| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 22 / 4 / 2023 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
تناقض آخر لمواد الدستور مع بعضها والمصالح السياسية
سعد السعيدي
(موقع الناس)يقول الدستور في المادة (45) تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يساهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان.
تتعارض هذه المادة مع الاخرى المادة (14) في الدستور القائلة بسواسية العراقيين فيما بينهم في جميع الحقوق والحريات. اي ان الدستور يمنع التفريق بين العراقيين منعا باتا. مما نلاحظه من هذا التناقض هو عدم ابداء مشرعو الدستور اهتمامهم بمصلحة البلد قدر اهتمامهم بمصالحهم هم مما سنراه ادناه.
تمثل العشائر كما هو معروف إحدى فئات المجتمع العراقي لا كله. فهي لا تمثل كل العراقيين على الرغم من اصرار البعض احزابا وإعلاما على ادعاء هذا التمثيل. وهذا خصوصا وانه لم يوضح الهدف من منح العشائر امتياز الاهتمام والنهوض بها من قبل الدولة كما تذكر المادة. لكننا ربما نعلم مَن ادرجها واسباب ادراجها في الدستور. إن الاحزاب المتلفحة بالدين هي من ادرج امر العشائر بهذا الشكل في الدستور. إن المعروف للجميع هو ان العشائر تظهر وتصعد لدى كل ضعف او تراجع في سلطة الدولة ونظامها. ولان العشائر يمكن ايضا ان تكون قوى ارتزاق مطيعة فلا من شك لدينا بان من اعاد تأهيلها من خلال الدستور كان يهدف الى خلق امر واقع باستغلال حل الجيش وغيابه. إذ كان يراد فسح المجال لها وهي قوى ما قبل الدولة للحلول كليا محل الاخيرة وقواتها النظامية او لفرضها كقوى موازية. ايضا وبسبب القوانين المتخلفة للعشائر يمكن فرض قيمها لعرقلة تطور المجتمع في المدن مثلا. فالمدن هي اساس التنظيم ومصدره. لذلك فبالاعتماد على العشائر يكون من وضعها في الدستور قد ضمن وجود ادوات نشر الفوضى مع ما تسببه من تهديد للامن والنظام توازيا مع ضمان عدم وقوف الدولة ضدها. وهو ما يشير الى ان الجهات التي ارادت ضمان حماية العشائر من خلال الدستور لا تستطيع حكم العراق إلا عن طريق الفوضى. وقد دخلت الاحزاب السياسية والفصائل المسلحة مع العشائر في حالات تخادم انتخابي حيث تؤمن هذه العشائر الاصوات الانتخابية لهؤلاء. من نتائج هذا هو ما نراه منذ سقوط النظام السابق من تجاوزات العشائر في الارياف كلجوئها لاستخدام الاسلحة منها الثقيلة في نزاعاتها فيما بينها. وقد امتدت النزاعات العشائرية المسلحة الى المدن ومعها انتشار الدكات العشائرية فيها. وهذا مع تظاهر الدولة بالعجز عن مواجهتها. ومع فوضى المعارك العشائرية انتشر السلاح المنفلت وانتعشت اسواقه الى درجة ان التقديرات الحكومية تتحدث عن 7 ملايين قطعة سلاح ما بين خفيف الى متوسط فثقيل. وكل هذا يشكل خطرا على الامن الوطني ويهدد مصالح البلد. هذا هو نتاج هذه المادة الدستورية التي اريد بها من الدولة ان تحرص على النهوض بالقبائل والعشائر...
وكان النظام السابق قد قام في اوقات ضعفه باعادة تأهيل العشائر. إذ كان يريد الاعتماد عليها كقوى قمعية موازية يمكن الاعتماد عليها في السيطرة على البلد بعدما فقد الثقة بجيشه. لذلك فمن الواضح بان مادة الدستور هذه قد جيء بها لغاية تكريس ما جرى احيائه في تلك الفترة وضمان عدم التراجع عنه.
نستغرب عدم انتباه مشرعي الدستور الباقين الى تناقض مادة العشائر هذه مع مواد الدستور الاخرى وعدم انتباههم الى نتائجها عندما وضعوا تواقيعهم النهائية على الدستور.
ننتظر إذن مع التعديلات الدستورية القادمة إلغاء مادة النهوض بالعشائر هذه وحذفها من الدستور. او تجميدها وتعليق العمل بها الآن بانتظار إلغائها كي لا تستمر الدولة باتباعها بحجة احترام الدستور.