|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الثلاثاء  2  / 6 / 2020                               موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

الفوضى المستدامة في العراق ... (1)

موسى فرج *
(موقع الناس)


كعادتهم دائماً، العراقيون قلما اتفقوا في تقييمهم للأمور باستثناء قضايا معدودة من بينها: إن حكامهم بعد 2003 فاسدون أقحاح... وإن وصفهم الذي جاء على لسان المرحوم الجلبي نقلاً عن سفير أمريكي قال له قبل سقوط نظام صدام: إنكم "يقصد ساسة المعارضة في حينه" تنتمون إلى المدرسة الأخلاقية لصدام ذاتها" هذا الأمر بالذات لم يختلف عليه العراقيون...

من بين الكم الهائل من الأمور المختلف عليها بين العراقيين قضية: هل أن الأمريكان عند اجتياحهم للعراق عام 2003 كانوا يملكون مشروعاً لبناء الديمقراطية في العراق...؟

على مدى السنوات الـ 17 الفائتة لم يحسم الجدل بشأن تأكيد ذلك أو نفيه منذ انطلاقته لأول مرة بعد سنة أو نحو من ذلك من احتلال العراق وما زال الجدل محتدماً لليوم بينهم:

ـ الفريق الأول يقول: إن أمريكا كانت تملك استراتيجية لإسقاط نظام صدام ولكنها لا تملك استراتيجية لحكم العراق بعد صدام ولا تملك مشروعاً لبناء نظام حكم ديمقراطي بعد سقوطه...

ـ الثاني يقول: بل إنها بالفعل تملك مشروع سياسي سعت لتطبيقه في العراق لتصنع منه نموذجها في الديمقراطية الذي تسوقه لشعوب الشرق الأوسط والعالم في عصر العولمة ويقوم على نشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط ولو بالقوة العسكرية وتغيير أنظمة الحكم الرسمية للدول، وقد عكفوا منذ أحداث أيلول 2001 على إعداد تلك الوصفة الأمريكية لبناء الديمقراطية باعتماد "الفوضى الخلاقة" والتي ترجع أصولها إلى ما صاغه "فرانسيس فوكوياما" بعنوان "نهاية التاريخ"، و"صمويل هنتنجتون" في مؤلفه "صراع الحضارات"، و “مايكل ليدين” العضو البارز في معهد “أمريكا انتربرايز” أول من صاغ مفهوم “الفوضى الخلاقة” أو “الفوضى البناءة” أو “التدمير البناء” فيما عبر عنه في مشروع (التغيير الكامل في الشرق الأوسط) الذي أعد عام 2003... وبعضهم يعود بها إلى أفلاطون...

... ويقدمون لذلك ثلاثة أدلة:
1. ما قالته كَونداليزا رايس في عام 2005 لجريدة الواشنطن بوست عن نية الولايات المتحدة نشر الديمقراطية في العالم العربي وتشكيل "الشرق الأوسط الجديد" عبر نظرية "الفوضى الخلاقة" التي هيّئتها واعتمدتها مسبقاً...

2. ما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش في 2/ 8/ 2004 بعد تأكده من عدم وجود أسلحة الدمار الشامل: "حتى لو كنت أعرف قبل الحرب ما أعرفه الآن من عدم وجود أسلحة محظورة في العراق فإني كنت سأقوم بدخول العراق".

3. ما قاله وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد رداً على الانتقادات القائلة بسماح الأمريكان لعمليات النهب والسطو والتخريب واسع النطاق أثناء دخول الأمريكان بقوله: "إن العراقيين ليسوا معتادين على الحرية وان هذه أول فرصة لهم للتعبير عما يختلج في نفوسهم وإن هذه العمليات الفوضوية إيجابية وخلاقة وواعدة بعراق جديد"... هذا الرأي تبناه عدد ليس بالقليل من الباحثين العراقيين وأعدوا في بحثه أطاريح لنيل الماجستير والدكتوراه...

أنا من جانبي أقول: لا هذا ولا ذاك ... إنما احتلال الأمريكان للعراق جاء على خلفية عنتريات صدام وتلويحه بـ "هلط" إسرائيل بالكيمياوي وبسبب محاولته اغتيال بوش الأب أثناء زيارته للكويت ورسم صورة له في مدخل فندق الرشيد تسحقها أحذية الداخلين والخارجين إلى الفندق على مدار الساعة من ناحية، وسعي الأمريكان لتدمير القدرات العسكرية للعراق وتفكيكه وتقسيمه بحيث لا يشكل خطراً على إسرائيل في المستقبل من ناحية أخرى، وفي حالة نجاحهم في ذلك سيوسعون النموذج ليشمل كل منطقة الشرق الأوسط والعالم من خلال إشاعة الفوضى المستدامة التي بدأت بانهيار الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية وأزالت دول مهمة كانت قائمة مثل يوغسلافيا ولن يتوقف مسعاهم في الصين ... ساعدهم في ذلك ساسة عراقيون فاسدون ينتمون إلى مدرسة صدام الأخلاقية ذاتها أشاعوا الفوضى وجعلوا منها فوضى مستدامة لتكون وسيلتهم للحكم والفساد ونهب المال العام ...

ليلة البارحة وعلى وقع تصاعد الأحداث الجارية في أمريكا والتي انطلقت على أثر مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد الذي قضى خنقاً تحت ركبة الضابط الأمريكي وتهوره وعنصريته، قال الرئيس الأمريكي ترامب: لقد سمحت بتسخير كافة الإمكانات الفيدرالية المدنية والعسكرية لوقف عمليات النهب والسرقة وفرض القانون وسيتم التحرك فوراً... وسوف أعطي أوامري بتدخل الجيش الأمريكي المدجج بالسلاح بشكل فوري لإنهاء الفوضى...

عندما سمعت خطاب ترامب استرجعت كلام رامسفيلد القائل: "إن العراقيين ليسوا معتادين على الحرية وان هذه أول فرصة لهم للتعبير عما يختلج في نفوسهم وإن هذه العمليات الفوضوية إيجابية وخلاقة وواعدة بعراق جديد"... وتساءلت بصدق: لماذا لم يتح ترامب للأمريكيين التعبير عما يختلج في نفوسهم... مثلما سمحوا للعراقيين فعل ذلك...؟ (2)

صفحة من كتاب: "الفوضى المستدامة في العراق" الذي انتهيت من إعداده قبل أيام وهو في مرحلة التفاوض على الطباعة...


 

* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).



(1) كتاب تحت الطبع...
(2) هذه الفقرة سارعت لم يتضمنها الكتاب وسارعت لإضافتها إليه ...



 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter