| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

زكي رضــا
rezazaki@hotmail.com

 

 

 

                                                                                    الأحد 12/6/ 2011



ما يصير آدمي ... كناية بغدادية هل تنطبق على ساسة العراق ؟

زكي رضا

يروى ان صبياً كان كثير الغلط سيء التصرف ، فكان ابوه يغتاظ منه ، ويقول له بين حين وآخر : انت ما تصير آدمي ، ولما كبر الصبي اتّصل بأحد رجال الدولة ، فعيّن واليا على المدينة ، ولما استقرّ في منصبه ، تذكّر ما كان يعيّره به أبوه ، فأراد أن يحضره ليريه ما هو عليه من السلطان والجبروت ، فأمر جلاوزته باحضاره ، فجاء الجلاوزة الى الاب ، وأعنتوه ، وسحبوه الى موضع الوالي ، وأدخلوه عليه في ديوانه ، وقد تمزقت ثيابه ، فقال لأبيه : ألا تذكر انّك كنت تكّرر عليّ انّي لا أصير آدميا ، وها أنا قد أصبحت والي هذا البلد ، وقد أحضرتك لترى ما يكذّب أقوالك ، فقال له الاب : أنّي لم أنكر صيرورتك واليا ، وأنما أنكرت صيرورتك آدميّا ، ومعاملتك إياي اليوم بهذه القسوة والخشونة ، يؤيّد قولي أنك لا تصير آدميّاً ، والا فأي آدمي يأمر جلاوزته باحضار ابيه مهاناً ممزّق الثياب *.

في دولة كالعراق كان السياسيون من الحكام دوما ابناء هذا الشعب وتاج رأسه !! ( بل وصل الامر بأن يكون حتى الاجانب تاجا لرؤوس البعض ) ، حيث تقف ( الجماهير ) وخصوصا من الرعاع ، هاتفين بحياة هذا القائد او ذاك بمناسبة ودون مناسبة . والمفارقة ان هذه ( الجماهير ) الرعاع ، التي تبدل مواقفها بين ليلة وضحاها ، تنتخب نفس اماكن التجمعات لتهتف لهذا السياسي او ذاك ، بل وبنفس الشعارات تقريبا . بعد ان تكون قد استلمت ما يرمى لها من هبات على عدد ( العفيه ) ، او مسدسات " هدايا " كي يتمنطقوا بها وهم يحملون العصي والاسلحة الباردة كالشقاة والبلطجية ، وبمساندة الاجهزة القمعية لضرب شباب بعمر الورد ، يهدف من خلال تظاهراته الى الضغط لاصلاح العملية السياسية ، التي شطّت بعيدا عما كان يراد لها . لتتجه بخطوات حثيثة ومدروسة نحو شكل من اشكال الديمو- كتاتورية . وهذا واضح من عدم اكتمال تشكيل الحكومة لليوم ، وفشلها في ايحاد حلول للأزمات المستعصية التي تواجه المواطن العراقي ، ناهيك عن تقزيم الوطن واهدار كرامته ، امام تجاوزات جميع دول الجوار. وبقاء الوزارت والاجهزة الامنية ( القمعية ) بيد واحدة ، تريد ان تدير البلد بمفهوم الفرد الواحد ( القائد ) ، الذي لا يريد ان يستفيد على ما يبدو من دروس التاريخ القريب ودروس اليوم ، حيث الربيع العربي تتفتح ازاهيره الديموقراطية بفعل الثورة ، التي كنست وتكنس ليس الحكام الديكتاتوريين وانظمتهم الشمولية فقط ، بل وترسخ لثقافة جديدة في الحياة السياسية العربية ، وهي ثقافة منظمات المجتمع المدني ودورها الرقابي . هذا الدور الذي يهابه ساسة العراق الجدد ، بل ويحاولون تشويه وجهه النير ، نتيجة تسلل بعض العناصر الاجرامية والارهابية اليها ، وكأن الحكومة والبرلمان وباقي اجهزة الدولة تمتلك حصانة امام تسلل امثال هؤلاء المنحرفين .

ان الوضع السياسي اليوم ، ينذر بكارثة حقيقية نتيجة تخندق الاطراف الرئيسة فيها ، حول المصالح الطائفية والقومية ، ومحاولة تأجيجها ثانية للاستمرار في تصدرهم للمشهد السياسي ، بعد فشلهم في ادارة الصراع السياسي في البلاد. ومحاولة تحميل كل طرف الطرف الاخر ، لما آلت اليه الاوضاع من سوء ، والتي ستسوء اكثر في حالة عدم التفكير الجدي بمصلحة الوطن والمواطن ، الذي ظل يعاني ولا يزال من نرجسية ساسة لا تهمهم على ما يبدو مصلحة البلاد . ان ما يحتاجه العراق اليوم ، للخروج من المأزق الذي حشر فيه ، هو التفكير الجدي بأعادة الانتخابات ، ولكن على اسس صحيحة بعيدة عن شهوة الاستئثار والغاء الاخر والثأر السياسي ، والتفكير الجدي في الاسراع بسن قانون الاحزاب وتعديل القانون الانتخابي ، واعادة بناء المفوضية المستقلة للانتخابات ، بعيدا عن هذه المحاصصة اللعينة التي سارت وتسير بالبلاد الى منزلقات خطرة جدا . والتي قد تعيد نتيجة عدم مرونة المسؤولين وتمترسهم بطوائفهم وضيق الافق الذي يلازمهم ، سنوات الصراع الطائفي المريرة ، تلك التي ما صدّق شعبنا ان تجاوزها ، بعد ان دفع خلالها شلالات من الدماء البريئة . والتي لازالت العديد من جرائمها مجهولة لنا ، خصوصا بعد اماطة اللثام عن ابشع جريمة تطهير طائفي ، طالت ( زفة عرس ) ذهب ضحيتها سبعون عراقيا وعراقية بين اطفال وشباب وشيوخ في منطقة التاجي ، على يد مجموعة من الذئاب البشرية ، التي فقدت انسانيتها لبشاعة الجريمة وتفاصيلها المروعة ، وفقدت دينها لارتكابها جريمة الاغتصاب الجماعي في بيت من بيوت الله ، وفقدت عراقيتها لقتلهم ابناء بلدهم بهذه الوحشية والبربرية والسادية ، وفقدت نخوتها العربية وهم يغتصبون بنات بلدهم في مضيف شيخ من شيوخ العرب ، بأمر من ( رجل ) مصري !!!

هذه الجريمة البشعة التي ضحك ويضحك لها الارهابيون ، الذين تريد الحكومة اعادة تأهيلهم في الحياة السياسية ، واعتمادهم كجزء من القوات المسلحة او الاجهزة الامنية . استغلتها ( الجريمة ) نفس الحكومة لضرب وتفريق شباب تظاهروا سلميا في ساحة التحرير في العاشر من الشهر الجاري ، بعد ان عاملتهم كأرهابيين !!! . اذ نقلت حافلات الدولة ( ليس عن طريق السخرة كعهد البعث الارعن ) المئات من البلطجية " الشقاة " من مناطق مختلفة ، مع علم الحكومة المسبق ومنذ اكثر من ثلاثة اشهر على موعد انطلاق تظاهرة ساحة التحرير هذه .

ان فعل الحكومة هذا ، كان بمثابة اللعب بالنار ، ليس في توقيت تظاهرة الموالاة لها ان جاز التعبير فقط ولا بشعاراتها ، بل بأسلوب جماعة الموالاة في ضربهم للمتظاهرين ، والذي يذكرنا بجماعات الموالاة من القتلة والمنحرفين من اتباع النظام المصري في مهاجمتهم للمتظاهرين في ميدان التحرير ، ودور الشبيحة السورية من موالي بشار الاسد وموالي علي عبد الله صالح والقذافي وحمد بن عيسى ، في مهاجمتهم للجماهير التي بدأت تظاهراتها من اجل الاصلاح ، قبل ان يتحول الشعار الى التغيير بعد قمع التظاهرات من قبل السلطات .

ان المسؤول الذي يرى اطفال بلده يقتاتون على اكوام النفايات دون ان يرف له جفن ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يتستر على وزراء نهبوا اموال البلد من دون محاسبتهم ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي لا يحاسب من يستورد ادوية فاسدة ليموت بها ابناء شعبه ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي
ان المسؤول الذي يسمح باستيراد مواد غذائية مسرطنة ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يفترش فيه اطفال بلده الارض في مدارسهم ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يعقد المؤتمرات في دول الجوار للاعتراض على الحكومة التي له فيها العديد من الوزراء ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يهرّب قتلة ارهابيين من السجون ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول ( البرلماني ) الذي لا يحضر جلسات البرلمان الا لماما ويتمتع بكامل الامتيازات ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول ( الوزير ) الذي يحوّل وزارته الى وزارة حزبية او طائفية او قومية ، قد يكون سياسيا ، الا انه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يرى شط العرب ، يتحول مكبا لنفايات الجارة ( العزيزة ) ايران وهو ساكت ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يرى السرطان يصيب رئة العراق اي موانئه ، دون ان يحرك ساكنا لمعالجته ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .
ان المسؤول الذي يحاول اتباعه هدم آثار بلده بحجة مقاومة المحتل ، بعد ان حوسموا متحفه قبل ذلك ، قد يكون سياسيا ، ولكنه ليس بآدمي .


*
الكنايات العامية البغدادية 3/ 34 " عبود الشالجي "
 

 

الدنمارك
12 / 6 / 2011


 


 

free web counter