|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  24  / 9  / 2024                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

دعوى قضائية دولية ضد الامريكيين عن جرائم حرب لدى قصف البنى التحتية المدنية خلال حرب الكويت - 21

سعد السعيدي
(موقع الناس)

خلال حرب الكويت العام 1991 قام طيران التحالف الامريكي بقصف مواقع مدنية لا علاقة لها باهداف تلك الحرب. وهو ما استدعى التساؤلات حول الاهداف الحقيقية لها.

في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش الذي ذكرناه في المقالة السابقة عن عمليات القصف هذه (انظر اسفل المقالة) جرى توثيق سلسلة من العمليات (يسميها تقرير المنظمة بالتقصير في الالتزام باجراءات تجنب التسبب بالاذى للمدنيين) التي قام بها طيران التحالف والتي عدا عن قصف الملاجيء، تمثلت بقصف المنشآت المدنية مثل اسالة الماء وتلك المتعلقة بالزراعة وخزن الاغذية. ويكشف التقرير بان النقص في الغذاء في العراق الناتج عن العقوبات التي فرضت عليه وفقا لقرار مجلس الامن الدولي رقم 661 لعام 1990 وباقي القرارات الاخرى قد تفاقم بفعل عمليات القصف التي طالت بعض منشآت الاغذية والزراعة. مثال هذه :

- قصف اربعة مخازن حكومية للاغذية في الديوانية جنوب بغداد.

-
مهاجمة معمل جديد للحليب يقع على مسافة 30 كيلومترا جنوب البصرة.

-
تدمير مطاحن للقمح وصوامع غلال.

-
تضرر عدة منشآت لاسالة الماء في البصرة من ضمنها تعرض واحدة للتدمير الكامل في حي البراضعية الكثيف السكان.

يضيف التقرير قائلا بانه لا توجد علاقة لأي من هذه المنشآت بالمجهود الحربي حسب تعريف البروتوكول الاول لاتفاقيات جنيف لعام 1949. بذلك يمنع هذا البروتوكول مهاجمة هذه المنشآت المدنية.

بالاضافة الى هذه المنشآت فقد وثق تقرير المنظمة قيام طائرات التحالف بقصف شبكات الكهرباء في البلد بالكامل. من ضمن هذه اربعا من منشآت التوليد الكهرومائية الخمسة. وهو عمل كان الامريكيون قد كرروه في الحرب اللاحقة العام 2003. مما لا شك به فان تدمير هذه الشبكات سيكون له تأثير على المجهود الحربي حسب نفس التقرير. بيد ان الثمن الواقع على السكان المدنيين نتيجة هذا القصف كان قاس. فقد جرت اعادة العراق من بلد حديث متقدم الى عصر ما قبل الصناعة. إذ ادى انقطاع التيار الكهربائي الى تعطيل اجهزة حفظ المواد الغذائية ومعها انظمة الري الضرورية للزراعة. كذلك توقفت منشآت اسالة الماء التي تعتمد على الكهرباء ومضخات تصريف مياه المجاري عن العمل هي الاخرى. وهو ما ادى الى مخاطر على الصحة العامة. وتأثرت ايضا بانقطاع التيار الكهربائي المستشفيات والعيادات الطبية بحيث اجبرتها الى التحول الى المولدات الخاصة بها ذوات القدرات غير الكافية. اما الادوية واللقاحات التي تستوجب الحفظ في اماكن مبردة فقد تعرضت للتلف. هذه النتائج المركبة المكونة من انعدام النظافة والمياه الملوثة وشحة الطعام قد اثرت على اوضاع الاطفال من اعمار الاقل من سنة.

وفي سياق النقاش الذي ذكره التقرير بين المنظمة والقادة العسكريين الامريكيين ذكرت الاخيرة اعتراف البعض من راسمي الخطط لدى سلاح الجو الامريكي بان عمليات قصف شبكات الكهرباء كانت تهدف لدفع العراقيين للثورة على نظام صدام حسين. اي انها كانت عملية ابتزاز. وتضيف المنظمة قائلة بانه مهما كان الهدف من هذه العمليات الحربية فانها تتعارض بشكل لا يقبل الجدل مع اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين في اوقات الحرب، وتمثل بموجب هذه الاتفاقيات جرائم حرب. ونضيف نحن من جانبنا بانه لا يتوضح من هذه العمليات إلا من كونها عمليات انتقامية ضد الشعب العراقي. ويمكن حتى ان ترقى الى مستوى الاعمال الارهابية.

وفي مكان آخر من التقرير جمعت هيومن رايتس ووتش شهادات من عراقيين، ومعلومات اضافية عن حوادث تعلقت بالخسائر على الارض والاضرار الناتجة في انحاء العراق خلال حرب الكويت. وهي ايضا مما لا يمكن ان يتوضح منها إلا من كونها عمليات انتقامية ضد الشعب العراقي. وطبعا لم تتمكن المنظمة من جمع الشهادات عن كل ما قام به الامريكيون وحلفائهم عن عملياتهم. إلا انها تعطينا فكرة عما ارتكبه هؤلاء. وقد اخترنا منها فقط ما يخدم فكرة المقالة وبشكل مختصر نظرا لضيق المجال كما يلي:

- تدمير مبنى البنك المركزي العراقي الذي يتواجد على ضفة نهر دجلة وسط بغداد حيث تعرض الى قصف من قبل طيران التحالف الامريكي. وامر قصف مباني المصارف كنا قد اوردناه في احدى المقالات السابقة بالتسلسل (10). والبنك كان يتألف من ستة طوابق حيث بدا وقد انشطر طابقه العلوي الى جزئين حسب رواية احد الشهود.

- ذكر احد العمال السودانيين لصحيفة الاندبندنت بان محطة الحافلات المركزية في منطقة العلاوي في بغداد قد تعرضت لهجوم قتل فيه اثنان وجرح العشرات. وقد قابلت المنظمة ايرانيين كانوا قد وصلوا للمحطة من مدينة الحلة حيث شاهدوا حفرة كبيرة وسط ساحتها. وقد قيل لهم بانه كان هناك ربما 40 الى 50 شخصا كانوا ينتظرون الباصات قد لقوا حتفهم وجرحوا لحظة حصول القصف الذي جرى في 25 كانون الثاني.

- جمعت المنظمة شهادات من اشخاص من سكنة بغداد ممن هربوا للاردن حول هجمات وإن كانت غير دقيقة استهدفت الجسور فيها، مثل جسور الصرافية والاعظمية والجمهورية. إذ لم تسقط الصواريخ عليها مباشرة، وإنما بعيدا على الممتلكات الخاصة مثل المتاجر والبيوت مما تسبب في مقتل مدنيين واضرار للممتلكات بعضها فادح. وبشأن جسر الصرافية فقد حاولت الطائرات المغيرة حسب الشهود قصفه عدة مرات كلها باءت بالفشل بسبب كثافة نيران الدفاع الجوي. واضطرت بسبب هذا الى إلقاء قنابلها بشكل عشوائي بحيث سقطت على عدة بيوت ومطعم دمرت كلها كانت تقع على مبعدة 200 متر عن الجسر. وبالنسبة لجسر الجمهورية فقد افلح طيران التحالف لاحقا بقصفه لكن ليس من غير الحاق الاضرار بالمناطق السكنية على مئات الامتار منه.

- محاولة قصف مصفى الدورة جنوب بغداد من قبل طيران التحالف في ثاني ايام الحرب. لكن تضرر خلال المحاولة خمسة مجمعات سكنية تبعد مسافة اقل من كيلومترين من المصفى نفسه.

- في البصرة حصلت المنظمة على معلومات عن تعرض المستشفى التعليمي العام فيها للقصف في 26 كانون الثاني. وكان المستشفى يبعد مسافة 25 مترا من شارع الكورنيش الذي يمر بمحاذاة شط العرب. ويوجد اعتقاد بان الهدف الاصلي كان هو جسر التنومة الذي كان يبعد مسافة 35 مترا من المستشفى. وكان احد العمال الهنود في البصرة قد قال بان برج التلفزيون وجسر التنومة ومكتب البريد قد جرى قصفها كلها. ومعها قد دمرت ايضا بالقصف محطة الكهرباء التي كانت تغذي البصرة. وهو ما ادى الى انقطاع مياه الشرب عن المدينة.

- تعرض محطة قطار المعقل في البصرة للقصف بغارة ليلية لقوات التحالف. وقال احد سكان المدينة للمنظمة بان المحطة كانت قد قصفت في اول ايام الحرب. ثم قصفت مرة اخرى بعد عشرة ايام. ومع هذا القصف تضرر مصرفا وبيوتا كانوا على الجهة الاخرى من الشارع الذي كانت تقع عليه المحطة. وقد سقط نتيجة القصف 36 شخصا من القتلى والجرحى.

- تدمير معمل البيبسي في البصرة الذي يقع في منطقة صناعية قرب الميناء تدميرا تاما بفعل القصف. وقد كشف مراسل للواشنطن بوست بان المعمل كان يقع قريبا جدا من مستودع وقود عسكري. (
للتوضيح فإننا لا نصدق محاولات الايحاء بكون الامريكيين هم بمثل هذه الدرجة من الغباء وعدم التمييز خصوصا مع الاصرار على التكرار/ س.س).

- جرى قصف مكاتب الادارة العامة لشركة نفط الجنوب في البصرة الواقعة في شارع مالك بن دينار. وهذا على الرغم من وجود لوحة خارج المبنى المكون من ثلاثة طوابق مذكور عليها اسمها. وكانت قوات التحالف قد قامت خلال الحرب بقصف مصافي النفط ومنشآت تخزينه في جميع انحاء العراق.

- ذكر صحفي في البصرة للمنظمة بان المدينة كانت قد ضربت بقوة في إحدى الليالي. فقد رأى تعرض مسجد قديم خارج المدينة للاضرار. وكان هذا المسجد يقع على مسافة 200 متر من المستودعات عند حافة شط العرب. وقد خلفت القنبلتان حفرتان بقطر اربعة امتار لكل منهما.

- في قضاء الزبير جنوب العراق قد جرى تدمير المستشفى الوحيد فيه. وقد شهد صحفيان على الاقل ممن زاروا القضاء بعد الحرب بان المستشفى الجمهوري العام ذو الاربعمئة سرير قد دمر بالكامل في قصف قوات التحالف.

- بعد الاسبوع الثالث من الحرب جرى قصف محطة للحافلات وسط مدينة الحلة خلال الليل. وقد تسبب القصف بقتل وجرح مدنيين. وقد رأى شهود عيان بعد ثلاثة ايام من القصف وجود الكثير من السيارات المحترقة والمتضررة، وكذلك بضعة متاجر متضررة.

- في قضاء الرطبة غرب العراق جرى قصف البرج الواقع على مبنى البريد المكون من اربعة طوابق. وفي اليوم التالي جرى قصف المبنى مرة اخرى وتدميره تماما. ومكتب البريد هذا هو الوحيد الذي في المدينة. كذلك فقد جرى قصف إحدى مدارس القضاء التي هي واحدة من خمسة مدارس فيه. وقد قصفت بصاروخ يومين بعد قصف مبنى البريد مما ادى الى تضررها بشكل كامل. ومع هذين المبنيين قصفت طائرات التحالف في المدينة فندقا من سبعة طوابق. وقد سقط في القصف العديد من القتلى المدنيين.

- في شمال العراق علمت المنظمة عن تعرض اهدافا غير عسكرية للقصف. من هذه قصف معمل للسكر في السليمانية، ومعمل للنسيج ومستشفي ابن البيطار ومنشأة لغاز التدفئة في الموصل. وقد جرى تقدير الخسائر بين المدنيين في الشمال بضمنها المنطقة الكردية بثلاثة آلاف شخص. كذلك فقد ذكرت المنظمة عن مصادر محلية في المنطقة الكردية بان من ضمن ما جرى قصفه هو سد صدام شمال الموصل ومحطة كهرباء الدبس ومحطات تلفزيونية في كركوك والموصل ومنجما لليورانيوم قرب سرسنك.

استنادا الى ما تقدم نطالب برفع دعوى قضائية دولية ضد الحكومة الامريكية وحلفائها عن جريمة قصف البنى التحتية المدنية خلال ما سمي بحرب تحرير الكويت. وهو ما يشكل جرائم حرب كون هذه البنى لا علاقة لها بتلك الحرب. ولابد من المطالبة في الدعوى بدفع التعويضات الكاملة للعراق عن هذه الجرائم.

مصدر المقالة:
وفيات غير ضرورية في حرب الخليج، نيويورك، هيومن رايتس ووتش، 1991. تقرير منشور باللغة الانكليزية يمكن تحميله من الشبكة.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter