|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

السبت  18  / 5 / 2019                                 د. صادق أطيمش                                  كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

ارحلوا
(4)

د. صادق أطيمش
(موقع الناس)

دعاة الدولة الدينية في شقها الإسلامي طالما يتبجحون ببعض الأمثلة التي يعتبرونها ناجحة ، دون ان يتعبوا انفسهم على التفتيش عن اسباب فشل معظم ما تنفذ من برامجهم في تأسيس الدولة اليوم. وطالما يذكرون تركيا والباكستان كمثالين ناجحين لدولتهم الدينية الإسلامية المزعومة.

قد يطول الحديث حين التحدث عن ماهية الأنظمة السياسية السائدة في هاتين الدولتين . إلا ان ما يمكن ان يقال لعكس الواقع المعاش فعلاً لا يتعدى النظرة السريعة الفاحصة التي تبين لنا مدى فشل او نجاح هذين النظامين.

الدولة الباكستانية التي طالما يجري الحديث عن تقدمها وامتلاكها للسلاح الذري وديمقراطيتها هي دولة تحاول ان تمزج بين الديمقراطية والإنتماء الديني للإسلام الذي تضع ضوابطه ، كما يفهمها فقهاء هذه الدولة ، في مصاف الدستور الذي يدعو لتأسيس الدولة الديمقراطية الخاضعة للضوابط الدينية . وسوف لن نذهب بعيداً اذا قلنا بأن كيان هذه الدولة المرتكزة على الدين لا تختلف في ديمقراطيتها المزعومة عن ديمقراطية الدولة الصهيونية التي تنطلق من نفس المفاهيم الدينية بصيغتها اليهودية والتي يجري فيها كل انواع القهر والتعسف والإضطهاد لكل ما هو غير يهودي بالرغم من توثيفها الدين اليهودي لتمرير سياستها القمعية ، لا قناعة بهذا الدين ، بل هي تجارة به ، تماماً كتجارة الإسلام السياسي الذي توظفه الباكستان. ففي الباكستان يشكل الإنتماء الديني للإسلام واحداً من اسباب احترام هذا الإنسان ومعاملته بما يقتضي ذلك ، ولا ضير ان اتفقت هذه المعاملة مع النصوص الديمقراطية في دستور البلد ام لا. وهذه الدولة التي تدعي الديمقراطية لا تخجل من قيام شرطتها مثلاً على جلد من يجاهر بافطاره في شهر رمضان في وسط الشارع الذي يلقى فيه القبض عليه ، او ان ترفض المؤسسة الدينية الإسلامية ، بل وتحارب القوانين التي تنص على منع ضرب النساء ولم تتخذ الحكومة اية اجراءات رادعة لهذه المؤسسة، وهناك من الوثائق والأفلام ما يؤكد ذلك والكثير الآخر من توظيف منطلقات الإسلام السياسي في الشؤون العامة للدولة الباكستانية.

اما الدولة الأخرى التي يتبجح الإسلاميون بنجاحها المزعوم فقد كشرت عن انياب قادتها من حزب التنمية والعدالة الإسلامي الذي اعتمد الكذب والدجل والتسويف بغية الوصول الى الحكم لينقلب على كل ما كان يدعيه من قناعة بالديمقراطية وامتثالاً لمبادئ الدولة المدنية التي اسس لها كمال اتاتورك بعد نهاية الحرب العالمية الأولى التي قضت على السلطنة التركية التي ابتزت الشعوب التي حكمتها لمئات من السنين بنفس الأسلوب الذي يدعيه الإسلاميون اليوم والذي يعتمد على التجارة بالدين وجعله الأساس الرئيسي الذي تقوم عليه الدولة . لقد انكشفت سياسة اردوغان الدكتاتورية التي ترفض ان ينافسها احد على الحكم الإخواني الذي تسير عليه ، وما الغاء انتخابات رئيس بلدية اسطنبول المعارض للتوجه الإسلامي لحزب اردوغان إلا مثلاً واحداً ودليلاً على النهج المتخلف الذي يسير عليه الحزب الإسلامي التركي ، حزب اردوغان ، حزب التنمية والعدالة الحاكم . اما اضطهاد وقمع المعارضة بكل السبل الدكتاتورية والإعتداءات المتكررة على حدود الدول المجاورة كالعراق وسوريا فهي على قمة السياسة التي يتبعها حزب اردوغان في تركيا اليوم التي تسير بكل ثبات نحو دكتاتورية الحزب الواحد.

للأسباب التي طرحناها اعلاه والمتعلقة بفساد ودكتاتورية وتخلف والجهل بمقومات الدولة الحديثة التي تتصف بها احزاب الإسلام السياسي على اختلاف مذاهبها وتشعب فرقها وطوائفها ، ندعوا الى رحيل هذه الأحزاب من ساحة وطننا العراق الذي لم ينل من تسلطها طيلة الست عشرة سنة الماضية سوى التخلف على مختلف الأصعدة ، وسوى النهب والسلب لكل خيرات الوطن ، وسوى انتشار الفساد بكل انواعه وبكل مؤسسات الدولة ، وسوى ازدياد نسبة الفقر والجهل الى جانب تكديس المليارات لدى البعض الذي لم يكن يملك قوت يومه قبل ان يأت به الإحتلال لوطننا الذي اطاح بدكتاتورية البعثفاشية المقيتة. ولكن اية دولة نريد بعد رحيل شراذم اللصوص هذه ؟

يمكننا التمييز اليوم , في القرن الواحد والعشرين , وفي هذا المجال بين أربعة أنواع من علاقة المجتمع المتمثلة بشكل النظام ألإجتماعي والإقتصادي والسياسي والثقافي , أي علاقة الدولة المؤسساتية , بالدين من خلال المسؤولية العامة التي تتحملها الدولة تجاه جميع مواطنيها على ألإطلاق.

النوع الأول : هو نظام الدولة اللادينية ، والمستل من المفردة اللاتينية : 
Laicus  Laizisim
 
والذي يمكن ترجمة مضمونه بما يلي : تقليل أو إبعاد تأثير خصوصية الدين والمؤسسات الدينية الخاصة به على كل ما يتعلق بالطابع العام في المجتمع , أي بالدولة . وابرز مثال يمكن تقديمه في هذا المجال هو النظام القائم حاليآ في فرنسا . إذ يقوم هذا النظام على منع أي مظهر من مظاهر ألإشهار بالدين عبر أللباس أو الطقوس أو أية ممارسات أخرى في المجالات والمؤسسات الخاضعة لإدارة الدولة . فدرس الدين لا يُدرس في المدارس التابعة للدولة ولا تسمح الدولة للعاملين في مؤسساتها بإظهار أية دلالة تشير إلى إنتماءهم إلى دين معين . أي أن الدولة تتصرف مع جميع ألأديان التي يدين بها المجتمع تصرفآ حياديآ بحتآ ولا تزج نفسها بمفردات التدين أو عدم التدين لمواطنيها وتنظر إلى الدين كمسألة شخصية بحتة لا علاقة للدولة بها كمؤسسة عامة لكل مواطنيها . كما يحاول هذا النظام إبعاد أي تأثير ديني , مهما كان نوعه , على الدستور ألأساسي للدولة وعلى القوانين والتعليمات المتعلقة بإدارة شؤون هذه الدولة . بعبارة أخرى يمكن القول أن هذا النوع من الدول لا يعطي أي إهتمام لرعاية ألأمور الدينية التي تخضع للمؤسسات الدينية الخاضعة بدورها إلى رقابة الدولة باعتبارها مؤسسات إجتماعية كأي مؤسسات أخرى رياضية أو علمية أوفنية وغير ذلك . وتتجلى هذه الرقابة على طبيعة ممارسات هذه المؤسسات ماليآ واجتماعيآ بحيث لا تتناقض هذه الممارسات مع دستور الدولة الأساسي والقوانين المنبثقة عنه . كما ان على الدولة هذه أن تقدم الخدمات لهذه المؤسسات الدينية كما تقدمها إلى أية مؤسسة إجتماعية أخرى كالحماية من ألإعتداء عليها أو الخدمات العامة التي تتقاضى عليها الدولة أجورآ على شكل ضرائب أو أسعار لخدمات أخرى .

النوع الثاني : هو نظام الدولة الدينية الثيوقراطية
THEOCRACY
ألإغريقيين
THEOS وتعني ألرب أو ألإله و KRATOS وتعني القوة أوالسطوة , حيث وضع الحاكم نفسه موضع ألأله وجعل من حكمه وسطوته حكمآ وسطوة إلهية . لقد طبقت هذا النوع من كيان الدولة المتمثلة بشخص حاكمها كثير من الشعوب سابقآ وتطبقه أو تحاول تطبيقه بعضها حاليآ . إذ تميزت الحضارات السومرية والبابلية والفرعونية والصينية القديمة بهذا النوع من الكيانات ألإجتماعية التي أسس فيها ألحكام دولآ أو كيانات دول تقوم على تأليه الحاكم الذي وضع نفسه موضع ألإله من خلال تسلط المؤسسات الدينية , التي تخضع له خضوعآ تامآ , على كل مفردات ومفاصل الحياة الإجتماعية . كما ساد النظام الثيوقراطي في أوربا القرون الوسطى بالشكل الذي خضعت فيه الكنيسة خضوعآ مطلقآ للحاكم الذي جعل من مباركة الكنيسة لحكمه مفهومآ مقدسآ لا يجرأ أحد على المساس به نقدآ أو فعلآ , ومن يجرأ على ذلك فمصيره أبشع أنواع العقوبات التي قننها الحاكمون آنذاك كالقتل والحرق والرمي إلى الوحوش الجائعة أو في زنزانات السجون المظلمة . لقد تلاشى هذا النوع من ألأنظمة الثيوقراطية على الساحة المسيحية , وخاصة ألأوربية منها , بعد نضال مرير وطويل خاضته الشعوب التي أبتليت بمثل هؤلاء الحكام . أما في العالم ألإسلامي فقد جرى العمل بهذا النوع من الحكم , أو على ألأقل تفسيره على هذه الشاكلة , في العصور التي كان الحكم فيها للخلفاء والسلاطين الذين جعلوا من أنفسهم ظل ألله على ألأرض , إذ كانت العقوبات الدنيوية الصارمة والشديدة تنتظر كل من أبدى شكآ في صدق هذه العلاقة بين ألله والحاكم . كما برز هذا النوع من علاقة الدولة بالدين على هذا ألأساس الثيوقراطي في بعض الدول التي سيطرت فيها الجماعات ألإسلامية ذات النزعات الطائفية المختلفة على زمام مؤسسات الدولة التي حولتها إلى دولة ثيوقراطية تخضع لخطاب رجل الدين الحاكم , كما رأينا ذلك في أفغانستان أثناء قيام دولة الطالبان أو ما نراه اليوم في إيران مُمثلآ في دولة ولاية الفقيه , او ما تحاول تحقيقه بعض ألأحزاب السياسية الدينية في مناطق مختلفة من العالم ألإسلامي. إن السمة المميزة لهذا النوع من الدول والأنظمة التي تسودها هو تضييق فسحة الإعتراف بالآخر إلى المساحة التي لا يُسمح له بتجاوزها والتي تخضع دومآ لمراقبة السلطة الثيوقراطية وإلى تطبيق قوانينها ألجائرة على هذا الغير في أي وقت تشاء .

للتوسع في هذا الموضوع يمكن مراجعة كتاب (
محمد أركون : الفكر ألإسلامي , نقد واجتهاد , ترجمة هاشم صالح , دار الساقي , الطبعة الثانية 1992)

النوع الثالث : هو الدولة العَلمانية - بفتح ألعين - حيث أن هذا المصطلح المترجم عن المصطلح اللاتيني 
Saeculum
والذي يعني ضمن ما يعني من معان أخرى , عالمي أو دينوي وقد جرى تطبيقه في أوربا على تدويل المؤسسات الدينية واستعمالها ضمن القوانين والأنظمة التي تضعها دولة المؤسسات. اي أن ذلك يعني بشكل عام تحقيق المبادئ التي جاءت بها الحركات الإنسانية ألإصلاحية ألأوربية وما رافقها من أفكار تحررية تتعلق بالفرد والمجتمع والتي إنعكست , وبشكل خاص, على المجتمعات ألأوربية التي تبنت فصل سلطة الكنيسة التي كانت تتمتع بها في القرون الوسطى عن سلطة المؤسسات التي حققتها الثورة الفرنسية التي طالبت بامتلاك الدولة للمؤسسات الكنسية خاصة في أوقات الكوارث والمجاعات . إلى جانب هذا التعريف العام هناك بعض الشروحات لهذا المصطلح الذي لا يزال مصطلحآ غامضآ ومشوشآ عند الكثير من المجتمعات الإسلامية التي لم يتسن لها , أو لم يُسمح لها , بالتعرف على تطور الفكر العالمي وذلك بسبب القمع السياسي الذي تعرضت ولا تزال تتعرض له الجماهير الغفيرة في هذه المجتمعات, أو بسبب الفقر الثقافي الذي نشره المتسلطون على شؤونها العامة . فالعَلمانية تُنسب إلى العالَم , إلى الكون الفسيح الذي يعج بالتغيير في كل لحظة من حياته , حيث قاده هذا التغييرإلى أن يعيد النظر في كثير مما كان يُعتبر من المسلمات التي كانت تخلط السياسة بالدين والدين بالسياسة , حتى توصل هذا التطور في حياة بعض الشعوب إلى الإقرار, ومن خلال القوانين والمؤسسات , بعدم ممارسة مؤسسات الدولة لأية سلطة دينية وعدم ممارسة المؤسسات الدينية لأية سلطة سياسية, أي فصل الدين عن الدولة. وحينما نتطرق إلى هذا الموضوع ينبغي لنا وضع التعاريف الدقيقة للمصطلحات التي نتعامل معها في هذا المجال . إن أهم ما ينبغي التطرق إليه هو وضع مفهومآ معينآ عن الحدود الثلاثة المتداخلة في هذه المعادلة : الدين والدولة والمجتمع . فالدين , أي دين , والتربية الدينية تشكل في غالب الأحيان القاعدة الأساسية لكل المعتقدات والقناعات الروحية التي يمارسها أفراد المجتمع بشكل فردي او جماعي , بالأكثرية أو ألأقلية إنطلاقآ من ألإيمان الكامل بها على أنها فوق مستوى الفكر البشري , وعلى أنها إنعكاسات لما فوق ألإرادة البشرية وإن مضمونها سيكون بالتالي خارج حدود النقاش والجدال وإن ألإيمان بها على هذا ألأساس أصبح نوعآ من التراث الثابت الذي يتناقله ألأبناء عن ألآباء دون تغييرفي ألأسس العامة, وإن حصل بعض التغييرفإنه إما أن يكون عامآ تقتضيه متطلبات التغيير الزمني ,أو أن يكون تغييرآ إصلاحيآ يتناول بعض ألثوابت التي لم تعد تتلائم ومتطلبات العصر. وعلى هذا ألأساس فإن الدين يشكل أحد العوامل التي تدخل في تركيب المجتمع وتكوين بناه الروحية واتجاهاته الفكرية في هذا المجال . فالدين إذن ظاهرة إجتماعية تؤثر في المجتمع وتتأثر فيه وتشكل حاجة روحية أساسية من إحتياجات ألأكثرية أو ألأقلية من أفراد المجتمع . وبالرغم من إجتماعية هذه الظاهرة التي نسميها ألدين , تظل درجة وشدة ألإلتزام بها ذات طابع خاص بكل فرد من أفراد الجماعة التي تتبلور هذه الظاهرة بينها. أي أن عموميتها لا تنفي خصوصية التعامل معها من قبل أي فرد من أفراد المجتمع الذي تنشأ فيه. أما الدولة بمفهومها الحديث فهي النظام ألإجتماعي الذي يأخذ بعين ألإعتبارمقومات المجتمع الحديث بكل مكوناته ألأثنية والدينية ضمن منطقة جغرافية معينة ورعايتها وإدارتها والمحافظة عليها من خلال مؤسسات عامة تخضع لرقابة المجتمع وتتفاعل مع طموحاته ضمن قوانين وتعليمات يضعها هذا المجتمع ويعمل على تطبيقها وتغيرها كلما دعت حاجة تطوره إلى ذلك.

أما المجتمع الذي تتعامل معه هذه الدولة فيتكون من المجاميع البشرية المختلفة ألأجناس والأديان والتي يجمعها التواجد المشترك ضمن الحدود الجغرافية لهذه الدولة والتفاعل المشترك والمتساوي مع مؤسساتها. اي ان الدولة تتعامل مع مواطنها بغض النظر عن قلة او كثرة او نوعية الإنتماءات لهذا المواطن الذي تقوم الدولة على العمل لتحقيق طموحاته في الحياة.

أما النوع الرابع والأخير فهو الهجيني بين الدولة الثيوقراطية والدولة العلمانيه والذي يكاد أن يكون ظاهرة تختص بها المجتمعات الإسلامية على الغالب . ومن الممكن إعتبار هذا النوع الجديد من أنظمة الدولة ظاهرة عالمية تستحق الدراسة والبحث حيث أنه يتواجد بهذا الشكل الهجيني أو ذاك في جميع الدول المنضوية تحت راية المؤتمر ألإسلامي والذي يضم 51 دولة . إن اهم ما يميز هذا النوع من ألدول هو إختلاط الديني بالسياسي بحيث لا يستطيع أحدهما التخلي عن ألآخر, بغض النظر عن هذا الآخر إن كان يمثل السياسي التقليدي أو الديني التقليدي. إن الظاهرة الغالبة في مثل هذا النوع من الدول تنعكس من خلال توزيع المهام بين الديني والسياسي بحيث ينسق كل منهما عمله مع الآخر ويستمد شرعية وجوده من إسناد الآخر له .

ففي هذا النوع من الدول يتبوأ السياسي قمة السلطة السياسية دون أن يشاركه فيها مباشرة رجل الدين الذي يبدو وكأنه معتكف في مؤسسته الدينية إلا انه يراقب السلطة السياسية عن كثب . يحاول السياسي في مثل هذه الدول أن يعكس للرأي العام إستقلالية قراره , إلا انه لا يضع الخطوط النهائية لهذا القرار قبل أن يكون قد حصل على الضوء الأخضر من المؤسسة الدينية , خاصة إذا ما تعلقت هذه القرارات بإجراءات ذات علاقة بالدين أو بالتراث أو بإطروحات المدرسة الفقهية التي يعلن السياسي عن تمسكه بها دومآ ويعاهد على أن لا يشذ عن تعاليمها فيكون بذلك قد حظى مقدمآ بتأييد المؤسسة الدينية له التي ستشرعن له الحكم السياسي . إذ أننا غالبآ ما نجد هنا فعل التأثير المتبادل بين شرعنة السياسة دينيآ والمحافظة على الموسسة الدينية سياسيآ .

إن لإنبثاق هذا النوع من الدول , خاصة بعد الحرب العالمية الثانية , سببآ تاريخيآ يعود إلى موجة ألإستقلال التي تمتعت بها الكثير من الدول ذات المجتمعات ألإسلامية والتي أرادت إعطاء إستقلالها وبالتالي وجودها وزنآ سياسيآ من خلال إنضمامها إلى الأمم المتحدة والإلتزام بميثاقها وتمثيلها جنبآ إلى جنب مع الدول المستقلة ألأخرى في كافة محافلها والهيئات المنبثقة عنها . إلا أن ألإنضمام إلى هذا التنظيم العالمي لم يتم جزافآ , إذ وجب على المتقدم للإنضمام أن يتقدم بطلب خطي مُلزِم يتعهد فيه طالب ألإنضمام الإلتزام بميثاق ألأمم المتحدة وأولية تطبيق بنوده حتى على بنود الدساتير المحلية إن ثبت هناك بعض التعارض بين ميثاق الأمم المتحدة والدساتير المحلية للأعضاء . فالمادة 18 مثلآ من ميثاق الأمم المتحدة تنص على : " كل شخص يملك الحق في حرية التفكير والعقيدة والدين . ويتضمن هذا الحق حرية تغيير الدين أو المعتقد إضافة إلى حرية إظهار الدين او المعتقد بمفرده أو بصورة جماعية , خفية أو علانية . " لقد وقَّعت الدول ألإسلامية التي إنضمت إلى الأمم المتحدة على هذه الوثيقة فأصبحت بذلك ملزمة بتطبيقها . واستنادآ إلى ذلك وضعت دساتير حاولت دبلجة نصوصها وكأنها توحي بضمان تحقيق هذه المبادئ ألأممية , إلا انها وجدت نفسها أمام المؤسسة الدينية الإسلامية التي لا تعترف بهذه المبادئ وترفضها رفضآ باتآ , فحصل أشبه ما يوصف بغض النظر من الجانبين . إذ عملت المؤسسة السياسية على ألإيحاء للمؤسسة الدينية على جعل هذه النصوص حبرآ على ورق , وعملت المؤسسة الدينية على تأويل هذه النصوص بالشكل الذي توحي به ببراءة المؤسسة السياسية من الشذوذ عن القواعد الدينية والإلتزامات الشرعية.

من الطبيعي أن لا تكون المؤسسة الدينية بمختلف فصائلها على خط واحد من العمل المشترك مع المؤسسة السياسية في مثل هذه الدول . إلا ان ذلك لا يمنع من توجه المؤسسة السياسية في هذه الدول من تبني هذا الجناح أو ذاك من المؤسسة الدينية التي تشرعن لها سياستها امام الجماهير المتعلقة بتراثها الديني تعلقآ فطريآ . وعلى هذا ألأساس نجد المؤسسات الدينية المرتبطة مباشرة بالدولة على شكل وزارات للأوقاف أو للشؤون الدينية او غيرها من التسميات التي يوحي بهذا هذا الخليط الهجيني بين الديني والسياسي في مثل هذه الدول.

أمامنا ألآن اريعة نماذج تكاد تكون واضحة المعالم بالنسبة لعلاقتها بالدين . فاي من هذه النماذج نرجوه لعراقنا الجديد...؟ بعد رحيل الجاثمين على صدره من لصوص الإسلام السياسي منذ اكثر من ست عشرة سنة ؟ وأي ممارسة للدين يمكن أن تتبناها الدولة العراقية الجديدة...؟ وما الذي نرجو تحقيقه من كل ذلك...؟ هذا ما سنناقشه في القسم الخامس والأخير من هذا الموضوع.













 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 







 


 

 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter