| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
saieb.khalil@gmail.com

 

 

 

السبت 17/10/ 2009

 

البريطانيين والأطلسي بعد الأمريكان! لماذا يستميت الجميع من أجل حمايتنا؟

صائب خليل  

يبدو أن من شروط التقدم لمنصب رئيس البرلمان العراقي، وربما كان الشرط الأول، أن يتمتع المتقدم بمستوى عال من الصلافة. ويبدو أن جهة ما، تحرص على أن يكون مجلسا الرئاسة، مجلس رئاسة الدولة ومجلس رئاسة البرلمان، حاجزين يتعاونان للقضاء على أية محاولة للبرلمان ليلعب دوره. فبعد جهود "حصان البرلمان" الأول في تحطيم عمل وسمعة مؤسسة ممثلي الشعب وتحويلها إلى مكان للضرب بالأيدي والقنادر، فأن أياد السامرائي ونائبه الأول خالد العطية برهنا على تفوقهما على سلفهما في هذا الشرط الوظيفي. ويبدو أن "السيد النائب" اختص بالإستماتة في حماية اللصوص من المحاسبة، أما "السيد الرئيس" فتعدى ذلك إلى إقرار تمرير قانون الإنتخابات بالتصويت السري، وبدون أن يسأل أحداً في البرلمان، في حركة "لهلوبة"!

لقد توعد الصدريون بإقالة العطية "ولو بقي أسبوع من عمر البرلمان". لكن خالد لا يخشى شيئاً، فقد رأى أمامه الحصان المشهداني يخرج من البرلمان محملاً بالذهب، ومن الطبيعي أن يطمح هو أيضاً إلى مثله، هذا إضافة إلى حصته الأكيدة من الذين قام بحمايتهم.

ولحث الصدريين على الإستعجال بتنفيذ وعدهم المغري، فأن الثنائي أياد وخالد قاما بحركة بهلوانية تستحق الإعجاب فعلاً، فمررا تصويتاً على معاهدة مع البريطانيين بدون نصاب! من ناحية، أجد عزاءً في أن أية معاهدة كريهة مع الإحتلال لم تمر في البرلمان إلا بطرق بعيدة عن الديمقراطية والدستور، وحتى الأخلاق. معاهدة أسيادهم الأمريكان إحتاجت إلى أن يأتي ديك تشيني ليهدد المالكي شخصياً، وأن يغيروا إسمها خمسة أو سبعة مرات ليجدوا إسماً يخدع الناس، حتى تحولت من "معاهدة صداقة" طويلة الأمد، إلى "معاهدة سحب قوات" في أقصر وقت ممكن، وهو تحول يكشف كل شيء وكل شخص. وكان من يريد التوقيع من النواب يخشى خسارة مقعده لقرب الإنتخابات حسبما قال أحد البرلمانيين الكرد، محمود عثمان، وفي هذا ما يكشف كل شيء أيضاً، ويثبت كل شيء في التاريخ عاراً للبعض وشرفاً للآخر.

إحتاجت المعاهدة أيضاً إلى قتل الدكتور صالح العكيلي من الصدريين وإلى مواهب نوري المالكي المسرحية التي ستلاحق صورها أحفاده لزمن طويل، وإلى وزير الدفاع العبيدي في تهديد الشعب بالقراصنة إن لم يوقع!

ومثلما طمأنت السفارة الأمريكية البرلمانيين الموقعين على معاهدتها بجوازات أمريكية، هددت السفارة البريطانية " كل نائب يحمل الجنسية البريطانية ان لم يصوت على هذه الاتفاقية فانه سيتم سحب الجنسية البريطاينة منه وسحب كافة الامتيازات الاخرى".! إنها بحد ذاتها فضيحة أن يهدد مواطن بريطاني بسحب جنسيته ما لم يتصرف كما تريد الحكومة، وبعيداً عن أي قانون!

لكن المعاهدات بحاجة إلى الفضائح لتمر، فهي نفسها فضائح. حينها كتبت لوحدي أكثر من خمسين مقالة كل واحدة منها تبرهن أن المعاهدة الأمريكية كانت "معاهدة لا يدافع عنها إلا الكذب".

واليوم، وبعد أن كرر الصدريون عرقلتهم محاولات تكبيل البلاد وإذلال العراقيين بهذه المعاهدة كما في تلك، ولأربعة مرات، هاهي  المسرحية تتكرر وتبذل الجهود الجبارة للبحث عن طريقة للإحتيال وتجاوز رأي الشعب. نوري المالكي يستعد للبرهنة لأسياده بأنه كان ومايزال رجلهم الأهم، رجل المعاهدات القبيحة. كان يعد العدة لأستعمال أدواته المجربة في تحويل "المعاهدة" إلى "مذكرة تفاهم" تستطيع المرور دون أن يراها البرلمان، تماماً كما قال عن تفاهمه السري السابق مع الأمريكان بأنه "إعلان مبادئ". لكن أياد وخالد سبقاه إلى هذا "الشرف" وأمرراها ومن البرلمان نفسه، بتجاهل بند النصاب! 

إذا كان " قائد الشرطة البحرية اكد مرارا انه غير محتاج لوجود جنود بريطانيين كي يقوموا بحماية الموانىء". فلا يملك المرء إلا أن يتساءل، لم حكومته متلهفة للتوقيع مع أي عتوي يريد "حمايتنا"؟

أن الغصة في الحلق من هذه الوساخة تخففها وتعزي العراقيين فيها وقفة الصدريين المبدئية، شوكة تزعج الإحتلال وتدمي العملاء وتثبت في التاريخ أن موقف الشعب كان غير ما وصلت إليه الأمور. لقد أنقذوا سمعتهم للمرة الثانية، وكادوا ينقذون بلادهم للمرة الثانية أيضاً، ويكفيهم بلا شك شرف المحاولة الصلبة المستميتة!

وبعد كل هذا يغضب الصدريون لأن الآخرين يكيدون لهم، كما ورد في الخبر التالي: "جنايات ذي قار تفرج عن 13معتقلا من التيار الصدري كانوا معتقلين بتهم كيدية" يعني بعد كل هذه الوكاحات تريدون ما يكيدون لكم؟ لولا أن البريطانيين أولاد حمولة كانوا قتلوا لكم نائباً مثلما فعل الأمريكان حين أزعجتموهم في معاهدتهم – عفواً "اتفاقية سحب القوات". لم لا تهدأون وتعقلون مثل الباقين لعل الله يوفقكم كما وفقهم؟ الجيش العراقي محتاج تدريبات كثيرة، والأمريكان غير قادرين وحدهم على تدريب الجيش العراقي، لأننا نريد خبرات متعددة ونريد "تنويع مصادر السلاح" أيضاً!

ثم لم كل هذه الضجة على إتفاقية على حوالي 100 من افراد القوات البريطانية البحرية في البصرة غرضها الوحيد، السيطرة على ...عفواً، "حماية" منصات النفط في البصرة؟

صحيح أن وزير دفاعنا حذرنا وقال أن توقيع المعاهدة الأمريكية في حينها ضروري جداً جداً لحمايتنا من القراصنة، وصحيح أن الأمريكان يقدرون أن يزودونا بـ 100 عتوي من البحرية الأمريكية بدل الإتفاقية الجديدة، لكن كما تعلمون القراصنة كثيرين ولا يستطيع الأمريكان وحدهم حمايتنا منهم، فيجب أن نوقع مع بريطانيا أيضاً، ولا يستبعد أن نوقع مع السويد أيضاً مثلاً  إن تطلب الأمر، لأن هؤلاء الفايكنك عريقين في شغل القراصنة. وفي كل الأحوال يجب أن نبقى يقظين جداً، ولا يغرنا الهدوء، فالقراصنة لم يهاجمونا بعد بسبب عامل "الردع" الذي يسببه وجود القوات الأمريكية، والآن سيزيد "الردع" أكثر مع البريطانيين، وكلما هددنا القراصنة، سنزيد "الردع" أكثر، وهناك دول أخرى مرشحة لذلك في قائمة لدى السيد وزير الدفاع ضد القراصنة!

 يقول نائب التحالف الكردستاني عبد الباري زيباري حين  يتحدث عن اهمية إقرار الاتفاقية  بأنها مهمة " لأن بريطانيا تعد تاريخيا من أكثر الدول تقدما في مجال الملاحة". نحن لا نريد الخروج من الإحتلال طبعاً إلا بعد أن نصبح من الدول المتقدمة في الملاحة، وعلى يد "الأكثر تقدماً وتاريخاً بالملاحة". ربما تجدونها معلومة ظريفة  أن للبريطانيين خبرة تاريخية وخاصة مع القراصنة، فالملكة أليزابيث بنت من أسس بريطانيا الحديثة بالتآمر مع  القرصان دريك  لنهب أموال السفن الإسبانية! إننا نتعامل مع "أعرق القراصنة"، لذلك من الطبيعي أن يقول النائب عن محافظة البصرة خير الله البصري  أن أهالي البصرة سيشعرون باطمئنان!

الأخبار العراقية السعيدة لم تنته عند هذا في هذه الأيام المباركة، أيام "عرفات الإنتخابات"، فقد رقص العراقيون فرحاً في الشوارع، إبتهاجاً بمناسبة افتتاح الناتو لمقره الجديد، وأطلقت الألعاب النارية في سماء بغداد!

وإذا كان العراقيين يحسبون الأيام وأيديهم على قلوبهم لمغادرة آخر جندي أمريكي البلاد، فأن جماعة الناتو "قاعدون إلى الأبد" على ما يبدو لأن "العلاقات المهمة" بين الناتو والعراق "ستستمر بلا انقطاع" حسبما قال الفريق فرانك هيلمك، القائد العام لبعثة الناتو، في حفل الإفتتاح. هيلمك قال أن العراقيين سيتمكنون الآن من الإستفادة من "المركز الثقافي" الذي كان الناتو يحتله حتى الآن. وسمع صوت عراقي يقول "نريد نستفيد من كل العراق". وعندها أخذه الجماعة بره، لكن المالكي صرح في اليوم التالي أنه لم ينم إلا بعد أن تأكد أن الرجل تعشى وتغطى جيداً، وهو ما أصاب أهل المعتقل بالقلق الشديد.

يقول الخبر السعيد: تساعد بعثة الناتو للتدريب منذ عام 2004 العراق في مجال تحسين قواته الأمنية والتي تؤدي واجباتها بمهنية عالية ووفقا لسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان. وتتألف بعثة الناتو للتدريب في العراقي من 210 أفراد من 12 دولة من حلف شمال الأطلسي وشراكة واحدة لحفظ السلام في البلد! وزير دفاعنا السيد "بينوشيت" سيحصل من الناتو على "مستشار" يخبره بما يجب أن يفعل، وهناك مستشار آخر لوزير الداخلية وثالث لرئيس الوزراء! كلهم سيخبرون الجماعة كيفية التعامل مع القراصنة ...والعراقيين.

يقول الخبر أن مستشار وزير الدفاع هذا سيكون المسؤول عن التأكد من كون الجيش العراقي "يفهم العقيدة الأمنية لقوات حلف شمالي الأطلسي"! لكن لماذا يريدونه أن "يفهم العقيدة الأمنية للأطلسي"؟؟؟

كلهم يريدون حمايتنا وكلهم يريدون تدريبنا! أود أن أخبركم أن الناتو والأمريكان ممتازين في التدريب العسكري. هم الذين يدربون شرطة كرازاي وهم دربوا الضباط الذين أنقلبوا على حكومة "هندوراس" المنتخبة قبل كم شهر، وهي ليست المرة الأولى. لديهم من أجل ذلك مدرسة "الأمريكتين" التي تخرج ضباطاً أكفاء جداً "تسنم" العديد منهم قيادات بلدانهم في أميركا الجنوبية بعد أن أنقلبوا على حكوماتها المزعجة للأمريكان! تلك البلدان كانت أيضاً مهددة بالقراصنة، وكان لهم ضباط ووزراء دفاع مخلصين لوطنهم، لا يتخيرون عن صاحبنا.

لكن رضا الجميع غاية لا تدرك كما يقال، فهناك دائماً بعض الشكاكين وناكري الجميل. هذه السيدة سعاد خيري منذ بدايات دخول الأطلسي للعراق تتساءل كيف جرى الاعداد لاقامة مقر ومكاتب لحلف الاطلسي دون أي نقاش، ودون عرضه على المجلس الوطني المؤقت؟ وأين الصحف وكيف امكن تخدير كل القوى الوطنية العراقية ؟ اين دور الاحزاب الوطنية ؟ لاشك أن السيدة سعاد قد حصلت على أجوبتها المطمئنة الآن بعد خمسة سنوات. فهي لم تكن تدرك حجم الكرم الذي كان يلف الأطلسي، لذا فهي معذورة حين تسأل "هل يمكن لكل هذه القوى ان تخدع نفسها والجماهير بان المقر فتح ليضم 3000 ضابط من قوات حلف الاطلسي لمجرد تدريب ضباط عراقيين وسيرحلون بعد ان تتم مهمتهم"؟

أزمة الثقة العراقية هذه يشترك فيها أيضاً "جماعة علماء ومثقفي العراق" الذين لم يسمعوا بالقراصنة ولم يشاهدوا علمهم الأسود على ما يبدو لذلك يقولون ان العراقيين "ليسوا بحاجة الى اتفاقيات مع الناتو وانهم يريدون زوال الاحتلال ويتخذون شتى أشكال المقاومة لطرده من البلاد". واعتبروا أن ".إبرام اتفاقيات مع منظمات وأحلاف ذات طابع ومهام وواجبات وأهداف معروفة من غير علم الشعب العراقي ومكوناته أمرا في غاية الخطورة على حاضر ومستقبل الوطن" وشككوا بوجود بنود سرية! كذلك كتب آخرين عن احتمالات سيطرة البريطانيين على منصات النفط في حالة ألأزمات وتواجدهم الدائم في شط العرب بقوات وأسلحة لا تخضع للمراقبة، وأن البحرية البريطانية سبق لها ان تحرشت بالسفن الإيرانية وقد تسبب مشاكل مستقبلاً، وغيرها من "الهذر" غير المعقول...هل من المعقول أن يتحرش الغربيون المتحضرين بأحد؟

دعك ممن يؤمنون بـ "البنود السرية " و"نظرية المؤامرة"! أصدقاؤنا أناس طيبون لا يبغون سوى جلب السلام إلى بلادنا! التقنيات المتطورة وخبرة 13 بلد، كلها تصب خبرتها من أجل السلام في العراق خلال "إتفاق طويل الأمد" بصراحة هذه المرة. وليس ذلك غريباً فالحلف لا يعقد صداقات قصيرة، ولم يعرف عنه أنه يترك أصدقاءه أبداً، ثم إننا بحاجة لبعض الوقت لكي نضبط 13 تكنيكاً دولياً "لحفظ السلام"! أما كان هذا الحلف الجميل الذي ينشر السلام بحماس، يستحق جائزة نوبل للسلام أكثر من أوباما؟ لا أدري لماذا حرمت بقية الوزارات مثل المالية والنفط من مستشاري السلام هؤلاء؟ ألا يستهدفها القراصنة أيضاً؟ أشم أن وراء ذلك "محاصصة"!

مقابل ماذا كل هذا؟ الحقيقة الجماعة يخجلون الواحد لكرمهم الذي لا ينتظر "أجراً ولا شكورا"! هذا يذكرني بخبر آخر يؤكد تلك الأخلاق المذهلة، يقول أن رئيس الحكومة المالكي وصف وضع القوات الأمريكية بعد إتفاقية "سحب القوات" بأنها الآن "لا يمكن أن تعتقل شخصاً أو تقوم بأي مهام عسكرية إلا بطلب من الحكومة وغير ذلك هي موجودة داخل معسكراتها لأغراض الإسناد والاستجابة وتلبية الطلبات التي تتقدم بها القوات العراقية."

ليقرصني أحدكم لأعرف إن كان هذا حلم أم حقيقة؟ قوات عسكرية عظيمة، تجلس في معسكراتها في انتظار الطلبات التي تتقدم بها القوات العراقية! أية روعة! أرجوكم أن تراعوهم وتطلبوا منهم بعض الطلبات بين الحين والآخر حتى إن لم تكونوا بحاجة إليها لكي لا يحسوا بالضجر! كل هذا فقط لأننا سمحنا لهم بتوقيع تلك المعاهدة لخدمتنا! أنا كنت معترضاً بشدة على توقيع تلك المعاهدة...والحقيقة ما أزال كذلك! هل هناك مجنون يوقع معاهدة لـ "سحب" مثل هذه القوات الرائعة؟ لماذا يستميت الجميع من أجل حمايتنا هكذا ثم نريد انسحابهم؟

بدلاً من هذا الـسحب "الإقصائي"، لم لا ننضم إلى حلف شمال  الأطلسي ونخلص من تهديدات القراصنة الجيران إلى الأبد؟ الحقيقة أني لست من ابتكر هذه الفكرة الرائعة، فهي اقتراح محمد الطائي رئيس مجلس إدارة قناة الفيحاء الفضائية، وله ولها ذلك "الشرف". قال وقتها أن "الطلبة سوف يذهبون للدراسات العلمية في جامعات أعظم دولة علمية"، كما أن الديمقراطية ستثبت في بلادنا بشكل لا يتزحزح، اليست فكرة ممتازة؟

رغم أننا نثق بالجماعة تماماً لكن "ليطمئن قلبي"، دعونا ننظر إلى من سبقنا إلى نعمة حلف الأطلسي ونرى ما حققه لنستطيع تقدير نتائج صداقتنا مستقبلاً، ولننظر إلى أفغانستان التي تعتبرها قيادة الناتو "إختباراً" للحلف ومركز اهتمامه الحالي وأعلى أولوياته!

****

الجميع بلا استثناء، خارج الناتو وداخله، يتفق على أن الناتو فشل في أفغانستان فشلاً ذريعاً، وليس على مستوى طالبان فقط، فقد كسب كراهية الشعب الأفغاني بمجمله ونتيجة ذلك لا يجد الحلف مخرجاً لهذه الورطة حيث يبدو أن الشعب الأفغاني يفضل حتى طالبان على الحكام الذين جلبهم الحلف له فاضطر الحلف لتزوير انتخابات البلاد لفرض الفاسدين الذين اختارهم لقيادة البلاد، في تناقض كبير مع ما يدعيه من رغبته في إقامة الديمقراطية في البلاد، وتباكيه على مخالفات الديمقراطية في إيران!

ومن الواضح أن هذا الحلف يمر بأزمة داخلية شديدة أيضاً، بين طرفيه على جانبي الأطلسي، لذلك يحتار أمينه العام ويتناقض بين ما يقوله في واشنطن وما يقوله في بروكسل بعد أيام، فالأمريكان يضغطون عليه من أجل الضغط على الأوروبيين للمزيد من المشاركة، والأوروبيون يشتكون من ضغوط شعوبهم عليهم للإنسحاب من تلك الحرب التي لا يصدق أحد منهم أنها في مصلحتهم وأنها تحميهم من الإرهاب.

يعكس استبيان للرأي أجراه "صندوق مارشال الألماني" (German Marshall Fund) هذه الأزمة المتفاقمة حيث بين أن نسبة من يطالب بتخفيض قوات بلاده في أفغانستان من الأوروبيين (بالرغم من الحماس لأوباما في أوروبا) ارتفعت بشكل كبير مؤخراً ووصلت إلى 50% في هولندا، 51% في فرنسا، 54% في إسبانيا، 55% في إيطاليا، 57% في المانيا، 60% في المملكة المتحدة، 68% في بولونيا و 71% في رومانيا.

وتحدث الأمين العام عن فشله في تدريب الشرطة والجيش الأفغانيين وهي المهمة التي أوكلت إلى جانبه الأوروبي الذي كان يتجنب مهمات القتال لما تثيره من سخط شعبي. وقال أن البعض يرى حلف الأطلسي منظمة "خارج الزمن". وقال (ما له دلالته العميقة) أنه ليس صحيحاً أن الحلفاء يتسابقون إلى المخارج من الحرب الأفغانية. وذكر راسموسن بان جميع الدول الأعضاء في الحلف الثمانية وعشرون "يشاركون، بدون استثناء، بقوات في أفغانستان"، مشيرا إلى أن "ستة عشر بلدا زاد مشاركته فوق الفترة المقررة وان أيا منها لم ينسحب".

أن ربط عبارة راسموسن الأخيرة مع نتائج الإحصاء أعلاه يشي بما تتعرض له حكومات تلك الدول من ضغوط تدفعها بالعمل بالعكس مما تريد شعوبها، وأن التلاحم الأطلسي لا يستند في هذه اللحظة إلا على أرض هشة جداً من الضغط السياسي. ووصل هذا الضغط إلى ما يشبه التهديد فقال راسموسن أن من الضروري لأوروبا "تعزيز جهودها في أفغانستان إذا أرادت تجنب توتر العلاقات مع الولايات المتحدة."! و حين كان الأمين العام يتحدث في محاضرته في الولايات المتحدة، وردت على لسانه عبارة "إذا ما نجحنا"، وشرح قائلاً "إن الأسباب واضحة فالتأييد الشعبي لهذه المهمة في البلدان التي تشارك بقوات في انخفاض، بسبب العدد المتزايد من الضحايا، وكذلك عدم الإرتياح من الطريقة التي جرت فيها الانتخابات في أفغانستان.."

والحقيقة أن الوضع أسوأ مما وصفه راسموسن، فلم تفشل محاولات أوباما للحصول على تعزيزات أوروبية فقط، بل قرر البرلمان الهولندي سحب قواته في السنة القادمة كلياً، وقررت كندا سحب قواتها في السنة التالية. إضافة إلى ذلك يعاني الحلف من مشكلة موارد مالية شديدة حيث بلغت ديون الولايات المتحدة أرقاماً فلكية، وتمر أوروبا بأزمة نقدية حادة ولا يفهم أحد لماذا يجب عليه أن يلقي بأمواله في صحراء أفغانستان، وإلى متى؟

هذا هو حال الحلف الذي يريد أن "ينصح" رئيس الوزراء والدفاع والداخلية، بينما تقوم القوات البريطانية بالمرابطة عند منصات النفط، وينظّم المزيد من العملاء لدعم العبيدي في اللحظة الحاسمة.

*****

أهم ما في هذا أنه يشير بوضوح إلى أنه حيثما تواجد "محور الخير" هذا، المتكون من الولايات المتحدة وإسرائيل والناتو، فإنه يسلط ضغطاً على الدولة التي يتواجد فيها فيفسدها وينخرها ويحقنها بكل شخص لا أخلاقي يجده، ويبعدها عن الديمقراطية ورأي شعبها في أي موضوع، حتى ضمن دول الحلفاء أنفسهم. أن الشعوب كلها تكره هذا المحور العسكري المغامر وتخشى منه على بلادها ومستقبل أطفالها، ولم تعد هذه العصابة قادرة على إقناع أحد حتى ضمن شعوبها، فكيف بمن تسلط عليهم نيران أسلحتها وفضلاتها المشعة وتجاربها الدموية؟

الأطلسي اليوم ذئب جريح محتضر، ومتوحش مفلس، وكذلك أميركا غارقة في الفشل والديون والسلاح وبريطانيا كلبها المطيع، ليس بحالة أفضل. أي لديهم كل ما يدعو إلى التآمر واللصوصية والإستعداد لكل شيء من أجل إنقاذ انفسهم مما هم فيه، تماماً مثلما كان صدام عشية احتلاله الكويت. لذلك يا قارئي العزيز، يستميت الجميع في الدفاع عنا من "القراصنة"! وبدلاً من استغلال كل فرصة للإبتعاد عن مثل هذا الخطر، هاهو المالكي وحكومته يقدمون لهم الفرصة تلو الفرصة ليغرسوا أنيابهم وأظفارهم أعمق واعمق في جسد هذا البلد.

هل عرفت أي "زناة الليل" يدخل المالكي والعبيدي وأياد السامرائي وقيادة كردستان وبقية شلة اللصوص والمحتالين إلى عروس بلادهم، وكيف سيكون مستقبلها؟ هل اقتنعت أن من أتى بصدام في الماضي، لا يريد للعراق افضل منه في الحاضر، وأنه يخير الشعب بين حكم الدكتاتورية أو حكم اللصوص والمحتالين، كطريقين لا ثالث لهما؟

كترياق مقابل هذه الأخبار المسرطنة للدم التي تأتي من حثالات المحتالين التي تحكم العراق أدعوك يا صاحبي أن تفعل مثلي فتنظر أيضاً إلى أخبار هزائم "محور الشر" الحقيقي في أفغانستان وانتصارات الخير التي تحققها شعوب تركيا وأميركا الجنوبية، ورياح التغير حتى في اليابان وضمن شعوب الأطلسي. وبالطبع وقبل ذلك، صمود لبنان وغزة البطلة التي حققت اليوم أنتصار الإنسان في الأمم المتحدة. هزيمة الوحوش في أي مكان ستسهم في هزيمتهم في كل مكان. ومثلما ضحكت من حسني مبارك والملك عبدالله وهما يصوتان في الأمم المتحدة اليوم بالضد من سيدهما في سابقة مثيرة، سيضطر هؤلاء في العراق قريباً إلى التظاهر بالشرف، وسيأتي دورنا للضحك... حين يبحر العراق أيضاً نحو الإنسانية الكريمة، بعيداً عن حثالات الإحتلال وأوساخ الدكتاتوريات السابقة واللاحقة التي يأتي بها الإحتلال ويتحالف معها ويغيرها بين الحين والآخر. إن الخيار الإنساني الكريم هدف عظيم، واستمرار الصراع في العراق يبرهن أن هناك من ما زال يؤمن به وبإمكانية تحقيقه... أنت ايضاً؟

 

17 تشرين الأول 09
 

 

free web counter