| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

الثلاثاء 7/9/ 2010

 

التيار ينتخب رجلاً سيء السمعة لحكم العراق

صائب خليل 
 
لطالما وصفت التيار الصدري بأنه صاحب المواقف الأكثر وضوحاً ووطنية وديمقراطية من بين الجهات الأساسية في الطيف السياسي العراقي، لكنه ومنذ بدء مفاوضات تشكيل الحكومة كانت مواقفه مثيرة للقلق، ليختمها اليوم بالمفاجأة المحزنة بانتخاب عادل عبد المهدي كمرشح لرئاسة الوزارة.
 
فخلال فترة المفاوضات والمناحرات، اختفى صوت التيار الصدري المبدئي الواضح، واختلط ببقية الأصوات التي ليس لها من خط محدد يمكن لناخبيها ان يفهموا سياستها ويتوقعوا قراراتها، إلا اللهم إصرارها على الحصول على أكبر قدر من السلطة والمناصب، وبأي ثمن. وإن كان التيار لم يسع إلى أن يحصل على المناصب، إلا إن كان ذلك سراً، فإنه خسر بلا شك موقفه المبدئي الواضح بهذه الخاتمة المحزنة، واختيار رجل أقل ما يقال عنه أنه رجل سيء السمعة.
 
من المفهوم أحياناً أن يصر حزب ما على مرشحه الخاص من داخله حتى لو كان سيئاً، أما أن يرشح حزب شخصاً من حزب آخر، ويكون سيء السمعة، فهو أمر يثير الإستغراب والريبة أيضاً.
 
والحقيقة أن تراجع الوضوح والمبدئية لدى التيار الصدري كان قد أبتدأ قبل الإنتخابات، بإعلانه التحالف غير المنسجم مع المجلس الأعلى، نفس المجلس الذي كان يقود العصابات التي تغتال أفراد التيار الصدري، وكان يشكو منها للحكومة، وكان يؤكد، بل ويقدم الوثائق التي تثبت أن تلك العصابات كانت تغتال أفراد التيار وتعذبهم وتحرق بيوتهم، فإذا بالتيار يتحالف مع تلك العصابات بعد أن ملأ الدنيا بالشكاوى منها! كان ذلك التحالف المشؤوم أول القطر، وكنت قد كتبت مقالة أنتقدت فيها هذا التحالف، لكن التيار أمتنع عن نشر المقالة في صحيفته التي ارسلتها لها، رغم أن المقالة كتبت بدون أي تجريح أو خشونة، وحينها أدركت أن هناك "أوامر عليا" لتمشية هذه السياسة بأي شكل من الأشكال.
 
وحين اشتد الصراع بين المالكي وعلاوي، وجدنا التيار يقف موقفاً صلباً ثابتاً ضد المالكي. وحينها كتبت أن التيار ربما كان محقاً في وقوفه بوجه صاحب "صولة الفرسان" التي ذبحت التيار، إلا أن المبالغة في الموقف ستصب في صالح أياد علاوي، مرشح أميركا وعراب إعادة البعث إلى الأمن، وهي سياسة في غاية الخطورة. وكتبت للصدريين أنه إن كان المالكي قد ضربكم بقسوة غير مبررة احياناً، إنتقدته عليها في ذلك الوقت بشدة وإصرار، فأن حكومة يرأسها علاوي لن تقف إلا عند إبادتكم نهائياً. فأوامر قصفكم التي نفذها المالكي كانت أمريكية في تقديري، وأوامر قصفكم القادمة التي سينفذها علاوي إن وصل إلى السلطة ستكون أمريكية أيضاً، الفارق أن علاوي ليس لديه أي أثر لضمير يوقفه في مكان ما، بل على العكس قد يذهب إلى أبعد مما يريد حتى الأمريكان. وعلى أية حال فتجربة قصفه النجف والرمادي والفلوجة ما تزال طرية.
 
لكن سياسيي التيار الصدري كان يسيطر عليهم شعور غير محدود بالرغبة بالإنتقام من المالكي مهما يكن الثمن. وتكررت على ألسنتهم العبارات السياسية التي اعتدناها من غيرهم من المراوغين في الحديث عن عدم وجود خطوط حمر، وأنهم ليسوا ضد ترشيح أياد علاوي وليس لديهم اعتراض على شخصه.
 
هكذا اختلط الخطاب السياسي المتميز للصدريين بالخطاب المنافق الهلامي الذي لا حدود له المنتشر في العراق، والذي يلقى صدى حسناً للأسف لدى الشعب العراقي، وبخاصة مثقفيه. خطاب "لا خطوط حمر على أحد". وأنا أود أن اتساءل هنا لمروجي هذا الخطاب ولمن يقبله: أليس هذا خطاب لا أخلاقي؟ ألا يفترض أن يكون لدينا خطوط حمر على المجرمين من لصوص وقتلة ومختلسين وسيئي السمعة؟ لن أعيد هنا تعداد عربات قطار فضائح علاوي فقد كررتها حتى أزعجت قرائي وملوا من قراءتها، إنما أريد أن أناقش هذا المبدأ المريض، ومن يقبله بلا تردد. أقول أتقبل أن تشارك تاجراً سيء السمعة فتأمنه على مالك؟ فلماذا إذن يكون من الأخلاق أن تأمن وطنك بيد رجل سيء السمعة وخطر؟ ما الذي يستطيع شخص مثل علاوي أن يفعله ليخسر ثقتكم ولم يفعله؟
وإن كنتم قد قررتم أن السياسيين معفيين من الأخلاق، فأي حق يبقى لكم في الشكوى من سوء الحال الذي يوصلكم إياه هؤلاء السياسيون؟ ما حقكم في التذمر من نقص الكهرباء والأمن ومن لصوص الوزارات وقتلة الشوارع إن كنتم قد قررتم أن تنتخبوا لقيادة بلدكم منهم؟ إنني أفهم أن ينتخب اللصوص لصاً والقتلة قاتلاً، وهم يأملون أن يستفيدوا منه، أما أن ينتخب الناس والتيارات والأحزاب المبدئية لصوصاً وقتلة، وتنظم في تحالفات سياسية معها وتتشدق بأنها "لا تضع خطوطاً حمراء على أحد" فهو أمر غريب بحاجة إلى طبيب نفسي لتحليله وشرحه.
الإنسان القويم لا ينتخب فاسداً حتى لو استفاد منه، والإنسان الإنتهازي ينتخب الفاسد إن عرف أنه يستفيد منه، فماذا نسمي الإنسان الذي ينتخب فاسداً دون حتى أن يتوقع استفادة منه؟ ماذا نسمي الإنسان الذي ينتخب مشبوها يمكن أن يكون خطراً عليه قبل غيره؟
 
أيها الصدريون، لقد كان خطابكم على طول الخط يستنير بمعاداتكم الإحتلال وسعيكم لإخراجه من البلاد ولمنعكم إعادة البعث (إلا من اقتنعتم بتوبته) لكن خطابكم منذ الإنتخابات كانت له رائحة أخرى، رائحة "عدم الممانعة" في أي شيء. تحدثتم كثيراً ومازلتم تتحدثون عن إمكانيات تشكيل حكومة مع علاوي، فهل أن علاوي إلا رجل الإحتلال والتعبير عنه؟ اليس هذا الرجل هو من منع الأمم المتحدة من تخليص العراق من سلطة القوات الأمريكية؟ أليس هو من تآمر مع الأمريكان لإعادة رجال الأمن البعثيين إلى السلطة ليصل الأمن اليوم إلى ما وصل إليه؟ أليس هو الكذاب الأخطر في الطيف السياسي العراقي اليوم؟ أليس هو الشخص الأقرب إلى صدام، بل هو صدام فاشل وبلا رائحة الكرامة التي كانت لدى صدام، أو كما يسمونه "صدام بدون شوارب"؟ أليس هو الذي يسير رفاقه بالتلفون من عمان؟ أليس هو من هرب منه معظم من تحالف معه لدكتاتوريته ونزقه؟ فكيف إذن لا مانع لديكم من مشاركته والتحالف معه؟ وما قيمة كل ما فعلتموه وما قيمة التضحيات التي قدمها شهداؤكم ثمناً للموقف الصلب من هذه الآفات ومواقفها؟
 
لقد تحالفتم مع المجلس الأعلى، ذباحيكم بامتياز، والذين تخلى عنهم حتى ناخبيهم ولم تكن لهم أية قيمة شعبية أو انتخابية، وأضعتم فرصة الظهور منفردين بمبادئ واضحة ينتخبكم الناس من أجلها. ثم كررتم القول بأن لا مانع لديكم من التحالف مع علاوي، وهو أمر لا يفتخر به، وها أنتم تنتخبون من يرتبط اسمه بحادثة سطو وقتل، "عادل زوية"، ليكون مرشحكم لأعلى منصب في بلادكم، فماذا تسمون موقفكم؟ ما الذي تأملونه من عادل عبد المهدي؟ لقد تقلب بين ثلاثة أحزاب كل منها يقف نقيضاً للآخر، فما الذي وعدكم به لتنتخبوه، وكيف تأمنون أنه لن ينقلب عليكم مثل هذا الثعلب القلاب؟
 
من يمكن أن يذكر أكثر منكم التجربة المرة مع عادل عبد المهدي، حين خدعكم أنتم دون غيركم، فجعلكم توافقون على حزمة قرارات لم تكونوا مقتنعين بها، فتمرر في البرلمان ليعترض عادل زوية طريقها في الرئاسة ويفتح الرزمة ويخرج منها قانون انتخابات المحافظات دون غيره ويرفضه قائلاً أنه غير دستوري؟ هل نسيتم ذلك؟ لقد ملأتم الدنيا صراخاً وتهديداً ووعيداً بخلق الأزمات السياسية والإضراب وو.. لكن عادل لم يلتفت إلى التهديدات التي كانت تهدد البلاد بالفعل بأزمة سياسية عنيفة. لقد نسيتم على ما يبدو، لكن أنا لم أنسى!
 
ربما نسيتم هذا، لكن هل نسيتم أيضاً من الذي أنقذ قانون المحافظات من مخالب عادل؟ أقول لكم، من أنقذه هو ديك تشيني لا غيره! لقد كان تشيني يريد تجنب المشاكل والضوضاء أستعداداً لتمرير معاهدته المشؤومة التي راح الصدري الشريف صلاح العكيلي ضحية لها، ووقفت نساؤكم قبل رجالكم تعترض عليها وتحتج وتهتف بشجاعة نادرة. جاء تشيني حينها إلى بغداد، وكلما جاء أمريكي إلى بغداد تنقبض روحي ويختنق إحساسي بالإنسانية، فهم لا يأتون إلا بالمشاريع المخيفة. جاء تشيني إلى بغداد واجتمع لساعة مع عادل، فإذا بعادل يتنازل فوراً عن اعتراضه على القانون الذي كان قد ملأ الدنيا ضجيجاً حول لا دستوريته! وحين سأله محمود عثمان لماذا تراجعت، قال: "تشيني كان مهتماً جداً بتمرير القانون"!
 
هذا هو عادل عبد المهدي الذي رشحتموه اليوم لبلادكم، أسد في عرقلة أي قرار، مهما تكن نتائجه على البلاد، وخادم مطيع لأوامر أي أمريكي يمر عليه. ألا تخشون أن يأمره الأمريكي القادم بتصفيتكم حتى آخر فرد فيكم؟ لقد قدمتم للأمريكان خيارهم المفضل الثاني، فهم لا يهتمون بأياد أو غيره، المهم عندهم ان يرأس الحكومة "بايع ومخلص" يأخذ الأوامر منهم، وها أنتم تسهلون لهم ذلك!
 
هل أزيدكم أيضاً؟ أتذكرون عندما ارتكب سفاحي بلاك ووتر مذبحتهم في ساحة النسور؟ حينها ظهر إلى العلن أنهم كانوا قد قتلوا أحد حراس عادل عبد المهدي، وأن هذا الأخير لم يرفع إصبعاً واحدة للدفاع عن الرجل، ولا حتى أعترض او اشتكى عليهم، بل أنه لم يبلغ حتى أهل القتيل بأن الأمريكان هم من قتله! هذا هو قليل الحياء الذي اخترتموه ليرأس بلادنا اليوم يا صدريين!
 
لقد كتبت أيضاً في الماضي مقالة أحيي فيها حركتكم الديمقراطية المبدعة حين استفتيتم ناخبيكم لترشيح من يرونه مناسباً لرئاسة الحكومة ووعدتموهم وعد شرف بأنه سيكون مرشحكم. وانتخب ناخبوكم بحكمة، الرجل الحكيم الشريف الذي وقف معكم في الأيام العصيبة التي مررتم بها، أيام صولة الفرسان، فلماذا تخليتم عنه لصالح مشبوه لا يستحي؟ لماذا تخليتم عن الرجل الذي وقف معكم في رفض المعاهدة المخزية، وفضلتم عليه من لا يعطي أعتباراً إلا لأوامر رجال الإحتلال؟ من سيصدق خطابكم المناهض للإحتلال بعد اليوم؟ بأية مقاييس أخلاقية أو مبدئية أو أية مواقف مشتركة فاز عادل عبد المهدي عندكم على إبراهيم الجعفري أيها الصدريون؟ أود أن أعرف المبادئ التي تحكم اختياراتكم.
 
ومن الأمور الأخرى التي تحيرني هي أنكم كنتم دائماً السباقين إلى كشف الإنتهاكات للإجراءات الدستورية والأصولية في التصويت واتخاذ القرار، وكثرما أشدت بمواقفكم تلك من أحتجاجكم على دستورية تمديد قانون الطوارئ، إلى إحتجاجكم على عدم اكتمال النصاب في التوقيع على المعاهدة البريطانية وغيرها من القرارت التي كانت تفرض خلسة من خلال رئيس برلمان بلا حياء أو مسؤول مرتشي. واليوم أسمع أن القرار بترشيح عادل قد مرر كما اللصوص يمررون سرقاتهم خلسة، فانتهى القرار في جلسة واحدة ودون أن يتاح للجهات المعترضة فرص كافية أن تناقش وتبدي رأيها، فكأنكم استعجلتم القرار كما استعجل وزير نفط كردستان هورامي توقيع عقوده النفطية قبل أن يطلع النهار عليه!
 
وقبل أن أنتهي، أود أن أسألكم، أين شرف كلمتكم لناخبيكم بأن يكون مرشحهم هو مرشحكم؟ أكنتم تسخرون منهم حين أجريتم تلك الإنتخابات؟ لقد كتبت حينها لكم مقالة بعنوان: "مبروك لكم يا صدريين احترام تياركم لكم". (1) 
وكتبت فيها "بينما يسود الشقاق وعدم الثقة والتردد بين الناخب والمرشح، الأحزاب العراقية الأخرى فأن الصدريون دون غيرهم يتمتعون بانتخاب مرشحيهم للبرلمان، وكان الشيخ صلاح العبيدي مقنعاً حين قال "أن إجراء انتخابات لمرشحي التيار الصدري خطوة لأعادة الثقة بين المواطن والمسؤول". ... "
 
وكتب احمد حبيب السماوي :"لا يمكن حينها لأحد أن يتجرأ بالقول بان التيار الصدري قد قدم أسماء بناء على معطيات الانتماء الحزبي ومعايير العلاقات الشخصية كما تفعل ذلك اغلب الأحزاب السياسية". وكتب جمال محمد تقي: " التيار الصدري ذهب ابعد مما هو متداول"، وأبو فاطمة العذاري يكتب أن الصدريين"أرسلوا رسالة قوية جدا – تلطم كافة الأحزاب الأخرى على وجهها – والرسالة تقول (( ان السيد المقتدى وقيادات الخط الصدري يحترمون الجماهير )) "
 
فماذا علي أن اكتب الآن؟ وماذا يمكن للشيخ صلاح العبيدي أن يقول بعد الآن عن إعادة الثقة بين المواطن والمسؤول؟ وما هي الرسالة الذي يرسلها قرار التيار الصدري بالتخلي عن تعهده لناخبيه؟ هل كانت تلك التجربة الجميلة مجرد خدعة؟ هل ستتمكنون في المرة القادمة من دعوة الناس إلى تكرارها دون أن تتعرضوا لسخرية الناس؟
 
سؤالي الأخير الذ يحيرني والذي لا شك أنه يحير ناخبيكم أيضاً: كل هذه الخسائر من أجل ماذا؟ كل هذا التحطيم لما بنيتموه من أسس مع ناخبيكم ومع الناس التي كانت تأمل أن يتقدم التيار إلى الأمام في علاقته معها وليس إلى الخلف، من أجل ماذا؟ فقدان كل هذه المصداقية من أجل ماذا؟ إن كنتم تختارون الخيار الأمريكي الثاني ليحكم العراق، فمن أجل ماذا ضحى شهداؤكم بحياتهم إذن؟ هل يستحق عادل زوية كل ذلك منكم؟
 
حين انبرى عمار الحكيم يقول أنه لن يدخل حكومة لا يدخلها علاوي، توقعت فوراً أنه تعرض إلى ابتزاز أو رشوة كبيرة لأن خطابه يخالف كل سياق المنطق والمصلحة الحزبية، وها أن سياسييكم يا صدريون يخالفون المنطق وحتى مصلحة التيار، فما السر؟ هل تعرض الصدريون إلى ابتزاز أمريكي فيما يتعلق بالتهم الموجهة إلى السيد الصدر، بشأن مذكرة الإعتقال التي تحدث البعض عنها؟ ففي مايس الماضي تحدثت العراقية بلسان فتاح الشيخ، (2)  أحد اعضائها الذي كان قيادياً سابقاً في التيار الصدري، قائلاً أن قائمته ستقدم مقترحاً بتوفير الحصانة الدائمة لمقتدى الصدر، لإبطال مذكرة الاعتقال الصادرة سابقاً بحقه". وهل اختار الأمريكان مرشحهم الثاني إبعاداً للشبهة، أو لأنهم يإسوا من إمكانية تنصيب علاوي؟ إنها تساؤلات تثيرها القرارات الغريبة المؤسفة.
 
(1)
http://www.yanabeealiraq.com/articles/saib-khalil221109.htm

(2)  http://www.alrashead.net/index.php?prevn&id=4500&typen=2
 
 

 4/9/ 2010
 

free web counter