|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الخميس  20  / 2  / 2025                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

رئيس الجمهورية والالتزام بالدستور

سعد السعيدي
(موقع الناس)

بعد نشرنا لمقالتنا السابقة حول التجاوزات الحكومية على الدستور ارتأينا كتابة هذه المقالة حول امكانية ردع السلطات عن مثل هذه التجاوزات وذلك بواسطة رئيس الجمهورية.

تقول المادة (67) من الدستور في الفصل المخصص لرئيس الجمهورية ومن ضمن امور اخرى بانه (يسهر على ضمان الالتزام بالدستور). وهذا السهر هو ليس شرفيا او مزاجيا كما يحلو لرؤوساء الجمهورية الاكراد اعتباره. بل انه واجب حيث يقع على عاتق الرئيس التحقق من قيام اعضاء الحكومة وغيرهم من سلطات ومؤسسات البلد من الالتزام بالدستور. فالمادة (61/ ثامنا) من الدستور تقول بان لرئيس الجمهورية تقديم طلب إلى مجلس النواب بسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء. وفي حال تجاهل رئيس الجمهورية لواجباته الدستورية او استمرار تقاعسه بشأنها فلابد ان يحال هو ايضا الى القضاء مع احتمال تعرضه ربما الى الطرد من منصبه. إذ سيعتبر بانه قد اخل بالمادة (68) من الدستور بشأن شروط تبوئه الرئاسة والقائلة بوجوب كون المرشح للرئاسة مشهوداً له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن.

إن ما جرى في حقيقة الامر مع المادة (67) اعلاه هو منح العراقيين اداة لالزام السياسيين بالالتزام بالدستور، وضمان الديمقراطية بالتالي عن طريق رئيس الجمهورية. إذ صار بامكان اي فرد او افراد من الشعب العراقي تقديم طلب للرئيس حول اي امر يرونه مخالفا مثلا للدستور. وسيصبح الرئيس بهذا الوسيلة المباشرة للشعب للتأثير في القرارات الحكومية المتخذة التي لا يراها منسجمة مع ما يتطلع اليه. ويكون لافراد الشعب حتى طلب التذكير بالدستور إن رأى إن قرارات المحكمة الاتحادية قد خالفته او انها غير منسجمة معه او مع المنطق مثلما بدر منها احيانا. وقد حصل عدة مرات في السابق أن استجاب رئيس الجمهورية وإن مرغما لمطالب الناس بطريق وسائل التواصل الاجتماعي لدى تذكيره بواجباته الدستورية.

كذلك فإن من ضمن مهام رئيس الجمهورية حسب الدستور هو مصادقته على قرارات مجلس النواب. إذ لن يصبح اي تشريع نيابي قانونا ما لم يوقع رئيس الجمهورية عليه. فالمادة (73) من الدستور تقول بان الرئيس يصادق ويصدر القوانين التي يسنها مجلس النواب. بهذا يستطيع رئيس الجمهورية ونزولا عند طلب الشعب منه حول على سبيل المثال عدم استيفاء اي قانون مشرع من مجلس النواب لشروط الدستور ان يمتنع عن التوقيع عليه وان يعيده الى المجلس مرفقا باسباب الرفض. ولضمان الحصول على الاجابة المبتغاة من الرئيس يجب ان يكون هناك وعيا طبعا ببنود الدستور عند تقديم المطالب له.

هناك من سيقول بان امر الالتزام بالدستور هو ما يمكن اللجوء بشأنه الى المحكمة الاتحادية. هذا الرأي ليس خاطئا، لكنه ينم عن جهل قائله بالدستور وما وضع فيه للالتزام ببنوده الضامنة للنظام الديمقراطي. لذلك سنضع هنا الفروق بين قرارات المحكمة الاتحادية وتلك التي تصدر عن رئيس الجمهورية. ففيما يتعلق بالمحكمة يمكن لشخص واحد او مجموعة اشخاص يشترط إلمامه(م) بالقانون من تقديم طلب لاطلاق قضية والحصول على قرار. بينما في حالة الرئيس لا يشترط بمقدمي الطلب إلا الالمام بالدستور لتقديمه اليه استنادا الى المادة (67) الآنفة. وكقرار الاتحادية الذي هو ملزم للجميع يكون كذلك قرار الرئيس لاستناده على الدستور. وثمة فرق آخر وهو انه على عكس رئيس الجمهورية فالمحكمة الاتحادية تستطيع في كل الاحوال اتخاذ قرارها دائما بنفسها. فالمادة (73) الآنفة من الدستور التي هي في جزء منها غريبة وغير ديمقراطية تقول اضافة الى مصادقة الرئيس على القوانين التي يسنها مجلس النواب، فان هذه الاخيرة يعد مصادقاً عليها بعد مضي خمسة عشر يوماً من تاريخ تسلمها. اي انها تصبح قانونا نافذا حتى مع غياب التوقيع الرئاسي الفعلي ! لكن في موضوعنا هنا ربما لا يعد هذا بالشيء المهم.

قد لا يكون من العجب تعتيم السياسيين على هذه النقاط. إذ يلاحظ تعمد كل رؤوساء الجمهورية تجاهلها وعدم اثارة الانتباه بشأنها. وهو ما يعتبر تآمرا وتعديا على الحقوق السياسية للشعب العراقي المذكورة في الدستور ويشير الى طبيعة نظرتهم الى هذا الشعب. هذا الانتهاك للدستور هو مما يمكن ان يؤدي الى طرد الرئيس من منصبه بسبب اخلاله بشروط المادة (68) الآنفة.

لكن العجيب هو ان نواب المجلس عدا منهم اولئك من ذوي النوايا السيئة والعمالة للاجنبي يبدو عليهم الجهل الشديد ببنود الدستور. فلم نرى اي منهم ولا لمرة واحدة يقوم باستخدام هذه الامكانية مع الرئيس قبل اعلانه عن النية لتقديم طلب الى المحكمة الاتحادية. فكما اسلفنا اعلاه فإن من مهام رئيس الجمهورية هو مصادقته على قرارات مجلس النواب. بالنتيجة فإن غياب مصادقته تصبح عائقا امام تحويل التشريع النيابي الى قانون، وان يصبح بعدها نافذا عند نشره في الجريدة الرسمية. فصرنا وبسبب هذا الجهل نرى هؤلاء النواب ينتظرون ظهور القانون في تلك الجريدة، اي بعد التوقيع الرئاسي لا قبله، قبل التوجه الى المحكمة.

إن تطبيق الديمقراطية في العراق كان مطلبا شعبيا عراقيا محضا. لذلك لا يكون من الغرابة تعرض العراقيين للتجهيل بقواعدها وادواتها، وهو ما كان عليهم الانتباه له. لقد وضع مشرعو الدستور بيد العراقيين هذه الوسيلة الديمقراطية للتصدي للقرارات غير الدستورية وتصويبها. وبسبب هذا التجهيل لم يتمكن العراقيون مما نرى من الانتباه الى كل العلاقة بين المؤسسات المختلفة التي اوجدها المشرع في الدستور. فكان يجب عليهم وعلينا الاعتماد على الذات. إن السياسيين هم من ابقى العراقيين في الظلام مع التصور بان المحكمة الاتحادية هي الجهة الوحيدة التي يمكن بواسطتها التعامل مع القرارات غير الدستورية. وذلك بسبب امكانية التأثير على قضاتها وهو امر واضح. ومع هذا التصور جرى دفع دور رئيس الجمهورية الى خانة النسيان. وهذا الاخير وككل من سبقه وبسبب من حصوله على المنصب بطريق المحاصصة قد اوتي به من جهة لا تريد للعراقيين من فهم والانتباه الى كيفية عمل المؤسسات الدستورية منها مؤسسته الرئاسية. وهذا هو تفسير سبب ندرة الطلبات الموجهة الى رئيس الجمهورية للتدخل في الامور الواقعة ضمن اختصاصه الدستوري.

ولما كان مطلب تطبيق الديمقراطية في العراق هو بارادة عراقية محضة، كان لابد ولكي يجد هذا المطلب طريقه للتطبيق الحقيقي والفعلي ان يضغط العراقيون لاجل تحقيقه. وإلا فإهماله ونسيانه لن يؤديا الى هذا التطبيق. فطلب تطبيق شيء في بلدنا وكما اثبتته الايام لا يمكن ان يتحقق فعليا إلا بالضغط الشعبي. والاداة الرئاسية من اعلاه هي إحدى ادوات هذا الضغط.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter