| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الأربعاء 15/10/ 2008



مناقشة لمقالة عادل حبه حول المعاهدة الأمريكية.

صائب خليل

تحت عنوان "أية اتفاقية يريدها العراقيون مع الولايات المتحدة؟" كتب الأستاذ عادل حبه مقالة يشرح فيها وجهة نظره حول المعاهدة التي يريدها. وما يريده عادل حبه جيد جداً، بل أكثر من ذلك، خرافي الجودة! (1)

يلوم الأستاذ عادل حبه نظام صدام على "اتخاذ قرارات مصيرية دون أن يحاور الشعب العراقي ويأخذ رأيه، سواء في عقد اتفاقية الجزائر وتسليم نصف شط العرب إلى إيران، أو في تقديم أراضي عراقية إلى السعودية والأردن، أو الاتفاقيات السرية مع تركيا التي أعطت الحق لتركيا باجتياح الحدود الشمالية، و في إعلان الحرب الكارثية ضد إيران والكويت لاحقاً، أو الاتفاقيات التي عقدها مع الولايات المتحدة في فترة تورط النظام في الحرب العراقية الإيرانية"

وهو منزعج من "قصور في النخب السياسية وحتى الرأي العام على امتلاك لغة الحوار والنقاش للتوصل إلى الصيغ التي تلبي مصالح الوطن" بسبب المصالح الفئوية والطائفية والعرقية الأنانية، ومن "سيل من التهم بالتخوين والتكفير"

ويقول:"البعض الآن يشكك في نوايا المفاوض العراقي لأغراض لا علاقة لها بأية اتفاقية، بل كجزء من موقف معادي للتغيير الذي جرى في العراق منذ أن تم الإطاحة بالاستبداد السابق."

هذا "البعض" الذي يشكك بنوايا المفاوض العراقي يمثل أغلبية كبيرة في الشعب إن لم تكن ساحقة. فـ "المفاوض العراقي" جلب الشكوك على نفسه بالعمل في الغرف المظلمة بعيداً عن الناس التي يرى الأستاذ حبة أنها يجب أن تثق به دون أن ترى، يعني بالمعنى الحرفي للكلمة: ثقة عمياء...لكن هذا لم يكن في حساب الأستاذ حبه فهو لايرى من سبب لهذا الشك سوى كونه " جزء من موقف معادي للتغيير الذي جرى في العراق منذ أن تم الإطاحة بالاستبداد السابق"...أي أن من يريد التغيير فيجب عليه أن يثق بمن يصر على أن يعمل في الظلام، حسب تحليل حبة.

ثم يبدأ الأستاذ حبه في تصنيف "الملحدين" قليلي "الإيمان بالمفاوض"، فيقول" وتشمل هذه القوى في الأساس فلول العهد السابق، التي لا تعنيها السيادة التي فرطت بها خلال حكمهم المشين، وحلفاءهم من التنظيمات الإرهابية الدولية وقوى عراقية وإقليمية لا ترى من مصلحتها إرساء كيان ديمقراطي تعددي يستجيب لإرادة الشعب العراقي. وهذا ليس بالجديد، فهي تستهدف خلط الأوراق وزيادة توتر الأوضاع الداخلية والاحتقان السياسي في بلادنا بعد أن شهدت قدراً من الاستقرار الأمني وحتى السياسي."
إذن فكل من لايرى مايراه الأستاذ حبه من "قداسة" المفاوضين العراقيين هم من "فلول العهد السابق...وحلفائهم من التنظيمات الإرهابية الدولية.." الخ من التهم التي لاتحتاج طبعاً إلى أي إثبات أو حتى تبرير لهذا الإعتقاد والرأي القاسي الشامل العام السائر كالجرافة التي تقطع كل ما هو أمامها. هل هناك تعبير عن "التخوين" الذي تحدث عنه الأستاذ حبه، اكثر من هذا التعبير؟
الديمقراطية تستند وتعتمد بل وتعيش على المراقبة الشعبية يا سيدي، أي أنها تعيش على الشك ولم يحدث أن عاشت ديمقراطية ما طويلاً على الثقة.

حسناً هؤلاء هم "الملحدون بالمفاوضون" السيئون، أما الطيبون الذين يمثلهم الأستاذ حبة في مقالته فهي "الأكثرية" التي "ترى حالياً التعامل مع هذه المسألة بما يتناسب مع المصلحة العليا للوطن وملموسيات الوضع الحالي للعراق والمخاطر المحدقة به، وتطالب بجدول زمني لخروج القوات الأجنبية. ولا تعارض هذه الأطراف التوصل إلى اتفاقية تضمن سيادة البلاد ومصالحها العليا."
ومن الذي لايريد "جدولا زمنيا" مضمونا لخروج القوات؟ من لايريد "إتفاقية تضمن سيادة البلاد ومصالحها العليا"؟ إن كان الأستاذ حبة يضمن شخصياً أن ما سيكتب من "جدول زمني" سينفذ، ويضمن سيادة البلاد ومصالحها العليا، فأنا أضمن أنه لن يبقى أحد لا يؤيد الإتفاقية! لكن من أين الضمان أن ما سيوقع سينفذ فعلاً؟ وهل أن التأريخ الذي تعرفه يبشر بمثل هذا التنفيذ؟ وإن لم تنفذ القوات الأمريكية ما تم الإتفاق عليه، فأين سنذهب للشكوى؟ مجلس الأمن؟ لهم فيتو فيه. المحكمة الدولية؟ ماتزال قضية تعويض حكمت بها لنيكاراغوا ضد أميركا منذ أكثر من ربع قرن لايملك أحد طريقاً لتنفيذها...من إين يأتي الضمان إذن وعلى الطاولة مئات المليارات؟ على الثقة؟

وبعد أن ينتهي الأستاذ عادل حبه من تخوين الرافضين حلفاء "التنظيمات الإرهابية الدولية" يقول بلا تردد:
"ولكن ينبغي التخلي عن توجيه "الاتهامات والتخوين والسباب" وتسطير المقالات الرنانة المهيجة لأعصاب الناس"!

التي لايجب أن تأت "إلا بعد أن يتم التوصل بين المفاوض العراقي والأمريكي إلى مسودة ونشرها لتعرض على مجلس النواب العراقي والكونغرس الأمريكي للمصادقة عليها أو رفضها. وعندها سيكون لكل حادث حديث." وبما أن المسودات "لن تنشر" كما قال زيباري بصراحة، خشية أن يراها العرب وغيرهم، فيجب عدم "تسطير المقالات" إطلاقاً!

لايهتم الأستاذ حبه بعرض المعاهدة على الناس بل يرى العكس: "فقد كان من الضروري على الحكومة أن تبقي المفاوضات في إطارها الثنائي غير المعلن لحين التوصل إلى مسودة الاتفاقية. ففي النهاية ستعرض المسودة على مجلس النواب ثم الرئاسة للتصديق عليها أو رفضها. وهذه هي الديمقراطية." متجاهلاً متابعة الناس والشفافية ورأي الناس واقتناعهم، فهم كالغنم يجب أن يحصلوا على نتائج منتهية برأيه.

ورغم أن الأستاذ حبه يعترف بأن الذاكرة العراقية مليئة بـ " المواقف السلبية للإدارات الأمريكية المتعاقبة إزاء طموحات العراقيين ومشاركتها في انقلاب شباط المشؤوم ودعمها لنظام صدام الديكتاتوري وحروبه المدمرة، ودعمها لاتفاقية الجزائر والتزامها الصمت على جرائمه في استخدام السلاح الكيمياوي ضد العراقيين. كما لا تزال في الذاكرة العراقية قيام الإدارات الأمريكية بدعم جملة من الانقلابات العسكرية ضد حكومات شرعية ديمقراطية منتخبة في أيران عام 1952 وفي تشيلي عام 1973." رغم كل تلك الجرائم لايجد الأستاذ حبة أن العراقيين معذورين حين ينفرون من المفاوضات مع مثل هذا الشريك!

يقول الأستاذ حبه: "ولذا فإن التأكيد على المبادئ المار ذكرها يلزم الولايات المتحدة أمام العالم والأمم المتحدة أخلاقياً ودبلوماسياً بمشروعية العملية الديمقراطية الجارية في العراق، بحيث يحد من أية محاولة أو ممارسات تعيد الحياة للأساليب غير المشروعة في العلاقة بين الدول". وكأن ما ذكر لنا الأستاذ حبه من "مواقف سلبية" وغيرها لم يذكرها أكثر منها مئات المرات، قد جاءت بسبب نقص "التأكيد على المبادئ" وأن هذا التأكيد كاف لكي "يلزم الولايات المتحدة أمام العالم والأمم المتحدة"!

ويعود الأستاذ حبة إلى وضع شروط أن "تضمن" المسودة إحترام السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية للدولة العراقية، ويشترط على الأمريكان"تصفية جيوب الارهاب وفلول مسلحي العهد السابق والانتحاريين القادمين من وراء الحدود والخارجين على القانون وعصابات الجريمة المنظمة." وكأن من أمامه ليس أول من ضغط من أجل إعادة "فلول العهد السابق" الى وزارتي الداخلية والدفاع من خلال رجلهم المفضل علاوي!

ولا يكتفي الأستاذ عادل حبه بذلك، بل يريد من الإتفاقية أن تحل مشكلة الشرق الأوسط وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي وتطبيق القرارات الدولية بشأن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والإنسحاب من الجولان وبقية لبنان..!!

وكأن الأستاذ حبه يشترط: أن تلتزم أميركا بأن تفعل عكس ما فعلته في كل شيء حتى الآن. أي يشترط أن يتصرف الذئب القديم منذ هذه اللحظة كحمل وديع! وليس لدينا أية فكرة لماذا يفترض أن الأمريكان يمكن أن يفعلوا ذلك مقابل بقاء قواتهم في العراق لبضع سنين يحددها الجدول الزمني الذي يقترحه!

ما لانفهمه أيضاً لماذا يعتقد أن من لايثق بإمكانية تحقيق كل هذه الطموحات، لابد أن يكون من "فلول النظام السابق وحلفائهم من التنظيمات الإرهابية الدولية"، وأن من كانت نيته حسنة من هؤلاء، فلابد أن تكون بوصلته عاطلة عن العمل؟ أينا بحاجة إلى فحص بوصلته يا أستاذي العزيز؟

(1)
http://al-nnas.com/ARTICLE/AHaba/12usa.htm

13 تشرين الأول 2008
 

free web counter