| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 17 / 10 / 2024 صباح محسن جاسم كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
(لقد قصدها يوما) - قطارٌ لا يملُّ السفرَ ، ناثرا بذور الأمنيات
قراءة : صباح محسن جاسم
(موقع الناس)أدب السيرة الذاتية يعتني بتوظيف تجارب الكاتب التي مر بها من خلال الأحـداث المتسلسلة لحياته ومـدى ارتباطها بتفاعـلات المجتمع السياسية والعـاطفية له.
تقدمة :
صدر حديثاً رواية - لقد قصدها يوما - للكاتب الأنصاري حسام آل زوين ، عن الناشر احمد المالكي، رواية سردية تنضوي في جنس متلاقح بين سرد السيرة الذاتية والواقع التسجيلي ، بقوام 317 صفحة من القطع المتوسط بسبعة فصول.
أسـتنطاق النص :
يمضي بنا الكاتب بمقصـد عبر محطات عاشها وسبر أغـوارهـا في سفر نضالي سواء داخل العراق أو خارجه، شبّههُ بقطـار العمـر. يجتـرح طفولته ببراءة تشهد لها ذاكرتُه ، عبر سبعة فصول يختتم فيها محطته الأخيرة بما يشبه استراحة المقاتل، ليعاود كفاحه بعد ما خسر كل شيئ عدا أحساسه بالحب الذي يستنهضه حتى ولوعَبْرَ كلمةٍ تُقال أو تدبّـرٍ في الكتابة للتأريخ .
" لقـد قصـدها يوما " هكذا يصافحنا العنوان ، وكذا تبدأ رحلة الوعي تزامنا مع انبثاق أول تأسيس لحزب اخرج شطأه منذ الثلث الاول من القرن الماضي ، حزبٌ ناهضٌ من بين جماهيره الكادحـة ، رافضاً وعـد بلفـور، لا يقيم شأناً للاستعمار أياً كانت طبيعته ، كذلك كانت بداية السرد وتواصل السفر عبر محطات منقوعة بالألم والتمرد والاحتجاج والمغامرات التى لا يألفها من هو خارج تنظيم يساري متجذر في الوعي. بذرة نضال ما ان نشأت وترعرعت حتى خانتها كل ظروف الإنبات ، فبات الكاتب بشخص " وسـام " راصـدا لمعظم ما اجترحه الحزب عبر تواجده داخل العراق وخارجه ونضاله برفقة المناضلين والانصار .
الحب رديف الكفاح :
" وسـام " الشاب الريفي الرهيف الخجول والناشيء وسط عائلة دينية أسست لها وجودا واع وسط مجتمع تسيطرعليه تقاليد بالية عمادها الخرافة والقدريات وسوء الطالع على امتداد علاقة السيد الاقطاعي مقابل العبد الفلاح ممن يعيش هو وعائلته على قدر ما يسد قوتهم اليومي. كُتبَ لثورة الفلاح والعامل النجاح لكن لم يحالفها الحظ في التواصل حيث شن في الضد منها جحفلُ الاقطاعيين والسراكيل ومن عينتهم مطامع دول عربية واجنبية تحت ذريعة الوحـدة العربية لتستظل بقية الدول تحت خيمتها وتحت تسلطها . ما ان نهضت الثورة حتى تكاثرت العصي من كل الاشكال لعرقلة عجلة المضي صوب بناء مجتمع يتنفس كامل حريته وكرامته . واما الاستعمار فقـد رصـد مسـبقا ما في هذه البـلاد من معـادن وخيـرات وصار يعد عـدته لثلـم وتفتيت كل ما هـو وطني .
الإسلوب :
يهمنا في هذا المعترك الحياتي كيفية اخضاع السيرة الذاتية والواقعيـة التسـجيلية للخـروج بما هو حي وممتع روائيا . يشير خيال السيرة الى قصة تستخدم شخصيات وحزمة من احداث مختلفة لتمثيل تجارب المؤلف ، وبعبارة اخرى ينسج الكاتب تجارب حقيقية عاشها وعاناها جل عمره ، الطفولة والشباب ، وارتباط كل ذلك بصراعات تتكشّف عبر السـرد ، المعنى الاعمق عن حياة المؤلف ، انحداره الطبقي الريفي الديني ، باكر وعيه ، طموحاته ، عاطفته وتعاشقها بين حب لم يوفق في تحقيقه بحكم الفارق في مفاهيم الحياة وحبه بل عشقه لانتمائه السياسي .. حبٌ نضج لاحقا بحبيبته (سـفيتلانا) ، بين مغامراته واغترابه ومناشطه العلمية والسياسية والفنية وبين احلامه في عودته لوطنه ليساهم في تنوير ابنائه والانتصار لقضية آمن بها بلوغاً لشعار : من كلّ حسب طاقته ولكل حسب حاجته ، واذ تشمل الشخصيات والمواقع والجداول الزمنية والاحداث والصراعات ، وحتى الحبكة روح المؤلف على انه قد كثف كل عناصر روايته في شخصية مركزية - وسـام - واستثمار ذكريات الصبا ومن ثم يفاعته في أحضان مدن الفـرات الاوسط . ضبطـه لوتيـــرة الايقـاع الخاصة به كمؤلف ، شخصيات ، مواقع ، امكنة ، تجوال ورحلات وكأننا امام أدب رحلات فعلا . على ان وتيرة القص قد عجلت من مدى تأثير القصة في ختامها بما تحمله من شد ومتعة المتابعة.
الوصف واللغة :
لا شك ان شيطان السـرد يكمن في التفاصيل ، والوصف واللغة ، حيث يتوفر الكثير منه . بطل رواية وحبيبة عاشقة تنتظر بفارغ الصبر اللقاء والاقتران بحبيبها العراقي ، صراع مركزي ، ومخطط عام لصراع بين حزب قومي يتخذ من الاشتراكية شعارا مضللا للخداع والمناورة تشبثا بالسلطة دون وازع حتى بارتكاب ابشع الجرائم التى عرفتها البشرية من اغتيال وتصفية الوطنيين سيما الناشطين الواعين ، ودق أسـفين "ديني" نجح في توظيفه في الاستحواذ على السلطة بقوة البطش ولكي لا يسحب البساط من تحت ارجل حكامها المتسيدين على رقاب شعب واقع في حيرة تشخيص هوية من يدفع بهؤلاء ممن لا يرعوون في القتل بشتى الاساليب والسبل .
الصـقل والتحـرير :
قد يستغرق الامر بعض الوقت للخروج وتفحص النص من زاوية اكثر موضوعية ، فالعملية برمتها هنا تستدرج ما يعرف بـالرجع (الفلاش باك) ، حيث تتشابك فيها العلاقات الواقعية والمستحدثة عند خروجها من قناعة الكاتب وتجاربه ، فالسيرة لم تعد كتابة تاريخية ، بل ممارسة ابداعية ومهارة لغوية تحمل خطابا او مجموعة خطابات ، تجمع بين النضال ، ومتعة الخيال . اما لغة الكاتب فسلسة واضحة ، تتخللها بعض التعابير الاجنبية بحكم تواجد شخصية البطل في دول قصدها ، لا يحسن اهلها اللغة العربية . واما استعارته لقصائد شعبية وغنائية وامثلة إنما لتعزز تكثيف ما ابتغاه في تضمينه للسـرد .
خاتمـة :
هذا اللون الادبي الجامع بين ادب المذكرات والتسجيلي والسيرة والسـرد الروائي من الصعب نسجه في رواية جامعة بكل مقوماتها ، ولكون المؤلف يلج هذا الباب من قبيل تسجيل موقف واعٍ يكشف حقيقة الالتزام بمركزية الحزب ... ثمة اشكالية اشار اليها بفذلكة الروائي مفادها ؛ اين ثمرة كل ذلك النضال على مسار العالم الذي تحققت تجربته الاشتراكية العلمية في الاتحاد السوفياتي، مقابل التفاف عالم شركات الرأسمال الجشعة في اطفاء جذوة الكفاح المسالم لمسار الاحزاب الشيوعية التى تتلقى الضربات تلو الضربات مقابل عدم التهور وانصياعها التأريخي المتحدي والواقعي لتنامي الوعي لدى الطبقات الكادحة من فلاحين وعمال أبان صراعها الطبقي الذي اكده الاقتصادي كارل ماركس! .
من ثمّ النفخ في الرماد مجلبة لسؤال اخير : هل ستنطفيء النار التي وقودها الناس والحجارة ؟! ، هو ذا السؤال .
بابل- العراق