|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الخميس 4/10/ 2012                                 موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

قصة الفساد في العراق ...
( صفحات من كتاب تحت الطبع )
(2)

موسى فرج

مفهوم الفساد في العراق ..

نصيحه... عندما تكون وظيفتك مواجهة الفساد فلتكن نقطة الشروع عندك هي : أن تؤمن بان الفساد نقيض أخلاقي ، وان أساس الفساد هو الفساد السياسي ، وان الأولوية في مواجهتك للفساد فساد الكبار، فتكتيك جدك عنترة القائل بالبطش بالصغار ليتأدب الكبار غير صالح في معركة الفساد ، اكبح الكبار يتأدب الصغار.. وأن تتيقن من أن الفعل فساداً ، وأنه يلحق ضررا بالناس ، وان تحدد الفاسد بالتحديد ، وان لا تواجه الفساد بفساد ، ولا تواجه الفاسد بفاسد ..فمعركة مواجهة الفساد لها خصوصيتها..

الفساد قديم قدم الإنسان ، والتاريخ الإنساني عبارة عن يوميات للصراع المرير بين الاستقامة والفساد، بين الخير والشر .. لكن الكلام عن الفساد في السنوات الأخيرة فقط بات يتقدم على أي أمر آخر سواه..

ولأنه سلوك وممارسات فان ماهيته والموقف منه أمر يتوقف على ثقافة الفرد وثقافة المجتمع، فما يعتبر شائناً في ثقافة ما قد لا يعتبر كذلك في ثقافة أخرى من جراء التطبيع الذي مارسته السلطات الحاكمة وأدواتها لثقافات الشعوب.. وتدجين ردود الفعل عندها ، الأمر الذي تكشف وعلى نحو واضح كم هو بائس ومريع واقع الثقافة في المجتمعات العربية والإسلامية بالمقارنة مع ثقافات الشعوب الأخرى وتكشّف كذلك عمق التدجين الذي حققه الحكام المستبدون الفاسدون وأدواتهم في تلك الثقافة.. فالحاكم في اليابان وبريطانيا وفي معظم الدول المتمدنة وحتى في إسرائيل يتحاشى في يقظته ومنامه غضبة الرأي العام.. إلا في الدول العربية فان الرأي العام غير مدرج أصلا في قائمة المدعوين عند الحكام .. ولذلك .. لا غرابة في أن تسمع أن وزيراً أو رئيس حكومة في تلك الدول يسارع لتقديم استقالته من جراء ارتكابه هفوة أو مخالفة مهما كانت بسيطة وإلا واجه المحاكم والسجن، في وقت يفعل الحكام العرب الأفاعيل ويحرقون الحرث والنسل والزرع والضرع والمال والثروة ، والرأي العام يغط في سباته لا يهش ولا ينش ويرى في مجرد بقائه سالما من بطش الحكام نعمةً يحمد الله عليها بكرة وعشيا ..

تعريف الفساد:

1 . بموجب اللغة :
يقال في اللغة فسد الشيء بمعنى انه لم يعد صالحا وغالبا ما يأتي الفساد من ذات الشيء إما لفظة الإفساد فتدل على تحقق الفساد بفعل خارجي والإفساد لا يتعلق بذات الفاسد بل بالجهة أو الشخص الذي يحيل الأمر الصالح فاسدا وهو المُفسد.

أـ الفساد في اللغة العربية : التلف والعطب والاضطراب وإلحاق الضرر بالآخرين .

ب ـ الفساد في اللغة الإنكليزية : تدهور التكامل والفضيلة ومبادئ الأخلاق

2 . الفساد بموجب المنطق :
انتقاض صورة الأمر وخروجه عن الاعتدال قليلا كان الخروج أو كثيرا ويضاده الصلاح ، ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة . .

3 . الفساد بموجب الدين :

أـ القرآن الكريم : قوله تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر ..)
الروم41

ب ـ الفساد طبقا للفقه : يطلق جمهور الفقهاء لفظ الفساد في باب المعاملات بمعنى البطلان ، فالمعاملة الفاسدة عندهم هي تلك التي اشتملت على مخالفة الشرع في ركن من أركانها أو شرط من شروطها ، ويتبنى على هذا الحكم عدم ترتب أي من الآثار الشرعية على المعاملة التي وصفت بأنها فاسدة ، إما الحنفية فيقصدون بالفساد في باب المعاملات كون الفعل مشروعا بأصله أي صحيح الأركان ، وغير مشروع بوصفه أي بشروطه ، وعليه فهم يعدون الفساد منزلة بين الصحة والبطلان فيرتبون بعض الآثار الشرعية على المعاملات الفاسدة دون الباطلة ، أما علماء الأصول فيستعملون لفظة الفساد ومشتقاتها تارة بالمعنى نفسه الذي يستعمله علماء الفقه ، وتارة أخرى بمعنى مختلف فهم يقولون المصالح أربعة أنواع : اللذات وأسبابها ، والأفراح وأسبابها ، والمفاسد أربعة أنواع : الآلام وأسبابها ، والغموم وأسبابها ، وهي دنيوية وأخروية ، فإما لذات الدنيا وأسبابها وأفراحها وآلامها وأسبابها ، وغموهما وأسبابها فمعلومة بالعادات ... وأما لذات الآخرة وأسبابها وأفراحها وأسبابها ، فقد دل عليها الوعيد والزجر والتهديد أنظر.. ..

4. البنك الدولي عرف الفساد بأنه :
دفع رشوة أو العمولة المباشرة إلى الموظفين والمسؤولين في الحكومة وفي القطاعين العام والخاص لتسهيل عقد الصفقات .. .

5. في حين عرفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه :
سوء استعمال الوظيفة في القطاع العام من أجل تحقيق مكاسب شخصيه  .. .

6. أما هيئة النزاهة في العراق فأن قانون تأسيسها الأول (الأمر رقم 55 الخاص بتأسيس الهيئة) قال : بأن عبارة (قضية فساد): قضية جنائية تتعلق بحالة يشتبه بأنها تنطوي على خرق نص مما يلي : المواد: 233،234، 271 ، ،272، 275، 276، 290 ،293، 296 من قانون العقوبات رقم 11 لسنة 1969 وكذلك الفقرات من 307 إلى 341 الفصل السادس من قانون العقوبات ، وأي بند من قانون العقوبات ينطبق عليه نص البنود 5 ،6 ،7 من الفقرة 135 المضافة بموجب الأمر رقم 55 أعلاه..

مناقشه :
أشار القرآن الكريم إلى أن نطاق الفساد هو الأرض والبحر.. ولم يجعله حبيسا في الرغبات المكبوتة أو الألأم وأسبابها والغموم وأسبابها كما ذهب إلى ذلك فقهاء الدين والأصول.. فقال : ( ظهر الفساد في البر والبحر..) .
الروم:41 .. ولم يعتبره مجرد تصرفات ثانوية وهامشية بل جعله مرادفا للحرب على الله ورسوله ..

وللوقوف على موقف القرآن الكريم من الفساد نستعرض الآتي :

أولا : اعتمد القرآن الكريم صيغة الإرشاد أولا في مواجهته للفساد فقال: ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ..) الأعراف:56 ..

ثانيا : ومن ثم اعتمد صيغة النصح فقال : (ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين )
القصص:77..

ثالثا : وبعدها اعتمد صيغة التحذير فقال: (والله يعلم المفسد من الصالح..) البقرة:220.. .

رابعا : ثم اعتمد صيغة التأنيب فقال: فهل إذا عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض ..) محمد : 22.. .

خامسا : ثم اعتمد صيغة الاستنكار فقال : (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا أنهم هم الفاسدون ولكن لا يشعرون) البقرة 11،12..

سادسا : وانتقل إلى صيغة الغضب فقال: ( إذا تولى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ) البقرة: 20 ، 25.

سابعا : ثم طفح الكيل فكانت صيغة السخط على الفاسدين فقال :( فاستقم كما أمرت..)..! وعندما كنت رئيساً لهيئة النزاهة اتخذت من هذه الآية الكريمة شعارا لي وعلقت لوح خشبي ساج (متر× مترين) على رأسي مخطوط عليه (فاستقم كما أُمرت.. صدق الله العظيم) , وأيضا كانت الآية الكريمة مخطوطة على الكارت التعريفي الخاص بي ، وفي زيارتي لأحد المراجع الدينية في النجف .. سألني المرجع وهو يحدق في الكارت : هل تعرف قصة هذه الآية ..؟ قلت : لا.. قال : يقول عنها النبي بأنها شيبت رأسه الشريف .. قلت له : آنا ما شيبتني الآية.. بس ربعكم شيبوني ..! فضحك المرجع وأنا أيضاً..!.

شجعني ذلك على أن أقول له : اكفني ربعكم والعلمانيون أنا كفيل بهم .. لأن ربعكم مثل المحامي الفاسد يغلف مخالفته بمئات الأسانيد القانونية فتنطلي على البسطاء...

ثامنا : وعندما وجد أن الفاسدين أوباشا لا ينفع معهم إرشادا ولا نصحا ولا تحذيرا ولا تأنيبا ولا استنكارا ولا تعبيرا عن الغضب ولا إعلانا للسخط .. أصدر حكما هو الآتي : (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض) المائدة 33 ..

في ضوء ما تقدم أبين ما يأتي :

1 . بالمرور على المراحل التي تعامل بها القرآن الكريم مع موضوع الفساد إرشادا ونصحا وتحذيرا وتأنيبا واستنكارا وغضبا وسخطا وقرارا .. لنسأل علماء الأمة ما هو تقديرهم لخطورة الفساد؟ .. و لموضوع محاربة الفساد ؟ .. فليعرضوا امرأ أستأثر باهتمام القرآن الكريم بمثل ما أستأثر به موضوع الوقوف في وجه الفساد ؟.. لقد قال الرسول الكريم عندما سأله بدوي عن ماهية الدين قال (ص) انه : إن أؤمن بالله ثم استقم .. فان كانت الاستقامة تشكل محور الدين فما الذي فعلوه في تأكيدها والجهاد تحت رايتها..؟. .

2 . هل أن الفساد هو الموسيقى ليس إلا وقيادة المرأة للسيارة ليس إلا وعدم لبس الحجاب ليس إلا.. أم انه مجانبة الحق والعدل ..؟.. هل قال القرآن لا تعزفوا الموسيقى أم قال: إذا توليتم أمر الناس لا تفسدوا ..؟ وهل قال القرآن الكريم أن المعول عليه لبس العمامة والحجاب وترديد الأدعية وإطالة اللحى ولبس المحابس ..؟ أم انه قال: ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ... وما هو المقصود بـ تولي ؟ أليس المقصود به انه تولى على الناس .. يعني صار حاكما عليهم ..؟ وما المقصود بإهلاكه الحرث والنسل ؟ أليس المقصود به تبديده ثروة الشعب وحياتهم ..؟. .

3 . لماذا استللتم عبارة يتيمة وردت في القرآن الكريم وحرفتم معناها واستخدمتموها لتسويغ ظلم وطغيان وجبروت الفاسدين من الحكام فرفعتم: (وأطيعوا أولي الأمر منكم) شعارا لتركيع الناس أمام الظالمين الفاسدين ؟.. .

4 . رغم إن مواقف رجال الدين في الدول العربية متشابهة في تحديد مفهوم ومضامين الفساد ومتشابهة في مواقفها من الفساد إلا أن الموضوعية تقتضي اختيار نماذج من الدول العربية لوجود بعض الاختلافات ، ولأغراض البحث فقد تم اختيار السعودية ومصر والعراق للوقوف على رؤية كل منها للفساد وكيفية مواجهته وكما يأتي :

في السعودية :

الفساد من وجهة نظر رجال الدين فيها ينطوي على الآتي : .

1 . الاختلاط بين الجنسين في الكليات والجامعات وأماكن العمل والمواصلات.. 

2 . عمل المرأة ويسمونه ( تحرر المرأة ). .

3 . الرسم والنحت والموسيقى والغناء. .

4 . قيادة المرأة للسيارة.. .

5 . اخذ صورة جماعية للطلبة والطالبات للذكرى عند التخرج من الجامعة.

6 . تعليم المرأة الهندسة والأحياء لتهيئتها للعمل. .

7 . فصل الدين عن السياسة ( العلمانية )، ( يمكن مراجعة موقع : علماء الشريعة السعودي ـ الشيخ سعد بن ناصر الغامدي ، وموقع : الإسلام سؤال وجواب ).. .

8 . كتب احد السعوديين : إن رجال الدين السعوديين يدعون الناس لتحرير النفس من الدنيا واللجوء إلى الله ، لكنهم يركبون أحسن السيارات ويسكنون أفضل القصور ويتمتعون بمخصصات عالية جدا ..ومن ينتقدهم يقولون عنه علماني خالدا مخلدا في جهنم لأنه يدعو إلى فصل الدين عن السياسة ، ويتساءل المواطن السعودي .. لو صدر مرسوم ملكي بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة .. هل يصفه رجال الدين بالمفسد أم يقولون حفظ الله ولي الأمر ..؟..

رجال الدين المصريين في عهد حسني مبارك :

1 . أئمة الجمعة في مصر يحدثون الناس عن مخاطر الخروج على ولي الأمر ويبينون للناس أن القرآن والسنة النبوية نهيا عن الخروج على ولي الأمر والتظاهر .. .

2 . دعا إمام مسجد في القاهرة بان يستعين الناس على الغلاء بالتقرب للمولى عز وجل بدلا من التظاهر.. .

3 . قال إمام مسجد الرحمة في القاهرة : إن الرئيس مبارك لا ينام الليل من اجل توفير لقمة العيش الكريم لملايين المواطنين .. (وكتب مصري معلقا : يا مولانا : أنت شفتو ؟..). .

4 . ومن جانبه وصف سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراغبين بالتظاهر بأنهم فصيل شاذ وخارجون على الجماعة ومعادون للأمة وطالب جماهير المصريين بأن يلتزموا طاعة ولي الأمر كي لا يتعرضوا لعذاب الآخرة ..)..! . .

5 . أما إمام مسجد الفتح في القاهرة فقد شدد على أن الذين يخرجون على سلطة ولي الأمر فان الله عز وجل سيقذف بهم في نار جهنم إذا لم يتوبوا إلى المولى عز وجل ويتخلوا عن أفكارهم الهدامة.. . 

6 . أما البابا شنوده فقد وصف الرئيس مبارك بأنه (طيب القلب وديع الروح يبكي كلما رأى فقيرا أو مريضا ويهب لنجدته في الحال وانه هدية ينبغي المحافظة عليها ..)..!. .

7 . وحذر أحمد زقزوق وزير الأوقاف من خلال مندوبين له أئمة الجوامع من انتقاد النظام في الخطب والمواعظ والتأكيد عليهم بالدعوة للرئيس بالصحة ودوام العافية وطول العمر عقب خطبة الجمعة وقبل النزول من المنبر ..)..!

في العراق :

أتذكر أنه وفي عقد الستينيات من القرن الماضي كان الضابط يتحسس وجوه الجنود في ساحة العرضات بواسطة ورقة فان أحدثت وجوههم صوت خرمشة على الورقة عمد إلى معاقبتهم بالزحف وبطريقة أبرك أنهض .. اليوم ألجماعه يحدقون في ذقنك فان وجدوه حليقا بالموس وصفوك بالفاسق ..! وان صادفوا لسانا طويلا مثل لساني يقول لهم : إن ملاسة خدود انجلينا جولي التي تقطع آلاف الكيلومترات كي تتفقد النازحين السوريين وتزور الفقراء العراقيين في تل جكوك وأحياء الحواسم والتنك هي أكرم عندي من مئات اللحى المتسربلة وبين طياتها البلاوي .. وصفوه بالفاسق ولكن مع أنفسهم على طريقة التقية ..

أما المثقفون العراقيون فان 50 % منهم يركبون موجة محاربة الفساد في سعيهم لعودة البعث للسلطة أو لأنهم يختلفون أيديولوجيا مع أيديولوجية الأحزاب الحاكمة هؤلاء قال عنهم الرصافي :

لا يخدعنك هتاف بالوطن .. فالقوم في السر غير القوم في العلن ..!

و30 % منهم باتوا ضحايا الإحباط والترف الفكري وباتت عصمتهم في جيوب السلطة والأحزاب الحاكمة و10 % منهم تاره وتاره.. و10 % منهم يحاربون الفساد دفاعا عن الشعب ..

علماء اللغة ميزوا بين الفساد والإفساد.. وهو تمييز مهم فقالوا عن الفساد انه فساد الشيء لذاته ، أما الإفساد فهو فعل خارجي يجعل من الصالح فاسدا ويقوم به المفسد .. هذا يعني بان الفاسد يقوم بأفعال الفساد لمصلحته أو ذويه أو الجهة التي ينتمي إليها على حساب المصلحة العامة وسواء كان ذلك مقترنا بمال يجنيه أو مصلحة له أو حزبه أو ذويه أو أنه لا يرمي من ذلك تحقيق مال إنما إلحاق الضرر بالمجتمع لأهداف سياسية أو خاصة به أو المجموعة التي ينتمي إليها.. في حين أن المفسد دوره اخطر فهو يحمي الفاسد ويمنع محاسبته وهو يضعف أجهزة مكافحة الفساد وهو يفسح المجال لممارسة الفساد من خلال شرعنة تلك الأفعال وتنظيمها بقوانين وهو المنتهك للدستور والقانون وهو الذي يمارس التمييز بين الناس ضمن الوطن وهو من يشيع ثقافة الفرقة والكراهية بينهم .. فالفاسد يرتكب الجريمة في حين أن المفسد يجعل من ارتكابها ظاهرة وينطبق عليه الحديث الشريف : من سن سنة حسنة فله أجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. .

8 . لعل ابعد ما ورد عن واقع الأمور هو تعريف فقهاء الدين وعلماء الأصول للفساد وفي هذا الصدد يهمني أن أبين أن مهمة الفقه هي توضيح أحكام الدين لغرض تسهيل عملية فهمه من قبل غير المختصين وعامة الناس للتثقيف به والالتزام بأحكامه وتجنب نواهيه أما أن يختزل الفقهاء من رجال الدين أكثر من 50 آية في القرآن الكريم ورد فيها ذكر الفساد وبلغت الشدة فيها تجاه الفساد قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساد أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا والآخرة ولهم في الآخرة عذاب عظيم) ( سورة المائدة .. الآية 33 ) إلى أن يكون الفساد وفقا لهم : منزلة وسطى بين الصحة والبطلان ..؟ أو ان يكون الفساد : الآلام وأسبابها والغموم وأسبابها ونقيضه اللذات وأسبابها والآلام وأسبابها ؟ فذاك الذي لم أجد له تفسيرا .. إلا واحدا وهو أن تلك المفاهيم جاءت في وقت تحول فيه رجال الدين والفقهاء إلى وعاظ للسلاطين والحكام وباتت وظيفتهم تسويغ أفعال الفساد والإفساد للحكام وبطانتهم ..وإلا فليبينوا لي فعل غير الفساد اعتبره القرآن الكريم مرادفا وقرينا للحرب على الله ، وفعل جعل عقوبته القتل والصلب وقطع الأيدي والأرجل والنفي من البلاد..؟ ( الذين يسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا والآخرة ولهم في الآخرة عذاب عظيم ) .. إلا قتل النفس دون حق .. وذاك قمة أفعال الفساد إما السرقة فلا تتعدى عقوبتها قطع اليد وعقوبة الزنا الجلد ولا ترقى إلى عقوبة الفساد والإفساد .. واختص فقهاء المسلمين بالنهي عن شرب البيرة والزعيق في الدعوة للحجاب والظهور أمام العالم وكأن قضية الإسلام الأولى هي هذه وكأن أمهم حواء كانت ترتدي جلبابا يوم كانت تمرح في الجنة تحت أنظار الجميع ، أو انه سبحانه كان عاجزاً عن أن يكسوها بجلد اللاما..! لقد كانوا وعاظاً للسلاطين فافسدوا الناس.. فكيف بنا وقد باتوا سلاطينا..!..

9 . الفساد طبقا لمفهوم منظمة الشفافية العالمية هو: إساءة استخدام السلطة لتحقيق منافع شخصيه غير مشروعه .. وأشكاله الكوموشنات وغسيل الأموال والرشاوى.. وهو الآخر قاصر عن احتواء كل الفساد في الدول النامية والمتخلفة ويتكلم عن الفساد في الدول المتحضرة باعتباره ممارسة استثنائية يمارسها موظف أو مسؤول حكومي مستغلا سلطته لجني مكاسب شخصية في حين أن أخطر أنواع الفساد في الدول النامية والمتخلفة هو فساد النظام وعائلته وبطانته وفساد الحكومات والمشرعون والطبقة السياسية ، ولا يراد من ذلك تحقيق مكاسب شخصية فقط إنما الاستحواذ على الجمل بما حمل من خلال شراء أو اغتصاب الحكم والاستحواذ على السلطة التي تجعل من كامل مقدرات البلد في جيوبهم..

10 . بالنسبة لي: . الفساد هو: الجنوح عن الاستقامة في ممارسة المهام الموكلة للأفراد والجماعات في مختلف أنشطة الدولة والمجتمع وسواء تم تجنيح الفعل أو تجريمه قانونا أم لا..

ففي حال عدم تجنيح فعل الفساد أو تجريمه فان الخلل في هذه الحالة في القانون الذي لم يلتفت إلى ذلك الفعل بعد فيعالجه وذاك لا يغير من شائنية الفعل ..

هذا على المستوى المعرفي العام ولكن على المستوى التخصصي العملي أو بالأحرى العملياتي ، فان تحديد ماهية أفعال الفساد وتحديد خصائص الفعل الذي يندرج ضمن خانة الفساد وتحديد من هو الفاسد بشكل دقيق ، من جهة والأهم من ذلك تحديد مواصفات من هو المؤهل موضوعيا لخوض المعركة ومواجهة الفاسدين من جهة أخرى.. هذا التحديد يحتل أهمية فائقة .. لماذا ...؟.

لأنك عندما لا تحدد بدقة من هو الفعل الفاسد من بين الأفعال ..كنت جهولا وتظلم الناس ، وان لم تتوثق تماما من أن الذي تصوب رمحك إلى صدره قد ارتكب بالفعل فعل فساد كنت غشوما وظلمت الناس .. وان كان الفعل لا يترتب عليه ضرر واضح على الشعب والدولة ووجهت إليه كل آلتك الحربية كنت متعسفا وقسوت على الناس .. وقيم جدك عنترة القائلة بالبطش بالضعيف كي يتأدب القوي لا يصلح اقتباسها في خوضك لمعركتك في مواجهة الفساد .. وان كان الذي تدفعه لمحاربة الفساد هو فاسد أصلا فان معركة الفساد بالذات لا يصلح لها المثل القائل : وداوها بالتي هي الداء ..! فأصلح حالك وحال من تستخدمه لمواجهة الفساد قبل ذلك ..

تأتي أهمية تحديد مضمون وماهية أفعال الفساد بسبب طبيعة أفعال الفساد والآثار الناجمة عنها وهي لاشك مدمرةً ، وبسبب طبيعة علاقة المرء بأفعال الفساد ، تلك العلاقة لا يمكن أن تكون حيادية فإما أن يكون المرء مع أو ضد الفساد.. وعندما تكون في مواجهة مع الفساد فأنت في حالة حرب معه ونقطة الشروع في خوضك لتلك المعركة هي أن تؤمن بأنك تحارب فسادا وعندها تؤمن بخصوصية تلك الحرب ، فهي ليست مثل بقية المعارك التي ينطبق عليها الوصف القائل بأن الحرب خدعة.. هي حرب بين الاستقامة والفساد.. وعندما تتخلى عن شرف الوسيلة باتت الحرب بين نظيرين كلاهما فاسد.. فالمباهلة في المعركة ضد الفساد تكون في أمرين .. الأول عدم الصلح مع الفساد ، لأن خصمك لا ينطبق عليه المثل القائل : الخلاف لا يفسد في الود قضيه ، إنما أنت في تضاد يفضي إلى رابح أو خاسر وليس غير ذلك ، والثاني أن لا يشوب الوسائل أو الأدوات التي تستخدمها فسادا وإلا صرت أنت فاسدا أيضا.. من جانب آخر فعندما لا تكون هوية وماهية من تحارب معروفة لديك فانك تكون أمام أحد أمرين : إما أن تحارب الجميع أصدقاء وأعداء بوصفهم أعداء وقد تقتل صديقك أو رفيقك في السلاح ، أو لا تحارب الجميع باعتبارهم أصدقاء وعندها تخسر المعركة أمام الفساد المتخفي بين هؤلاء الجميع .. عندها لا تكون هناك معركة وان وجدت فلا معنى لها فالمعركة ضد الفساد لها خصوصيتها فلا يجوز أن تمارس على أساس الشبهة لأنك عندما تحارب الفساد عليك أن لا تظلم أحدا ولا تنطلق من غايات غير نبيلة أو توظف محاربتك للفساد لغايات غير نبيلة وإلا صرت في مقدمة مرتكبي الفساد .. وأذن لابد من ايلاء اهتمام خاص بشأن تحديد ماهية الفساد كي تحدد من هو الفاسد.. خصوصا وان جهوداً ضخمة تبذل في الضفة الأخرى للتعتيم والتعمية على الفساد هدفها إبعاده ومرتكبيه عن نطاق رؤية واهتمام الناس والجهات المختصة ، ودفع ممارساته إلى الزاوية الميتة لمنع مراقبته وكشفه ، وبذات القدر تبذل جهود لإخراج العديد من مرتكبي الفساد من دائرة المحاسبة والعقاب .. فأنت إمام جهود تعمل وبشكل محموم لتمييع قضية محاربة الفساد ولها دوافعها وجهود تبذل لتسطيح موضوع محاربة الفساد ولها دوافعها أيضا.. من بين اخطر تلك الاتجاهات هو ما يختزل ممارسات الفساد في الرشوة والاختلاس فقط ليجنح بك بعيدا عن أفعال الفساد الضخمة المرتكبة من قبل الحكام وقد يخدعك هذا المنطق بالقول بأن تلك الأفعال لا يجرمها القانون في حين أن القانون الذي يتحدث عنه هؤلاء هو من صنع وصياغة الفاسدين الكبار .. ثم انك عندما تكون في مواجهة الفساد فإن الإجراءات التي تقوم بها لا تفضي بالضرورة إلى حبس مرتكب الفساد إنما لإصلاح الأمور.. اضرب لك مثلا : عندما تكون نسبة التخصيصات للرئاسات الثلاثة ( رئاسة مجلس النواب ، رئاسة الجمهورية ، رئاسة مجلس الوزراء ) 14 مليار دولار من أموال الموازنات السنوية للعراق ( وهو ما يفوق موازنة الأردن مرتين ونصف بشعبها وجيشها ولرئاساتها وهي فيها مثل الرئاسات عندك بل وتزيد عليها برئاسة الأعيان وولاية العهد..) وعندما تتوجه لمواجهته باعتباره أكثر ضرراً من كل ممارسات الرشاوي الصغيرة في حافات الجهاز الحكومي فان البعض يقول لك انه ليس فسادا لأنه لا يتعارض مع القانون ( فالموازنة والتخصيصات تصدر بقانون سنوي ).. قدر تعلق الأمر بي .. أنا أقول عليه فساد وفساد وضيع ولكن وسيلتي في مواجهته مختلفة فبدلا من أن أحيل الأمر إلى المحكمة ويأتي جوابها بغلق القضية لعدم تعارض الفعل مع القانون أذهب للرأي العام وأصيح في فوهة أذنه : أنهبتوا ..! راحت فلوسكم ..! شوفوا حالكم..! ، عند ذلك يمارس الرأي العام ضغطه عليهم فيعودوا إلى جادة الصواب .. لكن في هذه الحالة وإذا كان الرأي العام خربان .. دارت على موسى الدوائر ... وبيت موسى ليس الذي وصفه الفيتوري عندما قال : (فاقصفي يا رعود وأهطل يا مطر .. سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر ..) .. فليس عندي كتلة وليس عندي حزب .. ..

قد يكون احد البواعث في تمييع قضية الفساد هو نمط رجعي من التفكير متراكم على بعضه يحجب رؤية الحقائق.. . ولذلك أنصح بعدم التبني للمصطلحات والمفاهيم النظرية المتعلقة بالفساد على علاتها وإنما الأخذ بعين الاعتبار البيئة التي صيغت فيها فالثقافات مختلفة ، والبواعث عند من أطلق تلك المفاهيم هي مختلفة أيضا.. ومن ثم يتم تحديد مضمون وماهية الفساد بشكل علمي وموضوعي..

المعركة ضد الفساد معركة أخلاقية في الأساس وعندما تحارب الفساد بالفساد تكون المعركة بين طرفين فاسدين ..وفي الغالب الأعم فان المعارك بين الاستقامة والفساد تنتهي بالغلبة المادية للفاسد والغلبة الاعتبارية للمستقيم النزيه ، ويجب أن تعرف ذلك وتتفهمه مسبقاً .. فذوي الاستقامة عبر التاريخ انتهى بهم المطاف اضطهادا وتشريدا وصلبا ولكن من الناحية الاعتبارية فان أسماءهم تومض في وجدان الناس .. في حين إن أسماء مضطهديهم وقتلتهم قد لفها النسيان ..

وفقاً لتعريفي للفساد فان اخطر ملفات الفساد في العراق على الإطلاق هي الآتي :. .

1 . التطاحن على الحكم الذي اغرق العراق في الفوضى السياسية وما نجم عنها من فوضى تضرب أطنابها في كل شيء.. .

2 .  فشل الأداء الحكومي .. في المجالات كافه.. الأمني ، الاقتصادي ، المالي ، الخدمي ، الاجتماعي ، الثقافي .. .

3 . فساد واستيلاء الطبقة السياسية على فلوس الشعب ومناصب الشعب ووظائف الشعب ومقدرات الشعب.. .

4 . السياسات الحكومية.. والتي نجم عنها إفقار الشعب وتفاقم البطالة واستشراء الجهل والفساد وتخريب الاقتصاد الوطني .. .

5 . ملف النفط .. إنتاجا وإدارة وسرقة وتهريبا .. .

6 . ملفات : مجلس الوزراء ، الرئاسات ، وزارات: الكهرباء والدفاع والداخلية والتجارة والصحة .....

 

قصة الفساد في العراق ... ( صفحات من كتاب تحت الطبع ) (1)
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter