|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة  8  / 3 / 2019                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

مشروع انبوب النفط الى العقبة.. والوسيلة لكشف حقيقته وايقافه

سعد السعيدي
(موقع الناس)

اطل علينا في الاعلام عند نهاية شباط الماضي الخبر المتجدد بين فترة وآخرى حول انبوب النفط العراقي الاردني. وعلى عكس كل المرات السابقة فقد جاء هذه المرة على لسان وزير الصناعة العراقي (1).

يصيب المرء الدهشة والعجب عند قراءة هذا الخبر من كم الاشاعات ونتف الاخبار غير المسندة المحشوة فيه مع ارقام كلف خيالية. إذ يلاحظ استمرار ترديد الكلفة الكلية المشاعة لهذا المشروع. اقول المشاعة لانه لم يذكر في الخبر مصدرها كأن يكون الوزير نفسه او اية تقديرات مثبتة من اية جهات اخرى معروفة. علما بان كلام الوزير اعتمادا على تاريخ نشره قد ظهر بعد نشر البرنامج الحكومي ولاحقا قانون الموازنة. والمعنى هو انه يجب ان يكون هناك توافق بين ما ينشر ويصرح به. كذلك فبينما وجدت ذِكرا للمشروع في البرنامج الحكومي تحت بند وزارة النفط ، لم اجد من خلال التدقيق في قانون الموازنة اية تخصيصات لتمويل هذا المشروع الضخم ويا للغرابة ! وقد ذكرت في الموازنة تفاصيل إنفاق لمشاريع مختلفة لا ترقى كلها لنصف المبلغ المعلن لتمويل هذا المشروع ، مع غياب كل اشارة مع ذلك له. استنادا على كل هذه التناقضات من حقنا السؤال إن كان هذا المشروع حقيقي ام وهمي ؟
كذلك ففي طريقة نشر الاخبار عن المشروع لا ندري إن كان في الامر تهيّبا او وجلا ام انها عملية مدروسة. إذ يلاحظ من سياقها بانه قد اختير لان تمر شهورا بين كل اعلان وآخر. فالاعلان السابق قبل هذا الاخير كان في تشرين اول الماضي وقبله كان في شباط لنفس السنة ، وقبل هذا في نيسان للسنة قبلها. وفي كل نتف اعلان ينشر نجد احتواؤه على اخبار من مصادر مجهولة او اشاعات لا يعرف إن كانت هي فعلا كذلك ام لا. ومع كل هذا ابقي طي الكتمان الجهة التي ستبني انبوب النفط والممول. فلم يعرف إن كان العراق هو الذي سيبنيه مع شركة دولية ام بشراكة مع الاردن. ايضا ابقي غامضا ومعلقا من دون تأكيد امر التنازل عن جزء من الانبوب للاردن في حال جرى تمويل بناؤه باكمله بالمال العام العراقي. فإن صح امر التنازل هذا فلن يكون إلا صلافة وصفاقة واستفزاز اسلامي من لدن عبد الزوية وحكومته ومجلس النواب هذا التفريط بالمال العام.

ايضا ابقي طي الكتمان اسم الجهة او الشركة المذكورة بالخبر التي قامت بالدراسات الاولية. فقط جرت الاشارة اليها ب " الجهات القائمة على المشروع " او " الجهات المختصة في البلاد ". ما تكون كل هذه الاسرار والتهيّب في الاعلان عن اسماء تلك الجهات المنفذة يا ترى ؟ فمرة اخرى لا يعرف إن كان المشروع حقيقي ام وهمي وغير مفهوم السر وراء محاولات التلاعب بالرأي العام بهذا الشكل.

من مظاهر الغرابة الاخرى هو غياب اية معلومة على موقعي وزارة الصناعة ووزارة النفط حول المشروع. بالنتيجة يكون غير معروف مصدر تصريح الوزير للاعلام. وبشأن الاشكالات الامنية لعل الوزير كان يتصورنا اغبياء فغالط مدعيا بانه لا توجد مثل هذه. من المؤسف وضع مثل هذا الشخص على رأس وزارة الصناعة. إن منح جزء الخط للاردن إن صح هذا ليس ضمانا لعدم تعرضه لهجوم اسرائيلي. إلا اذا كان عبد المهدي زوية قد حصل على ضمانات منها وهو ما يعتبر تخابرا مع دولة معادية. اتعجب من صمت فصائل النفاق عن هذا الاحتمال.

إن لم يكن هذا المشروع الباهظ الكلفة وهميا فسيجري تمويله من المال العام. ومع الاخبار القائلة بتملك الجهة المنفذة له حق تشغيله ل 25 عاما يراد لنا الاشارة الى ان المقاول سيكون شركة اجنبية ، وهذا ايضا لم يجر توضيحه للرأي العام العراقي. للعلم فانا ضد فكرة تمليك اية جهة اجنبية لاية بنية تحتية في العراق الاستراتيجية منها خصوصا مما سيعتمد عليها الاقتصاد الوطني. فالبلد يعاني اصلا من شحة في الاموال العامة ، فلماذا يراد اثقال كاهله بمشاريع برستيج باهضة مثل هذه ؟ وطبعا فليس الاعلام المأجور المرتزق وغير الوطني والذي لا يهتم إلا بالبرامج الهابطة المستوى وايراد الاعلانات هو من سيأتي لشرح خطورة هذا الامر للرأي العام.

ازاء كل هذا الغموض والتناقضات يستغرب المرء من صمت ما يسمى بلجنة متابعة البرنامج الحكومي على هذا المشروع والاشاعات المحيطة به. فهل انها مطلعة على ما يجري وهل قرأت البرنامج والموازنة بتمعن والتناقض بينهما ام لا ؟ إذ لا يوجد بين الاثنين ترابط في المحتوى والكلف. وهو ما ينطبق على مشروع الانبوب. ابهذه الطريقة يريد اعضاء هذه اللجنة اقناعنا بجديتهم في الرقابة على اداء الحكومة ومن بينهم ممن بنى حملته الانتخابية على نظافة اليد والحرص على المال العام ؟ غير معروف كيف تقوم هذه اللجنة بعملها فلا نعرف إن كانت لها اختصاصات اخرى غير الصمت. فموقعها على صفحة مجلس النواب فارغ. فلا من قائمة لاعضائها ولا من نبذة عن اهدافها ، ولا من اخبار خلا خبران يتيمان عن اجتماعين من شهر كانون الثاني الماضي ولا شيء آخر غيرهما. وهذا بعد 3 شهور على إنشائها في مجلس النواب. نواقص مثل هذه تدفعنا للظن بان اللجنة ربما تكون كالمشروع اعلاه ايضا غير حقيقية ما شاء الله. فهل هي كذلك ؟ إن لم تكن كذلك فلتخرج عن صمتها وتوضح لنا الحقائق حول مشروع انبوب العقبة. ويجب ان يتضمن عملها ايضا المطالبة بموازنة واضحة منسجمة مع البرنامج الحكومي المطروح ، لا موازنة غامضة مع ارقام إنفاق على تفاصيل دون اخرى. فمن حقنا كشعب معرفة مآل صرف امواله. وإلا فكيف يطلق كل هذا التهريج حول المشروع لنكتشف لاحقا بان ارقام التخصيصات الضخمة الوحيدة المعروفة له هي ما ذكر في الاخبار ، ولا من اشارة لها في الموازنة ؟ فإن غابت تخصيصات المشروع فسيكون الاستنتاج بانه وهمي والغاية منه السرقة والتضليل ولا شيء غير هذا. لذلك فإما ان الوزير يكذب علينا باطلاق اشاعات في سياق ما يطلقه في الاعلام او ان في الامر شيء آخر. ننتظر توضيح لجنة متابعة البرنامج الحكومي المشكوك بحقيقة وجودها واللجان الاخرى مثل النزاهة والعلاقات الخارجية. إذ ان من الاهمية الكبرى معرفة نوايا الحكومة بشأن هذا المشروع الغامض. فهو ما يؤثر بشكل كبير جدا على مصداقية اللجنة هي واعضائها.

بالمقابل وبالمقارنة بين صمت هذه اللجان النيابية البائسة وبين ما قام به المهندس علي صبيح الساعدي رئيس اتحاد الصناعيين العراقي وما حصل عليه مما يمكن الاقتداء به والتعلم منه بون شاسع. فهذا الرجل كان قد اقام الدنيا في الاعلام ولم يقعدها حول آثار الاتفاقية التجارية مع الاردن على مصالح القطاع الخاص الذي يمثله. وهو كان قد كشف في الاعلام عن نتائج مثيرة مما رآه من خلال زياراته للمصانع الاردنية المصدّرة. فقد كشف عن قيام هذه المصانع بتغيير علامات المستورد الصيني لتظهر وكأنها اردنية !! وهذا العمل كما هو واضح هو غش تجاري تعاقب عليه القوانين بالغرامات والسجن والمنع من مزاولة المهنة. ومن خلال هذا النشاط الاعلامي فقد حصل الساعدي على دعم في مؤتمر رفض الاتفاقية العراقية الاردنية متمثلا باتحادَي النقابات العمالية والفلاحية وهو دعم هائل كما يرى (2).

وقد هدد رئيس اتحاد النقابات العمالية باتخاذ اجراء إن استمر العمل بالاتفاقية. بالاضافة الى هذين الاتحادين فقد حصل الساعدي ايضا في نفس المؤتمر على دعم نيابي متمثلا بالنائبة عالية نصيف. وهذه النائبة قد اوضحت بان الاتفاقية تعتبر دولية تدخل في نطاق قانون المعاهدات كونها حق استراتيجي حسب تعبيرها. وبموجب هذا القانون يستطيع مجلس النواب مناقشة الاتفاقية وإبداء رأيه فيها (وهو ما يعني بان اتفاقية مشروع الانبوب تدخل ايضا في نفس نطاق هذه المعاهدة). وان الاتفاقية على هذا لن تدخل حيز التنفيذ ما لم يصوت المجلس عليها بنسبة الثلثين. وهذا في الحقيقة ليس إلا تهديد لرئيس الحكومة الفاشل وداعميه بدخول مجلس النواب على خط الازمة. وقد هدد الساعدي نفسه في احدى اللقاءات المتلفزة باللجوء الى القضاء في حال فشل هذه الاجراءات في وضع مصالح صناعيي القطاع العراقي الخاص في المقدمة اولا. وقد اتى نشاط الساعدي ثماره بسرعة البرق حيث انه لم تمض بضعة ايام على آخر ظهور اعلامي له وبعدما ان كان هو واتحاده مهملَين صارت الحكومة تصغي اليه بشخص نفس وزير الصناعة. ثم جرى وضعه في لجنة مشتركة مع وزارة الصناعة للبحث في استبعاد وشطب البضائع الواردة التي تضر بالصناعة العراقية (3). وفي آخر المطاف جرى تعديل الاتفاقية مع الاردن بحيث ظهر خبر مجتزأ يفيد بتقييد الواردات الزراعية منها بحيث لا تدخل العراق إلا عند شحة المنتوج المحلي وليس كيفما كان قبلها (4). اقول انه يجب الاقتداء بما فعله الساعدي. فهذه هي الطريقة الوحيدة للحصول على نتائج.

لن تتحقق ازاحة الفاسدين على المدى القصير. لذلك يتوجب العمل بما لدينا والضغط على هؤلاء للكشف عن امر هذا المشروع المريب بدلا من التراجع والانزواء. فالانزواء والصمت هو احسن خدمة يمكن تأديتها لهؤلاء. لذلك فعلى جميع من يهمه مصير البلد التحرك بسرعة لكشف حقيقة مشروع الانفاق الحاتمي هذا في موضوع خطر يتعلق بالاموال العامة مما يراد إبقاؤه في الظلام.


روابط المقالة:

(1) وزير الصناعة يكشف تطورات مشروع أنبوب النفط مع الأردن بـ 18 مليار دولار
http://www.akhbaar.org/home/2019/2/254929.html

(2) مؤتمر رفض الاتفاقية العراقية الاردنية على صفحة المهندس علي صبيح الساعدي
https://www.facebook.com/eng.ali.sabeeh/videos/1220030924812092

(3) الجبوري « يبحث الاعفاءات الضريبية على السلع الاردنية ومدى تأثيرها على المنتجات العراقية
http://newsabah.com/newspaper/177424

(4) الأردن تعلن توقيت عمليات تصدير واستيراد المنتجات مع العراق.. والطماطم أول السلع
https://baghdadtoday.news/ar/news/77117/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%86-%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%86-%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%AA-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%AA




 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter