| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 3 / 1 / 2025 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
ماذا يكشف لنا تنقل الشرع من مجموعة ارهابية الى اخرى ؟
سعد السعيدي
(موقع الناس)من خلال السيرة المعروفة لحد الآن حول الارهابي الجولاني - الشرع والمنشورة في المواقع الاعلامية قد لاحظنا تنقله في فترة ما بين المنظمات الارهابية. سنحاول ان نظهر هنا ما يجري التحاشي عن ذكره بين ثنايا سطور الاخبار. وسنختصر اسمه على الشرع.
يقول الشرع في تلك السيرة انه في تموز 2016 قطعت مجموعته جبهة النصرة علاقاتها بتنظيم القاعدة، وستعرف من الآن فصاعداً باسم جبهة فتح الشام. ثم أعاد لاحقا هيكلة الاخيرة لتصبح هيئة تحرير الشام، التي هي ائتلاف من الفصائل الإسلامية بقيادته. وهو امر ربما في ظاهره لا يبدو مهما. قبل هذا التاريخ كان يعمل مع الارهابي الزرقاوي منذ العام 2003 حتى مقتله. ثم انتقل للعمل تحت امرة الارهابي ابو بكر البغدادي بعدما انظم الى تنظيمه العام 2008 حتى تاريخ قطع العلاقة الآنف.
لما نعرف جميعا بان تنظيمَي القاعدة وداعش هما تنظيمان انشأهما الامريكيون، وإن هيئة تحرير الشام هي تنظيم يدعمه الاتراك وربما يكونون هم ايضا من انشأه، لا تكون هذه الاحداث إلا توضيحا لما كان يجري على ارض الواقع. بمعنى ان الشرع كان في الحقيقة قد قطع علاقته بالامريكيين الذي كان الارهابيان الزرقاوي والبغدادي يعملان تحت قيادتهم وانتقل الى الحضن التركي. وتوضيح آخر وجدناه في الاعلام من خلال البحث يؤكد علاقته بالاخيرين هو ان الشرع بعد دخوله الى دمشق قد التقى مع وفدين من حكومتي قطر وتركيا. البعض المدعوم ربما من احد دول الخليج سماه الاعتراف الدولي به بينما لم يكن هذان الوفدان في الحقيقة إلا ممثلَي داعميه.
لكن ما الذي تكشفه لنا هذه التنقلات في الخلفية بشأن العلاقات التركية الامريكية ؟ ما تكشفه هو ان هذه العلاقات ليست على ما يرام، وانها ليست في الحقيقة إلا خلافات عميقة. فهناك خلافات بينهما حول دعم الامريكيين للاكراد في سوريا والعراق، واخرى حول حركة غولن المتهمة بتدبير الانقلاب الفاشل في تركيا، وحول الروس عندما فضل الاتراك شراء نظام دفاع صاروخي منهم عرضهم بعدها الى عقوبات امريكية بسببه، غير اخريات كثيرة من بينها حول قبرص والقوقاز وغزة. والاستنتاج الذي نصل اليه هو ان الاتراك وفي نفس وقت جلوسهم مع غرمائهم هؤلاء في حلف واحد كانوا يبحثون عن طرق لرد التحايا باحسن منها، فوجدوا الحل فيما يبدو لنا في الحركات الارهابية التي انشأها هؤلاء. فصاروا يسعون الى إضعافها وذلك بكسب اعضائها لمنظماتهم هم. وهو ما جرى مع الارهابي الشرع وقطعا مع الكثيرين من امثاله. ويبدو لنا ايضا بان الامريكيين قد اسقط في يدهم فلم يفعلوا الكثير لاسترداد ما خسروه. المثير في الامر هنا هو ان الشرع لا يبدو عليه الاهتمام بتنقلاته هذه بين تلك الجماعات المختلفة وإن كانت مجاميع من الذباحين الارهابيين القتلة وخبراء التفجير بالمفخخات. فالمهم لديه هو ربما المال وقوة الطرف الداعم او مصداقيته وربما ايضا الاوضاع على الارض. وهو طبعا آخر من سيوضح لنا اسباب تنقلاته هذه.
إن السهولة الكبيرة التي يتنقل بها الارهابيون من امثال هذا الشرع بين المجاميع الارهابية يدلل على ضعف الفكرة والارتباط بشكل لا يمكن إلا ان يثير الضحك والسخرية الشديدين. وهي عملية تشبه عندهم تبديل الملابس. ويشير الى ضعف الاهداف التي يسعون من اجلها. ويكشفون بالنتيجة عن انهم ليسوا إلا ادوات وبيادق ممن تتعارك عليهم القوى الاقليمية والدولية المتصارعة فيما بينها لفرض نفسها على الميدان بمعيتهم. وهو ما يكشف ايضا عن مهازل الصراعات بين تلك الجماعات الارهابية المختلفة نفسها، ليس على فكرة سامية وإنما على إضعاف منافسيها لتحقيق الاهداف الخاصة بجهاتهم الداعمة. انه صراع السيطرة على الارض وتقوية الادوات الخاصة على حساب الاخريات للمنافسين الآخرين.