|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  28  / 8  / 2023                                زهير دعيّم                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الادبُ فنٌّ راقٍ

زهير دعيم
(موقع الناس)

مهنة الأدب والقلم ، مهنة مقدّسة تُنير العقول، وتؤجّج الهمم، وتداعب المشاعر والأحاسيس وتهزّ أركان الظلم وتيجان الطغيان ، وتفتح العيون على الحقِّ والعدالة والمساواة والجمال ومحبّة الخالق.

مهنة شقّت طريقها عبر الدّموع والأوجاع والفقر ، فهي وعلى مرِّ العصور والأيام لم تُطعم خبزًا ، وإن أطعمت فهي لا تُشبع ولا تسمن . هكذا عاش معظم الشّعراء والأدباء والفلاسفة في الخافقيْن، إلا قِلّة ذاقت البحبوحة بعد أن التجأت الى بلاط السّلطان ، فراحت تكيل المديح له جزافًا ، فنالت رضاه وفازت ببعض الذهب من هِميانه ، وحازت بالمقابل على سخط الشّعب وغضبه ..

وإنّي لأذكر أنّ أحد الشعراء الكبار في لبنان ، وبعد ان نصبت له وزارة التعليم في وسط بيروت تمثالا فخمًا كلّف آلاف الدولارات ، كتب لصديق له قائلا بسخرية : " إنّني على استعداد يا صاحِ أن أقف يوميًا بلحمي وعظمي مكان التمثال على أن أنالَ نصف الدولارات الكثيرة التي كلَّ كلَّفِ "
قالها بهزلٍ ممزوج بجدٍّ ومرارة ؛ قالها وهو احوج ما يكون لحفنة من الدولارات.

على أنّ شاعرنا اللبنانيّ هذا مغبوط بعض الشيء ، فهو على الأقلّ عاش ليرى تمثالا له وتكريمًا ، في حين أنّ غيره من الأدباء والشعراء والفلاسفة والفنّانين والرّسّامين ، يتركون هذه الدّنيا الفانية معدمين ، فقراء ، منسيين ...يتركونها بعد أن أسعدوا الكثيرين بفنّهم وابداعاتهم وشِعرهم وما نحته ازميلهم وخطّته ريشتهم.

يتركونها معدمين .....وعندها نستيقظ فنروح نعترف بجميلهم ونثني على ابداعهم ونتباكى على أرواحهم ، ونطالب المسؤولين بإطلاق اسمائهم على بعض المؤسسات التربوية تخليدًا لهم ، ونقيم الندوات بخورًا لذكراهم العطرة .
قد نقف عند وعودنا وقد لا نقف !!!
وقد يصدق المسؤول وقد يُسوِّف !! وفي كلا الحالتين الأمر محزن ، فأهل القلم والفنّ والإزميل والريشة بحاجة الى همسات المديح وصيحات الإعجاب في أثناء حياتهم، وبحاجة ايضًا الى كلمة : " أحسنت" ، "عافاك" " لا فُضَّ فوك " وايضًا الى وسامٍ يُزيِّن صدره مثلما هو يُزيّن صدر الأمّة بأدبه وفنّه .

إنّه يرفع اسم الوطن عاليًا ، إنّه يكتب بدمه ، فهاك الشّاعر المُبدع الياس أبو شبكة يتغنّى قائلا :

اجرحِ القلبَ واسقِ شِعرَكَ منْه
فدمُ القلوب خمرةُ الأقلامِ
جريمة أن يموت اديب في قبو مظلم . نعم
وجريمة ان يموت شاعر منسيًا على قارعة الأيام والطريق !
وجريمة ان يموت من سبّح الإله المحبّ متروكًا في الظّل .

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter