|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  6 / 11 / 2018                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الصدريون والحوار

صائب خليل
(موقع الناس)

2- أربعة اشكالات تمنع الصدريين من الحوار!

قلنا في المقالة السابقة ان الإشكال الأساسي في عزلة الصدريين في الحوار هو القدسية الدينية التي تم لصقها بالظرف السياسي، والاختلاف الأساسي بين الدين الذي يسمح بالتقديس وعدم توجيه النقد، وبين المجال السياسي الذي يشترط ذلك النقد اساساً لوجوده، خاصة عندما يكون له هيكل ديمقراطي، حتى لو لم يكن ديمقراطيا بشكل حقيقي وسليم.

تلد القدسية ثلاثة اشكال من المعوقات للنقاش، تترابط فيما بينها وتقوي بعضها البعض لتكون حاجزاً صلباً
أهم ثلاث قضايا تمنع الصدريين من خوض حوار جدي مع غيرهم هي:

1- المعصومية الفعلية: رغم ان الصدريين لا يقرون بأنهم يعتبرون مقتدى معصوماً، فإنهم بشكل عام وكأغلبية وليس كليا، يتصرفون على هذا الأساس، ويعطون هذا الانطباع لدى غيرهم. ومن يشك من الصدريين بهذا الأمر، له ان يسأل الآخرين ما هو انطباعهم الفعلي بهذا الشأن، وسيرى. وطبيعي أنك حين يقول قلبك بأن فلان صحيح دائماً فلا أنت تناقش افعاله وتزنها كما تفعل مع غيره، ولست حتى مستعداً فعلا لمناقشتها. وإن خاض الصدريون نقاشاً فهم يعلمون مسبقاً ما هو الصح وليسوا مستعدين لأي تراجع مهما كان بسيطا عنه ومهما كانت المؤشرات على الخلل الذي فيه. إنهم يخوضون النقاش كما المؤمن، بغرض اقناع المقابل بـ "الحق"، كما يفعل المؤمن أمام غير المؤمن.
هذا النوع من النقاش طبعا غير مناسب للمناقشات السياسية، التي تخاض بروح مختلفة وغالباً ما تتوصل الى نتائج وسطية، ويتفهم كل من الطرفين وجهة نظر الآخر لاعتبار نظرته غير صحيحة أو غير مناسبة.

2- "عدم القدرة على رؤية الخطأ". من النقطة الأولى، (المعصومية الفعلية) تنتج النقطة الثانية. فمن يرى في شخص انه لا يخطئ، فلن يستطيع رؤية خطأ في موقفه. وتؤدي بالتالي إلى عدم القدرة على تفهم المقابل ووجهة نظره، وعدم إعطائها ما تستحق من اهتمام واعتراف يجعل النقاش معقولا ومريحاً، وإنما يتحول على تصلب متبادل كل في خندقه والاحتفاظ بالحاجز بين الطرفين، مع احاسيس بعدم الأمانة وبعض العداء.
والحقيقة أن عدم قدرة "المؤمن" بشخص، على رؤية اخطائه او نواقصه، تنعكس سلباً حتى على قدرته على الدفاع عنه، لأنه يعجز عن التفكير بتلك الأخطاء مسبقا والاستعداد لمواجهتها في النقاش، إن كان هناك بالفعل رد مقنع ومناسب لها. كما ان التعود على اعتبار مرجع المجموعة "لا يخطئ" يسبب كسلاً في الذهن، حتى لو كان ذلك المرجع لا يخطئ بالفعل.

3- الاقتناع بأبسط الحجج المؤيدة للصدر، مهما كانت ضعيفة أو افتراضات ليس عليها دليل: في نقاش حول مسؤولية ترشيح فاسد وتابع امريكي مثل عادل عبد المهدي وموقف الصدر منه وتبرير ذلك، قال احد المعلقين أن الصدر دعمه لأنه كان مرشح المرجعية! فأجابه آخر من الصدريين ايضاً، وبأدب جم بأن هذا ليس السبب وإنما السبب هو أنه "وجود عادل عبد المهدي من أجل إطفاء الفتنة بين الأحزاب".

استسهال الحجة أمر شائع بين كل من يحب اثبات قضية يتعاطف معها، وليس التيار استثناءاً. لنلاحظ هنا أولا، أن التحجج بـ "دعم المرجعية" غير منطقي، لأنه ببساطة المرجعية تبرأت من هذا الدعم علناً. فحتى إن كانت في قلبها تريد عبد المهدي، فهي أعطت الحجة لمن يريد رفضه بإعلانها ذاك.

أما السبب الثاني فهو من نوع الافتراضات التي لا يوجد عليها دليل. لم يقدم لنا الأخ الثاني أي دليل انه لولا ان الله خلق عادل عبد المهدي لقامت فتنة بين الأحزاب، ولا نعتقد ان التجارب السابقة تشير إلى ان هذه الأحزاب تثق بعادل عبد المهدي او انه مرشحها المشترك. فعادل عبد المهدي رجل ينتمي لمجموعة ما (حتى لو استقال الف مرة) ولم يكتب يوماً أنه استقال لخلافه مع مجموعته ولا احد يعرف بأي شيء اختلف عبد المهدي مع جماعته التي بقي فيها خلال كل فترة النهب الأقسى للعراق، وكانت من اكثر المجموعات لصوصية وفساداً. وهي فوق ذلك المجموعة الأكثر قربا من الأمريكان وتآمراً معهم. واخيراً هي المجموعة التي كانت امتثالاً لأوامر الامريكان تقتل الصدريين وبالتالي تستحق من غضب السيد كمية لا تقل عن غضبه من المالكي على الأقل.

وحين يحتار الصدريون في تبرير مثل هذا الموقف، تأتينا مثل هذه الفرضيات: "وجود عادل عبد المهدي من أجل إطفاء الفتنة بين الأحزاب"! وطبعا لا الصدري قدم أي دليل على هذه الفرضية، ولا الثاني طالبه بها! وطبعاً يمكننا ان نقدم أي فاسد في هذه الحالة، إن كان اتباعنا يقبلون تبريراتنا بلا اثبات. ولو رشح الصدر أي شخص آخر، مهما كان فاسداً وذيلا امريكياً، وقلنا ان وجوده ضروري لوأد الفتنة، فأن هذا السبب كاف جدا... ما لم يطالبنا احد بإثبات صحته!

4- الإحساس بالمظلومية و "حقد" الآخرين على آل الصدر: الردود على المناقشات تكشف أولاً طيبة الصدريين (رغم كثرة لجوئهم الى السباب والشتائم، واحياناً اقذعها) وأنهم يحسون بأن المقابل يظلمهم، ويظلم بشكل خاص "مقتدى الصدر" أو "آل الصدر"، وأنه "يحقد" عليهم، وأن ذلك هو الدافع الحقيقي وراء أي نقد لمواقف السيد مقتدى.

هذا ليس غريبا. إذا كنت واثقاً جداً من ان السيد يفعل كل ما يستطيع من اجل الوطن وان كل مواقفه صحيحة و "يشهد لها الغريب قبل القريب" فلن تجد تفسيراً للنقد سوى "الحقد"!

كإثبات على هذا تجد العديد من الصدريين يشتكون من الظلم ودعوة المقابل إلى ان يكون "منصفاً" أو ان "لا ينظر بعين واحدة".. الخ. كذلك لا نجد سوى بين الصدريين من يكرر تعليقات على المقالات الناقدة مثل: الله يحفظه القائد، آلله يحفظك سيدنا يا أبا هاشم وينصرك على كل من عاداك بحق محمد وال محمد، رويحتي أبو هاشم، الله يحفظه... الخ. وكأنهم ام تخشى على طفلها من الحسد والأذى!
هذا عدا التعليقات المتهافتة بأن "كل من يعادي مقتدى ..." أو "من كرهك فليسأل أباه ... " الخ..

ليست الحقيقة بالطبع هي ان الناس ليس لديها ما تفعله سوى "الحقد" على السيد مقتدى وآل الصدر، خاصة لمن ليس لديه مشكلة شخصية معه. لكن فكرة "المظلومية" راسخة في التيار، (وهي ليست المظلومية الشيعية عموما) وتستند بعض الشيء إلى ما أصاب العائلة من مآس متكررة وقاسية ثابتة في الذاكرة. وهي جاهزة للاستعمال حتى في غير مكانها، للتخلص من أي نقد يوجه لمواقف السيد مقتدى، حتى لو كان من يوجه النقد، لديه إثبات بأنه ليس حاقداً على آل الصدر، بل محباً لهم ومدافعاً عن مقتدى حينما كان الأخير يتصرف بشكل يراه مناسباً. وإن كان كاتب هذه السطور محظوظا لقدرته على اثبات خطأ هذا الاتهام بحقه، فلم ينجو من كل الاتهامات أعلاه واكثر. وعدا هذا فأن الأغلبية الساحقة من الناقدين، ليست قادرة على اثبات "براءتها" (لأن البينة على من ادعى)، ويفترض ان يكون لها الحق في النقد، حتى القاسي منه، لمواقف الصدر السياسية، ودون ان تتهم بلا دليل بالحقد على آل الصدر.

بسبب هذه القدسية ونتائجها، يرى الناس الصدريين كعصبة لا يمكن نقاشها، بل يرونها عصبة خطرة قد تنساق إلى اية كارثة إن ارتكب قائدها خطأً مهما، رغم انهم يقرون بأنه غير معصوم من الخطأ. وهذه النظرة وهذا الخوف يزيد من الحاجز العاطفي بين الصدريين وبين الناس ويزيد من صعوبة الحوار بينهم.

إذن، إن أراد الصدريون أن يطوروا مرونتهم في النقاش فعليهم في تقديري ان ينتبهوا إلى هذه النقاط ودورها في عرقلته. ورغم أنها جميعا نابعة من قدسية السيد مقتدى لدى الصدريين، وهو أمر من حقهم، إلا أنهم يجب ان يدركوا أن الآخرين ليسوا ملزمين بهذا التقديس، وأن مجال السياسة هو مجال نقد، وأن الناس ليست مجنونة لا تجد ما تفعله سوى "الحقد" على آل الصدر، وأنهم يرون الصدر مخطئاً بالفعل حتى لو لم يره جماعته كذلك، وان هؤلاء قد لا يسهل اقناعهم بالعكس من خلال حجج لا دليل عليها او فرضيات تم تركيبها لتخدم غرض التبرير وبلا دليل أيضا، بل قد يصعب إقناع المقابل حتى لو كان الحق مع الصدريين، مثلما يحدث مع غيرهم!

وأخيراً وقبل كل شيء، يجب ان ينسجم الصدريون في تقديري مع اعتقادهم الديني بأن السيد مقتدى ليس معصوماً وأنه لابد، قد ارتكب بالفعل أخطاءاً ولا فائدة من مراوغة الكلام بالاعتراف بعدم عصمته من جهة والاعتقاد بصحة كل ما يفعله من الجهة الأخرى. يجب أن يفهم الصدريون ان الآخرين، لكونهم ينظرون الى تلك المواقف بموضوعية خالية من العواطف، هم اقدر منهم على الحكم على صحتها بشكل عام.

إن تم إدراك تلك الحقائق والتصرف إزاءها بشجاعة فسوف يكسب الصدريون قدرة اكبر بكثير على الحوار وإقناع المقابل. واهم من ذلك، إنهم حتى لو فشلوا في اقناع المقابل برأيهم، فأنهم لن يظهروا للآخرين كمجموعة متعصبة متصلبة جاهلة وخطرة، تتبع شخصاً يمكن ان يخطئ مثل غيره ويؤدي هو واتباعه بالبلاد إلى الكارثة. أن يطمئن الناس انه في حالة وقوع خطأ خطير في مواقف السيد الصدر فأن ذلك لن يعني مذبحة قد تأتي على العراق، بل انه سيمكن اقناع اتباعه بالخطأ، وربما يصلح هو خطأه نتيجة ذلك.

 

5 تشرين الأول 2018

المقالتين السابقتين:
الصدريون – من اجل استعادة الحوار 1- السياسة وحاجز التقديس
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2065488463508212

ما حدث بين الصدريين ورئيس الحكومة المكلف يعني الكثير لمستقبل العراق - صائب خليل
https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/2057649684292090







 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter