|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  25  / 11  / 2024                                 د. سالم رموضه                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 



محاكمة الصهيونية الإسرائيلية

د. سالم رموضه *
(موقع الناس)

إن محاكمة المفكر الفرنسي روجيه جارودي في فرنسا بسبب كتابه " الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية " هي مرحلة قمع فكري شديدة الخطورة, ففي حيثيات الحكم أن الفيلسوف حوكم بتهمة التشكيك بالجرائم ضد الإنسانية, غير أن هذه المحاكمة عمل لا معقول يبعث على قلق عميق, فمعلوم لدى الجميع أن هذا المفكر بعيد كل البعد عن العنصرية بشتّى أشكالها.

يقول روجيه جارودي في استئنافه إن الأحداث أثبتت صحة كلامه على مخاطر تفسير التوراة والتاريخ تفسيراً أصولياً ومخاطر تحويل الأسطورة إلى تاريخ, فتوقعاته حول دور إسرائيل كصاعق يفجّر حرباً عالمية ثالثة تستمد أدلتها وبراهينها من سياسة نتنياهو وهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني الحالي. يستطرد روجيه جارودي فيقول: لم أدرك إلا فيما بعد أن الصهيونية استولت على الأسطورة لتحيلها تاريخاً زائفاً استخدمته في تبرير سياسة قومية عنصرية توسّعية استعمارية.

إن الحركة الصهيونية بزعمائها المستقرين في الولايات المتحدة, ونفوذها الهائل الذي يلقي بثقله في كل انتخابات أمريكية, عازمة على امتلاك كل الأرض المرسومة في التوراة من الفرات إلى النيل. إن أساليبها تقترب أكثر فأكثر من أسلوب السفاحين الطغاة من اغتيال الكونت برنادوت ثم رابين إلى مجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا والخليل وقانا وغيرها. إن شعبة الإرشاد والتوجيه في الجيش الإسرائيلي تابعة تبعية تامة للحاخامات الصهاينة والجنود يعرفون الهدف تماما: الإمبراطورية المحددة في سفر التكوين ويحفظون الوصية عن ظهر قلب: يهوشع هو النموذج وهو القدوة. وفي هذا التوجه الخبيث للصهيونية, فقد سخّر أحد مفكريهم في مقالة نشرتها جريدة يديعوت أحرونوت " لكي نستولي على الأرض التي وعد الله بها إبراهيم, علينا أن نقتدي بيهوشع لكي ننتزع أرض إسرائيل ونستقر فيها على نحو ما تأمر به التوراة. ليس في هذه الأرض مكان لشعوب أخرى غير شعب إسرائيل, وهذا يعني أن علينا أن نطرد منها كل الذين يعيشون فيها, إنها الحرب المقدسة التي تأمر بها التوراة."

دخلت الصهيونية في عداد القوميات التي تسخّر الدين لخدمة سياسة الإجرام والقتل منذ الحروب الصليبية وحتى الحروب الاستعمارية, وكان جنود بسمارك ثم هتلر يكتبون على ملابسهم الحربية " الله معنا" لانتزاع النصر بالحديد والنار. وعندما أسس المستعمرون البيض نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا كانوا يقولون: " نحن أصحاب رسالة سماوية لنشر الحضارة". كذلك كان المستعمرون في أمريكا في حملات الإبادة التي يشنّوها على الهنود الحمر للاستيلاء على أرضهم يتذرّعون بيهوشع وحملات الإبادة المقدّسة التي كان يشنّها على شعبي العمالقة والفلسطينيين. لا تشذ القومية الإسرائيلية عن هذه القاعدة باستثناء ميزة يمتاز بها قادتها الملحدون, فهم يعتقدون أن هذه الأرض وهبها لهم إله لا يؤمنون به.

أوضح صور انحطاط الأسطورة إلى تاريخ مزيّف لخدمة القومية هو تيودور هيرتزل أبو الصهيونية ومؤسسها الذي لا يخفي إلحاده في مذكراته" لقد قلت لحاخام لندن الأكبر ما سبق أن قلته لحاخام باريس الأكبر أنني لم أقم وزناً لأي اعتبار ديني في مشروعي".

يمكن للمنطق التوراتي الذي تقوم عليه إسرائيل الكبرى, مشفوعاً بدعم واشنطن غير المشروط أن يتحوّل إلى صاعق يفجّر حرباً عالمية ثالثة. إن مطلب إنشاء إسرائيل كبرى تمتد من الفرات إلى النيل الذي يستند إلى قراءة أصولية للتوراة أي قراءة حرفية تحوّل كلام الأنبياء والحكماء إلى تاريخ قومي بله قبَلي, هو هرطقة وبهتان تحتاج إليهما السياسة الإسرائيلية. وهو يؤدي إلى المغالطة التالية: تُشير الإحصائيات الإسرائيلية إلى أن 15 % فقط من الإسرائيليين متدّينون, في حين أن السياسة الإسرائيلية مبنية على إقناع الغالبية العظمى من الشعب بأن هذه الأرض هي أرضه لأنه موعود بها من الله. إن الاستناد إلى نصوص توراتية لتبرير الأعمال العدوانية التي تقوم بها السياسة الإسرائيلية من قصف واجتياح ومجازر وسياسة إبادة جماعية هي قاعدة لازمة في هذه السياسة. غير أن هذا الاستخدام الإجرامي للنصوص التوراتية في سبيل تبرير سياسة عدوانية, لا يستند إلى أي سند ديني وإنما هو يرتكز على قراءة أصولية حرفية للنصوص يتضح بسهولة أنها خدعة عنصرية دموية. تقوم هذه الأصولية على قراءة حرفية قبلية تشوه أقوال الأنبياء إذ تحوّلها إلى تاريخ زائف فتحوّل مثلاً وعد آلهتهم قبائل البدو في الهلال الخصيب جميعاً بأرض خصبة وذرّية وفيرة لجميع شعوب الأرض إلى هبة معفية من كل شرط يقدّمها إله قَبَلي إلى شعب واحد مانعاً منها الشعوب الأخرى جميعاً وإلى الأبد.

هذه الهرطقة التي أسّسها تيودور هيرتزل فضحها اليهود المؤمنون منذ تأسيسها وكشف حقيقتها حاخاماتهم الأوفياء لتعاليم أنبيائهم ومنهم الحاخام موشي مينوهين والد الموسيقار العبقري يهودي مينوهين صاحب كتاب انحطاط اليهود والعنوان الأصلي للكتاب (القومية اليهودية: جريمة ولعنة تاريخية مرعبة) الذي يثبت أن انحطاط اليهود هو بالضبط القومية الصهيونية.



المكلا في 24 نوفمبر 2024م


* نائب رئيس جامعة حضرموت السابق
 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter