءه، هذا النفط تقاسمته تلك الشركات والأحزاب الشيعوسني كوردية الحاكمة التي وضعت أرباحه في مصارف العالم المختلفة.

لقد ترجم المحتل الأمريكي وعوده تلك الى خراب كامل وشامل طال كل مفاصل الحياة، وبدّل بعد أن دكّت طائراته أرضنا دكّا لص بلصوص، وعصابة بعصابات، ومجرم بمجرمين. لقد جاء لنا بقطاره بعد أن أنزل سائقه منه، سائقون جدد لازالوا غير قادرين على تحريك قاطرة الوطن سنتيمترا واحدا للأمام، لكنهم قادرون وأثبتوا خلال خمسة عشر عاما من أنهم مهرة في إعادة قاطرة شعبنا للخلف وبسرعة مذهلة. علينا اليوم ونحن نعاني الهزيمة الفكرية والثقافية، وما نتج عنهما من أنهيار كامل للمنظومة الأخلاقية المجتمعية والتي هي شريك بالجريمة بحق وطننا وأجيالنا القادمة. أن نتحدث بصوت عال وواضح، فعهد المجاملة الضار عليه أن ينتهي، كون إستمراره تحت أي مسمى كان يعني إستمرار الجريمة وضياع سنوات أخرى من عمر وطننا وشعبنا. على المثقف العراقي إن كان يرى الخراب الواضح للعيان في بلده ومجتمعه، أن يعيد التفكير بكل المسّلمات التي أنطلق منها منذ الإحتلال لليوم على الأقل بإصطفافه لتلك الجهة الطائفية أو القومية أو الحزبية أو من خلال كفره بكل ما جرى بعد الإحتلال وغيابه عن التأثير فيه. على المثقف اليوم أن يشهر سلاحه بوجه الفساد الذي هو أكثر خطرا من الأرهاب بل وحتى من داعش، من خلال إعادة جمع أوراقه المبعثرة ورزمها ووضعها في ملف أسمه العراق.

أن يقف "المثقف" الإسلامي الى جانب الفساد والفاسدين ويروّج لهم والأنتخابات على الأبواب أمر ممكن قبوله وتصديقه كونه "هذا المثقف" جزء من آلة الفساد، ويثقف الجمهور الطائفي على قبولهم الطبقة السياسية الفاسدة لأسباب طائفية لا علاقة لها بالوطن والشعب بعد أن تنازل هذا المثقف عن شعبه لصالح طائفته. وأن يقف "المثقف" "القومي" هو الآخر الى جانب الفساد والفاسدين ويروّج لهم والأنتخابات على الأبواب منطلقا من نفس الأسباب هو أمر مفهوم أيضا. لكن الكارثة هي أن يقف المثقف ذو الحس الوطني والداعي الى التغيير الى جانبهم، ويثّقف بإتجاه إستمرار الفساد والفاسدين بهيمنتهم على مقاليد الحكم. أنّ المثقف الذي يدعو الى مقاطعة الأنتخابات، هو في نفس خندق "زملاءه" من "مثقفي" تلك الأحزاب وإن إدّعى غير ذلك. لأنّ الأنتخابات ستجري إن قبل هذا المثقف تنظيمها أم لا، ستجري لأن هذا المثقف لا يمتلك السلاح الذي يستطيع من خلاله تغيير اللوحة السياسية.

تعالوا نُهْزِم عقولهم الطائفيّة والقومية من خلال شحن الوعي في عقول شعبنا ودفعهم الى إنتخاب القوى والشخصيات اليسارية والعلمانية والمدنية الديموقراطية، تعالوا نُهْزِم سائقي القطار الأمريكي ورعاتهم في معركتنا والتي ليست قصيرة ولا سهلة. تعالوا ننتصر لشعبنا ووطننا، ولنجلس بعد الإنتخابات لنحاسب بعضنا بعضا. لأن خلافاتنا اليوم هي مصدر قوّة لخصومنا الفاسدين، ومصدر إحباط لجماهير شعبنا...



الدنمارك
23/3/2018
 
 
 
 
 
 

 


 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter