| الناس | الثقافية |  وثائق |  ذكريات | صحف | مواقع | للاتصال بنا |

موقع الناس .. ملتقى لكل العراقيين /  ديمقراطي .. تقدمي .. علماني

 

 

صائب خليل
s.khalil@chello.nl

 

 

 

الجمعة 14/11/ 2008

 

السؤال هو من أي خطر إيراني بالضبط
أحتاج لحماية الجيش الأمريكي؟

صائب خليل

عدا "الإرهاب" لم يبق من أسباب قبول بعض العراقيين للمعاهدة سوى "ألخطر الإيراني". هذا سقوط ذرائع الفصل السابع الذي تبين أنه فارغ من المعنى والصداقة التي تحولت إلى تهديدات، ومع إهمال اسباب لايعقل أن يقبل أنسان بالإحتلال من أجلها مثل التهديدات المادية. لذلك كتبت قبل أيام أطالب بتحديد شكل "الخطر الإيراني" على أمل العودة إلى موضوع الإرهاب سريعاً. لابد من تحديد شكل وحجم هذين الخطرين قبل قبول الإحتلال لحمايتنا منهما، وهنا نتحدث مرة ثانية عن "الخطر الإيراني"، لتجنب الخيار على أسس غير واضحة في قرار خطير كهذا.

رد الصديق الأستاذ عالي الحراك على مقالتي السابقة بمقالة بعنوان: " الخطرالايراني موجود وقائم وليس (فكرة غامضة)" (1) يدعوني فيها إلى الإطلاع على دراسات ومواقف القوميات الايرانية المختلفة الموجودة في ايران، اوان أعايش "الوضع السياسي والاجتماعي الداخلي في ايران ودراسته ميدانيا لبضعة سنوات" او محاورة من عاش في ايران.
وربما لا يدري الأستاذ الحراك أني قد عشت في إيران لمدة سنة ونصف تقريباً وكانت تجربة فيها المر وفيها الحلو. ورغم أني أقر أنني لم اتعرض لما تعرض له الحراك حسبما كتب في مقالة سابقة (2) كنت قد قرأتها بعناية شديدة، وما مر به من تجربة مؤلمة بحق، لكن تجربته تبقى تجربة مفردة، تماماً مثل تجربتي، ولايمكن الإكتفاء بواحدة من مثل هذه التجارب على اهميتها الكبيرة.
كانت تجربة الحراك أكثر مرارة وألماً من تجربتي، فلم يجد في هذا البلد سوى المر ولم يلاق غير الإحباط والقهر.
وليست تجربة الحراك فريدة، فقد شاهدت الكثير من العراقيين يشكو من صعوبة العيش وقسوة الحياة وكما وصف الحراك ذلك بدقة: "إن اختفى أحدهم فترة قالوا أنه سعيد الحظ وقد خرج". لقد كانت مقالة الصديق الحراك مفيدة لي لتكوين فكرة أوضح عن إيران، وكذلك أعتبر تجربة صديق آخر ذهب إلى إيران ليوقع عقداً حول الكهرباء فوجد أسلاك الضغط العالي العراقية المسروقة في أحد باحات المعمل الإيراني، وحين فاتح مدير المعمل، لم ينكر هذا وقال أنهم يشترون الكابلات ممن يبيعها ولايهمهم من أين يأتي بها. موقف دنيء طبعاً، خاصة في وضع كوضع العراق.

هذا صحيح وحقيقي، لكن صحيح أيضاً أن هذا ليس له علاقة كبيرة بموضوع "الخطر الإيراني" على العراق، والذي لازلت أعتبره "فكرة غامضة". مقالة وتجربة الحراك تعطينا فكرة هامة عن المجتمع الإيراني – العراقي في إيران لكنهما لاتنفعان كثيراً بتحديد شكل "الخطر ألإيراني" على ا لعراق وحجمه وهل يجب أن نخاف منه إلى درجة استدعاء جيش أجنبي لحمايتنا منه، بكل ما يتضمن ذلك من إشكالات نفسية وسياسية ومخاطر حقيقية على استقلال البلاد. فالتواجد الأمريكي في الكثير من البلدان، حتى إن كان بشكل سفارة، طالما دعم الإنقلابات العسكرية في البلاد التي يتواجد فيها عندما لا تعجبه الحكومة، ليأتي غالباً بحكومة من أمثال صدام حسين وسوموزا وبينوشيت وسوهارتو والشاه ليقيموا المذابح في البلاد، والتاريخ الحديث مليئ بالشواهد على ذلك، لمن يريد أن يقرأ طبعاً.

الحراك يدعوني أن لا أربط موضوع إيران بأميركا، وهو ما أتفق معه فيه تماماً، ولم ألجأ إلى طرحه هنا إلا كما قلت في المقدمة: لأن "الخطر الإيراني" يطرح من قبل الداعين الى المعاهدة الأمريكية كسبب لقبولها، وكأن ليس للعراق خيار سوى الخضوع لأحدهما. ولو كان الأمر بيد الحراك ويدي، لما اختلف معي في رفض المعاهدة ولا أتصور أنه سيطرح إجراء أختلف معه لدرء أي تدخل إيراني، فكلانا عبر بمقالاته بوضوح عن إيمانه بضرورة أن يكون الشعب العراقي مستقلاً من أي تأثير خارجي، وحراً أيضاً من أية دكتاتورية داخلية.

يصف الحراك الموقف قائلاً:" يجب تأسيس اعمدة هذا الرفض ودعم بنائه وتطويره كي لا يصب في المصب الايراني,وكي لا يضطرالبعض للقبول بالوجود الامريكي الحالي تحاشيا من تدخل ايراني محتمل" وهي والحق يقال من أجمل الجمل التي قرأتها عن موضوع المعاهدة وإيران، ولا أختلف معه في ذلك قيد شعرة!
وأود أن أضيف إليها النصف الثاني المكمل لها، وهو أن ندعو بوضوح لرفض قوات الإحتلال الأمريكي على أسس شعبية عراقية، لكي لايضطر البعض للقبول بالتأثير الإيراني حين لايجدون بديلاً عنه لدرء الخطر الأمريكي. وهو موقف الحراك حسب علمي.

ليس هناك أي دليل على أننا محصورون بين التأثير الأيراني، أو "الخطر الإيراني" والإحتلال. لكن الإعلام الإمريكي يريد أن يبني لدى العراقي صورة أن ليس هناك خيار مستقل, وأن خياراته محصورة بين الإيرانيين والأمريكان وهذا ما احاول تفنيده بمراجعة هذا "الخطر" وكيف سيحمينا الأمريكان منه.

كتبت في مقالتي الأولى أن إيران وإن كانت أكبر من العراق وأقوى بدون شك، وحتى بافتراض أطماع لها في البلاد، فهي أصغر من أن تدير إحتلالاً ناجحاً لا للعراق ولا لجزء منه، لأن الإحتلال يتطلب فارقاً هائلاً في القوة.
عن هذا يكتب الحراك: " ليس الامر متعلق بعدد سكان ايران وحجمها وقوتها العسكرية والاقتصادية وحالة العراق الضعيف الان, بل اموراخرى ترتبط بالدين والمذهب وتسييسها بطريقة عميلة عميقة مبنية على اعتقاد ديني عميق في سلبيته واضراره على مفاهيم حديثة عديدة منها الوطنية حيث يلغيها الغاءا كاملا".
وكنت في مقالتي قد أجبت بالضبط عن هذه النقطة، حيث بينت أن مثل هذه الأخطار لايمكن التعامل معها بواسطة الجيش وإنما تعامل الأفكار بالأفكار ويجب أن يكون لنا من الثقة بأنفسنا وبالعراقيين ووطنيتهم ما يكفي لمواجهة مثل هذه الأمور، فالديمقراطية التي نسعى إليها، لاتلغي الصراع، بل تنقله إلى ميدان الفكر والمجادلة، ومن يريد الديمقراطية عليه أن يضع في باله مثل هذا الصراع.
ليس ذلك الصراع سهلاً, ولا يحقق دائماً النتائج المرجوة، لكن لا مفر لمن يريد الديمقراطية ودولة القانون من تحمل مثل هذه المخاطرة. ولاحظ أيضاً أن المخاطرة من جانبين، فرجل الدين السياسي يجد أيضاً في العلمانية "خطراً" فكرياً على أفكاره، مثلما تتواجد مثل هذه المشاعر من القلق بين اليمين واليسار الخ. لا يمكننا أن نهرب من هذه المواجهة إلا إذا كنا ننوي فرض آراءنا بالقوة، أي بالعودة إلى الدكتاتورية.
إذن ما أردت البحث فيه في مقالتي لم يكن المقارنة بين إيران وأميركا, ولم يكن السؤال المطروح : هل هناك "خطر إيراني"؟ بل البحث عن ماهية هذا الخطر إن كان موجوداً لنعرف كيف نواجهه، وإن كان جيش الإحتلال هو الحل المناسب الوحيد له.

أي كان السؤال في مقالتي: هل هناك خطر إيراني من النوع والحجم الذي يتطلب إبقاء القوات الأمريكية لحمايتنا منه؟

من الواضح أن الجيش الأجنبي غير قادر على حماية العراق من خطر من نوع الخطر "السياسي الثقافي" الذي أشار الحراك إليه. وإن فكرنا قليلاً فأن قبول حماية الجيش الأمريكي يشجع هذا الخطر وغيره إكثر من أي شيء آخر. فوجود الجيش الأمريكي يضعف الإحساس بالمواطنة والوطن والكرامة ويضعف أي اعتزاز بالهوية أيضاً إضافة إلى إثارة الإحساس بالمرارة الشديدة لدى الطوائف التي سيبدو وكأن الطائفة الأخرى لا تشعر تجاهها بأية ثقة وأنها تفضل أن تضحي بسيادة بلادها على التعاون معها. وهل هناك أكثر من هذا ما يشجع على الإرتماء في الجانب الآخر؟ لا اقصد هنا فقط بين الطافتين السنية والشيعية، وإنما أيضاً ما بين السنة وما بين الشيعة. ومن الذي سيمسح فكرة العمالة والخيانة المتبادلة بين المختلفين مستقبلاً؟ أي شق هائل هذا الذي يهدد البلاد بمثل هذه الإتفاقية؟ لو نظرنا إلى الأمر بهدؤ لوجدنا إننا لرعبنا من خطر محتمل، فأننا نلقي بأنفسنا في نفس ذلك الخطر بشكل أكيد!

لقد وصف الحراك الخطر أيضاً بأنه ليس "رعب غير محدد الملامح" كما جاء في مقالتي بل: "انه واقع فيه قتل وميليشيات على الارض وحجاب بقوة السلاح واموال واغراءات وسلاح وعتاد ايراني,تعترف به الحكومة العراقية,خجولة مترددة,وتنكره قوى سياسية اسلامية عراقية تعمل من اجل اقامة اقليم طائفي في الجنوب,وفي نفس الوقت تطالب بتسديد ديون ايران على العراق خلال الحرب العراقية الايرانية, ولابد ان يولد هذا الوجود القاتل خوفا ورعبا."

الحقيقة أن أي تحقيقات لم تجر في العراق لمعرفة مصادر الإرهاب فيه، لذلك لايمكن الإعتماد على توجيه التهم مهما كنا "نشعر" أننا نعرف العدو. فهذا "الشعور" ربما نما في رؤوسنا بطرق غير الحجج والبراهين, وإنما بإعلانات "العراقية" و "الشرقية" بين البرامج, وأخبار "المصدر المجهول" والتعليقات التي تجد طريقها إلى لا وعينا. لذا لامناص من أن نطالب ببراهين لايمكن إنكارها على علاقة إيران بالإرهاب، ولايفترض أن يكون ذلك صعباً بعد خمسة سنين من جهود الجيش الأمريكي.
وإن وجدنا "إرهاباً إيرانياً" بعد ذلك فيجب أن نحدد حجمه وشكله لنعرف إن كان مستحيلاً على العراق أن يحمي نفسه منه. وهذا طبعاً يختلف عن الإرهاب الذي تسببه بعض الميليشيات، ويختلف عن تقديم إيران السلاح لأعوانها فلكل من هذه الأمور تفسيراتها المنطقية المعقولة في هذه الظروف، لكنها ليست مستحيلة الحل في حال تغير الظروف وخروج الإحتلال، وهي الظروف التي يفترض أن نجد إن كان هناك سيناريو لظهور الخطر الإيراني فيها بشكل لانستطيع ردعه بأنفسنا.

إن كان على السلاح، فلم يقدم أحد السلاح بشكل صريح ليأخذه كل من هب ودب أكثر من الجيش الأمريكي نفسه. على سبيل المثال، لقد القوا بأكوام من الأسلحة قرب بيتنا في بغداد في ساحة نفق الشرطة مع بداية الإحتلال وتركوها لمن يريد أن يأخذ منها ما يشاء، فهل إن أمسك بسلاح أمريكي لدى الإرهابيين فأن هذا دليل كاف على أن أميركا تدير الإرهاب في العراق؟
من ناحية ثانية فأن الإحتلال جهة مستفيدة من الإرهاب، فهو مبرر لبقائه، لذا ليس غريباً أن يقوم به، وليس هناك بالمقابل ما يدعو للإعتقاد أن إيران تستفيد من الإرهاب، لأن إسقاط الحكومة الحالية لن يأت إلا بحكومة أسوأ منها بالنسبة إلى إيران. ولو كان الأمر في حكم علاوي لكانت الحوافز تشير الى العكس، فعندها كان سيكون من مصلحة الحكومة الإيرانية أن تسقط علاوي، فمن يأتي بعده إن سقط أفضل منه بالنسبة لها. أما في حكومتي الجعفري والمالكي فقد كان علاوي مرشحاً لفترة طويلة للحلول محل الحكومة التي تسقط، فأية مصلحة لإيران في استبدال حكومة المالكي بعلاوي؟ إن افتراض أن إيران تقف وراء هذا الإرهاب غير الموجه والذي يهدد بسقوط الحكومة يتطلب أن نفترض أن إيران تعمل في عكس صالحها تماماً، ويجب أن يكون هناك مبرر قوي لقبول مثل هذا الإفتراض.

أما قصص الإنتقام من الطيارين والقضاء على الكفاءات فلا أجد فيها من المصداقية ما يكفي، ويمكن أن تتهم إسرائيل أو اميركا بها بشكل أسهل قبولاً لذا يجب عدم الإعتماد على مثل هذه التهم.

من ناحية أخرى أرى أننا يجب أن لا نخاف كثيراً من تعاطف البعض مع إيران أو التزام موقفها في بعض الأمور، فلإيران تأثيرها على البعض بلا شك لكن ليس كل تأثير خطر، وكأن الوطنية العراقية ريشة في مهب الريح يكفي أي تعاطف لإزاحتها، خاصة بعد أن يتم بعض الإستقرار وتزول هذه الظروف البائسة، لأنه إن كان الأمر كذلك فليس هناك حل لهذا البلد.

أما عن الشعائر الدينية وأصلها فقد قلت لك أن العراقيين هم الأعنف في ممارستها وليس الإيرانيون، لذا فهذه المشاهد الدموية ليست قادمة من إيران، وأنا حضرت بنفسي مواكب العزاء في أصفهان وكانت جميع المواكب الدموية تنطلق من حسينيات عراقية أما المواكب الإيرانية فكانت تكتفي باللطم غالباً ومن كان يقسو على نفسه منها كان يضرب نفسه بالسلاسل الخفيفة. لا أعرف ما هو أصلها ولا يهمني كثيراً..هذا هو واقعها. السبب هو أن ألإيرانيين استمعوا إلى الخميني عندما وقف ضدها، أما العراقيين فلم يستمعوا إلى الخطابات القاسية للوائلي وغيره والتي تسخر منها وتمنعهم عنها. أنت كنت في إيران فهل رأيت مواكب إيرانية دموية؟ الموكب الذي رأيته أنا لم يكن كذلك (عام 91، وهي نفس الفترة التي كنت أنت فيها هناك على ما فهمت من مقالتك).
لماذا إذن نلقي بكل إشكالاتنا على إيران؟ هذه مسائل عراقية وهؤلاء عراقيين ولهم الحق في العراق مثل حقي وحقك وليس لنا سوى أن نأمل بإقناعهم بالإقتراب من أفكارنا (كما قد يحاولون إقناعنا بالإقتراب من أفكارهم) فليس هناك درب آخر. ليس هناك ضمان للنجاح لكنه "المصباح الوحيد في الشارع" (3)

إنها حقيقة أن "الخطر الإيراني" يقدم لنا بشكل مشوه ليبدو أن لاحل له سوى الجيش الأمريكي وليتلقف بعض المثقفون هذه الصورة ويعكسونها بإبداعات من عندهم أيضاً.
هذا سلام الأمير يكتب: " إيران توزع الكوليرا على العراقيين بمناسبة رمضان المبارك"! وانظر الأخبار غير المعقولة وخاصة تلك المنسوبة إلى مصادر مجهولة او "رفضت الإفصاح عن اسمها" تجدها جميعاً موجهة ضد إيران (قبل صولة الفرسان كان الصدريين يحصلون على حصة الأسد منها). هل تذكر أخبار الأنسولين الملوث بالإيدز؟ وصور نجاد يعانق الحاخامات (وهم المعادين لإسرائيل والحاملين باجات كبيرة على صدورهم بعلم فلسطين وعلم مشطوب لإسرائيل)، والشاحنات الأربعة المليئة بالبطاقات الإنتخابية؟ وأين "فرق الموت التي تتدرب في إيران على اغتيال مسؤولين"؟ لماذا لم يتم أغتيال أي من المسؤولين الذين يصبحون ويمسون على هجاء إيران، بل تم أغتيال احد اكبر معارضي المعاهدة التي قالوا أن إيران ترشي السياسيين من أجل رفضها؟

ما أردت قوله في النهاية أنه قد بذل جهد إعلامي هائل ليفرض علينا شكل خطر مرعب لا أمل لنا بمواجهته إلا بوجود الجيش الأمريكي، وقد نجح هذا الجهد بفرض الصورة حتى أن اللصوص الكبار والراكضين وراء إسرائيل صاروا يلتجئون إلى أن إيران هي التي تريد الإضرار بهم لأنه نبهوا إلى خطرها، وبالفعل تنجح الفكرة دائماً بجذب بعض القوى إلى تأييدها مهما كانت قضيتها مفضوحة وخاسرة. إنه حال مؤسف!

اود أن اقف عند جملة خاصة لك في مقالتك السابقة، حيث تقول:" اما موضوع المفاضلة بينها وبين امريكا..فالاثنتان مرفوضتان. ويمكن توحيد الشعب العراقي ضد امريكا بغياب ايران, بينما لا يمكن توحيد الشعب العراق بوجود ايران"
لاخلاف بيننا على الجملة الأولى أما الثانية ففيها تفاصيل جميلة، وأعترف أن لديك نقطة هنا. إنما يا استاذي الحراك، هذا بالضبط نوع الإشكالات التي يجب مواجهتها عراقياً عاجلاً او آجلاً, فهي مشاكل عراقية بحته.
صحيح أنه يمكن توحيد الشعب بوجود أميركا، لكن هذا فقط لأن أميركا لا تشترك مع هوية أي عراقي ولا تنافس وحدة شعبه، بينما إيران تشترك معه في الهوية الدينية ومع غالبيته في الهوية الطائفية، ومن التجاوز ألقول أن الهوية الوطنية هي الوحيدة أو التي يجب أن تكون، فكل إنسان له هويات متعددة، والعراقي له هوية إنسانية وأخرىعراقية وثالثة دينية وطائفية وقومية وربما قبلية ...الخ. ولامفر من أن تتنافس هذه الهويات على ولائه حاله حال أي شعب في العالم ولايستدعي ذلك كل هذا القلق. فلو أفترضنا أن هذا القلق مبرر، لأمكن للكرد أن يقولوا أيضاً وبنفس القوة بأن وجود العرب يعرقل توحيد العراق، لذا يجب الإبتعاد عن العرب، ويقول العراقيون العرب أن وجود الكرد السوريين والترك والإيرانيين يعرقل توحيد العراق فيجب الإبتعاد عنهم..ويجب ان نحارب الدين ونحارب القومية وحتى التوجهات الإنسانية، فكل منها توجه تحدياً للهوية "العراقية" بشكل ما، لكن هذا الحل مستحيل.

لا أتصورك جاداً بقولك أن "مشكلة الكهرباء في العراق امتداد لمشكلة الكهرباء في المخيمات في إيران", وكذلك ليس من المعقول أن تطالب إيران بتوزيع أراضي على ألأسرى العراقيين (أسوة بالجنود الإيرانيين) حتى بعد أن صاروا توابين. ليس هناك دولة فعلت ذلك فليس سهلاً ما فعله الجيش العراقي في إيران...مرة رأيت معرضاً للصور في حديقة في أصفهان، واكتشفنا (كنت مع زوجتي) أنه عن "المحمرة" بعد تدميرها من قبل الجيش العراقي. كانت سوداء تماماً...الشوارع كانت مشجرة بالنخيل المحروق كأعواد الثقاب بعد أن تشعلها كاملة! لو رأيت الصور المرعبة يا اخي، لما قلت ما قلت عن الأراضي وغيرها. نحن الأبرياء خرجنا بسرعة من المعرض قبل أن يعرف أحد أننا عراقيين، فكيف تريد أن يعاملوا الجنود الذين قاموا بحرق المدينة بأنفسهم؟

لقد عانى الذين اختاروا اللجوء إلى السعودية اضعاف ما عاني من لجأ إلى ايران وعوملوا بخشونة أكبر كثيراً، رغم ان السعودية لم تعان أي شيء من العراقيين كمثل ما عانته إيران في حرب صدام المجنونة، وفي الكويت كادوا يقتلوني لمجرد أني عراقي، رغم أني خاطرت بحياتي لكي اتجنب أن اخدم في جيش صدام في الكويت، والتقيت في إيران بصديق كان يساعدهم مخاطراً أشد الخطر بحياته, وحين تم التحرير خرج مسرعاً لينجو بنفسه. لكني رغم الحرب المجنونة ضدهم، لم أشعر في إيران بأني في خطر رغم تعرضي (كما عرفت لاحقاً) لوشاية سخيفة من عراقية بأننا (زوجتي وأنا) مجاهدي خلق متنكرين، ويمكنك أن تتخيل لو أن مثل هذه الوشاية كانت في العراق مثلاً!

لقد كان لك يا صاحبي تجربة عميقة ومهمة في إيران، لكنها كانت قاسية ايضاً فلا تقل لي إنها تركتك حيادياً في الحكم!

نعم في إيران فساد كثير وسرقة سهلة وتزوير بشكل لم أشاهده في مكان آخر، وهناك ضغط ديني وهناك ضغط على الناس لتلبس بشكل معين، وهناك استغلال شديد البشاعة للفقراء من قبل الأغنياء والتجار (ربما انخفض قليلاً بعد استبدال حكومة التجار بحكومة نجاد) وهناك مجتمع طبقي اقسى من مجتمع العراق، ولكن هناك أيضاً بلاد جميلة وأغاني رائعة وشعب كريم في غاية الطيبة والأدب.....
لكن هذه كلها، بسلبياتها وإيجابياتها، لا تساعد كثيراً في تحديد شكل الخطر الذي تمثله إيران كدولة للعراق، وتذكر أن هذا هو موضوع مقالتي الوحيد.
إنه السؤال: هل هناك خطر إيراني محدد يضطرني لقبول حماية الجيش الأمريكي؟


هوامش:
(1)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=2013&aid=153069
(2) الخوف من إيران – 1- ضرورة تحديد حجمه وشكله
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=152830 
(3) المصباح الوحيد في الشارع: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=61732 

 

13 تشرين الثاني 2008



 

free web counter