|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  12  / 3  / 2022                                 سعد السعيدي                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

فشل وفساد مشاريع الخصخصة والاستثمار

سعد السعيدي
(موقع الناس)

قامت الحكومة في فترات سابقة وبدعم من مجلس النواب ببيع وخصخصة بعض شركات القطاع العام. من هذه كانت معامل الاوكسجين الطبي والشركة العامة للصناعات الخفيفة ومعامل الشركة العامة للاسمنت. وكان الهدف المعلن لعمليات تحويل ملكية الشركات هذه هو تطويرها والاتيان بالتكنولوجيا الحديثة، او ان تكاليف تشغيلها كانت تثقل ميزانية الدولة ! فهل اثمر تغيير ملكية هذه الشركات في التوصل إلى الاهداف المبتغاة ؟ لننظر في ما لدينا..

قبل الاسترسال نرى وجوب توضيح الفرق بين الخصخصة والتشغيل المشترك التي حرص بعض الاعلام على ابقاء الغموض حولهما. الخصخصة هي تحويل ملكية اية منشأة عامة الى القطاع الخاص بشكل كامل. اما التشغيل المشترك فهو ادخال القطاع الخاص او الرساميل الخاصة للاستثمار في معامل او شركات القطاع العام مع الابقاء على ملكيتها العامة. وهو ما يمكن تسميته بالخصخصة الجزئية. وهذا الاخير هو ما جرى تشريعه في قانون الشركات العامة لعام 1997.

نبدأ بمعامل الاوكسجين الطبي التي كانت تجهز المستشفيات. لم نجد من خلال البحث اية اخبار عن خصخصة هذه المعامل كما اشيع. إنما وجدنا اهمالا متعمدا لتشغيل المعامل الحكومية او انشاء جديدة، لصالح انشاء معامل اهلية خاصة. النتيجة التي حصلنا عليها والتي كشفتها ازمة الكورونا هو اننا وبسبب ارتفاع الطلب صرنا نستورد الاوكسجين من الكويت بمقدار 6 آلاف طن وصلت تباعا، وهذا بعد الحصول على 4 آلاف قنينة منه بتبرع ايراني. وهذا قد جرى بعدما عجزت كل المعامل الاهلية كالحكومية عن سد الحاجة الملحة الى الاوكسجين. بنفس الوقت ادعت وزارة الصناعة والمعادن تشغيل المعامل المتوقفة منها اربعة فيما وجدنا لإنتاج الأوكسجين السائل. ثم عادت في السنة التالية للاعلان مرة اخرى عن خطط لتأهيل المعامل المتوقفة بهدف زيادة كميات الأوكسجين الطبي. بنفس الوقت وربما كنتيجة قامت بطريق إحدى منشآتها وهي الشركة العامة للصناعات الفولاذية من زيادة الطاقة الانتاجية من الأوكسجين الطبي لسد حاجة المستشفيات. اي ان معامل القطاع العام هي من قامت بسد ثغرة الطلب.

هذه الاحداث تشير بشكل واضح الى فشل هذه المعامل الاهلية ومعها مشروع الخصخصة في سد الحاجة المحلية. وهذا بموازاة تخبط حكومي واضح في الاستجابة للطواريء على الرغم من توفر الامكانيات. وهو لا يشير إلا الى فساد وسوء في التخطيط والتدبير.

فيما يتعلق بالشركة العامة للصناعات الخفيفة فقد قامت حكومات 2003 وبحجة عدم توفر السيولة المالية الى عرضها للتشغيل المشترك كما اسلفنا في مقالة سابقة. بيد ان ما جرى هو ان الحكومة قد تعمدت بنفس الوقت غض النظر عن فتح باب الاستيراد لسلع مشابهة لما تنتجه هذه الشركة. وقد ادى هذا الاستيراد الى النتيجة الحتمية وهي عرقلة تصريف انتاج هذه الشركة ومعها عجزها عن تحقيق الارباح. ومثلما ذكرنا في المقالة السابقة فقد صارت الحكومة بدعم من مجلس النواب تدفع رواتب عمال وموظفي هذه الشركة بدلا من قيام الاخيرة بتأمينها بنفسها بعيدا عن الميزانية.

المثال الثالث على فشل الاستثمار او التشغيل المشترك هو ما جرى لمعامل الاسمنت الوطنية. إذ احيل نصف المعامل الحكومية ال 22 للاستثمار سواء الجزئي او الكامل. احد هذه هو معمل اسمنت المثنى. إذ احيل الى مستثمر لم يحقق المعمل بمعيته اي انتاج. فحسب العقد المبرم مع وزارة الصناعة (الشركة العامة للإسمنت الجنوبية) كان الاتفاق هو ان يأتي المستثمر بشركة صيانة عالية المستوى لإعادة تأهيل المعمل والعودة به للعمل وفق الطاقة التصميمية وذلك اعتمادا على المواد المحلية المتوفرة في صحراء السماوة. لكن لم يتقيد المستثمر بالعقد حيث اكتفى باستيراد المادة نصف المصنعة من الخارج ليقوم المعمل فقط بعملية الطحن والتعبئة والتغليف. وهذا بعدما قام المستثمر بتقليل الكادر الى الثلث حيث قامت الحكومة بمساعدته في نقل الباقي إلى وزارات اخرى او احالته على التقاعد.

وهذا المعمل حسب ما يقوله احد موظفيه وهو جعفر الحجامي كان ينتج اجود انواع الإسمنت المقاوم للاملاح مثل ذلك الخاص بالسدود والجسور ومدارج الطائرات وإسمنت آبار النفط حيث كان يغطي كامل احتياجات المشاريع العراقية طيلة الوقت من الثمانينيات وحتى العام 2003. والاسمنت العراقي هو المفضل لدى المستهلك العراقي. ويتمتع بسمعة تاريخية حسنة منذ قيام اول معمل بالشرق الأوسط عام 1949 حيث كان يصدر سنويا 400 الف طن. وكان يمكن الاكتفاء بالمنتوج الوطني من الاسمنت لسـد حاجة السوق العراقي لو سُمح بتشغيل المعامل بكامل قواها الانتاجية. لكن بسبب دخول الوزارة في اطار المحاصصة تحولت هذه الجهة الخدمية الإنتاجية الى فشل واضح مع وزراء ومدراء غير مؤهلون. وقد صار هؤلاء والكلام للموظف، يقومون بجني الاموال لهم ولأحزابهم عبر المشتريات غير الضرورية كالسيارات واحالة المناقصات والمزايدات لقاء عمولات خرافية. النتيجة هي مع غياب الدعم الحكومي وتعامل الوزارات مع شركاتها وكأنهم تجار لدى مثلا توفير الوقود بخمسة اضعاف سعره في دول الجوار، هي تردي انتاج المعمل وعدم كفايته لتغطية الحاجة حيث اصبحت كلفة انتاج الطن الواحد اعلى من سعر بيعه واغلى بكثير من سعر طن الاسمنت المستورد والمدعوم من دول المنشأ. وبعض الاسمنت الذي تستورده الحكومة من دول الجوار هو اقل جودة وغير مطابق للمواصفات والفحوص حسب شهادات الفحص الصادرة من الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ومتخصصين في مجال البناء.

هذه الامثلة الثلاثة تثبت بان مشاريع الاستثمار والتشغيل المشترك التي يدفع البلد اليها دفعا خطط لها لان تفشل. ومن الواضح هو ان هدفها هو تدمير الصناعة المحلية والمال العام. ولا نذكّر بان الخصخصة بشكليها والفساد المرافق لها قد ادت الى قيام الدولة بتبذير مواردها في الاستيراد بدلا من الصرف على تأمين احتياجات البلد مثل التنمية واعادة الاعمار. وهذا التبذير والتشتيت هو ما كنا قد نبهنا عليه عدة مرات في السابق. وهو ما يوضح ايضا الى ان الخصخصة مهما كان شكلها ليست الهدف الوحيد المبتغى، وانما دفع البلد مع تجريده من صناعاته نحو الشطب على ابواب موارده مهما كان مصدرها بموازاة تبذير امواله وتشتيتها باية طريقة ولابقائه مجرد صنبور نفط. وكل هذا بمعية حكومات متواطئة فاسدة.

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter