|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأحد  7 / 1 / 2018                      مصطفى محمد غريب                            كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 
 



 عملية تأسيس الأحزاب ونمطية الحياة الحزبية

مصطفى محمد غريب
(موقع الناس)

في البلدان التي يضيع فيها راس الخيط في السياسية أو الاقتصاد أو أو أو يحتار المواطن لإمكانيات وجهود مستميتة لكي يصل إلى الحقائق وان عرف قسماً منها فالكثير ضبابي أو ضائع وهنا يفلسف أصحاب الجاه وفي مقدمتهم القائمون على السلطة من رجال دين أو سياسة قضايا قلب الحقائق بطريقة تشويهية خداعاً للوعي الاجتماعي السائد والممكن، ولهذا احتجنا إلى الكثير من البحث والتقصي لكي نفهم حالة الحياة الحزبية في العراق بعد 2003 وبخاصة الجديد منها ولسنا بصدد الإسهاب في الحديث عن الأحزاب التي نشأت ما بعد تأسيس الدولة العراقية 1921 فهي تقريباً معروفة بعضها انتهى وحل أو اندمج أعضائه بأحزاب أخرى والتي بقت على الساحة السياسية ومارست العمل السري بسبب الاضطهاد وكبح الحريات وعدم وجود الديمقراطية وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي باعتباره حزب سياسي عريق تأسس في فترة الثلاثينات وساهم مساهمة فعالة في الحياة السرية على الرغم من الملاحقات والاضطهاد الذي مورس ضده بما فيها تنفيذ الاغتيالات وأحكام السجن الطويلة والاعتقالات الكيفية وإعدام قادته المعروفين في الأربعينات ثم أبان فترة حكم حزب البعث العراقي الأولى بعد انقلاب 8 شباط 1963 أو في الفترة الثانية من تسلط حزب البعث العراقي بعد عام 1968، الأحزاب في العهد الملكي معروفة وهي لم تتجاوز أصابع اليد واختصرت بعد استلام السلطة من قبل البعث العراقي على حزب واحد وضع يده على الحياة السياسية بشكل مطلق حتى سقوطه واحتلال البلاد عام 2003 .ولم تشهد الفترات السياسية التي سبقت الاحتلال والسقوط على سن قانون للأحزاب السياسية في العراق،

بينما ظهرت البعض منها للعلن في العهد الملكي، إضافة إلى أحزاب سرية بسبب الملاحقة البوليسية وسياسة إرهاب الدولة ، أما بعد عام 2003 فقد ظهرت الأحزاب بشكل علني وقسماً منها تأسس بدون وجود قانون للأحزاب لكن الواقع السياسي الجديد فرض عملياً وجودها حتى صدور قانون الأحزاب السياسية رقم ( 36) لسنة 2015 الذي شرع من قبل مجلس النواب وطبقت المفوضية القانون على الانتخابات بعد أن نشر في الجريدة الرسمية ( ولسنا معنيين في هذا المقال مناقشة القانون ومواده ومثالبه العديدة التي ذكرها الكثيرون من المثقفين والسياسيين والعاملين المختصين) على الرغم من أننا كتبنا أيضاً حوله قبل التشريع وفيما بعد التشريع ومن هذا المنطلق نقول في البداية عسى أن لا يفهم أننا ضد الحياة الحزبية وقيام أحزاب علنية تحدد وترسم حسب قرارات حكومية وفهم خاطئ للديمقراطية التي يتمتع البعض بها وتحرم الأكثرية بحجج لا تمت بصلة للحياة الحزبية ونعتبر صدور قانون للأحزاب انتصاراً للقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية التي صارعت منذ سنين من اجل سن القانون وتشريعه ليكون منظماً للعملية الحزبية وفق مفهوم حرية الرأي والانتماء والتأسيس لكننا في الوقت نفسه نعرف كما هو معروف..

أولاً: أن الأحزاب تتأسس وفق واقع طبقي وأيدلوجيات لطبقات وفئات اجتماعية وليس لها صلة برغبات شخصية أو جماعية " تجمع كمي على حساب النوع " أي أنها ليست " مودة " يحددها شخص أو أشخاص وفق مصالح ضيقة، بل هي حاجة موضوعية وذاتية تمثل الطبقات والفئات الاجتماعية في المجتمع، تعدد الأحزاب في المجتمعات الرأسمالية أو الأنماط المتداخلة ( مثال العراق والكثير من البلدان المتشابهة ) نتيجة انقسام المجتمع إلى طبقات تتصارع وفق مصالح بينة على نمطية تفكير الطبقة وممثليها، وهناك تشويه في نظرية القول حول " تسوية التناقضات الطبقية وهذا أمر مستحيل في مجتمعٍ طبقي" لأنها باقية مادام المجتمع مقسوم طبقياً.

ثانياً: الكم غير المدروس كمنطلق عام يضر الحياة الحزبية ويشكل خطراً عليه وقد لا تستطيع جمهرة منها النجاح في الانتخابات في الظروف الطبيعية بوجود قانون انتخابي عادل وبالتالي ستخلق منها تجمعات مترهلة بأسماء وتعريفات تتشابك أو تكاد تمثل أيدلوجية مشتركة لأنها تعتمد على مصالح ضيقة جداً مما يجعل الكثير منها التحول تدريجياً واضطرارياً نحو أحزاب تمثل طبقتها وفئتها الاجتماعية بشكل واضح وغير مُمَوه بالقومية أو الدينية أو الطائفية .

ثالثاً: أن الأحزاب كتنظيم مدني سياسي وفق أسس متعارف عليها بالمعنى العلمي تختلف عن التنظيمات المسلحة العنفية التي تتأسس على أساس التطرف الديني أو القومي أو الأيدلوجي بدون الفهم من أن أساسها طبقياً على الرغم من التسميات.
ثالثاً: ضرورة أن تتناسب الكمية مع النوعية لكي تتضح صورة الفهم الطبقي حتى بالنسبة للديمقراطية الحقيقية.

لقد نشرت مفوضية الانتخابات في 27 / 12 / 2017 عن مصادقتها لمنح إجازة تأسيس ( 58 ) حزباً يوم الثلاثاء 26 / 12/ 2017 وبهذا صرح معن الهيتاوي رئيس مجلس المفوضية "أن الأحزاب المذكورة قد استكملت جميع الإجراءات و التعليمات الصادرة عن المفوضية وقواعد السلوك وفقا لفقرات قانون الأحزاب السياسية المشرع من قبل مجلس النواب والتي سيسمح لها بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة" وبهذا الإعلان ووفق قانون الأحزاب رقم ( 36 ) لعام 2015 فقد قامت المفوضية بمنح إجازة إلى ( 204 ) حزباً سياسياً له الحق في المشاركة في الانتخابات القادمة التي حددها مجلس الوزراء " في أيار 2018 ، وبهذا على ما يظهر استكملت عملية قيام الأحزاب وتحديدها بالأسماء القديمة منها والجديدة وهي عملية تظهر مدى الجدية في وضع أسس جديدة للرؤيا السياسية في تحديد وجهة العراق القادم على الرغم من أن الوضوح في عملية مشاركة الأحزاب القديمة نسبياً قد أكدتها الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات .. إلا أن ما يميز فترة إجازة ( 204 ) حزباً سياسياً والفترة السابقة تدل على تفهم للعملية الحزبية الآنية لكنها تبقى متأخرة عن الفهم الطبقي والجذور الطبقية للتأسيس والأهداف البعيدة، هذا الكم الكبير في عدد الأحزاب التي ستشارك في الانتخابات وفق شروط وضعتها المفوضية سوف يخلق تداعيات منها ايجابي ومنها سلبي، ولا نعرف كيف سيتم التعامل مع هذا العدد الكبير في الانتخابات الذي قد يكون احد أهدافها بعثرة الأصوات ومطالبها وسهولة الاستيلاء عليها، إلا أن ما يحير المطلعين على أوضاع الانتخابات السابقة ومثالبها التي أبرزها التزوير بمختلف أشكاله والاستيلاء على أصوات الانتخابات بواسطة قانون الانتخابات الحالي، هذا القانون الذي مازال يُعمل به على الرغم من المطالبات الواسعة بضرورة سن قانون عادل لا تسرق من خلاله أصوات الناخبين للأحزاب غير المتنفذة والصغيرة من قبل القوى صاحبة القرار فكيف الآن وقد ازدادت هذه الأحزاب عشرات المرات عن السابق ؟

إن الكم الكبير في ظهور وتأسيس أحزاب يحتاج إلى التدقيق في الحياة الحزبية القادمة وان لا يكون هذا الكم تحت أبط القانون الانتخابي الجائر وبالتالي لتكون حجة على فشل الحياة الحزبية وعدم الحاجة لها وهناك تجربة في اتهامات أطلقت في السابق وأصحابها معروفين، بان الأحزاب هي شر يخرب العلاقات السياسية وبدلاً من التقدم والنجاح هو التخلف والصراع والفشل لأن البلاد لا تحتاج إلى الأحزاب وان الحزبية سوف تضر البلاد وتدفعها للتطاحن والحرب وتهديد للسلم الاجتماعي مع العلم أن العراق وطوال عهوده منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى هذه السنين ما بعد السقوط لم يكن السلم الاجتماعي متيناً بالقدر المعروف وهناك هزات اجتماعية وسياسية وحروب طاحنة خارجية وداخلية مع العلم أن العراق كان بدون قانون ينظم الحياة الحزبية ويحدد وجودها وتأسيسها وهي تجربة تكاد أن تكون خير مثال على خطأ ما أشيع ويشاع عن الأحزاب والحياة الحزبية السياسية بأنها هي الأساس في تخريب العراق.







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter