|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  4  / 4 / 2015                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ليس هذا أملنا يا قادة الحشد!

صائب خليل

صحيح أن أغلب ما كتب عن قيام أعضاء من الحشد الشعبي بعمليات سرقة وانتقام في تكريت هي كاذبة ومغرضة، مثل هذا التقرير من "عراق برس"، عن حرق وسرقة واسعة في تكريت عقب ساعات من اقتحامها، وأن السرقات شملت 80% من مباني تكريت! عدا الجانب الغربي الذي (كان) لا يزال تحت سيطرة تنظيم داعش!!(1) (يريد أن يقول أن داعش أفضل من الحشد!).
من الواضح أن هذا كلام مدسوس، لكنه قد صار من الواضح ايضاً أن ليس كل الأقاويل عن تلك السرقات هي "أكاذيب مغرضة" للإساءة للحشد، وأن هناك بالفعل من يقوم بتلك الأفعال وعلى نطاق ليس صغير. الفيديو التالي، وإن لم يكن لوحده يثبت شيئاً، لكنه يرينا بضعة شاحنات تقوم بنقل الأغراض (في الوقت الذي تم التأكيد أنه لم يكن هناك في تكريت أي مدنيين من سكانها!) ونرى عدداً من المحلات المحروقة (2)

كذلك جاءت التوصيات من عدد من المراجع لتؤكد وقوع مثل تلك الحوادث محذرة من "فتنة النصر" و "اي تصرف غير مسؤول" لأن "النصر في تكريت كان عراقياً بامتياز" (3) مؤكدة ذلك القلق، ومنبهة قادة الحشد الشعبي أن أعين العراق كلها عليهم وعلى الكيفية التي سيديرون بها ذلك الإنتصار، كما أن اعين أعداء العراق عليهم ايضاً وهي مستعدة لاستغلال كل هفوة أو زلة أخلاقية.

واعترف عدد من القادة والساسة بوقوع حوادث من هذا النوع. ولم يأت ذلك فقط من المشبوهين المطعون في شهادتهم، بل من الحكومة والجانب الشيعي، ولعل أهمها ما شهد به "شاهد من أهلها"، حيث اعترف نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس بحصول "تجاوزات" خلال العمليات الأمنية ضد داعش، ولكنه بررها بأنها "نزاعات داخلية ومحلية ومشاكل بين مناطق وعشائر في هذه المناطق"!(4) . و لا ينتظر من الناس تصديق مثل هذه التبريرات لعمليات السطو، ولا قبول التخفيف منها بتسميتها "تجاوزات"، وتبقى في مسؤولية الحشد الذي كان يسيطر على المدينة، حتى لو كان "ألمتجاوزون" من اهلها ولأية أسباب أو دوافع.

المهندس بدلا من الإعتراف بالتقصير اكد "عدم امكانية الحشد الشعبي ان يضع حارساً على باب كل دار"! وهذا كلام غريب من مسؤول يعلم مدى جسامة مسؤوليته ومدى القلق من اعمال النهب والسطو. صحيح أنه من غير الممكن أن تضع حارساً على باب كل دار، لكن كان من الممكن بالتأكيد أن تضع نقطة حراسة واحدة في السوق المركزي الذي يحتوي أهم المحلات التجارية، أو بضعة نقاط في بضعة شوارع مهمة وبعض تقاطعات الطرق الرئيسة! كان يمكن بالتأكيد أن تسير بضعة دوريات في المدينة تتصل لاسلكياً بنقطة مركزية لتنبه على اية من تلك "التجاوزات"، لتنطلق قوة مسلحة لمنعها والقاء القبض على مرتكبيها! وهذا سهل بشكل خاص لأن المدينة مهجورة ويفترض أنها تحت منع تجول فعلي ورسمي، وبالتالي فأن أية حركة ستثير الشبهات ويسهل ملاحظتها.

ومما يزيد الإستغراب أن المهندس يقول: "في مناطق معينة كطوزخورماتو وجلولاء واجهنا نفس المشكلة". وكذلك قوله "هناك عصابات موجودة ومعروفة وهناك نزاعات داخلية ومحلية بين العشائر فهناك مثلا نزاعات بين البو عجيل وبين عشيرة معينة وبين بلد ويثرب، وبين يثرب والضلوعية".. واجهتم نفس المشكلة، وتعلمون بوجود عصابات "معروفة"، وتعلمون بالتحديد ماهي التوترات العشائرية الموجودة في المدينة، وتعلمون أن هناك من سيتهمكم بأية تجاوزات تحدث، ورغم ذلك فلا يبدو أنكم قد اتخذتم اي إجراء لمنعها، على الأقل خلال فترة تحريركم للمدينة وتواجدكم فيها، رغم كل التوقعات بحدوثها!؟

ويستمر المهندس بتبريراته فيقول : "... حينما يتم التحرير فنحن غير معنيين بملاحقة كل واحد يقوم بهذه القضايا لان لدينا تكليفاً حقيقياً بحماية الناس والاموال لكننا لا نتمكن من منع الجميع".

طيب، لا تتمكنون من "منع الجميع" ولا من وضع حارس أمام كل باب، فهل منعتم البعض من هؤلاء الجميع؟ وإذا كان بعض من يسرق هم حالات فردية من الحشد، فمن اين أتوا بالسيارات التي نقلوا بها المسروقات؟ هل ذهبوا إلى القتال بسياراتهم الخاصة؟ وبالنسبة لمن سرق من أهل المنطقة، ألا توجد رقابة على ما تنقل السيارات في المدينة؟ ماذا لو كانت تنقل السلاح أو العتاد؟ هل امسكتم ببعض تلك العصابات المعروفة ومنعتم بعض السرقات التي حدثت؟ أين هؤلاء الذين امسكتم بهم إذن؟ لماذا لا تقومون بفضحهم على التلفزيون بأسمائهم وصورهم وانتمائهم العشائري واعترافاتهم ليفهم الناس أنكم أبرياء وأن من قام بتلك الأعمال هي "عصابات معروفة" وأنكم قمتم بما تستطيعون لحماية الناس بالفعل؟ إنني، رغم كوني من أشد المتحمسين للحشد الشعبي وقد كتبت كثيراً في الدفاع عنه وعبرت عن أملي الكبير به، اجد نفسي حائراً أمام علامات الإستفهام هذه، ولا استطيع أن أصدق كلمة واحدة مما تقول، فكيف يصدقها من يشكك بالحشد مسبقاً؟

ويزيد المهندس خيبة أملنا في إصراره على تبرئة نفسه والحشد بالقول ان "حوادث السلب والنهب التي جرت في عام 2003 هل كان هناك حشد شعبي انذاك"؟ وهو تصريح غريب ينقصه الذكاء والإحساس بالمسؤولية. فالذين يتهمون الحشد الشعبي بالسرقة، لم يقولوا أن الحشد الشعبي هم اللصوص الوحيدين في العراق، وأن السطو والنهب قد بدأ فقط بعد إنشاء الحشد الشعبي، لكننا كنا نأمل أن وجود الحشد "هناك" سيكون ضماناً أكثر من القوات الحكومية نفسها، والتي لا يثق المواطنون في تلك المناطق بها، ونرى أنها مخترقة بشكل كبير جداً لأن من أسسها هم الأمريكان، وقد رأينا نتائج ذلك الإختراق في الموصل، سواء قبل احتلالها من داعش (بأذية متعمدة للناس لكي تهيء الجو لقبول داعش كمنقذين) أو عند هجوم داعش والإنسحاب من المدينة وتركها مع اسلحتهم لداعش، في خطة لا يشك عراقي في أنها كانت متعمدة. كذلك نعلم جيداً، وبفضل شجاعة الأهالي في بهرز، أن من قام بمذابح بهرز هي قوات سوات، وقد دفع البعض منهم بالفعل ثمن شجاعته لكشفه الحقائق بينما كان "مختار العصر" ينظر بكل جبن بعيداً عن ذلك.

إذن ماكان الناس يأملونه، او على الأقل ما كنا نأمله نحن الذين نؤمن بأن مازال في العراق خير، هو أن يثبت الحشد الشعبي الذي لم يؤسسه الأمريكان أو عملائهم، ان الأمر مختلف بوجوده عن تجاوزات الجيش وسوات وغيرها، لكي نصفع بحقائقه الناصعة السفلة الذين يريدون تخريب العراق وبث الفرقة بين مذاهبه ومناطقه.

ورغم أن كل ما حدث من "تجاوزات" ليس لها أية أهمية تذكر مقابل الإنتصارات العظيمة التي حققها الحشد، إلا أننا عشمنا بالحشد يبقى اكبر، وأملنا فيه أن يحفظ صورته ناصعة في ذاكرتنا وذاكرة أهالي المدن التي حررها، في هذه اللحظة العصيبة التي نحتاج فيها إلى التلاحم بوجه المؤامرة الكبيرة عليه. فنحن نعلم جيداً ويعلم قادة الحشد أكثر منا، أن الحشد لا يمكن أن ينجو من الإختراق من قبل أعداء العراق، ويجب دائماً التحسب لذلك.

إنني أتمنى أن أرى مجموعة يتناسب عددها مع نسبة عمليات السطو والنهب، تساق إلى المحاكم بعد فضحها التام، حتى إن كانت تنتمي للحشد، بل خاصة إن كانت كذلك ، شيعة أو سنة، من القادمين من مناطق أخرى أو كانت من أهل المناطق المحررة. إن إظهار منتسبي الحشد الذين قد يكونوا قاموا بالسطو على الناس أمام التلفزيون، ومعاقبتهم بأقسى العقوبات، نظراً لخطورة تأثير ما قاموا به على وحدة الشعب العراقي، لايسيء للحشد ككل بل بالعكس، هي الطريقة الوحيدة لتبرئة الحشد وإثبات أن قيادته تقوم بالفعل بتنظيفه وبمحاسبة المجرمين فيه كما تحاسب غيرهم وأنها حريصة على سمعته. ذلك مهم لموقف الناس منه وايضاً لأنه يرسل رسالة تحذير لبقية الخلايا التي تنتظر دورها في التخريب القادم.

وأخيراً فأن على الحشد المسارعة في كشف للعناصر الفاسدة في داخله قبل أن يكشفها غيره. فإن تلكأ وترك الأمر للآخرين فستكون ضربة إعلامية قاصمة للحشد، لأنك عندما تكشف خطاياك بنفسك يفهم الناس أنك نبيل بكليتك وأن خللاً بسيطاً وجزئياً قد حدث وأنك سارعت بإصلاحه، أما إن كشفه غيرك فهو يعني أمراً آخر تماماً، ويكون "الفاس وقع بالراس" ولن يمكنك إصلاح شيء عندذاك! الحقائق لا تخفى طويلاً، خاصة عندما يكون هناك من يستفيد منها، ولذلك فهي قضية سباق مع الزمن ليس إلا حول من سيكشف الحقائق وما سيكون تأثيرها. وعندما أقول "كشف الحقائق" فإني أعني كشفها بوضوح وبتقرير رسمي يقدم إلى المحاكم وإلى الإعلام بالاسماء الواضحة ليقنع الناس، وليس بالإكتفاء بفلم يصور جنوداً يضربون شخصاً يفترض أنه لص أمسكوه. فهذه أساليب "ولي الدم" التي لا تكفي لبعث الثقة، ولا توحي بوجود نظام محاسبة.

مازالت أمامنا معارك كثيرة وطويلة ومعقدة، ونتمنى أن تغير قيادات الحشد اسلوب التبريرات والسعي لتغطية الجرائم، وتحمل المسؤولية الكاملة عن إدارة المناطق التي يحررونها وحتى لحظة تسليمها إلى السلطات المسؤولة. فبذلك فقط، تبقى ذكرى الحشد نقية ناصعة في ذاكرة التاريخ لا تشوبها شائبة، ويشعر العراقي بأن الحشد نواة الوحدة التي يمكنه أن يطمئن إلى الإلتفاف حولها والقتال في خندقها والتضحية في معاركها، ويطمئن إلى وطنه بخير برعايتها.
 

3 نيسان 2015

(1) العبادي والعبيدي أُبلغا بعمليات سلب ونهب في تكريت وتوعدا بمحاسبة المتورطين
http://www.iraqpressagency.com/?p=129880&lang=ar
(2) فديو اعمال نهب في تكريت.
https://www.facebook.com/video.php?v=471319003015566&set=vb.458283024319164&type=2&theater
(3) المرجع المدرسي يحذر من "فتنة" النصر ويدعو إلى عدم المساس بأهالي تكريت
http://www.alsumaria.tv/news/129751/AlSumaria-news/ar? utm_source=iContact&utm_medium=email&utm_campaign=icontact+newsletter&utm_content=dn+3+-+4+-+2015
(4) المهندس يبرئ الحشد الشعبي ويؤكد: هناك عصابات تقوم بعمليات السلب والنهب في المناطق المحررة
http://almadapress.com/ar/news/46482/0
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter