| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 24 / 3 / 2022 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الضغوط على العراق للتخلي عن الدعم الحكومي..
سعد السعيدي
(موقع الناس)دأبت حكومات 2003 على الاعلان بين فترة واخرى عن ضرورة رفع الدعم الحكومي عن جملة من السلع. ورفع الدعم هذا هو ما تطالب به مؤسسات المال العالمية التي تقودها امريكا.
والفكرة التي يريد البعض ايصالها هي ان اشكال الدعم هذه تؤثر على الموازنة العامة. لذلك فمن خلال الغائه ستتخلص الدولة من اعباء مالية كبيرة تؤثر على مصاريفها الاخرى بالسلب. وهي كما يرى طريقة تفكير ليبرالية. لهذا يقال بان سياسة الدعم الحكومي هي ما يتوجب اعادة النظر فيه. والنتيجة هي ما درج على تسميته بسياسات الاصلاح الاقتصادي في العراق والمتمثل في انسحاب الدولة الكامل من تطبيق سياسة دعم الاسعار. وقد لوحظ قيام السفير الامريكي نفسه في بغداد بمتابعة امر هذه الاصلاحات المسماة بالاقتصادية. وهو نشاط لا نعرف إن كان يندرج في صلب عمله ام لا.
وقد انصاعت حكومات 2003 لهذه الضغوط مع غياب الدور الرقابي النيابي وتواطوئه الدائم معها. فالتزم العراق وتعهد امام صندوق النقد الدولي وغيره من المنظمات الدولية برفع الدعم الحكومي وتحرير السوق العراقية. سنقوم هنا بعمل مقارنة بسيطة حول امور الدعم هذه التي يراد فرض إلغائها على البلد.
كان اول اتفاق تم توقيعه مع البنك الدولي قد جرى في ايلول العام 2004 بمعية وزير المالية وقتها ومحافظ البنك المركزي. وكان اسم الاتفاق هو مذكرة السياسات الاقتصادية والمالية ومذكرة التفاهم الفنية ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي. وكان الهدف بحجة مساعدة العراق ايجاد الحل للديون الخارجية مثل اعادة جدولتها او شطبها هو الحصول على القروض.
من ضمن ما يراد رفع الدعم عنه باسم هذا الاصلاح الاقتصادي هو اسعار المستهلك. من اشكالها هو الدعم المقدم للبطاقة التموينية التي تضمن للمواطن الحصول على ما يحتاجه بصورة منتظمة ومضمونة. وهناك ايضا الدعم المقدم لاسعار الطاقة كالمشتقات النفطية المستخدمة في القطاعين الانتاجيين الرئيسين وهما الزراعة والصناعة. وايضا فهناك الدعم لاسعار وحدات الطاقة الكهربائية. وحتى مؤخرا في عهد حكومة الكاظمي الحالية قامت هذه ضمن مسلسل الانصياع بتعديل سعر صرف الدولار. وهذا عدا عن الضغوط الاخرى المتمثلة ببيع القطاع العام والخصخصة.
بالمقابل فمما تتغاضى عنه المؤسستان العالميتان البنك الدولي وصندوق النقد الدولي صاحبتا الاملاءات المفروضة اعلاه تماما هو الدعم الحكومي الامريكي للشركات الامريكية. وهو ما سنوضحه من الامثلة التالية. وهذه هي من الامور التي كان يتوجب لحكومات 2003 وداعميها المحليين الانتباه لها. ونبدأ ادناه...
في العام 2009 بعد الازمة المالية العالمية قامت حكومة الرئيس اوباما بدعم شركة جنرال موتورز بمبلغ 50 مليار دولار. وذلك للحؤول دون افلاسها واغلاق ابوابها بسبب تلك الازمة. تقوم هذه الشركة بانتاج مجموعة من السيارات المعروفة مثل الجي ام سي والشيفروليت. وقد استخدمت الشركة تلك الاموال لتحديث خطوط انتاجها للتحول الى انتاج انواع جديدة وحديثة من السيارات.
في السنة التالية وفي أول خطاب له عن «حالة الاتحاد» اعلن اوباما عن عزمه وضع 30 مليار دولار تحت تصرف المصارف الصاعدة لمساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على إيجاد فرص عمل. وهذا مع ايضاحه بنفس الوقت بانه لن يستمر فى منح تخفيضات ضريبية لشركات النفط ومدراء صناديق الاستثمار ومن يحققون أرباحا تزيد على 250 ألف دولار سنويا.
ثم في العام 2020 قد كشفت شركة الإيرباص الاوروبية عن اشكال الدعم الممنوحة لشركة بوينغ للطائرات التي هي ثاني أكبر مقاول عسكري للولايات المتحدة. فقالت بان أشكال الدعم الضخم الذي تقدمه الحكومة الأمريكية لتطوير التقنيات من خلال وكالة ناسا هي أيضا دعم ضخم موجه لبوينغ. وكذلك الإعفاءات الضريبية الضخمة والتي تعتبر بحسب البعض انتهاكا لقوانين منظمة التجارة العالمية. وبإنتاجها الحالي لطائرات 787 فقد حصلت بوينغ على اعانات مادية قوية من الحكومات المحلية والحكومة المركزية.
وقد بلغت قيمة الدعم الحكومي المقدم حسب تقرير لمنظمة التجارة العالمية 2.6 مليار دولار استخدمتها الشركة لتطوير طائرات 787 دريم لاينر. علاوة على هذا فقد وصلت قيمة الاعفاءات الضريبية الحكومية الى 5.3 مليار دولار.
وفي فترة سنتي الجائحة جرى تقديم الدعم الحكومي الامريكي لشركات الطيران. فكان إجمالي الأموال المقدمة من الخزانة الأمريكية لقطاع النقل الجوي الذي تضرر بشدة من تبعات الكورونا قد بلغ 12.4 مليار دولار. ممن استفاد من هذا الدعم حسب وزارة الخزانة هي ثمان شركات طيران رئيسية و29 شركة نقل جوي اخرى اصغر. اسم هذا الدعم الامريكي هو برنامج دعم الرواتب لشركات النقل الجوي للركاب. وقد اوضحت الوزارة بان الاموال يمكن استخدامها فقط لأجور الموظفين ورواتبهم ومزاياهم.
وذكرت الوزارة انه في المجمل قد استفادت 93 شركة طيران من أموال برنامج الدعم منذ أن تم صرف الدفعات الأولى لها.
كذلك فهناك دعما حكوميا امريكيا قويا لشركات صناعة السيارات الكهربائية الأمريكية. وهو ما اعترض عليه الاتحاد الاوروبي حيث اشار الى انه يمكن ان يمثل انتهاكا لقواعد التجارة العالمية. كذلك فهناك دعما امريكيا آخر يتمثل بتقديم مزايا ضريبية لمن يشترون سيارات كهربائية أمريكية.
غير هذا تقدم الحكومة الامريكية اعفاءات ضريبية لشركات اخرى مثل امازون. وهو مما وجدناه في الاخبار من خلال البحث والتقصي.
وعدا الامريكيين تقوم كل البلدان الرأسمالية خصوصا في اوروبا بدعم شركاتها الخاصة بالمال. فشركة ايرباص الاوروبية تتلقى الدعم الحكومي بمليارات اليوروهات من كل البلدان المشاركة في صناعتها. وتدعم البلدان الرأسمالية الاخرى شركاتها ومصارفها الخاصة ايضا من المال العام غالبا على حساب الاحتياجات العامة. ولا توجد دولة واحدة حسب علمنا لا تقوم بشكل او بآخر بدعم شركاتها الوطنية والمحلية.
من كل هذه الامثلة لا بد ان يكون واضحا بان هذه المساعدات والدعم المالي الحكومي يهدفان كما يستشف الى الحفاظ على الوظائف ومستويات المعيشة.
نتساءل نحن بعد هذه المقارنة، عن سبب تركيز المؤسسات المالية العالمية البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في فرض ما تسميانه بالاصلاحات الاقتصادية على العراق وامثاله من الدول فقط وتغضان النظر عن بلدهم المؤسس وباقي البلدان الرأسمالية الاخرى ؟ فهذا البلد المؤسس يقوم ومنذ فترات طويلة كما رأينا اعلاه بدعم شركاته المحلية ذوات الامتدادات العالمية بمليارات الدولارات كما رأينا اعلاه من المال العام دون ان تقوم هذه المؤسسات العالمية بالاعتراض عليه ولو بكلمة. فلماذا يراد عندنا رفع الدعم الحكومي عن السلع اليومية والخدمات التي تلبي حاجات الناس دون تطبيق الامر نفسه على الدعم المقدم من قبل الحكومة الامريكية نفسها وباقي البلدان على شركاتهم المحلية الخاصة ؟ ما سبب هذا التمييز في المعاملة والكيل بمكيالين يا ترى ؟
الرسالة التي نريد ايصالها للحكومات العراقية، حكومات نظام 2003 وربيبة من اتى بها ودعمها من القوى العالمية والمحلية المتحالفة معها هي بالكف عن محاولة التصرف ببلاهة امام الشعب والابتعاد عن تنفيذ طلبات الآخرين المتعلقة بالتوجهات الاقتصادية للبلد التي هي شأن داخلي صرف. تلك الطلبات هي ما وجدنا ادراجه في الورقة المسماة بالبيضاء وفي امور اخرى من مثل وثيقة العهد الدولي العام 2007 والمذكرات المذكورة في بداية المقالة قبلها. فهذه كلها ليست إلا اجراءات تكبيلية تهدف الى عرقلة بناء وتطوير البلد. نقول لتلك الحكومات ومن يدعمها خصوصا الاخيرة بضرورة التوقف عن هذا الاستخفاف بالعقول. وإن عليها بدلا من ذلك اتباع خطا وطنيا يحفظ مصالح البلد وشعبه.