| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 7 / 3 / 2025 صائب خليل كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
منطق النائب حسين مؤنس: التقسيم حل للضغوط! ما الخلل فيه؟
صائب خليل
(موقع الناس)في فيديو نشرته اليوم، يوضح حسين مؤنس، رئيس حركة "حقوق"، ومن قناة العهد التلفزيونية، المشكلة السياسية في العراق، فيقول ان "المشكلة" هي ان "الشيعي متمسك بالحاكمية" وهذا يجعله عرضة لابتزاز "المكونات الأخرى" لأنه بتمسكه بـ "الحاكمية" لا يبقى لديه خيار سوى ان يرضخ للابتزاز مقابل تثبيت رئيس الوزراء، الذي يستمر طيلة خمسة سنوات ويسبب لرئيس الوزراء المشاكل مع الكتل الشيعية الداعمة له.
الحل في رأي حسين مؤنس ان تصاغ السياسة صياغة أخرى لكي تعطي للشيعة خيارات غير خيار الحاكمية ليمكن لهم ان يفاوضوا الآخرين عليها. وهذه الصياغة كما يقول مؤنس: "ان نخير الآخرين بين الاستقلال الشيعي والحاكمية: ما تقبلني حاكم، نذهب باتجاه الاستقلال!" وليس فقط الإقليم. (انتهى الاقتباس)
ما الخلل في هذا المنطق؟ كم منه صحيح وكم منه مغالطات؟
هل حقا ان المشكلة هي ان "الشيعي متمسك بالحاكمية"؟ هل هي "حاكمية"؟ ام "الكرسي" هو الإسم الصحيح لها؟ لو كانت لخصمه أما كان سيصفه بأنه "متمسك بكرسي الحكم"؟
ثانيا، يفترض حسين بأن "الحاكمية" هي حق معطى للشيعي، وأن عليه أن يشترط ان لا يضايقه عليها أحد، وإلا فله الحق بتهديده بالانفصال. فهل هذا الكرسي او "الحاكمية" هي حقا حق للشيعي كما هو شائع ولم يعد أحد يناقش ذلك؟
كتبت مرارا عن ذلك، وهذا التفسير الطائفي "العنصري" للديمقراطية التي تعطي هذا "الحق" هو من اسخف اختراعات منظومة الحكم السياسي البليد في العراق، فيحول السباق بين المواقف السياسية للحصول على أعلى الاصوات، كما تقول الديمقراطية، إلى سباق عنصري جيني بالتوالد والتكاثر بين "المكونات". اي يحول البشر الى حيوانات داجنة ايها تتكاثر اكثر من غيرها تضمن الحكم! مبروك لنا هذه النتيجة بعد عشرين سنة من تعلم السياسة وممارسة الديمقراطية.
هل يحق في الديمقراطية، على الجهات التي لا تحصل على الاكثرية، "مضايقة" و "الضغط" على الأكثرية التي تشكل حكومة وان تبقى تطالبها طيلة فترة تلك الحكومة؟
بالطبع نعم، يحق لها! لا توجد في العالم حكومة تتشكل بصورة ديمقراطية، تتوقع ان لا تطالبها بقية الاحزاب وتضغط عليها، خاصة ان لم تملك اغلبية كاملة، وتضطر الى التعاون مع الآخرين الذين سيفرضون بعض رأيهم. وحتى لو امتلكت الاغلبية المطلقة، فأن الباقين سيشكلون ما يسمى "المعارضة"، ولا معنى لهذه الكلمة ان كان للأغلبية حكم مطلق كأنه نزل من الله ووجب على الجميع طاعته وان لا يفتحوا فمهم بأي كلام او يمارسوا اي ضغط.
لكن الأمر يصبح مفهوما بعض الشيء حين تكون القضية قضية جينات وعنصرية، فكيف تصنع "معارضة" عنصرية؟ ماذا يمكنها ان تطالب؟ لا شيء سوى اقتسام الغنائم! فهل يقصد النائب مؤنس ان اغلبية الشيعة تعني ايضا ان تترك للصوص الشيعة كل الغنائم ليقسموها كما يشاؤون دون مراعاة حقوق لصوص بقية المكونات؟ لا أدري فأنا لا اعرف قواعد هذه الأنظمة العجيبة.
السؤال الآخر: هل يحق لأية جهة ان تهدد بتحطيم البلد وتكسيره الى اجزاء كلما ضايقها أحد؟ اليس هذا تعريف لـ "المزعطة السياسية" التي لا تدرك نتائج اقوالها وأعمالها، ويمكن ان تؤدي بأهلها الى التهلكة؟
لنتفق ان النظام العنصري يتيح ان لا يقبل أن يضغط عليه احد بأي شكل وان من حقه تحطيم البلد ان ازعجه احد وضايقه في حقه المطلق في خيارات الرئيس وحكومته. (نحن ندخل حتى بفرضيات لمستشفى مجانين كما ترون، بحثا عن حجج تبرر هذا الموقف) لنفرض ذلك، فما الذي ضغط به السنة على الشيعة في هذه الحكومة وازعجها الى هذه الدرجة التي تبرر ذلك التهديد؟
ولنلاحظ اولا، اننا رغم اننا نقول "السنة" كمكون، فلا بد ان المقصود هو لصوص السنة ضايقوا لصوص الشيعة لأن السنة والشيعة مسلوبي الإرادة تماما، فبماذا ضايق لصوص السنة لصوص الشيعة وازعجوا السوداني بحيث خرج عن السليم وتسبب في خلافات مع الكتل الشيعية الداعمة له؟
لنتذكر، ان حجة "الإطار" لرفض حكم مقتدى كان انه ربما يضطر الى اخذ رأي بعض السنة حين يحدد رئيس الوزارة الشيعي! وطبعا ذلك هو الكفر الأشد لنظام الطائفة العنصري! ان تأخذ رأي كل سفراء الارض وتنحني لضغوطهم، بل ان تنبطح لها، ليس مشكلة لكن ان تأخذ رأي سنة البلد، أو تسمح لهم بالضغط في اية قضية، فجريمة الجرائم!
ومع ذلك، فمن اعترض على السوداني من السنة؟ وبماذا ضغطوا عليه؟ انهم (...) مثله متوافقين اشد ما يكون التوافق! انظر الى الخنجر الذي اهنته في المقابلة (وانا اهينه اكثر) بمن وثق هذا ومن وثق به غير اللصوص مثله من شيعة الحكم؟ ما موقف اعلاميي قناة الفلوجة المعينين من تل أبيب في السوداني؟ الحقيقة هي ان كل كلب في العراق يهتف للسوداني، ولا يوجد من يعارضه من هؤلاء.
اما ان كان القصد قانون العفو، فهو قانون قبل به لصوص الشيعة ليتقاسموا الغنيمة وبضغط من السفارة وكان المحتال رائد المالكي الذي جاء بقانون الأحوال الشخصية المسخرة، قد اقر بقبوله به قبل ان يطرحه احد رسميا في الدورة الاخيرة! وقبل لصوص الشيعة والكرد والسنة جميعا ان توضع الحصص في سلة واحدة، مخالفين بذلك شرف الموقف وتمت الصفقة!
إن مثل هذه الطروحات البائسة المثيرة للتقزز تستند ضمنا الى دغدغة البسطاء من الشيعة بأنهم ان انفصلوا فسيحصلون على النفط كله وان هذه المكونات الاخرى في البلد هي التي تجعلهم فقراء. ورغم ان هذا موقف لا اخلاقي حتى ان صح، فهل هو صحيح؟ هل يستفيد الشيعة من تحطيم العراق؟ هل سيجعل هذا ثروتهم لهم حقا؟
لننظر الى اين تذهب الثروة الآن ومن يبتز الحكومة ويسلبها اياها: انها تذهب الى الأردن ومصر وأوكرانيا وكل عميل لأمريكا واسرائيل، وليس الى الانبار التي يعاني اهلها من اعلى بطالة في محافظات العراق. ولا الى الشعب الكردي الذي لم يعد يستلم حتى رواتبه وسقط له العديد من كبار السن ميتين من البرد وهم يمسكون دورهم منذ الليلة السابقة لعلهم يستلمون الراتب في اليوم التالي!
اليس بين العراق والأردن ومصر واوكرانيا وبريطانيا، حدود وحكومات منفصلة، فلماذا لم تحم تلك الحدود الثروة لأهلها؟ ولماذا ستحمي الحدود التي تهدد بها تلك الثروة إذن؟
وكيف ستدير الحكم بنفس الطريقة في دويلتك الجديدة؟ كيف ستحل الخلاف مع الصدريين مثلا؟ ايضا ستحصون عدد الرؤوس كالماشية لتقرروا لمن يجب ان يكون الحكم المطلق ومن يفرض عليه السكوت المطلق؟ هل ستهددهم أيضا بالاستقلال إن لم يقبلوا بـ "الحاكمية" التي اخترعتها؟
هل في النية ان يستمر تقسيم البلدان الى ان لا يبقى أي خلاف ولا يتعرض رئيس الحكومة الى أي ضغط، وتكون في كل دولة، مجموعة واحدة متجانسة تماما من السكان؟ هل تستطيع ان تجمع خمسين شخصا منسجمين تماما من الناس؟
إنني أعجز عن فهم العبقرية التي اوصلتك الى هذه النتيجة!
عدا كل هذا، التاريخ يقول أيضا، ان انفصال الدولة الى دويلات عديدة لم يخلق سلاما وتقدما إلا نادرا جدا وبتوفر ظروف وصدف كبيرة، وإلا فانظروا ما حدث في يوغوسلافيا، وما حدث في الهند من مذابح. ولم يكن يتسلط على هذه البلدان عدو كالذي يتسلط على العراق اليوم في رغبته العارمة في تحطيمه ونهب كل ما فيه.
ماذا عن الحدود؟ ماذا عن مياه الانهار وتقسيمها؟ ماذا عن الحقول النفطية التي تمتد تحت اكثر من محافظة؟ ماذا عن الأموال والديون والاسلحة المشتركة؟
ماذا عن مستقبل وسيادة هذه الشعوب البائسة المتناثرة؟ وهل سيمكن للدويلات الناتجة الا ان تكون توابع ملحقة لإسرائيل؟ بل انها ستتسابق لنيل رضا اسرائيل لكسب دعمها في حربها الأكيدة مع الباقين!
ليس من مصلحة الشيعة ولا السنة ولا الكرد هذا التقسيم، ولا توجد حقوق خاصة لأي مكون بسبب عدد نفوسه، والقضية كلها تتخلص بمحاولات اقناع هذه المكونات ان المشكلة بينها، واقناع كل منها ان من يسرقها، ليس السفارة وخدمها من السفلة، بل بقية المكونات.
ان لم تعي مكونات هذا الشعب خطورة المؤامرات المتزايدة التي تحاك لبلدها، فستجبر على التقسيم، رضيت بذلك ام لم ترض! إن لم تبد حرصا على بلدها، بقوة حرص اعدائها على تحطيمه، فلن يبقى طويلا، ولن تبقى طويلا!