| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 21 / 5 / 2022 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
دولة الريع النفطي
سعد السعيدي
(موقع الناس)دولة الريع النفطي هي تلك الدولة التي تعتمد بشكل اساسي على موارد بيع النفط حيث يشكل معظم واردات الخزينة. ولكي تكون الدولة ريعية جرى تحديد نسبة الاخير من الناتج القومي الاجمالي بحيث يشكل 50 بالمئة او اكثر من موارد الخزينة.
تهبط موارد هائلة للنفط بيد الدولة في بلدنا لتشكل كامل دخلها تقريبا. بما ان الدولة هي المسيطرة الوحيدة على هذا الدخل او الريع مع سيطرتها على الآبار النفطية، تكون هي جهة السيطرة الوحيدة على مجريات الامور في بلدها. فهذه الاموال تشكل اساس صرفيات الدولة على نفسها والمجتمع. بالنتيجة ستتحقق مع هذا الاحتكار للموارد سيطرة الدولة على المجتمع كونها هي من يصرف عليه. بينما تكون مساهمة المجتمع نفسه ضئيلة للغاية مع انتفاء حاجة الدولة لتحصيل الضرائب منه. ومع تركز كل هذه الاموال بيد الدولة وضعف المجتمع سيظهر الاغراء الهائل لتحول الدولة او تتشجع للتحول الى دولة استبداد.
لماذا نشير الى تحصل الدولة للاموال من النفط وصرفها هي لوحدها منه على الجميع ؟ نورد الشكل الاخر لتحصّل الدولة على الموارد وهو ذلك المنتشر في الدول غير الريعية وغير النفطية. تعتمد حكومات هذه الدول على الضرائب المتحصلة من النشاط الاقتصادي في بلدانها. وهو النشاط الذي يقوم به الافراد والشركات. بالنتيجة تكون الدولة هي من يعتمد على المجتمع في تحصيل مواردها. وهذا الشكل الشائع من الاقتصاد هو ما يشجع ظهور الديمقراطيات ويمنع ربما من ظهور الاستبداد والدكتاتوريات. ولا يحصل تحول بعض الدول نحو الاستبداد مع توافرها على موارد الريع وذلك ربما بسبب عدم تحقق النسبة المئوية الآنفة لديها او ربما لكونها ديمقراطيات عريقة ومستقرة. والامر كله يتعلق بتوازن القوى الاقتصادية وبالتالي السياسية داخل البلد، ووعي الشعب بحقوقه. إن الدولة الريعية هي دولة تعتاش على دخل غير مكتسب بالعمل او التي تمول ماليا بأقل جهد سياسي وتنظيمي في علاقتها مع الأفراد.
ومع نظام الريع يكون دور الدولة في صرفها للاموال توزيعياً. اي انها تقوم بإعادة توزيع ذلك الريع او انفاقه بالشكل الذي تراه يتناسب ومصلحتها السياسية ويضمن ديمومتها ونظامها. فلن تكون هنا بحاجة الى تطوير اي نظام إنتاجي او مؤسسي داخلي أو تنويع مصادر الدخل الأخرى مثل الضرائب. فالدخل يتراكم عندها من مصادر طبيعية دون بذل اي جهد وما على الدولة إلا جمعه والتصرف به. وهو ما نرى عكسه في الدول غير الريعية التي تسعى تحت ضغط الحاجة إلى توسيع مصادر الدخل من خلال تطوير المؤسسات والأنظمة الإنتاجية فيها وتنويعها وفرض ضرائب متنوعة. بهذا لن تقوم دكتاتورية الريع النفطي بانشاء اي بناء او تطوير إلا ربما تحت الضغط الشعبي مثلما نشهده في بلدنا.
إن الدولة التي تتلقى مواردا كبيرة من الريع الخارجي بشكل منتظم تقوم بدورها بإنفاقه على مواطنيها من خلال توفير الخدمات الأمنية والإدارية وتأمين الوظائف من انشطتها الاقتصادية المختلفة. وهي بهذا تقوم بالدفع لمواطنيها بدلا من استحصال الضرائب منهم مقابل كسب ولائهم لتضمن بالتالي استمرارها بالسلطة دون منازع. وهو ما يسمى بشراء الشرعية، مما اكده بعض الاقتصاديين. من الامثلة على هذا الدفع والعطاءات المالية بمختلف أنواعها كتقديم مبالغ مالية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. من هذه الاخيرة إقدام الدولة على شراء الأراضي من الأفراد بأسعار عالية، وتوفير القروض المالية والدعم والتسهيلات لإنجاح الأنشطة الاقتصادية الشخصية. هذا الشكل هو ما كان سائدا في فترة النظام البعثي السابق. اما في الفترة الحالية وبعد انكشاف البلد امام التدخل الاجنبي وسيادة الميليشيات اختفى تقريبا هذا الشكل من شراء وتأمين الشرعية. فمع ارتباط الاحزاب السياسية بقوى الخارج وحيازة معظمها على ميليشيات قد قضي على هذا الشكل من دولة الرفاه. إذ ليس من اهداف هذه الاحزاب الجديدة الاعتماد على هذا الشكل من شراء الشرعية. فشراء وتأمين الاخيرة لدى هذه الاحزاب قد صار يجري بطريق ادوات اخرى كالغيبيات والطقوس الدينية.
كذلك فمن النتائج الاخرى للدولة الريعية هو اعتمادها بصورة مطلقة على الاستيراد. وهو امر منطقي مع غياب او تغييب الانتاج المحلي كون دخل الدولة المالي يتراكم عندها من جمعه من مصادر طبيعية. وهذا الدخل هو نشاط غالبا ما يكون خارج العملية الإنتاجية الحقيقية.
إن الاحزاب الاسلامية في كل مكان تدعم التجار كونها ليست إلا التجمع السياسي لهؤلاء. فالدين الاسلامي هو دين يعكس في بعض اوجهه مصالح التجار ويحميها. ومن المؤكد انه مع الريع النفطي اصبحت الاحزاب الاسلامية هي الضامن لعدم عودة الصناعة والانتاج المحلي لصالح التجارة.
إن امتلاك الدولة لمورد طبيعي ذي عوائد كبيره سيشجعها الى التحول نحو الاستبداد والدكتاتورية. واعتمادا على كيفية إدارة الدولة لهذه العوائد، يؤدي ذلك الى قيام اقتصاد بمستوى انتاجي متدن مبني على الإسراف بالاستهلاك بسبب اعتمادها على هذه الموارد الطبيعية. ويسودها كذلك غياب الشفافية فيما يتعلق بالإيرادات الخارجية، وليس بها مقياس للكفاءة. ولما لا تضمن الدولة الريعية بقاءها واستمرارها إلا عن طريق جمع الريع ومن ثم اعادة توزيعه، فلا بد من توافرها على جهاز امني وقوة عسكرية لحماية مصادر الريع والسلطة الحاكمة من جهة وإعادة توزيع ذلك الريع من جهة أخرى. ولا بد لهذا الولاء أن يخلق بيئة ينتشر فيها الفساد بشتى أنواعه المالي والإداري والاقتصادي. إن سهولة الحصول على الإيرادات يؤدي إلى إنفاقها بعيدا عن تحقيق بناء اقتصادي حقيقي مبني على المشاريع الإنتاجية للبلد. وهو ما يدل على تخلف السلطة الحاكمة التي تسعى لتحقيق تفضيلاتها السياسية على حساب النمو الاقتصادي الحقيقي. وهذا هو حال كل دول الريع النفطي التي تعمل على توسيع الإنفاق العام دون فرض ضرائب على مواطنيها. ولما يكون للدولة الريعية الدور الأكبر في إدارة تلك العوائد النفطية وإعادة توزيعها ستكون بذلك متحكمة إلى حد بعيد بالحياة الاجتماعية والسياسية للبلد.
ولا بد ان كل دول العالم تحلم بان تكون دولة ريعية شبيهة بالدول الحالية لما لهذا النظام من فوائد السيطرة على المجتمع. ويجري الضغط على العراق لبيع قطاعه العام لحشره في زاوية الريع النفطي والممارسات الآنفة، واجباره على تبديد امواله بالاستيراد. ونتساءل من جهتنا إن كان قصف منشآت ومصانع العراق المدنية كان يهدف من بين امور اخرى الى تسهيل تحوله التام للاعتماد على الريع النفطي حصرا.
بالتوازي مع ما عرضناه اعلاه، يعتمد الكثيرون على تجهيل الشعب بالحقائق حول اوضاع بيئته الاقتصادية والسياسية. إذ ان انعدام الشفافية وغياب المساءلة يؤديان الى انتشار الفساد باشكاله، ومعهما الاغراء الهائل للتحول نحو الاستبداد والطغيان. لهذا يجب التفكير في كيفية معالجة امر الريع النفطي وتأثيراته إن كان بالاستمرار به او بايجاد حلول للخروج من آثاره السلبية. وحيث يرى بان ثمة اوضاع لا يمكن التوفيق بينها. نكرر ونقول بان النفط يعود للعراقيين وهو ما اكده الدستور. والحكومات هي من تدير امر استغلاله بتفويض من الشعب مالك هذه الثروة. لذلك لا يجوز استخدامه للاغراض الخاصة وضد مصالح مالكيه.