| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأثنين 2/6/ 2008

 

دعوة لتذوق متعة أن تفقأ فقاعة!

صائب خليل

ملابس الإمبراطور الجديدة
في أوائل القرن التاسع عشر كتب القاص والشاعر الدانماركي هانز كريستيان أندرسن قصة الإمبراطور الذي خدعه أثنان من الخياطين بـ "ملابس جديدة"، كانت من "الروعة" بحيث لا يستطيع أن يراها الحمقى من الناس. هكذا تظاهر جميع من في القصر بأنهم يرون تلك الملابس التي لم تكن موجودة في الحقيقة، وراحوا يزايدون في امتداحها خوفاً من اتهامهم بالحمق, ومن ضمنهم الملك الذي قبل أن يسير في الشارع عارياً على أن يعترف بأنه لا يرى الملابس. في الطريق هتف فتى صغير: " الإمبراطور لا يلبس شيئاً!" فانفجرت فقاعة الكذب التي منعت الجميع من الكلام فتهامس الناس وضحكوا على الإمبراطور، وربما على أنفسهم أيضاً. (1)

مثقفون دجالون
كتب علي الشوك (
الحياة 16 -6- 1999) : لم يحدث كتاب نقدي في السنتين الأخيرتين مثل الضجة التي أحدثها كتاب "دجالون مثقفون"....لمؤلفيه ألن سوكال وجان بريكمون. عندما صدر هذا الكتاب في فرنسا...أحدث صدمة على الفور، وتعالت الأصوات مباركة ولاعنة وكتبت عنه عشرات المقالات والآف الرسائل في الإنترنيت وعلق عليه لويس والبوت في جريدة "اندبندنت" "نحن مدينون له" (يقصد سوكال) وقال جون هنلي في "غارديان": "لقد جرؤ سوكال وبريكمون على قول ما لم يجرؤ أحد على قوله"..
وبالطبع تناول أخرون الكتاب بالنقد الشديد والإستخفاف.
كان سوكال قد نشر عام 1996 في مجلة (
Social Text ) الأمريكية دراسة مفتعلة تحت عنوان "تجاوز الحرمات: صوب هرمنيوطيقا متحولة لجاذبية الكم" حافلة بالسخافات والمغالطات الواضحة، كتبها بأسلوب "ما بعد حداثي" مغرق في نسبيته وسخريته من "الدوغما" (الجمود الفكري) القديم لأجل التمويه...." ...حيث "كانت بعض العبارات صحيحة في بنائها اللغوي لكنها بلا معنى" ..."ومع ذلك قبلت المقالة ونشرت والأنكى أنها نشرت في عدد خاص من المجلة المذكورة مكرس للرد على الإنتقادات الموجهة الى ما يعد الحداثة والبنيوية الإجتماعية بقلم عدد من العلماء البارزين. ثم ما لبث سوكال أن كشف عن الحقيقة – الخدعة، فأثار بذلك ضجة من ردود الفعل عنيفة في الصحافة اليومية والأكاديمية." كتب العديد من الباحثين في حقل العلوم الإجتماعية إلى سوكال يشكرونه على ما فعل".
لقد فقأ سوكال وبريكمون فقاعة كبيرة، فتناثر رذاذها في العالم....لاشك انهما ابتسما بسعادة غامرة!

وفي العالم العربي تذوق أنيس منصور متعة مماثلة حين نشر مسرحية "الهواء الأسود" مدعياً بانها لأحد كتاب مسرح اللامعقول فـ "انثالت التعليقات في الصحف المصرية تقييماً وتثميناً لهذا "العمل المميز"، ثم كشف كاتبها حقيقة الأمر، وبين أن المسرحية كانت لعبة كتبها على طريقة مسرح اللامعقول!"

التوافقية
لماذا لم يتكلم سكان القصر ولا الناس في الشارع ويفضحون الحقيقة التي يراها كل منهم بوضوح حول ملابس الإمبراطور؟ لماذا خدع الكثير من قراء سوكال وقبلوا الهراء الذي كتبه دون أن يعترض أحد، رغم أنه من المؤكد أنهم لم يفهموا ما كتب لأنه لم يكن فيه ما يفهم، لكنهم سكتوا كما سكت وزراء الإمبراطور لكي لايقول الآخرون عنهم إنهم حمقى. كم يسكت منا حين يستمع إلى "فيلسوف" أو سياسي خشية أن يتهم بأنه غبي؟ بل كم ذهب البعض يمتدح ما لايفهمه أو يذم ما لايدركه أسوة بمن رآهم يفعلون ذلك، لا لشيء سوى لكي لايكون ناشزاً عنهم؟

لم يكن أندرسن يكتب هراءً للأطفال، بل انطلق من خلال حدس عبقري لطبيعة الإنسان في مجتمعه، فقد تمكن من اكتشاف أحدى أهم خصائص تعامل الفرد مع مجتمعه والتي نعرفها اليوم بـ "التوافقية" (
Conformism) دون أن يشير اليها بالإسم. "التوافقية" هي حالة تجميد الفرد لآرائه ومواقفه لصالح طاعة المجموعة والإنسجام معها، وهي ظاهرة إجتماعية عامة تظهر بشكل عام وبدرجات مختلفة في تصرف الأفراد وتقديراتهم، وسببها الأساسي الحاجة الإنسانية للإنتماء إلى المجموعة. (2)
لقد علمنا صراعنا في الحياة أن هذه التوافقية شديدة الأهمية في الصراع من أجل البقاء. فمن أجل العيش معاً نحن بحاجة إلى معتقدات وقيم وتقديرات وميول وعادات مشتركة لتقليل النزاعات داخل المجموعة. هكذا نتعلم أن "نوفق" أراءنا وتصرفاتنا لتنسجم مع المجموعة التي ننتمي إليها. يحدث هذا حتى حين نجد أنفسنا في مجموعة من الغرباء فنحاول عندها أن نتجنب أن نبدو كالحمقى، لكن تأثير الظاهرة يكون على أشده داخل مجموعة نهتم باحترامها لنا ونتبادل مع أعضائها الحب، ولذا تمارس العائلة وحلقة الأصدقاء تأثيراً "توافقياً" شديداً. يتأثر بهذا العامل الناس الأقل ثقة بأنفسهم والشديدو الحرص على رأي الأخرين بهم. تعتمد صناعة المودة وتجارة المواد الإستهلاكية على هذه الحقيقة بشكل كبير لتوجيه الناس إلى منتجاتها. (3) و (4)

تجربة سولومون آش
في الخمسينات، أجرى سولومون آش مجموعة تجارب لإكتشاف مدى تأثير التوافقية على تقديرات الفرد، فكان يعرض ورقة رُسِم عليها خط عمودي وورقة ثانية بثلاثة خطوط مختلفة الأطوال ويطلب من الشخص أن يحدد أي الخطوط في الورقة الثانية يساوي الذي في الورقة الأولى. وكانت الخطوط متباينة الطول بشكل واضح بحيث لم يخطئ في التقدير سوى واحد (وفي رواية اخرى لا أحد) من 35 شخص حينما يسأل الممتحنون بشكل فردي.
ولفحص تأثير التوافقية أدخل في مجموعة الإختبارات الثانية عددا ً من معاونيه مع الممتحن، وطلب منهم أن يشيروا إلى خيار خاطئ ليدفعوا به الى الخطأ. اكتشف أن تأثير التوافقية يكون على أشده عندما تتفق المجموعة على خيار معين، حتى إن كان واضح الخطأ, ويتناسب مع عدد أفراد المجموعة التي تقوم بالخيار ( الخاطئ). اكتشف آش أن قيام 3 أشخاص أو اكثر بهذا الخيار (الخاطئ) فأن خيارات من هم تحت التجربة توافق هذا الخيار في 76% .
أكتشف آش أن أي خلاف ضمن المجموعة يتلف التأثير التوافقي ويحرر الأفراد ليختاروا خيارهم الشخصي، حتى إن لم يتفق معه أحد من المجموعة المختلفة.
من خلال تجاربه، بين آش أن ربع النماذج لاتتأثر بالتوافقية ويبقى يختار ما يراه صحيحاً دائماً. (فيديو 1)
نستنتج أنه لتغيير تصرفات الشخص، يمكن وضعه ضمن مجموعة تتعامل بالشكل المطلوب التغير نحوه، وتعريضه للمديح أو العقوبة الإجتماعية حين يتصرف الشخص المعين بشكل مناسب للمجموعة أو عكسها.
بالمقابل، فيمكن أن يمارس تأثيراً على المجموعة فيدفعها باتجاه قناعاته. ولأجل ذلك يجب أن يكون الشخص ثابتاً في رأيه ومستقراً في طرحه، وأن يبين بأن هذا الجديد الذي يدعو إليه لايهدد كيان المجموعة. (فيديو2) و (5)

لا تقتصر هذه الظاهرة على البشر، بل تميز جميع الكائنات الإجتماعية. فقد اكتشف احد علماء الأحياء حالة غريبة تحدث للنمل البري، حيث وجد اعداداً هائلة تدور حول نفسها في دائرة قطرها مئات الأمتار. ووجد تفسيراً لذلك وهو ان لدى النمل وكل الحيوانات القطيعية قاعدة "ذهبية": إذا تاهت احداها ولم تعد تعرف طريقها إلى مستعمرة النمل، فأنها تتبع اول نملة تجدها أمامها. فإن صادف أن مجموعة كاملة قد تاهت فأن النملات الأولى قد تسير خلف النملات الأخيرة، وتبقى تدور حول نفسها حتى تموت!

لولب الصمت
لا أعرف ما كان دافع سولومون آش، لكن الدراسات الإجتماعية يتم استغلالها سياسياً وبشكل كبير للحصول على تأييد الجمهور لوجهة نظر معينة قد تكون في غير صالحه، مثل إشعال الحروب أو السياسات الإقتصادية التي تركز المال في أيدي القلة بعيداً عن الجمهور، وبالطبع فإن مثل هذا الإهتمام بالدراسات يزداد في الديمقراطيات بسبب أهمية رأي الجمهور في تحديد سياسة الحكومة.

رغم أن تجارب سولومون آش لم تتضمن تهديداً أو ضغطاً مباشراً على من هم تحت الإختبار لدفعهم إلى الإختيار الخاطئ، لكن ما كان يؤثر على خياراتهم كان بالفعل نوعا من الخوف: ألخوف من الإنفراد – "من انفرد فقد تاه" –

هذا الخوف من الإنفراد يتسبب في ظاهرة أخرى مرتبطة بـ "ألتوافقية" وهي ظاهرة "لولب الصمت" أو "حلزون الصمت". وهذا هو الإسم الذي أطلقته باحثة العلوم السياسية الألمانية اليزابيث نيومان التي اكتشفت الظاهرة عندما كانت تدرس أسباب عدم اعتراض الجمهور الألماني على النازية، على ظاهرة من ظواهر التوافقية. تقول نظرية نيومان إن الفرد يميل إلى عدم الإفصاح عن رأيه عندما يشعر أن هذا الرأي يضعه ضمن "اقلية"، خوفاً من الإنعزال، بينما يميل من يتوقع أن أكثرية سوف تساند رأيه إلى الإفصاح عنه بشكل أكثر بروزاً وشجاعة.
لو افترضنا أنه في مجموعة ما كانت هناك أغلبية تقف مع الرأي (أ) ولنقل 60% من ناحية، واقلية 40% مع الرأي (ب) من الناحية الأخرى، فأننا نجد أن كل فرد في الجماعة (أ) سيكون أكثر جرأة وحيوية وبروزاً في التعبير عن رأيه من المجموعة (ب). نتيجة ذلك سيبدو الفرق أكبر من حقيقته. ولو جرت جولة مناقشات ثانية فسيفضل العديد من (ب) الصمت وسيبدو الفرق أكبر من المرة الأولى، وهذا سيدفع بالمزيد من أفراد (ب) الى الصمت في جولة ثالثة وهكذا يتناقص عرض الرأي المعارض في الساحة الإجتماعية حتى وإن لم يغير أحد من الناس رأيه، وسيبدو الفارق حاسماً، مثل 90% مقابل 10% رغم أنه في الواقع مازال 60% مقابل 40%. ربما يكون عنوان المقالة التي كتبتها ساندرا بلاكسلي حول تأثير الآخرين على أرائنا في نيويورك تايمز: "ما يقوله الأخرون قد يؤثر على ما تراه"، خير معبر عن هذه الظاهرة. (6)

لكن المشكلة لا تنتهي هنا. في المثال السابق إفترضنا حالة مثالية بوجود مجموعة يتعامل أفرادها مع بعضهم ويتحدثون مباشرة ويمكن للفرد فيها أن يعرف أراء المجموعة بشكل صحيح بدرجة ما، أما في المجتمعات الكبيرة التي تتكون منها البشرية الآن فإن هذا الحديث والنقاش يتم من خلال "طبقة بينية" هي "وسائل الإعلام". من يريد أن يتحدث إلى مجتمعه، فإنه يفعل ذلك من خلال وسائل الإعلام، فيساهم في برنامج تلفزيوني أو يكتب مقالة في جريدة، الخ. ومن يريد أن يعرف رأي مجتمعه في أمر ما فإنه يفتح التلفزيون أو يقرأ الجريدة، مفترضاً أن ما سيشاهده ويقرأه يعبر عن رأي المجتمع. لكن هذا افتراض ليس صحيح دائماً للأسف.
فسواء كانت وسائل الإعلام مملوكة للدولة أو لشركات خاصة فإن لمالكيها مصلحة مباشرة في إبعادها عن الحيادية المفترضة وقدرة على أن تفعل ذلك. إن السيطرة على هذه "الطبقة البينية" تمنح صاحبها إمكانية التحكم فيما يراه الناس من خلالها. فحتى دون أن "يكذب" صاحب السلطة على الإعلام، فإن بإمكانه أن يسلط الضوء على الأحداث بشكل متحيز، ويركز على التحليلات التي تناسبه، ليعطي صورة مغايرة للواقع. ولو استعرنا المثال السابق، وافترضنا أن صاحب الإعلام كان مؤيداً للنسبة (ب) مع أقلية من الشعب، فبإمكانه بسهولة أن يقلب النسب فيجعل الناس يرون في الحالة الإبتدائية أن 60% من الجمهور يؤيد (ب) وليس (أ)، ثم يعتمد على ظاهرة "لولب الصمت" لتكمل له العمل، فيصمت عدد متزايد من معارضيه (أ)، فيبدو في النهاية أن مؤيدي (ب) اغلبية حاسمة.
إن تفاعل ظاهرة "لولب الصمت" مع إمكانية السيطرة على "الطبقة البينية" للإتصال بين الفرد والجمهور (وسائل الإعلام)، يتيح للمسيطر على وسائل الإعلام إمكانيات خطيرة للغاية. ربما يزيل هذا التحليل بعض العجب من تمكن لص مفضوح وراشٍ للقضاة مثل برلوسكوني ليس من البقاء طليقاً في دولة ديمقراطية فقط، بل وان يتم انتخابه في بأغلبية تتيح له تغيير بعض القوانين الدستورية لتحميه من المساءلة، ثم لينتخب ثانية حتى بعد هزيمته! السر في ذلك أنه يمتلك ما يقارب من 90% من "الطبقة البينية" التي يعرف الإيطاليين من خلالها "الحقائق"....أو الأكاذيب!

مثال على تأثير الإعلام كطبقة بينية بين الناس والمعرفة
أوائل القرن الجديد، كنت أشارك المناقشات حول الإحتلال الإسرائيلي والحق الفلسطيني على الإنترنيت وكان جانبنا مسيطراً تماماً وكان أفضل المدافعين عن الحق العربي هم من الهولنديين بهدوئهم وعلميتهم ومعرفتهم الدقيقة. وفجأة تقرأ تقريراً من جهة فلسطينية رسمية تناقش أسباب خسارتها "الحرب الإعلامية"!
كيف استنتج الفلسطينيون أنهم خسروا حرب الإعلام؟ المراجع للمقالات في هولندا كمثال، يجد بالفعل عشرة مقالات لصالح إسرائيل مقابل واحدة لفلسطين, ولا شك أن الفلسطينيين اعتمدوا على مثل هذه الإحصاءات لتقدير النتيجة. لقد أحصوا ردود فعل المؤسسات الإعلامية لكنهم لم يكن متاحاً لهم أن يسألوا الناس في أوروبا.
لكن المفاجأة الكبرى جاءت في اكتوبر 2003 حين نشرت إحصائية للأمم المتحدة تبين أن الغالبية العظمى من شعوب أوروبا الغربية تعتبر اسرائيل الخطر الأكبر على السلام العالمي متفوقة على أميركا وايران (المرتية الثانية مشتركة) وكوريا الشمالية والعراق وافغانستان..وبلغت الإحصائية أرقاماً مذهلة حيث تبين أن أكثر من 59% من كل شعوب أوروبا الغربية يعتبرها كذلك، أما في هولندا موضوع نقاشنا والمعروفة بتحيزها السياسي الشديد لإسرائيل (مع ألمانيا وبريطانيا) فقد بلغت هذه النسبة رقماً حاسماً هو 74% !! الإحصائية قامت بها الأمم المتحدة، وكان هدفها بعيداً تماماً عن إسرائيل، وقد حاولت إخفاء النتائج حين أكتشفت النتيجة المرعبة حول إسرائيل، لكنها سارعت الى إنكار ذلك بعد تسرب الخبر، وبررت تأخر عرض النتائج بأنه بسبب حاجتها للتأكد من الحسابات...
لو راجعنا هذه الأرقام بتمعن لاضطررنا للإعتراف بأنها أشبه بالحلم من الواقع. لقد كان هناك انتصار إعلامي هائل قلما يتحقق أو حتى يجرؤ أحد على أن يحلم به، ولعل الفضل فيه يعود إلى الإنترنيت وليس إلى الإعلام العربي. لكن رغم حجم ذلك الإنتصار، لم يتمكن المنتصرون من رؤية انتصارهم، وبدلاً من الإحتفال الكبير به، صدرت تقارير سلبية محبطة عن الفشل الإعلامي واسبابه، مساهمة دون وعي في تشويه صورة الواقع بلا وعي، والذي بدأته وسائل الإعلام الغربية في تركيزها على "الحقائق المناسبة" لإقناع الجمهور بصورة مغايرة للواقع!

لو أضفنا إلى هذه السلطة على "الطبقة البينية"، سلطة للتجسس على المواطنين وما يتحدثون به، من خلال التجسس على التلفون والإيميل مثلاً، لحصل المسيطر على إمكانية إضافية خارقة لمعرفة ليس ما يفكر به الناس وأي الأفكار تسيطر على اهتمامهم في تلك اللحظة فقط، بل أيضاً لتمكن من مراقبة تأثير تشويهاته الإعلامية على تلك الآراء وقياس مدى نجاحها، وبالتالي تطويرها وصقلها، ومع الزمن يحصل على خبرة تجارب غنية في كيفية خداع الناس وسوقهم باتجاه أهدافه حتى إن كانت بعيدة عن مصالحهم ومبادئهم.

أن تفقع فقاعة، أن تتمتع بنشوة الأطفال من جديد
من هذا نستنتج أن الأسلحة الإجتماعية التي اخترعها الإنسان لحماية بقائه، أسلحة ذات حدين يمكن أن تستعمل ، وقد استعملت فعلاً، لخداعه وتوجيهه إلى الخيارات الخاطئة، ولإرهابه لكي لا يقول رأيه من خلال إعطائه إحساساً مزيفاً بأن من يتفق معه هم أقلية صغيرة، حتى لو كان العكس هو الصحيح. وإذا كنا ندين لهانز أندرسن بكشف كعب أخيل هذا في مجتمعنا، واعطاها رمزاً بـ "ملابس الإمبراطور" فأن هذا الرمز استخدم من قبل بعض المؤسسات لتحفيز الناس على قول ما يرونه وكشف الزيف، مثل مؤسسة "جائزة الإمبراطور لا يرتدي الملابس" (10).
حولنا ألاف الأباطرة الذين يسيرون بلا ملابس دون أن يجرؤ أحد على فضحهم، لكنهم يسيرون مرعوبين حتى إن تظاهروا بالعكس. إنهم يعلمون أنهم يسيرون على فقاعة رقيقة تكفيها نفخة طفل، فإذا العالم قد انقلب في ثانية واحدة عليهم!

شكك الكثير بالرواية الرسمية الأمريكية لما حدث في 11 سبتمبر وبعد بعض التحقيقات والملاحظات التي لايمكن لتلك الرواية تفسيرها رأوا أنها ليست إلا نسخة حديثة لـ"ملابس إمبراطور". كان من بين أول المتشككين الفرنسي تييري ميسان، صحافي التحقيقات الذي درس العلوم السياسية والذي أثار كتاب ألفه عن الموضوع ضجة هائلة وقتها. (7)، ولعل أشهر هؤلاء المخرج الأمريكي مايكل مور الذي صرخ موجهاً الكلام إلى بوش:"ألعار عليك، ألعار عليك", والمطرب جورج مايكل كما أنتج العديدون من بينهم مجموعة من الشباب أفلاماً لشرح النقاط الملتبسة في رواية الإدراة الأمريكية تحتوي الكثير من التساؤلات والملاحظات الخطيرة عما حدث في 11 سبتمبر، وتشير باصابع الإتهام الى مشاركة الحكومة بها.مثل أحد مواقع الإنترنيت يحمل اسم تلك القصة الدنماركية والذي يتساءل بصراحة: "من الذي فعلها؟ حل أسرار 11 – 9". (8) و (9)

لا يأمل من يصرخ من الناس بأن الإمبراطور عارٍ أن يحصل على الشُكر من "الإمبراطور" ولا من "سكان القصر"، ورغم ذلك فهناك دائماً من يفعل ذلك لأن هناك دائماً، لحسن الحظ، من يخجل من السكوت أكثر من خوفه من الكلام، هناك من يحب "أسئلته" بأكثر مما يحب سلامته، (11) وهناك دائماً من يسره التمتع بنقاء الإطفال وشجاعتهم وهذا ما يقوض هدوء المزيفين. إن فصيل أندرسن هؤلاء من مايكل مور وفنكلشتاين وغريتا دوازبرخ وأوري أفنري ونعوم جومسكي وأميرة هاس وغيرهم من حراس الحقيقة والنقاء، أولئك الذين لم يفقدوا القدرة الطفولية بالتمتع برؤية فقاعة تنفجر، هم ثروة شعوبهم وأسلحتها بوجه فساد الكذب وإرهاب التزييف. يبني هو أبراجه ويعليها بتراكم التخويف والرياء، فيأتي أحدهم وينفخ العمود الهش الذي أسست عليه فينهار البرج وتنفجر الفقاعة وتختفي رذاذاً خفيفاً في الهواء كما الألعاب النارية، وسط قهقة طفولية مرحة ساخرة!

مرحى لمن تصيبهم رؤية الزيف بحكة في الجلد لا تحتمل، فوحدهم الموعودون بتذوق متعة من يفقأون الفقاعات!

هوامش:
http://en.wikipedia.org/wiki/The_Emperor's_New_Clothes 
(1
http://www.youtube.com/watch?v=Ob-v_Dd5Jj4&feature=related 
(2
http://www.starcitygames.com/php/news/article/12201.html  
(3
http://changingminds.org/explanations/theories/normative_social_influence.htm  
(4
http://www.youtube.com/watch?v=-qlJqR4GmKw&feature=related 
(فيديو1)
http://sciencehack.com/videos/view/DKivdMAgdeA 
(فيديو2)
http://en.wikipedia.org/wiki/Asch_conformity_experimentsNormative
 
(5
http://www.zainea.com/socialconformity.htm  
(6
http://www.alsakher.com/vb2/archive/index.php/t-30978.html 
(7
http://www.emperors-clothes.com/indict/911page.htm  
(8
http://www.guardian.co.uk/politics/2003/sep/06/september11.iraq
 (9
http://www.ffrf.org/awards/emperor
(10
(11) مقالة للكاتب: إسألوا أسئلة، طالبوا باجوبة http://www.al-nnas.com/ARTICLE/SKHalil/24ques.htm 


30 أيار 2008

 



 


 

free web counter