| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 25 / 6 / 2023 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الجامعات الاجنبية في العراق
سعد السعيدي
(موقع الناس)لوحظ في خلال هذا العهد غير الوطني في العراق وبحجة الانفتاح الثقافي ازدياد حالات منح اجازات فتح الجامعات الاجنبية فيه. وهو ما يؤدي الى التساؤل عن الاسباب الكامنة وراء هذا الشغف الحكومي في تهميش الجامعات العراقية ونظام الدولة التعليمي.
إن افتتاح الجامعات الاجنبية من غير الوطنية يجب ان يحدث وفقا لحاجة البلد لا عشوائيا ووفقا لاهداف وتوجهات سياسية محددة. والتساهل مع اشكال هذه الجامعات سيجري قطعا على حساب الجامعات العراقية الحكومية التمويل والوطنية الاهداف وتهميشها. فهل يؤخذ هذا بنظر الاعتبار لدى منح رخص الافتتاح لهذه الجامعات ام لا ؟ وهذه الجامعات تكون دائما خاصة، اي مدفوعة الاجر وتكون بذلك غالية. بهذا لن يكون بمقدور الجميع التسجيل فيها. اي انها تكون دائما حكرا على مجاميع محددة دون الاخرين. وهذا مع العلم بان هدف إنشاء الجامعات الحكومية اصلا كان لخدمة حاجات التعليم في البلد في كافة مستوياته وللجميع بلا استثناء.
كنا قد نشرنا في السابق مقالة حول المدارس الدينية الايرانية في العراق المسماة بمدارس الامام الخميني وكيف كان يراد تعميمها على كافة محافظات البلد ابتداءاً من المحافظات الحدودية الشرقية. والان نرى مع الهوس الاسلامي في العراق على تعميم افتتاح الجامعات الاسلامية الايرانية فيه وكأنه اكمال لعملية نشر تلك المدارس الآنفة. ويكون من حقنا السؤال الى اين يراد الذهاب بالعراق في ظل محاولات ربطه ثقافيا ولاحقا سياسيا بالافكار والتوجهات الايرانية. لقد فرض قانون التعليم العالي الاهلي رقم (25) لعام 2016 على الجامعات الاهلية شروطا لافساح المجال لها للتدريس في العراق. نسأل إن جرى ويجري تطبيقها عمليا في اجواء التبعية التي نراها في البلد خصوصا مع وزيرها الحالي الايراني التوجه ؟ للتنبيه فاننا لا نعرف للآن اعداد الجامعات الايرانية التي افتتحت في العراق ولا اسمائها.
ومن حقنا التساؤل إن كان ثمة تدقيق امني على الجامعات الاجنبية خصوصا الاسلامية التي كلها اهلية خاصة وعلى خلفيات اساتذتها مهما كانت جنسياتهم ؟ لم نجد مثل هذا التوضيح في قانون التعليم اعلاه. والقانون نفسه يخلط عمدا بين الجامعات الاهلية العراقية وتلك الاجنبية حيث لم يضع المشرع شروطا للتمييز بينهما. وهذا على الرغم من وضع جهة فيه لمراقبة عمل هذه الجامعات الاهلية نحسب إن الاجنبية من ضمنها اسمها مجلس التعليم العالي من ضمن الوزارة المسؤولة. وهذا المجلس هو اعلى هيئة علمية وادارية تقوم بالاشراف على التعليم الاهلي حسب نفس القانون. السؤال هو هل يجري تطبيق هذا القانون كما يجب ؟ إذ لما تكون سلطة الدولة الرقابية على هذه الجامعات اصلا موضع شك فهذا معناه فتح الباب امام تسميم عقول شبابنا بالافكار من توجهات دولها الاصلية. فهي ليست بالافكار ذات التوجه العراقي الوطني. وهذا إن لم تكن الجامعات نفسها اوكارا تجسسية من خلف الواجهة التعليمية. وكان يجب على مجلس النواب وضع بند لتدقيق امر هذه الجامعات قبل تشريع القانون وفتح ابواب البلد امام هؤلاء. فهذا القانون هو قاصر جدا في تنظيم امر هذه الجامعات.
وقد قام الاعلام عدة مرات بايراد امر احدى الجامعات الايرانية النشطة في افتتاح فروعا لها في البلدان العربية وهي جامعة آزاد الاسلامية.
وهذه هي جامعة شبه خاصة في إيران وإحدى أكبر الجامعات في العالم حيث يقع مقرها في طهران. أسسها وأنشأها أكبر هاشمي رفسنجاني وفي اخبار اخرى الامام الخميني. ولها فروع في جميع أنحاء إيران واخرى في بلدان مثل الإمارات وعمان والعراق وسوريا ولبنان والمملكة المتحدة وأفغانستان. يتكون مجلس ادارة الجامعة من تسعة أشخاص، رئيسه هو علي أكبر ولايتي مستشار الخامنئي. والاعضاء هم عبد الله الجاسبي وعلي أكبر ناطق نوري وحسن الخميني ومحسن قمي وعلي محمد نوريان وحميد مرزاده. حسن الخميني هو احد احفاد الامام الخميني وسادن مرقده. ويترأس ولايتي ايضا مجلس الأمناء في الجامعة. وهو ما يظهر مدى التداخل بين النخبة السياسية الحاكمة والأنظمة التعليمية والثقافية، خصوصاً في أنشطتها الخارجية. وخلال فترة حكومة عبد المهدي كان ولايتي قد اعلن عن انه قد جرت الموافقة على افتتاح فروعا لهذه الجامعة في كافة المحافظات العراقية.
وقد عبر ولايتي صراحة عن اهداف هذا التوسع ليس فقط في العراق وإنما في بلدان عربية اخرى بالقول أن "تأثير إيران في القوة الناعمة يساعد على نشر الإسلام في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك الصين والهند والعالم العربي"، مع التركيز بشكل خاص على "الإسلام الشيعي". وهذه هي اهداف ايديولوجية وسياسية ايرانية. وفي مناسبة اخرى قال بان افتتاح فروع الجامعة الجديدة هو لكي "تساعد المزيد من الشباب العراقيين واللبنانيين على الحصول على التعليم العالي ولتدريب الجيل التالي من المقاومة".
لاحقا وحسب موقع “إيران إنترناشيونال” الإيراني في خبر في تموز العام الماضي ذكر بان العراق قد الغى الاعتراف بمجموعة جامعات من قائمة الجامعات التي تعترف بغداد بشهاداتها. من ضمن هذه 27 جامعةً إيرانيةً من بينها جامعة آزاد هذه. وقد اعتمد العراق في قراره على التصنيفات العالمية لتلك الجامعات.
من الجهة الاخرى المقابلة فان امور الجامعات الامريكية المفتتحة في العراق ليس هو باحسن حال من تلك الايرانية. فمن مقالة للكاتب علاء اللامي تعود لصيف العام الماضي على موقع الحوار المتمدن نأخذ بضعة معلومات عن الجامعة الامريكية في بغداد. يذكر اللامي بان الحكومة في بغداد قد اعطت الضوء الأخضر لفاسدين فيها كي يستولوا على 107 دونما من الأراضي وقصر الفاو الرئاسي تحت اسم مشروع مشبوه وملفه تحت نظر هيئة النزاهة هو "الجامعة الأمريكية ببغداد". هذا المشروع تتولاه شركة التعمير لصاحبها سعد وهيب الصيهود. ايضا فقد أفاد مصدر مسؤول بوزارة التعليم العالي بان "الجامعة الأمريكية في بغداد هي جامعة اهلية عراقية حاصلة على موافقات من وزارة التعليم، ولا تمتلك حتى الآن موافقات من أية جامعة أمريكية، سواء من داخل الولايات المتحدة أو من الجامعات الأمريكية في الدول المجاورة، ولا أساس لصحة كل ما يشاع بخصوص ذلك". ويبدي المصدر استغرابه "من منح قصور رئاسية وبحيرة ومنتجع حكومي إلى جامعة أهلية وبثمن بخس جدا بموافقة الحكومة وبتفريط من رئاسة جامعة بغداد ووزارة التعليم العالي عندما كان عبد الرزاق العيسى وزيرا للتعليم وعلاء عبد الحسين الكشوان رئيسا لجامعة بغداد ومساعده الإداري رياض خماس، وهؤلاء الثلاثة كانت تصدر الموافقات من مكاتبهم، فيما كان هذا الملف محالا إلى النزاهة".
وبالنسبة للجامعة الامريكية الاخرى في السليمانية نعيد هنا ما ذكره اللامي في نفس مقالته حولها من تعريف على الموسوعة الحرة ويكيبيديا حيث تقول: "تأسست الجامعة الأمريكية في السليمانية في العام 2007. عند تأسيس الجامعة، كان من بين مجلس الإدارة عدد من المقربين للنظام الأمريكي ومن مؤيدي الحرب على العراق منهم فؤاد عجمي وبول وولفويتز إلى جانب دوف زاخيم وكنعان مكيّة. وهؤلاء طبعا هم من ذوي التوجهات الصهيونية. ذكرت تقارير عديدة بأن الجامعة تم تشكيلها والدعاية لها من قبل مقربين من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الإبن. كذلك وإن مجلة كاونتر بونج قد نشرت مقالا بقلم أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في الجامعة مارك كروتر قال فيه إن الجامعة تعمل كأداة سياسية أكثر من كونها اداة تعليمية. وفي العام 2010 نشر موقع "الترا نيت" مقالا كتبه أستاذ اللغة الإنجليزية السابق في الجامعة جون دولان والذي وافق وأكد وجهة نظر كروتر ولخص بالتفاصيل علاقة الجامعة بدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الذي قاد عملية احتلال العراق وتدميره وجون ارغيستو. وفي 2011 قام موقع "صالون كوم" بملاحظة علاقات الجامعة بجورج دبليو بوش وحماية دونالد رامسفيلد وجون ارغيستو الذي أصبح عميد الجامعة في ما بعد.
اما الجامعة الأميركية في دهوك فهي سيئة على المستوى العلمي. وقد فشلت حتى الآن في الحصول على الاعتماد من قبل المنظمات الأمريكية التعليمية كما قال الكاتب الأمريكي الشهير مايكل روبن في مقالة أخرى ترجمتها جريدة "العالم الجديد" ونشرتها في كانون الاول عام 2021.
في هذه المقالة يقول روبن بان الجامعة الامريكية هذه تنعدم فيها حرية التعبير ويجرم الاستفسار الحر. ويردف بان "موظفي الجامعة وطلابها يعترفون صراحة بالهيمنة السياسية عليهم، وأنهم قد يواجهون خطر الاعتقال أو الفصل من الجامعة لمجرد إبدائهم أي تساؤل يتعلق بأسباب انسحاب قوات الأمن التابعة لمسرور بارزاني من سنجار والتخلي عن حماية الإيزيديين على الرغم من طلب القرويين تعزيزات أمنية في الأسابيع التي سبقت صعود الدولة الإسلامية (داعش)، أو لمجرد مناقشة جهود مسرور الكارثية بإجراء استفتاء الاستقلال في العام 2017، أو مع أي محاولة لاستكشاف مواطن الفساد في حكومة الإقليم، ما أدى إلى غلق فضاءات الحرية فيها بالكامل".
وينتقد روبن، عضوي مجلس إدارة الجامعة، بيتر غالبريث وبرنارد كوشنير "بسبب صمتهما عن انتهاك حقوق الإنسان، حيث أعطيا الأولوية لمبدأ الربح أكثر من التعليم".
إننا نرى واستنادا الى نموذج جامعة آزاد الاسلامية بان جامعات ايران الاسلامية هي جامعات لا يمكن إلا الحذر منها ومن اشباهها. فكم من هذه الجامعات هي مؤسسة لخدمة اهداف ايديولوجية ؟ إن لا من شك لدينا من ان الجامعات الاسلامية الايرانية تقوم بنشر الافكار الدينية الطائفية. فامر انشاء فروع لهذه الجامعات خارج بلدها الاصلي يعكس الرغبة في الدعاية للنظام السياسي غير نشر الافكار الاخرى التي لن تكون وطنية للبلد الضيف. ولما نعلم ان التعليم في اي مكان وبموازاة كونه تعليما هو ايضا عملا سياسيا يهدف الى دعم الوحدة الوطنية وتثبيت دعائم فكرتها، يكون امر ادخال جامعات اجنبية غير واضحة التوجه امرا محفوفا بالمخاطر. وهذا خصوصا مع ملاحظة تفنن مختلف القوى الدولية حوالينا لبسط سيطرتهم على منطقتنا وبلداننا. من الناحية الثانية قد وجدنا بان السماح للجامعات المسماة بالامريكية للعمل في بلدنا يسهم في فتح اوكار للتجسس وربما ايضا تجنيد الطلبة في هذه الاعمال المرفوضة. فقط للتنبيه فبلدنا ليس حقلا للتجارب واننا لسنا ولن نكون بيادقا في خدمة مخططات هذا وذاك.
مهما يكن من امر فان السماح للجامعات الاجنبية بالعمل في العراق هو تهميش لجامعاتنا الحكومية الوطنية ومعه إضعاف اهداف الدولة الوطنية المتمثلة بتهيئة الشباب لخدمة بلدهم هم لا اي بلد اجنبي. يلاحظ بان انتشار اشكال هذه الجامعات لا يحصل إلا في البلدان الفاشلة التابعة التي ينخرها الفساد.