| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 8 / 5 / 2021 نصير عواد كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
السرديّة الانصاريّة (3)
نون الحكايّة
نصير عواد
(موقع الناس)
لم نرَ مدوّنا ركب عربته وطاف بالشتات يجمع شهادات الأنصار الشيوعيّين وذكّرياتهم عن تجربة ناصعة ودامية جرت تفاصيلها في جبال كوردستان العراق (1979-1989) ولم نسمعْ عن مؤسسةٍ وطنيّة بادرت لعملٍ بحثيّ حوّل حقيقة ما حدث، والوقوف عند الأسباب التي دفعت الألاف من الشباب لحمل السلاح والاعتصام بالجبال. ففي العراق صار من المفروغ منه أن يجتر الضحايّا قصصهم، يروُونها لبعضهم البعض، في حين يلتزم القتلة وأمراء الحرب الصمت، والانشغال بتدوين التاريخ الرسميّ للأحداث. ولذلك، وحتى لا يتراكم غبار النسيان على الأسماء والاحداث، بادر الأنصار أنفسهم، نساء ورجال، إلى تدوين تجربتهم. بما لها وما عليها.
يُعدّ حضور المرأة في جبال كوردستان، من كافة مدن العراق وأطيافه، جزء من خصوصية حركة الأنصار الشيوعيّين، فلقد كان وجودها مع المقاتلين يُثير الدهشة عند الأحزاب القوميّة الكورديّة، وبين القرويين الذين اعتادوا تنميط المرأة وفق تقاليدهم. ولكن سرعان ما اعتاد الجميع على وجود النصيرات بينهم، وتعلموا النظر إليهن بالــ"الشروال" الفضفاض، يتجولن مع المفارز في القرى الجبليّة. في يومياتها تقول ابتسام كاظم\ ام نصار (رجال القرى خافوا لا يصير تمرد من النساء القرويات عندما نتوزع على بيوت القرية، نصيرتين مع نصير) هنّ قليلات، كملح الطعام، لكن بسبب طبيعتهن وقدراتهن حقّقن حضورا لافتا. ومثلما كان لهن دور بالجبل، في العمل والحراسة والطبخ والخروج في المفارز القتالية، صار لهن دور بالمنفى في الكتابة وحضور النشاطات الأنصارية. وحتى لا نبالغ بالقول فإن قلّة الكتابة النسويّة عن حركة الأنصار الشيوعيّين تماشت مع قلّة أعدادهن بالجبل، وصعوبة ظروفهن الحياتيّة. إذ لا يمكن التهوين من المتاعب التي تعانيها النصيرة، إنْ كان ذلك على مستوى المعاناة الشخصيّة في استحضار وجوه الشهداء والمعارك، او امتحان الذاكرة في استحضار أحداث مرّت عقود على وقوعها، او الاستعانة بالأنصار المنتشرين بالمنافي لسد النقص الحاصل برواية الحادثة. فالأنصار الشيوعيّين من طينة الناس الذين لا يلهون باستعادة الذكّريات واحصاء عدد الشهداء، ويرون في الكتابة عن ذلك عزاء مقبول، يشعرهم بان لديهم ما يفعلوه بما تبقى لهم من أعوام.
المتتبّع لكتابات الأنصار سيجد ان اغلبها حكي مكتوب لمناضلين لم يضعوا تقنية الكتابة في سلّم أولوياتهم، جرى فيها التركيز على السياسيّ والعسكريّ، والتاريخيّ احيانا. وهذا ليس حكرا على حركة الأنصار الشيوعيّين، فالمعروف عن حركات المقاومة المسلّحة في العالم افتقادها لترف جماليّات الكتابة، وانشغالها بقسوة الاحداث وحقائقها على الارض. النصيرة "ابتسام كاظم \ أم نصار" تبدأ الحلقة الأولى من يومياتها بجملة (اكيد انا لست بكاتبه بس فقط حبيت ألقي نظره عن تجربه خاضها الحزب الشيوعي العراقي) من الواضح ان "ابتسام كاظم" لا تبحث عن حيّز تثبت فيه ذاتها وجدارتها، فلقد سبق لها ان اثبتت ذلك بالجبل، ولكنها تريد ان تدلي بدلوها بحركة مسلّحة دامت عشر سنين، سقط فيها مئات الشهداء والجرحى. ومن الحلقة الأولى سلّطت الضوء على البدايات الصعبة التي واجهت عشر نساء في طريق عودتهن للوطن، قادمات من لبنان، بعد دورة تدريب سريعة على استخدام السلاح. "أم نصار" تكتب بتلقائية، على إيقاع واحد، بلغة خالية من الشكوى والسلبية، ومليئة بالمعلومات والاسماء والامكنة التي تمد القارئ برسم صورة لحياة الأنصار. عنوان الــ"يوميات" هنا قد تنقصه الدقة بسبب العامل الزمني، فزمن وقوع الحوادث يبتعد عشرات الأعوام عن زمن توثيقها، اتكأت فيه الكاتبة إلى ذاكرتها، وليس إلى دفتر يومياتها، في استحضار الوجوه والمواقف والمعاناة؛ بمعنى ان الكتابة عند "أم نصار" هي أقرب للشهادة منها لليوميّات، كتابة لها مناخها ولغتها واسلوبها في بناء الهويّة النضاليّة للأنصار. يغيب عنها ضمير المتكلم، ويرتبط فيها الفرديّ بما هو عام، تُشعر القارئ بان الكاتبة لديها إحساس بالمسؤوليّة اتجاه الجميع. "أم نصار" تروي بعفوية واضحة، لم تُسهب بالوصف ولم تتطرق لتفاصيل المعارك إلا ان القارئ يشعر بمناخ الحرب. احيانا تكتب بعجالة، تعطي الانطباع بعدم التهيئة والتأمل الذي يسبق الكتابة، الأمر الذي يجعلنا نظن باننا قادرين على الكتابة مثلها، أو أحسن منها، ولكننا سرعان ما نواجه المتاعب. فما يميّز هذه الحوادث هو حقيقة وقوعها على الأرض، وأن الراوي أحد شخوصها الاحياء.
في السرديّة الانصاريّة نجد الكثير من الأنصار كتبوا عن وأشادوا بدور المرأة بالجبل، لكنها ظلت كتابة قشريّة، فيها الكثير من المجاملة والدفع السياسيّ. فمن أين للنصير أدراك حجم المعاناة والرضوض النفسية للنصيرة حين تمرض وحين تفتقد عائلتها وحين تلطّخ الدورة الشهريّة شروالها الوحيد؛ أردنا القول حين تكتب المرأة عن دورها هو شيء مختلف تماما، تبني فيه لوحة نسائية، تصل عبّرها إلى حقائق سياسيّة واجتماعيّة لها خصائصها. فبسبب الطبيعة البيولوجيّة للمرأة، من جهة، ومن جهة أخرى قسوة الطبيعة وخشونة حياة الانصار، فإن أي نشاط في الجبل كانت له تداعيّات مضاعفة على المرأة، إن كان ذلك على مستوى العمل الشاق او تعقيدات النظافة او النزول مع المفارز القتاليّة. تقول النصيرة ابتسام كاظم \ ام نصار (كان هناك تصور خاطئ من قبل النصيرة في محاولة الغاء نفسها كأنثى، تتصرف مثل الرجال، تحمل اثقال أكبر من طاقتها، السبب حتى لا تتكون نظرة عن النصيرة انها عبئ على الحركة، في حين ان المرأة لها خصوصيات من الناحية الجسدية) قد لا تكون الكتابة النسويّة عن حركة الأنصار الشيوعيّين جديدة، وقد نجد تكرارا للحوادث التي رواها الأنصار، لكنها قطعا كتابة أخرى، لها لمستها. حتى نحن القرّاء في تعاملنا مع السرديّة الانصاريّة لا نستطيع أحيانا العبور على حقيقة السؤال؛ مَنْ يقف خلف النصْ؟ إنْ كان امرأة أو رجل؟ ونظل نبحث بين السطور عما لم تقُلّه الكاتبة، ونصغي إلى صمتها وأسلوبها المحافظ. فوجود المرأة وسط عشرات المقاتلين يستدعي لغة ذات مستويّات، تشير وتومئ وتحدّد، حتى وهي تنصرف إلى موضوعات عاديّة شكّلت حياة الأنصار اليوميّة. نحن هنا لا نصنف الكتابة على أساس الجندر، ولا نتحدث عن فروقات الكتابة بين النصير وبين النصيرة، فلكل كتابة محبين ومعارضين، ولكننا نتحدث عن خصوصية الكتابة التي تصنعها زاوية الرؤية وطريقة التعامل مع الاحداث. ففي الكتابات التي بين ايدينا نجد النصيرة تحتفي بالتفاصيل الصغيرة، وتتقصى حكايات انصاريّة فيها الكثير من الرقة والصدق والمعاناة، وتكتب من زاوية نتمنى أن نكون فيها.
الغالب على كتابات الأنصار، نساء ورجال، انها جاءت تسجيليّة\توثيقيّة، منسجمة مع الحكايات الشفاهيّة التي طبعت لقاءاتهم وأمسياتهم ومؤتمراتهم بالمنفى. في حين ان بعض الكتابات خرجت عن هذا الحيّز إلى أجناسٍ أدبيةٍ وفنيةٍ أخرى، كالقصة والرواية والّلوحة والسينما. كما نجده في نصوص "جمانة القروي\شهلة" التي عاشت أعوام بالجبل، تعاني وتعد أسماء الشهداء. الكاتبة روت تجاربها الانصاريّة وفق قواعد القصّة القصيرة (المقدمة، الحبكة، التشويق، الأسلوب، الشخوص، الخاتمة) بأسلوب أدبي ممتع. ابطالها حقيقيون من لحم ودم؛ مقاتل ينتحر، شهيد ببشتاشان، جندي هارب باتجاه الجبل... ففي قصصها (الصرخة، الهروب، ظمأ، لاعب الشطرنج، الخباز، أبريق الشاي، الكنز...) لم تتخيّل شخوصا أو تبتكر أمكنة جاذبة للقارئ، بل كتبت عن أحدثٍ شهدتها، تضج بمفرداتٍ غير مألوفة في الوسط الثقافيّ العربيّ، جرت استعارتها من البيئة الكوردية القاسية. مفردات ترسم واقعية الحدث، وتحدد أنواع الطعام والّلباس وبساطة المكان، فتصف تناوب المقاتلين على إيقاف نزول قطرات الماء من سقف الغرفة (وبين هذا وذاك لم يتوقف الباگردان عن الدوران على أسطح الغرف) إن اسهام المرأة في توثيق التجربة الانصاريّة مهم مهما صغر حجمه، فهي تحفر في التفاصيل الصغيرة وتضيف لها بعدا يعجز عنه الآخرون، هو خليط من الرقة والصمت والمكابرة. في قصصها، التي ترويها بضمير المتكلم، تسرد جمانة القروي عن شخوص محدّدين، لكنها تعبّر عن موضوعات وحاجات تشغل بال كلّ المقاتلين. لم تزيّن فيها العنف أو تبرره، ولم تحفر عميقا في تفاصيل الحروب من قتل وتشويه، وكانت تتوقف أكثر عند النتائج المدمرة لها. المشترك بين قصصها التوثيقيّة انها قصيرة، متقطعة، مبنية على حادثات وقعت على الأرض ما زال بعض أبطالها أحياء. حادثات معروفة بين الأنصار، إلا ان الكثير من تفاصيلها ظل مجهولا. ففي قصتها "الفقدان" روت عن ولادة متعسّرة في الجبل بلغةٍ ممتعة ومؤلمة، حيث لا فِراش نظيف ولا وسائل حماية، انتهت إلى موت الوليد. الكاتبة تصف الام وهي تبحث عن وليدها بعينيّن ذاهلتيّن، فتقول (صوت ارتطام حبات المطر بالأرض يتستر على انينها) إن القارئ الذي يجد نفسه امام مثل هذه النصوص، من دون معرفة بالكاتبة أو بتجربتها النضاليّة، قد يكون أكثر متعة وحياديّة، وسيتعرف على أساليب حياة وحب وعمل وولادة مختلفة. وأغلب الظن ان النساء أكثر متعة في قراءة مثل هذه القصص، وأكثر قدرة على فك شفرة الرموز والايحاءات المتناثرة في النصْ، بسبب ان التقاطهن للحادثة مرتبط بمشاعرهن وخبراتهن المشتركة، أما الرجل فقد يضطر للبحث بين السطور عن المساحات المختفية.
إنّ حمل المرأة السلاح شكّل بداية قطيعة مع ماضيها القريب، بدت فيه مستقلة بالجبل، لها ذاتها وشخصيتها. تخفّفت كثيرا من احمال العائلة اليوميّة، وابتعدت عن التقاليد القديمة السائدة بالمدينة. كذلك مهد المناخ الثوري السائد بين المقاتلين لتغيّير بالذهنيّات القديمة، تجلى في مساهمة الجميع في انشطة الحياة اليوميّة، العمل والحراسة والطبابة والطبخ وإقامة الندوات. إذ لا افضلية لمقاتل على آخر، ولا سلطة لرجل على امرأة. فيما يخص "الرجل" المقاتل فهو الآخر تَخفّف من تلك النظرة التي حملها معه من شوارع طفولته، وصار يرى في وجود المرأة بالقاعدة مبعث فرح وأمل كبيريّن، يرش وجودها الماء على قسوة حياتهم المليئة بالعزلة والقحط، وما زال الأنصار يتذكّرون كيف كانت لهجة البعض ومشيتهم يختلفان حين تُقبل عليهم النصيرة. هذا الذي نقول ليس سوى نصف الكأس الملآن، أما النصف الآخر فتتكدّس في فراغه الكثير من علامات التعجب والاستفهام، فلحركة الأنصار حضور خاص ومكامن ضعف. في قصتها "ابريق الشاي" توثق جمانة القروي حياة الأنصار اليوميّة، ثم ينتقل النص لتسليط الضوء على ثلاثة أنصار يشغلون وقتهم بالتدخين وشرب الشاي وتذوق الطعام قبل نضوجه، في حين ينهمك الآخرون في واجباتهم. وحين ننتهي من القراءة تبقى الصورة معلّقة في اذهاننا، ونتساءل هل حقا يوجد بين المقاتلين الذين يواجهون الموت كلّ يوم اشخاص بهذه الوضاعة؟ وهل المتكاسل والبليد والاناني قادرين على التضحية من أجل الآخرين؟ جمانة القروي تشير ولا تسمّي، على عكس الكاتبة "ناهدة جابر جاسم\بهار" التي روت في موضوعها " ليلة فقدت فيها الأمان" عن التحرش الساذج بها، بعد ان ألقى أحد المقاتلين "....." ثلاث صخرات على فراش نومها، ثم طالبها الجميع بالسكوت ومعالجة الامر بهدوء. كذلك في موضوعها "الضحك ممنوع" الذي روت فيه "بهار" بضمير المتكلم، كيف كانت تختفي ضحكتها الصاخبة في الازمات السياسيّة، وكيف تعود عند تحسّن الظروف، وكيف انها شعرت بالحرية بين رفاقها بالجبل لتضحك ملأ فمها، وهو ما أدى إلى تقديم أحدهم شكوى "حزبيّة" مطالبا بهار ان (تخفف ضحكتها التي تثير الرفاق) الامر الذي أربك تلقائية المشهد، وصنع حالة من القلق والتلفت كلما انفلتت ضحكة عفوية من النصيرة. إن اثارة مثل هكذا مواضيع تشير إلى حكايّات بقيت حبيسة الذاكّرات، لم يجرؤ آخرون على تناولها، فيها المؤلم وفيها المخزي، بدت فيها السرديّة الانصاريّة أحيانا وكأنها تثير أسئلة، مثلما تعرض طموحات واحلام. إنّ غياب الحياة العاطفيّة في السرديّة الانصاريّة، لضرورات اجتماعيّة وسياسيّة، يذكّرنا بإن كتابات النصيرات، التي امتلأت بخشونة الحياة وأسماء الشهداء، سارت على خطى رفاقها الأنصار، بعد ان خلت من نثر الغزل ومن مفردات الحب، وأشارت بحذر إلى القضايا العاطفيّة. ففي حلقتها التاسعة روت "أم نصار" بشكل عام عن (زيجات ما بين الأنصار بغض النظر عن اختلاف الدين أو القومية. كان جامعهم الحب والموَدّة والمصير المشترك) ثم مرّت سريعا على قرارات "سياسيّة" توصي بعدم الانجاب، وكيف ان فكرة الامومة بدأت تتحرك عند النصيرات، تمخضت عن ولادات وتشكيل أسر صغيرة، سرعان ما تشردت بسبب القتال والتهجير والقصف الكيمياوي.
المعروف عن تجربة الأنصار الشيوعيّين انها سياسيّة\عسكريّة، إلاّ ان احداثها لا تخلو من لمسات وحكايات تلوّن حياة المقاتلين اليوميّة، ابطالها البغل والشاي والشروال والبشتين والسمسون... إن عمل الشاي وغسل الجوارب والذهاب إلى الحمّام، في القصص والروايات، يعدونه سردا ميتا قد يؤدي للملل. ولكن في الجبل، حيث تغيب ابسط مستلزمات الحياة، فإن الجوارب ضرورة حياتيّة، وان الذهاب للحمّام عند درجات حرارة متدنية غالبا ما تصاحبه هموم الحطب وضرورة الاستعجال في الغسل، وهناك حكايات مضحكة عن أنصار كانوا في الحمّام لحظة قصف الطائرات للموقع. ولذلك ليس مصادفة اننا لن نجد في الكتابات التي بين أيدينا أيا من النصيرات تتحدث عن حالات راحة واسترخاء في الحمّام. ان قراءة ما تكتبه النساء عن التجربة تساعدنا، ولو بشكل متأخر، على فهم مشاعر المرأة ومعاناتها في تلك الفترة، وكيف انها لم تختَر ملابسها وأسلوب حياتها. فكثير منّا لم يدرك مرارة التفاصيل الصغيرة لحياة المرأة، وما معنى قلّة الاغتسال وفقر الحاجات وتهرأ الملابس التي ترتديها في برودة الجبل. تروي ام نصار ان (الغسل والاستحمام من الشغلات الصعبة أيضا، عملنا حمام هو عبارة من اربع اعواد من الخشب واربع بطانيات وقدر كبير للماء، نجلب الماء من الروبار(نهر صغير) وننتظر الى ان يحمه الماء لكي نستحم ولازم سريعة لان اكو نصيرة اخرى تنتظر بعدي. يعني تمشيط ماكو شامبو ماكو هي كلش زايده (شامبو) نغسل بصابون هو اللي نغسل الصحون ونغسل شعرنا) وهناك كثير من الحكايات عن حفلات عرس بين الأنصار من دون بدلة بيضاء، وعن نصيرات استلفن بدلة العرس من الفلاحات الكورديات، حيث لا سوق للتبضع ولا ماكينة للخياطة. في قصتها "القميص" تروي جمانة القروي حكاية تهرأ قميصها اليتيم، واختيارها "البشتين" الذي يلفون به الخصر لخياطة قميص آخر، لكن تنقصها الأزرار. وكيف كانت فرحتها بعد ان وجدت ازرار بقميص محطوط على جنب تفوح منه رائحة كيمياوية (في عام الضربة الكيمياوية 1987) ثم تزاحمت الاسئلة والوساوس في رأسها فتقول (ولكن ما أن أتممت تزريره حتى طاف بي هاجس غريب، اقشعر له بدني.. لمن يا ترى كان ذلك القميص المهمل؟؟ من كان يلبسه قبل أن تلفه زوايا الإهمال، هل كان لأحد الشهداء؟؟ ظل هذا الهاجس الغريب.. وأفكار أخرى مختلفة ومتلاطمة تراودني كلما فكرت بارتدائه.. حاولت مرات عديدة تجاوز تلك الأفكار إلا أني لم أستطع ذلك.. مكث القميص ضمن حاجياتي المهمة، إلا أنني لم ارتديه!!!!).