| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 15 / 9 / 2024 زكي رضا كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
صفقة العار
زكي رضا
(موقع الناس)منذ ترسيخ مبدأ المحاصصة الطائفية القومية كوسيلة للحكم بالعراق، فأنّ المساومات بين مثلث الشيطان كانت حاضرة دوما في أروقة ما يسمى بالبرلمان العراقي، وفي غرفه المظلمة. وقد طالت المساومات ملفّات عدّة منها، ملفّ الأقليّات الدينية التي أختارت القوى المتنفذة الهيمنة على مقاعدها البرلمانية على قلّتها، وتوزيعها فيما بينها. وقد لعب ممثلوا هذه الأقليّات الدينية دورا كبيرا في بيع مكوّناتهم لهذا الحزب وذاك، ما خلّف أضرارا كبيرة في نسيج هذه المكونات المجتمعي، ووضع أراضيها وقراها تحت رحمة الأحزاب الكبيرة التي ساومت ممثلي هذه الأحزاب الباحثين عن مصالحهم الشخصية، كما ودخلت في مساومات ثنائية فيما بينها لتوزيع الغنائم.
وأقتصاديا فأنّ المساومات بين أضلاع مثلث الشيطان، كانت حاضرة دوما من خلال توزيع حصص مشاريع الدولة على أضلاع المثلث، بما يرضي قيادات هذا المثلث الفاسد ويفتح شهيتهم لمزيد من المساومات لنهب ثروات البلاد. وقد تعرضّت ميزانية العراق الأخيرة لمساومات قبل إقرارها رغم الكثير من الجدل التي دار حولها. وقد صرّح نوري المالكي قبل إقرار الميزانية مشيرا ضمنا الى وجود مساومات لإقرارها قائلا: "إذا رأينا هنالك قانوناً آخراً أو توقف في عملية التصويت لتمرير قانون مقابل قانون، فهذا يعني وجود المساومات". وفي الحقيقة فأنّ إدارة الدولة العراقية ونتيجة تقاطع الرؤى السياسية بين أضلاع مثلث الشيطان ومصالح الأحزاب التي تنتمي لنفس أطراف المثلث، تخضع دوما لمبدأ المساومة والتفاهمات التي تجري بين رؤساء الكتل.
أن التحالف الكوردستاني لا يصوّت على أي مشروع قانون يتقدّم به البيت الشيعي دون إجتماعات مكوكية بين أربيل وبغداد، من أجل صياغة تفاهمات ومساومات تحصل فيه أربيل على ما تريد مقابل تصويتها على قوانين تتقدم بها الكتلة الشيعية، والتي غالبا لا تأخذ مصالح شيعة العراق ناهيك عن مصالح شعبنا خارج الإقليم بنظر الأعتبار، والأمر ينطبق أيضا على التحالف الكوردستاني. والتحالف السنّي هو الآخر، يحذو حذو الكورد في هذا السبيل. وهذا يعني أنّ هذه القوى الطائفية القومية تلعب بمقدرّات شعبنا ووطننا وفق قانون مساومة غير معلنة رسميا، الّا أنّ العمل به جار على قدم وساق وتحت أنظار شعبنا بأكمله.
المساومة الأخطر من جميع المساومات التي جرت لليوم، هي التي ستجري للتصويت على مشروع قرار تعديل قانون الاحوال الشخصية لعام 1959 ، هذا المشروع الذي سيكرّس الطائفيّة بالبلاد ويعمل على أستعباد المرأة وضياع طفولة القاصرات وتفتيت الأسرة، بمنح أولياء أمورهنّ تزويجهنّ من ساعة ولادتهنّ!! ففي هذه السنّ المبكرة وهي ليست وليّ نفسها، لا تستطيع رفض زواجها حينما تبلغ لأنّ وليّ أمرها هو من كانت له الوصاية عليها وهي طفلة ترضع، أو في سن التاسعة هلالية كما يقول الفقه الشيعي والسني! وهنا تنفجر أولى الألغام في المجتمع بعد أن تحاول التحرر من زواج لم تعلن موافقتها عليه، ناهيك عن أنتشار الدعارة من خلال تعديل القانون، ومنح رجل الدين السلطة بعقد الزواج المنقطع (المتعة). وعلى الرغم من أنّ المتمتعة عليها أن تقضي عدّتها وهي حيضتين كاملتين وفق رأي السيستاني، فأنّ سبب توجهها لزواج المتعة وهو الفقر في أغلب الأحيان، سيجعلها أن تتجه لرجل دين آخر لأبرام عقد منقطع جديد حال أنتهاء عقدها السابق، وهذا الزواج لا يترجم في هذه الحالة الا كونه شكل من أشكال الدعارة الشرعية والتي يراد لها أن تكون قانونية، فهل ستكون المتمتعة مومس ورجل الدين سمسار...!؟
إطلاق سراح الدواعش والأرهابيين قاتلي أبناء شعبنا مقابل تفخيذ الرضيعة وتزويج البنت القاصر، هي اسوأ مساومة في تاريخ العراق الحديث، وهي وصمة عار في جبين البيت الشيعي وعمائمه. هؤلاء الذين يتاجرون بدماء شهداء سبايكر وشهداء الأنفجارات التي كانت تهزّ مدن وشوارع ومدارس وساحات العراق. والأحزاب السنيّة التي ستصوّت لصالح تمرير القانون مقابل إطلاق سراح الأرهابيين، ستثبت من أنها راعية للأرهاب ومشاركة في كل الجرائم الأرهابية الي طالت حياة عشرات الالاف من أبناء شعبنا الابرياء، أمّا تصويت التحالف الكوردستاني لتمرير القانون فهو ليس بالمجّان وسيضاف الى مواقفه اللا أبالية تجاه ما يجري في وطننا، ولأنّ الاوضاع السياسية بالبلاد لن تبقى على ما هي عليه مستقبلا، فأنّ قيادات هذه الأحزاب ستحاسب أمام جماهيرها وجماهير شعبنا بعد أن تكون قد شاركت في إغتيال الطفولة وتحويل العراق الى بيت دعارة..
ليستمر الضغط الجماهيري وليتّسع أفقيا للحيلولة دون تمرير صفقة العار، وامل شعبنا كبير في عدم حضور البرلمانيين الوطنيين الى قبّة البرلمان وعدم أكتمال النصاب أثناء قراءة مشروع القانون.
كرامة المرأة العراقية وعفّتها في مهب الريح السوداء، فلنوقف هبوب هذه الريح من خلال التظاهرات والأعتصامات ومناشدة الهيئات الدولية وتذكيرهم بخطورة تعديل قانون الأحوال المدنية وأثره على الاطفال ومنهم الإناث الرضيعات وغير البالغات. خصوصا وأنّ العراق صادق على أتفاقية حقوق الطفل في حزيران 1994 ، متعهدا بأصلاح القوانين الخاصّة بحقوق وحماية الطفولة لتتماشى والمعايير الدولية.
الدنمارك 15/9/2024