|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  17  / 8 / 2015                                 زكي رضا                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قراءة في بعض ما جاء في خطبة المرجعية الاخيرة

زكي رضا 

منذ الأحتلال الامريكي ولليوم ونتيجة للمد الاسلامي بالعراق " والمنطقة لتراجع الافكار القومية واليسارية" كنتاج لسياسات اقتصادية واجتماعية كارثية تسبب بها نظام البعث المجرم والتي أوصلت بلدنا الى ما هو عليه اليوم، فأن المرجعية الدينية في النجف الاشرف بدأت بأقامة صلاة الجمعة عن طريق وكلائها في مختلف المدن العراقية ذات الحضور الشيعي، ولتكن هناك كعادة اية صلاة جمعة ، خطبة سياسية تعبر عن موقف المرجعية من التطورات السياسية بالبلد لتبدي فيه رأيها وتوجيهاتها ونصائحها للسلطة الحاكمة. كما وساهمت المرجعية الدينية بالضغط من اجل كتابة الدستور وإن لم يأتي بالشكل الذي كنّا نريده لبناء وطن متعدد الطوائف والقوميات والمشارب السياسية، كما وأنها ساهمت بدفع الناس وبقوة للإشتراك بالأنتخابات ملمّحة على الرغم من نفيها المستمر الناخبين لأنتخاب القوائم الطائفية الشيعية، أو عن طريق غضّها النظر عن أستخدام هذه القوائم الطائفية لأسمها وصورها في دعاياتها الأنتخابية.

إن تدّخل المرجعية المستمر في الشأن السياسي وعلى الرغم من أحترامنا الشديد لها ولمكانتها الدينية ومركزها العلمي خصوصا وهي ترث على الدوام إرثا دينيا ومدرسة فقهية كبيرة في مدينة مقدّسة كالنجف الأشرف، تعتبر عتبة أولى لبناء نظام ثيوقراطي طائفي كونها لا تمثل مجموع الشعب العراقي بل تمثل الشيعة فقط ، كما وعلينا الانتباه هنا من إنها لا تمثل مجموع الجماهير "الشيعية" إذا ما أخذنا بنظر الأعتبار العلمانيين منهم على مختلف مشاربهم السياسية وأتجاهاتهم الفكرية. وبذلك يعتبر هذا التدخل بالشأن السياسي مدخلا لأستمرار الصراع الطائفي ممّا يهدد بالنهاية وحدة البلد الجغرافية. ومن الطبيعي جدا أن تقف هذه المرجعية الى جانب الاحزاب الشيعية الحاكمة عند الأزمات محاولة أنقاذها من الأنهيار. وما من أزمة أشّد على هذه الأحزاب كما أزمتها اليوم بعد أن أختبرت الجماهير سياساتها الكارثية بحقّها وبحق وطنها، ما جعلها تخرج الى الشارع للتظاهر مستخدمة لأول مرّة مفردة الدين لتتخذها شعارا مركزيا لها في جميع ساحات التحرير بالوطن وهذا الشعار هو " بأسم الدين باگونه الحراميه"، هذه المفردة لم تصب الأحزاب الطائفية الحاكمة لوحدها بالرعب ما جعلها تهاجم القوى المدنية متهمة إياها بقيادة التظاهرات "وهذا فخر لهذه القوى" بل جعلت المرجعية هي الأخرى تشعر بالخوف بعد أن سمعت هتاف الجماهير به في عقر دارها أي في النجف الاشرف وما يعنيه هذا الهتاف.

أن الفساد ونقص الخدمات والبطالة، وانعدام الأمن والطائفية وإنهيار النظام القضائي وأستشراء الرشوة وسوء القطاع الصحي والتعليمي وأنهيار القطاع الصناعي، وتراجع القطاع الزراعي وبيع وشراء المناصب الحسّاسة بالبلد وكأننا في بازار وغيرها من الجرائم. ليست وليدة اليوم بل هي وليد شرعي لنظام المحاصصة الطائفية الفاسد والذي يجب أن يوضع بأكمله في قفص الأتهام لمحاكمته وتوجيه تهم الخيانة الوطنية له. أمّا محاولة أمتصاص نقمة الجماهير ومن أية جهة كانت، فأنها لا تعدو سوى حقنة مورفين الهدف منها تخدير الجماهير لفترة زمنية حتّى تتم السيطرة على الأمور من قبل مافيات المحاصصة من جديد أو يخفت عنفوانها وهي تحرك نفسها بنفسها لتتحرر من قبضة الاسلام السياسي الذي عاث بالعراق عامّة وبالمناطق الشيعية التي يدّعي تمثيلها فسادا. والمرجعية الدينية بالنجف الاشرف وهي تتدخل بالشأن السياسي وضعت وللأسف الشديد نفسها من جديد كحائط صد أمام الجماهير بدفاعها عن الأحزاب الاسلامية!

إن أنتقاد المرجعية رغم إحترامنا الشديد لها جاء نتيجة تدخلها بالشأن السياسي تحديدا والسياسة كما معروف عنها لعبة تتحمل الكذب والرقص على الحبال للوصول الى أهداف و مصالح ، وهذه الأهداف والمصالح هي دنيوية بحتة ، فهل للمرجعية بأعتبارها ممثلة لجموع المؤمنين مصالح دنيوية!؟ إن السياسي الذي يقدم برنامجا ما أو توصيات ما بشأن قضية ما ويفشل في تطبيقها فأنه سيتعرض للمساءلة والنقد وقد يكون هذا النقد قاسيا كما نراه اليوم بحق ساسة المحاصصة الطائفية القومية، ومن هذا المنطلق يجب أن يتسع صدر المرجعية للنقد كونها وهي تتدخل بالشأن السياسي وتقدم أقتراحات وتوصيات قد لا تتحقق كما لم تتحقق معظمها وبأعترافها سابقا "هذا ما سنتطرق اليه" تكون قد وضعت نفسها كما الساسة موضع تساؤل ، وهذا ما لم نكن نريده للمرجعية الدينية لأحترامنا المعنوي الكبير لها.

في خطبة الجمعة الماضية 14/8/2015 تطرق الشيخ "الكربلائي" الى جملة من القضايا التي تهم الشارع العراقي مذكرا الجماهير ببيانات سابقة للمرجعية حول جملة من الامور وقد قرأها الشيخ من قصاصات ورقية قائلا " ففي نيسان عام 2006 اي قبل ما يقارب 10 اعوام، وبعد انتخابات الدورة الاولى من مجلس النواب وقبيل تشكيل الحكومة اصدر مكتب المرجعية بيانا ورد فيه ان من المهام الاخرى للحكومة المقبلة التي تحظى باهمية بالغة مكافحة الفساد الاداري والمالي المستشري في مؤسسات الدولة لدرجة تنذر بخطر جسيم ولابد من وضع اليات عملية لملاحقة المفسدين قضائيا أياً كانوا"، ليتابع ويقول " وفي ايلول 2006 وبعد تشكيل الحكومة أصدر المكتب بياناً ورد فيه التأكيد مرة اخرى على مكافحة الفساد وسوء استغلال السلطة التي تسببت بضياع جملة من موارد الدولة مع ممارسة القضاء على محاسبة الفاسدين ومعاقبتهم". وأشار في مكان آخر من نفس الخطبة الى أنه " وفي شباط عام 2001 اصدر مكتب المرجعية بيانا دعت فيه المرجعية الدينية العليا مجلس النواب والحكومة الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولاسيما الكهرباء ومفردات البطاقة التموينية وتوفير العمل للعاطلين ومكافحة الفساد". ليضيف أيضا قائلا " قبل هذا وذاك فقد دعت الى اتخاذ قرارات حاسمة لالغاء الامتيازات غير المقبولة للاعضاء الحاليين والسابقين في البرلمان والمحافظات وكبار المسؤولين في الحكومة والدرجات الخاصة والامتناع عن استحداث مناصب حكومية غير ضرورية تكلف سنويا مبالغ كبيرة من اموال الشعب".

نستطيع ونحن نقرأ ما جاء به السيد الكربلائي أن نعطي درجة عشرة على عشرة لموقف المرجعية من قضايا الانسان العراقي، هذا إذا ما أتفقنا على تدخلها بالشأن السياسي أصلا. ولكن الطامة الكبرى تأتي عندما يقول الشيخ في نفس خطبته " هذه نماذج من دعوات المرجعية وتأكيداتها المستمرة على ضرورة مكافحة الفساد في دوائر الدولة التي لم نجد مع الاسف اذانا صاغية لها في السنوات الماضية". وهنا من حقّنا أن نضع علامة أستفهام بحجم الوجع العراقي وبحجم المال المنهوب من الاسلاميين ومنهم عدد كبير جدا من المعممّين وشركائهم في نظام المحاصصة أمام المرجعية للإجابة عليه. وسؤالنا هو، أيتها المرجعية الرشيدة إن كانت كل توصياتكم للحرامية كما ينعتهم شعبنا لم تجد آذانا صاغية طيلة 13 سنة ، فهل تتوقعون منهم آذانا صاغية لمقترحاتكم حول أصلاح النظام القضائي والوظيفي من خلال تعديل سلّم لرواتب وغيرها مما طرحتموه خلال خطب ما بعد ملحمة شعبنا المطالبة بدولة مدنية لا مكان فيها للطائفية اليوم، وما هي ضمانتكم لشعبنا في تحقيقها!؟؟؟ ولماذا تضعون أنفسكم في موضع التساؤل أساسا وأنتم تعرفون أستحالة موافقة هذه الاحزاب على أدانة نفسها من خلال أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية الذي أصبح اليوم وليس الخدمات مطلبا شعبيا اساسيا.

إن التوصيات والقرارات مهما كان حجمها ومضمونها لا تمر من خلال دهاليز الحكومة والبرلمان الا من خلال ما يسمّى بمبدأ الحزمة الواحدة أو السلّة الواحدة، وعليه إن كنتم تريدون فعلا معالجة الآثار السيئة الناجمة عن سياسة المحاصصة ومن جديد أن كان لكم الحق بالتدخل في الشأن السياسي، أن لا تجّزئوا مطالبكم وتوصياتكم ، بل لتكن حزمة واحدة او من خلال سلّة واحدة. وسلة الجماهير معروفة لكم بشكل واضح وجلي وهي، أنهاء نظام المحاصصة الطائفية القومية والبدء بنظام سياسي مدني ديموقراطي يأخذ على عاتقه بناء نظام مؤسسات حقيقية ومهنية للسير بالوطن وبهدوء نحو الخروج من أزماته التي كرّستها حكومات ما بعد الاحتلال.

إن الشيخ الكربلائي يقول في نفس الخطبة "من المنطق ان يمنح المسؤولون فرصة معقولة لاثبات حسن نواياهم في السير بالعملية الاصلاحية الى الامام دون زج البلد بالفوضى والدخول بالمهاترات السياسية" وهنا أرى إن المرجعية ومع شديد أعتزازي بمكانتها الدينية قد إصيبت هي الأخرى بداء النسيان الذي لا أظنه متعمدا كما هو عند أحزاب السلطة. أيتها المرجعية الرشيدة، لقد طلب المسؤولون من الذين باركتموهم والتي خرجت الجماهير اليوم في تظاهرات عارمة ضدّهم والذين تريدون إنقاذهم بكلامكم هذا في شباط 2011 ، 100 يوم لأصلاح العملية السياسية وتوفير الخدمات وها قد مرّت أربعة أعوام على وعدهم الذي لم يتحقق، بل زادت خلال السنوات الاربع الماضية الاوضاع سوءا ، حتّى اننا فقدنا ثلث أراضينا نتيجة خيانة كبار الساسة ومنهم المالكي. فهل تريد المرجعية منّا أن نمنح نفس الساسة وهم يتصدرون المشهد السياسي 100 يوم جديدة، أي أربعة أعوام أخرى، لنتحمل نفس البؤس ونفس المأساة. هل بناء نظام أسلامي على أشلاء شعب ووطن يرضي الله!؟ إن كان يرضي الله فأنا كافر.

في الختام اود أن اخاطب الاسلاميين كما خاطب أبن الرومي العباسيين معتذرا له من تغيير في بيتيه قائلا....

غررتم لئِن صدّقتم إنّ حالة ........................... تدوم لكم، والدهر لونان، أخرج
لعلّ للعراقيين، في ساحات التحرير، ثائرا ..... سيسمو لكم، والصبح في الليل مولج



الدنمارك
17/8/2015
 








 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter