| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأربعاء 16 / 11 / 2022 سعد السعيدي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
حكومة جديدة للصوصية والنهب..
سعد السعيدي
(موقع الناس)نشر الاعلام في بداية هذا الشهر خبر احالة السوداني لحكومة الكاظمي على التقاعد. وقد نشرت في بعض المواقع صورة للقرار الحكومي مع الخبر.
لقد اثار هذا القرار عجبنا حتى وإن لم يكن جديدا ولا غير متوقع. ومصدر العجب هو اكتشافنا بان القرار لا يعتمد على قانون مشرع. إذ كان يجب لقرارات مثل هذه تؤدي الى صرف اموال ان تكون مسنودة بقانون مشرع من مجلس النواب. بينما ما نراه يبدو وكأنه مبادرة حكومية جديدة لنهب المال العام.
ايضا لم نجد من خلال البحث قانون الاحالة على التقاعد هذا. فالامر الديواني رقم 22305 بتاريخ بداية هذا الشهر حول هذه الاحالة على التقاعد هو قرار حكومي صرف كما اسلفنا ومثلما يرى في نصه. يلاحظ عدم اشارة السوداني في قراره الى اي شيء حول القانون المعتمد حول شروط ورواتب التقاعد. ولا نعتقد بانه شخص ينقصه الذكاء بحيث يحيل حكومة كاملة على التقاعد دون ان تكون رواتب التقاعد مؤمنة. لذلك فعدا احتمال عدم وجود مثل هذا القانون وهو ما نستبعده، يبقى الاحتمال الآخر المؤكد الذي هو ان مثل هذا القانون موجود ومشرع لكن ابقي امره سرا ولم يجر الاعلان عنه لحظة تشريعه. ويكون الامر مرة اخرى من الاسرار العسكرية ما شاء الله. والغرض الواضح من هذا هو تجنب اثارة امر الرواتب المخصصة لهؤلاء المحالين على التقاعد ذوي فترة الخدمة الحكومية القصيرة وتعريض المشرعين والامر برمته للاعتراض والمساءلة الشعبية. بذلك لن نعرف نحن مالكي الاموال العامة اي شيء عن تلك الرواتب. ومع إبقاء نص القانون سرا لا يكون الامر إلا سرقة غير معلنة. ويكون الامر تأكيدا آخر لما ذكره الكاتب المصري هيكل عن اللصوص واستيلائهم على بنك الدولة مما اوردناه في مقالة سابقة. كيف يجرؤ السوداني على الاحالة على التقاعد وصرف الرواتب من دون الاعلان عن القانون في امره الديواني ؟ وهو كان قد استفاد سابقا من هذه الالعوبة عندما احيلت حكومة العبادي على التقاعد حيث كان وزيرا فيها. للعلم فهذه الاحالات على التقاعد هي قائمة بهذه الطريقة منذ مجلس الحكم وحكوماته.
إن صمت السوداني حول هذا القانون يشير الى انه لص محتال ومتواطيء من الدرجة الاولى. فهل كان يراد منا فعلا تصديق ان حكومات 2003 يمكن ان تحارب الفساد ؟ إن نخب الفساد التي ينتمي اليها السوداني تتصرف بالمال العام كما تشاء. والسبب هو صمت اهل البلد واصحاب هذا المال العام. وكل ما استمر هذا الصمت كلما تشجع اولياء الفساد على التمادي في سرقاتهم. إن الاستنتاج الواضح هو اننا قد اصبح لدينا في غضون بضعة سنوات جيش صغير من متقاعدي الحكومات السابقة حيث قد تجاوز عددهم الآن المئة. وهو طبعا عدد قابل للزيادة مع نهاية عمر كل شلة لصوص حكومية. ونستطيع حتى من القول بان سرعة تكاثر هذا الجيش الصغير ستزداد مع اندلاع كل ثورة او انتفاضة شعبية.
لن نسأل إن كانت مالية الدولة ستتحمل الى ما لا نهاية كل هذه الامتيازات والرشاوى، بل نقول انه لا يستحق ايّ من هؤلاء السياسيين هذه الامتيازات خصوصا وانهم جميعا متهمون وبلا استثناء بالفساد واللصوصية مما كشفناه وآخرين في السابق. وتبدو الفكرة التي يراد تعميمها هو انه مع احالة هؤلاء على التقاعد وكأنها يراد مكافأتهم على الفساد والسرقة وتشجيعهم عليهما. ان هذا هو عمل الدولة الريعية الدكتاتورية التي تنهب بلا حساب. لقد قام الفاسدون كما يستنتج بخدمة مصالحهم خلال وجودهم في مجلس النواب والاهتمام باوضاعهم حتى مع انتهائهم من وظائفهم الحكومية. وهذا يذكّر بمحاولاتهم السابقة ادراج انفسهم من ضمن قانون التقاعد الموحد دون استيفاء شروط العمر ومدة الخدمة. وهذا هو ما يجب مساءلة السوداني بشأنه كونه على علم بهذا الامر عندما كان وزيرا ونائبا في السابق.
انه من غير المقبول احالة حكومة على التقاعد كل بضعة سنوات ولم يستوف اعضاؤها لشروطه. فهذا لا ينظر اليه إلا بكونه رشوة ولصوصية وبالنتيجة فساد وإفساد واضحين. واننا بهذا نكون بصدد تشكيل نخبة من المرتشين. والسؤال سيكون هو كيف ستجري محاربة الفساد والدولة تشرع له بهذا الشكل ؟ كيف ستعطي الدولة مثال القدوة كي يحتذى بها بدلا من تمريغها بالاوحال ؟
نقول انه إن ارادت هذه الحكومة محاربة الفساد بشكل حقيقي بلا الاعيب او اعلانات دعائية فعليها ايقاف كل هذه الرواتب والامتيازات غير المشروعة. وهذا خصوصا انها كحكومة عادل عبد المهدي السابقة لم تنبثق عن مشاركة انتخابية حقيقية لغالبية افراد الشعب وانها على هذا تنقصها الشرعية. ويكون غير مقبول وجودها وحتى استمرارها بدعم من نواب لم يصوت لهم إلا جمهور شديد المحدودية.
ننتظر إذن من السوداني التراجع عن هذه الاحالة اللصوصية على التقاعد لاعضاء الحكومة السابقة وإلغائها وتناسيها تماما. ومعها إلغاء قانون تقاعد اعضاء الحكومات وتطبيقه باثر رجعي.