|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الجمعة   14  / 3 / 2025                                صائب خليل                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حول مقالة سيف الخياط (مشروع انتخابات.. كتلة دولة العراق الشيعي)

صائب خليل
(موقع الناس)

يختتم (سيف الخياط) او كما يتسمى بـ "سلام عادل" ، مقالة له بعنوان "مشروع انتخابات.. كتلة دولة العراق الشيعي" بالتأكيد أن لا "مخرج للشيعة من المحاصصة والفدرالية المتعالية" سوى تفتيت العراق والانفصال في دولة مستقلة!

ما هي الكارثة التي حاصرت الشيعة بهذا الشكل المأساوي لكي لا يبقى لهم "مخرج" سوى هذا الحل؟
يشرح سلام عادل تلك الكارثة بأن "الفيدرالية" (التي كانت مطروحة بقوة أيام المعارضة بالنسبة للكرد والشيوعيين وبتأييد من الإسلام السياسي الشيعي ممثلا بالمجلس الأعلى، ورغم تأييد المرجعية لها، حسب الكاتب) فشلت لأسباب "غير مفهومة" في اتاحة الفرصة للمكونات بـ "حكم نفسها" وإدارة "مواردها"، فلم تترسخ ولم تحقق وئاماً وطنيا داخليا ولم تنه النزاع، بل خلقت مشاكل مستدامة بين الإقليم والمركز والتلويح المتزايد بإقامة إقليم سني.

ويدعي سلام عادل ان بقية المكونات لم ترحب بالفدرالية لأن إقليم الشيعة سيتمتع بالموارد البشرية والمادية الأكبر، وان خسارات هائلة ستحصل للـ "كورد" (هكذا يكتبها تملقا) والسنة!

يشير سلام عادل الى تاريخ المشكلة مؤكدا ان السبب هو أن "الوطنية السياسية" (اول مرة اقرأ هذا المصطلح!) قد صيغت وفق مقاسات "سايكسبيكو" (كما يكتبها) وهذا أتاح "حصر السلطة" بيد السنة فقط على مدار عقود، "ونزع الوطنية" عن الآخرين..

ويقول سلام عادل أن عمار الحكيم هو من بدأ الدفاع عن "احقية الشيعة في الوطن" بإطلاق تعبير "الوطنية الشيعية" ثم مقتدى الصدر بتسميته "التيار الوطني الشيعي".

ثم يحسب سلام عادل خسارة الشيعة فيقدرها بـ 45 مليار دولار سنويا "لصالح المكون "الكوردي" والسني، وهي خسارة لا تعوض" لـ "ام الولد" (الشيعة) سيما حين لا يقدر "الكورد" والسنة تلك التضحيات، وفوق ذلك يحمل الشيعة فاتورة الفشل السياسي للمحاصصة.

من كل هذا يستنتج سلام عادل ان الشيعة مضطرون للخروج من هذا المأزق إلى الطريقة الوحيدة وهي الاستقلال!
لكن كيف يستقلون إذا كانوا مضطهدين هكذا؟ يرشدهم سلام الى أن "حق تقرير المصير" مكفول بميثاق الأمم المتحدة (يعني السنة و"الكورد" لن يستطيعوا منعهم!)، ليكون "الجميع أحرارا بطبيعة حكمهم على أوطانهم الجديدة"!!
.
باختصار، يمكن اعتبار كل فكرة وربما كل جملة في مقالة سلام عادل، خريط، لكنه "خريط موجه"، وبدقة.

فما هي المشكلة التي يحاول سلام عادل إنقاذ الشيعة منها؟ وهل "يحاصرهم" السنة "والكوورد" الى الدرجة التي لم يبق لهم برأيه سوى "مخرج" أخير، هو تفتيت البلد والهرب منه؟

حين تراجع مقالته، تجد الرجل حائراً في تبرير فكرته، فيعود الى الماضي ويدعي بجرأة متناهية ان سايكس بيكو صمم ليحصر السلطة بيد السنة! ودون ان يشرح لنا هذه النظرية السياسية المدهشة. فالمعروف ان سايكس بيكو قسمت المنطقة بين بريطانيا وفرنسا، فكيف تم ترتيب هذا التقسيم بحيث لا يحكم الشيعة؟ الله وحده يعلم (إضافة الى سلام طبعا).

ثم ستجد رقما افتراضيا عجيبا هو 45 مليار دولار في العام، يخسرها الشيعة حسب رأيه للمكونات الأخرى! وهناك مئة اعتراض على هذا الكلام:

ألأول أن الرقم هائل ويبلغ اكثر من معدل نصف موارد العراق، ولو كان صحيحا او ممكنا لجعل كل السنة اثرياء (ستحصل كل عائلة سنية او كردية من 5 افراد بحدود 15 الف دولار في العام فقط من فرق التوزيع، إضافة الى ما يحصل عليه الشيعة! وبعد عشرين عاما من هذا الظلم الرهيب، اكيد كنا سنرى فرقا هائلا بين ما يملكه الشيعة وما يملكه غيرهم، وان مدن السنة ستنتعش بالأعمال والمشاريع اكثر من غيرها. فهل هذا صحيح؟ الذي اعرفه ان الانبار هي أعلى محافظة في العراق من ناحية البطالة!

الأمر الثاني هو كيف "نهب" السنة والكرد تلك الأموال الهائلة من الشيعة، وبشكل مستمر لمدة 22 عاما بمعدل 45 مليار كل عام؟ بأية طريقة؟ هل بالابتزاز السياسي؟ أين ساسة الشيعة الذين يزيدون عن هؤلاء وهؤلاء؟ هل بالقوة العسكرية؟ أعداد الشيعة في الجيش والشرطة والمسلحين خارج الجيش والشرطة اكثر من اية جماعة أخرى!

المضحك في الأمر ان سلام لم يتحدث عن فقر شديد أصاب الشيعة بسبب السنة والكرد، إنما فقط قال ان المشكلة ان هؤلاء لا يعبرون عن امتنانهم للشيعة على هذه "الهبة" التي يمنحونها لهم!
وهذه اول مرة اسمع أن مكونا منزعجا من "عدم الامتنان" الى درجة ان يحطم بلده ليستقل، مع كل ما تعنيه هذه العملية من احتمالات للكوارث والمعاناة!

أما سايكس بيكو التي منحت الحكم للسنة حسب سلام، بتعويذة سحرية، فلم يذكر سلام كيف اثر ذلك على حق الشيعة في الحكم بعد 2003، ولم يتجرأ ان يقول ان هذا الامر الخرافي استمر، لأن جميع الحكومات التي تأسست كانت برئاسة رجل شيعي، بدون استثناء! حتى ان احدهم قال: اخذناها وبعد ما ننطيها! فالمفروض انه وضع يمثل اماني الشيعة، الذين وجدوا انفسهم الأغلبية السكانية في نظام حكم يعتمد على الأصوات، وفي بلد من الجهل والتخلف ان يحول ذلك الى محاصصة طائفية للشيعة فيها حصة الأسد! المفروض انه ان كان هناك احد يسعى الى الاستقلال فهي الأقليات وليس الأغلبية الحاكمة!

لكن الحقائق لا تعني شيئا بالنسبة للطبالين المأجورين. بل ان تعبيرهم عن مهارتهم هو بالذات بالكتابة بالضد من الحقائق. ولو ان سلام كلف بإقناع السنة بضرورة الانفصال لما وجد اية صعوبة في إعادة تركيب كلامه ليصل الى غاية من يدفع له راتبه. ولوجدته يولول على عيد الغدير الذي اجبر السنة على الاحتفال بإهانة من يحترمونهم طائفيا، وغيرها..

في النهاية يرشد سلام الشيعة الى الطريق للخلاص من هذه العبودية وذلك باستخدام "حق تقرير المصير" للسيطرة "على ارضهم التاريخية ".. ويبدو اني لم اسمع بأن الشيعة خسروا ارضهم التاريخية وتم تهجيرهم، لكن ربما وصلت العبارة الى سلام من مصدر إسرائيلي مثلا..؟ لا ادري..

المحزن في هذا السخف، اني متأكد انه يستطيع دغدغة مشاعر الكثيرين، وهذه الدغدغة كفيلة بإلغاء كل الحقائق المعارضة، لذلك وجدت نفسي اكتب لتوضيح ما اراه واضحا الى درجة السخف.

الحقيقة، هي ان الشيعة والسنة والكرد، ينهبهم سفلة الشيعة والسنة والكرد، وبتنسيق وتوجيه مع السفارة التي ينبطح لها كل هؤلاء السفلة بدون استثناء او تمييز!

إذا كانت هذه هي الحقيقة فكيف ستتخلص اية طائفة من ناهبيها بالانفصال، ان كانوا سينفصلون معها وهم من يقودها ويحكمها، قبل الانفصال وبعده؟

الحقيقة الأخرى هي أن عدو الشيعة والسنة والكرد هو هذه السفارة وهذه الكلاب التي تؤجرها السفارة في السياسة وفي الاعلام لتسرع في تدمير بلاد وحياة الشيعة والسنة والكرد. وأن مهمة الطبال سلام عادل وأمثاله، هو أقناع الشيعة والسنة والكرد بأن عدو كل منهم هو الاثنين الاخرين، وهكذا تشتبك الضحايا مع بعضها وتنسى اعداءها!

هذه هي الحقيقة التي أدركها معظم الشيعة والسنة والكرد، وان كان بشكل متأخر كثيرا جدا، ومع ذلك فهم بشكل عام مستعدين لنسيانها عند اية دغدغة طائفية او قومية. وان كانوا يعترفون بها حين توضع امامهم لكن من النادر ان ينتبه لها احد من نفسه او يتذكرها، إن لم يذكّره بها أحد.

إن مجرد الحاجة الى الرد على مثل هذا الخريط الواضح السخف وواضح التوجه، يؤشر مدى بؤس الوعي العراقي وحجم الخطر القادم في زمن تعم فيه الفوضى كما لم تكن في أي زمن.
 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter