| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
السبت 16 / 11 / 2024 مصطفى القرة داغي كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
ألمانيا في مُفترق طُرُق بَعد عَطَل إشارة المُرور
مصطفى القرة داغي
(موقع الناس)حُكومة إشارة المُرور في ألمانيا، التي تشَكّلت وإكتسَبَت تسمِيَتها مِن تحالف 3 أحزاب، هي الإشتراكي الديمقراطي الأحمَر والديمقراطي الحُر الأصفر والخُضُر، باتَت اليوم مِن الماضي. فقد إنفرط عَقد التحالف بَعد فَشِل زُعَمائه، المُستشار شولتز ولندنر وزير المالية وهابيك وزير الإقتِصاد، في توجيه الحُكومة بالمَسار الصَحيح. كان مِن الظُلم تسمِيَتها إشارة المُرور، فالإشارة تعني النِظام، وهي تسَبّبَت بفوضى إقتصادية دَخيلة على النموذج الألماني الذي عُرِف بالإستِقرار والنِظام. ولأن الإشارة تُنَظِّم سَير الناس، فيما أربَكَت هذه الحكومة الألمان، وباتوا يَعيشون قلقاً مُستمِراً على لقمة عَيشِهم ومُستقبلهم.
بَعد تعَطّل الإشارة، لم يَعُد هُناك سِوى طَريق واحد تمضي فيه النُخبة السياسة الألمانية لإعادة الإستقرار الى البلاد، مِن خلال انتخابات جَديدة، يَجب ألا تتأخّر بسبب تكتيكات حِزبية، لتشكيل حُكومة جَديدة مُتماسِكة، وإعادة ألمانيا الى مَكانتِها التي تستحِق. إن الطريقة التي تعامَل بها شولتز مع لندنر كانت سابقة لم يَسبقه إليهإ مُستشار آخَر، بَيّنَت ضُعفه وقِلّة خِبرته سِياسِياً، لم تكن تليق بمُستشار فيدرالي. نعَم التحالفات هي عِلاقات مَصالح لا صَداقات، مع ذلك على المَرء أن يَرتَقي الى مُستوى المَسؤولية أمام الناس، وهو عَكس ما فعله شولتز، الذي لم يَعُد يُمَثل كحِزب كلاسيكي ديمُقراطي، نموذجاً يحتذى. فهو يُحاول تأخير التصويت على الثقة، سَعياً لتمرير أجنداته بمُساعدة المُعارضة!! مِمّا يُظهِر إنعِزاله عَن الواقع، وإنعِدام شعوره بالمَسؤولية، وإهتمامه بمَصلَحته ومَصلحة حِزبه الذي صَفّق له دقيقة على عَزله لليندنر بَدَل إنتقاده!
حين تُغادر حُكومة إشارة المُرور سَتترك خلفها كومة ملفات عالقة، كالكساد وتراجُع التصنيع وإنعِدام النمو وتقَلّص الناتِج المَحَلي وتدَهور الإقتِصاد والهُجرة، يَجب على الحُكومة التي ستَحِل مَحَلها التعامل مَعها بحِكمة وجُرأة، أي سَيَكون عليها مُواجهة كثير مِن التحَدّيات، كتعزيز الإقتصاد وإعتماد سياسة ضَرائِب وطاقة جََديدة والحَد مِن الهُجرة، إضافة الى تَدعيم الأمن القومي مِن خلال دَعِم الجَيش والشُرطة، لحِماية البلاد داخلياً مِمّن يَسعون لنَخرها مِن الداخل، وخارجياً مِن حُكّام مَعتوهين يَسعون للتوَسّع مثل بوتين وحلفاءه. إذ لا تزال ألمانيا تتمَتع بمُتطلبات اللازمة لتبقى واحِدة مِن القوى الاقتصادية والدُوَل الصِناعية الرائِدة، لكن تحتاج الشَركات والعامِلين فيها إلى رياح مُواتية بَدلاً مِن رِياح السياسة الحالية المُعاكِسة.
ألمانيا بحاجة اليوم، أكثر مِن أي وقت مََضى، إلى تغيير يُعيد الروح للقيم الألمانية، كالعَمَل الجاد والدِقّة، ومُحاربة ثقافة الكراهية وإستغلال النِظام التي نَخَرَت المُجتمع. لتحقيق ذلك لا بُد أولاً مِن تخفيض الأعباء الضَريبية على الجَميع أفراداً وشَركات. ثانياً يَجب تعديل النظام التقاعُدي الذي يُعتبر الأسوَء أوروبياً، وزيادة المَعاشس التقاعدي لمَن بلغوا سِن التقاعد لِمِقدار يَضمَن لهم عيشاً كريماً، بمُقابل إلغاء ما يُسمّى بأموال المواطنين التي تُدفع للعاطلين، واستِبدالها بضَمان إجتماعي أساسي يَضمَن الكفاف لمَن لا يَجد عَملاً بالفعل، وإذا كان هناك مَن لا يَرغَب بالعمل فعلى الدولة إفتراض أنه ليسَ بحاجة إليه، بالتالي حِرمانه مِن الضَمان الأساسي، مِن مُنطلق العدالة لِمَن يستيقظون صباحاً للعَمل يومياً، ويقومون بتمويل دولة الرفاهية الألمانية مِن ضَرائبهم! يَجب أيضاً جَذب العَمالة الماهِرة تحديداً، مِن خلال دَعم الطاقات المَحلية أو إستِقدامها مِن الخارج عِبر إنشاء وكالة هُجرة فدرالية، لإيصال رسالة واضِحة أن ألمانيا تعتمِد هُجرة للعَمَل، وليسَ للحَبَل والإستفادة مِن المُساعدات! يَجب أن تُصبح الطاقة أرخَص، وأن يَتم الاستِثمار فيها وفي البنية التحتية أكثر، لأن الصِناعة تعتمِد عليها، ويتحَقق ذلك مِن خلال تطوير الطاقة المُتجَدّدة، مَع عَدم إخراج مَحَطات الطاقة المُتاحة كالفحم من الخِدمة، إلا حين تتوَفّر بَدائل بنفس المُستوى. أخيراً، يَجب إجراء تغيير حَقيقي بمَلف اللجوء، فالدولة تنفق عليه مليارات لا يَبدو أنها سَتتوقف، لِما توَفِّره ألمانيا مِن خَدَمات يَسيل لها اللعاب، في الوقت الذي تعاني بناها التحتية من التقادم والتآكل، لذا بَعض الولايات مِثل بايرن رَسَمَت طريقها الخاص للتعامُل مع الأمر، عِبر تسريع النَظَر بطلبات اللجوء، وتوفير عَمل بوَظائف غَير رِبحية، وتخفيض مَزايا المَشمولين بالتَرحيل، أو خَفضَها لمُستوى الكفاف. كل هذا لن يتحَقق دون مُحاربة البيروقراطية مِن أكبر مؤسسة وسُلطة في البلد الى أصغَرها، ورقمَنة الإجراءات الإدارية بأسرَع وقت مُمكن!