|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  28 / 12 / 2015                                 صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

أي جانب سيختار "السنة"؟

صائب خليل
(موقع الناس)

رغم ان المؤامرة الهادرة امامنا تستهدف العراق ولن تستثني احداً من السؤال عن موقفه، لكن السؤال الأكبر يقع على سكان المناطق السنية، فيما إذا كانوا سيختارون الخيار الوطني أم الخيار الطائفي الذي يسعى إلى دفعهم اليه الولايات المتحدة التي تدير مع كردستان وحكومة العبادي عملية تمزيق العراق نيابة عن إسرائيل. فاول الضحايا المستهدفين للخداع في المرحلة الأولى هم السنة، وقد بدأ الهجوم ينتقل إلى العلن، فها هي إسرائيل تدعم بصراحة أي تحرك "سني"، وتؤكد تشابه موقفها مع موقف بعض العرب من السنة وسعادتها به.(1)

لكن السؤال الكبير بالنسبة لنا هو: إلى أي مدى نجحت تلك المحاولات فعلياً في دفع السنة إلى الخندق الإسرائيلي؟

إننا نحتاج إلى إجابة موضوعية لا تتسرع تأكيد ذلك السقوط بلا أساس، ولننتبه أن هذا ما تريده وتحاول تأكيده وسائل الإعلام الامريكية والإسرائيلية، ولا تسقط كذلك في التفاؤل من جهة أخرى، فتدعي بعداً مطمئناً عن إسرائيل (وأميركا وكردستان وتوابعها) أكثر من الواقع.
إنه ليس سؤالا سهلا خاصة في بلد لا حكومة فيه لتقوم بإحصاء مثلا. كذلك فأن من يسمون بـ "ممثلي السنة" في البرلمان ليس لهم أية علاقة بالناس السنة كما برهنت الأحداث، وبالتالي لا يمكن استنتاج موقف الناس في المحافظات ذات الأغلبية السنية من مواقف ممثليهم في البرلمان. وطبعاً، وعلى العكس من الظلام الذي نعيش فيه في هذا الأمر، يعلم الخندق المعادي كل شيء من خلال التجسس الأوتوماتيكي على أجهزة الاتصالات، المجانية وغير المجانية، لكنهم لن يخبرونا بها طبعاً، بل نتوقع على العكس ان تبذل الجهود لتضليلنا، لذلك علينا ان نبحث عن الحقيقة بأنفسنا ونستنطقها، وهذا ما سنحاول فعله هنا، ونتابع في مقالة قادمة ايضاً.

في حلقة من برنامج "خفايا معلنة"، بعنوان "توحيد المكون السني" (2) يكشف لنا النائب عن الموصل الأستاذ عبد الرحمن اللويزي، بشكل غير مباشر، موقف السنة العراقيين من مؤامرة إسرائيل، وبشكل خاص من الجزء الأخطر منها في الوقت الحاضر، والمسمى بمشروع "توحيد المكون السني" وتكوين "لجنة تنسيقية" تتولى مثل هذه المهمة.

في الدقيقة 12:20 من الفلم، نكتشف (إضافة إلى مدى التمزيق في جبهة الكتل السنية) أن الشخصيات الأساسية من الكتل، اضطرت لخداع ناخبيها لتمرير مشروع "توحيد السنة" كما بين اللويزي. فممثلي القائمة العربية: صالح مطلك ومحمد نوري ومحمد تميم دخلوا الانتخابات بشعار العروبة، ورفعوا شعارات انتخابية مثل "إذا ذل العرب ذل الإسلام" وغيرها.

وكذلك اعضاء القائمة الوطنية شعلان الكريم وعبد الله الياور ومحمود المشهداني، دخلوا الانتخابات بعنوان "الوطنية". ويتساءل اللويزي: "إذا كنا نعتقد بمشروع الطائفة وجمع السنة في كيان واحد لماذا لم ندخل الانتخابات بشعار الطائفة"؟ لقد منح الناس هؤلاء النواب الثقة على الأسس التي أعلنوها وليس على أساس انهم سنة، او يمثلون السنة.

وهذا يكشف لنا أن الناس في المناطق السنية، ليسوا مهتمين بل يرفضون المشروع الطائفي والعنوان المذهبي ويصوتون للمشروع العروبي والوطني. لذلك يلجأ النواب إلى تزييف أهدافهم لكسب الأصوات بشعارات الوطنية، ثم ينقلبوا عليها لتحقيق الأوامر الأمريكية.

حاولت الدكتورة لقاء وردي تبرير هذا الإنقلاب نحو التوجه الطائفي و "توحيد السنة"، بأن السبب (في التوحيد بشعارات سنية) هو "الظرف" الخاص الذي تمر به هذه المحافظات ويمر به البلد: داعش واحتلال وتهجير..

والحقيقة أن هذه ليست سوى مغالطة من لم يعد يعرف كيف يجيب، فيقلب الأمور على رأسها. فهذا الظرف العصيب لا يبرر الموقف المذهبي بل العكس تماما يفترض فيه ان يدفع حتى بالطائفي إلى التخلي عن طائفيته ولو لحين. فكان أجدر بمن يحمل الشعار المذهبي ويهمه مصير أبناء مذهبه، أن يغيره إلى الوطني للخروج بسلام من مثل هذا "الظرف"، لا العكس!

لكن "الخروج بسلام من الظرف" ليس من اهتمامات قادة اتحاد القوى، فما يهمهم هو رضا الأمريكان وتنفيذ الأوامر الأمريكية التي خلقت الظرف وهي المستفيدة منه. وهذا هو التفسير الوحيد، وهو منطقي أيضاً.

كل ذلك يكشف أن منفذي الأوامر الأمريكية الساعين إلى التأكيد على الشق الطائفي، يواجهون الصعوبات، وقد كان هذا حالهم دائما. ففي مقالتي السابقة لتناول الموضوع، والتي كانت بعنوان "أين يقف المصلاويون والأنباريون حقيقة الأمر؟ ماذا تقول الصور" نبهت ان صور مئات الآلاف التي تركت بيوتها في الأنبار والموصل قبيل احتلالها من قبل داعش تبرهن زيف الادعاء بأن حاضنة داعش في تلك المدن لها أي وزن مهم.

ولو عدنا بضعة سنين أخرى إلى الوراء، لوجدنا من استبيان سنوي لمعهد زغبي الدولي، هو الخامس، أجري عام 2007 وشمل حوالي 4000 شخص في مصر، الأردن، لبنان، المغرب، الإمارات العربية المتحدة والسعودية، تبين أن 80 % يرون في إسرائيل التهديد الأكبر والولايات المتحدة التهديد الثاني لأمنهم، ولم يشر إلى الخطر الإيراني سوى 6% فقط! ورأت اغلبية في جميع تلك الدول، أن من حق إيران الاستمرار في برنامجها النووي. حتى في السعودية والإمارات التي تتميز حكومتها بالخوف الشديد من قوة إيران، فأن شعبيهما لم يحددا إيران "كخطر جدي"، وهو ما كان يدل على أن الشعوب العربية لم تكن تنظر من نفس المنظار الذي ينظر به حكامها .

ورأى القائمون على الاستبيان أن تقسيم العرب بين سنة وشيعة لم يكن جذرياً بل كان أغلبية العرب ينظرون إلى الأمور من منظار الصراع العربي الإسرائيلي كأولوية لهم. وبين الاستبيان أن حسن نصر الله هو القائد الأكثر شعبية، ثم شيراك وأحمدي نجاد وشافيز، ونبه تقرير الاستبيان إلى أن أي منهم لم يكن قائداً سنياً، رغم أن الاستبيان كان يشمل عرباً سنة بأغلبية ساحقة! (3)

إننا، وعلى عكس المتوقع، نجد من خلال هذه المدلولات، في الحقيقة "مقاومة سنية" ومناعة ضد الطائفية أكثر مما نجد استسلاما لها. يبدو ان المكلفين بالتمزيق يجدون في تلك المقاومة سدا عنيداً نجح في ردعهم حتى اليوم، رغم بعض الشروخ، وأن الإحساس الوطني هو الأقوى بين السنة.

ربما تكون نتيجة الاستبيان مدهشة للقراء وتبدو معاكسة لتجاربهم الشخصية، فهل نصدق تجاربنا أم الاستبيانات؟ لا شك ان المنطق العلمي يقول: الاستبيانات. خاصة وأنها أجريت من قبل جهات أبعد ما تكون عن التحيز للمسلمين أو العرب أو تهمها وحدة العراقيين، بل ينتظر منها ان تحيزت، ان تتحيز للعكس. فهي الأشمل من معارفنا ولا تقتصر على طبقة ثقافية أو مالية او عرقية أو طائفية أو جغرافية أو عمرية محددة كما تكون ملاحظاتنا عادة، كما انها تطرح السؤال بشكل علمي ادق وتستنتج بحيادية أكبر بعيدا عن عواطفنا ومخاوفنا وذاكراتنا التي تكبر هذا وتصغر ذاك حسب تلك العواطف. كما أننا معرضون لأكاذيب وانتقائية شديدة من إعلام خطير ومعادي وعبقري، ولا تخدع الاستبيانات بمثل هذا. وبالتالي فهي مقياس أدق واقوى من تجاربنا الشخصية. إنها بالتأكيد ادق مما يعكسه الإعلام الذي يظهر لنا شابا هنا يهتف للسنة وآخر في سيارته يرفض الحشد أو نائبا ارعناً يتحدث عن ارتياحه من خلو الهجوم على الأنبار من "الحشد".

كذلك لو أننا أمعنا التفكير، فسنجد أن دهشتنا ليست مبررة حقا، وأن الاستنتاجات الإيجابية متوقعة تماما. فلو بحثنا التاريخ الحديث فإننا لن نجد للسني عنصر مهم من تاريخه أو مفاهيمه يمكن ان يدفع به أو يمكن استخدامه لدفعه إلى الطائفية. فليس هناك مجال للادعاء بأن الشيعة اضطهدوا السنة في الماضي مثلاً، والاضطهاد أهم محفزات الطائفية. ومن ناحية أخرى فليس لدى السنة في تراثهم قصص تثير مشاعرهم ضد رموز الشيعة، بل تحظى تلك الرموز بالاحترام كما تحظى رموز السنة ذاتها. لذا فأية مشاعر طائفية او خوف من الطائفية بين السنة هي من نتاج المرحلة الحالية، والتي كان الاحتلال ودسائسه وإعلامه يقودها بشكل شبه تام. والمشاعر الطائفية تحتاج إلى وقت طويل لتتكون وتتثبت وترسخ.

إذن ولكل هذا فمن الممكن جداً أن ذلك الإعلام قد نجح في اعطائنا انطباعاً مبالغا فيه حول مستوى ما وصلت اليه الطائفية بين السنة، وهذا الاستنتاج يعطي الكثير من الأمل والمسؤولية في نفس الوقت. وهو جدير بالعمل على تقويته وتثبيته حتى لو كان مجرد احتمال. ولكي نفهم مدى قوة الإحساس الوطني لعموم السنة علينا أن نلاحظ الجهد الإعلامي والسياسي المبذول من اجل تحويل هذا الموقف، ومنها اضطرار كتل السنة السياسية تزييف موقفها لتخدع الناس انها تقف معهم وتشعر بشعورهم القومي والوطني، ثم لتنقلب عليهم بعد الانتخابات. ومن المؤكد أن هذه لم تكن الخدعة الوحيدة، بل ان قصة دفع السنة نحو الطائفية قصة خداع وتضليل وأكاذيب لا نهاية لها، وفي المقالة التالية سوف نتناول سجلا ببعضها.

لكننا لا بد أن نختتم بضرورة عدم الركون إلى التفاؤل، فالخداع والضغط مازال مستمراً ومتزايداً، الأمر الذي يمكن أن يغير الموازين لصالح الأجندة الإسرائيلية الأمريكية، لتحقيق كارثة تحيق بالعراق كله، سنته قبل شيعته.



(1) مسؤول عسكري صهيوني: التحالف السني ظاهرة إيجابية لصالح أمن إسرائيل واستقرارها
https://www.youtube.com/watch?v=jqLgYVzYwzg&list
(2) توحيد المكون السني - خفايا معلنة - الحلقة ٩٠‎ ‬‬
- YouTube - https://www.youtube.com/watch?v=bFnIEX_P_Ug
(3) استبيان سنوي لمعهد زغبي الدولي
http://electronicintifada.net/v2/article6538.shtml 






 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter