| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 28 / 1 / 2016 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
نحو دراسة علمية للفساد السياسي في العراق
(3)موسى فرج
(موقع الناس)الفساد وعلاقته بتصنيف العراق كدولة فاشلة
مطلع القرن الحالي حمل معه الكثير من المفاهيم الجديدة على الصعيد الدولي فقد ظهرت مصطلحات مثل الدولة الفاسدة والدولة الفاشلة والدولة المستقرة واختفت بالمقابل مصطلحات كانت سائدة قبل ذلك مثل الدولة المتقدمة والدولة الحديثة والدولة الثورية ودول الشمال ودول الجنوب.
وتغيرت مدلولات المفاهيم أيضا فلم تعد الدولة القوية توصف بهذا لأنها تمتلك ترسانة حربية إنما لأنها دولة مستقرة يسودها القانون والمساءلة والشفافية والمشاركة والتنمية المستدامة وتأخذ بتطبيق مبادئ الحكم الصالح والإدارة الرشيدة.
العراق ومنذ سنوات احتل مكانه بين الدول الأكثر فشلاً في العالم وحل متصدراً الدول الفاسدة ورغم ثروته الهائلة وتاريخه الحضاري الضارب في الأعماق فإن شعبه ما انفك يكابد أزمات لا حصر لها معيشية وخدمية واجتماعية وامنية وسياسية ..
المؤشرات المعتمدة من قبل الجهات البحثية الدولية لتقرير فشل الدولة من عدمه هي في حقيقتها مفردات نتعامل مع أغلبها في حياتنا اليومية فهي الفساد والفقر وغياب القانون والعنف والإرهاب وشح الخدمات والهجرة والنزوح والشعور بعدم شرعية الحكم من جراء فساد النخبة الحاكمة والتدهور الاقتصادي، وهي الصراع على السلطة وانعدام الاستقرار السياسي وخلق الظروف السانحة للتدخل الأجنبي ..
وفي هذا الجانب من المفيد الإشارة الى الجوانب الآتية :
1. إدراك ابتلاء العراق بها لا يتطلب من العراقي عبء الغوص في تفاصيل التقارير والدراسات التي تصدرها الجهات البحثية الدولية سنوياً فهي تلفح وجه العراقي في يقظته ومنامه وعلى مدار الساعة ولكن يعوزه الربط بين النتائج والمسببات..
2. وأيضاً الكثير لا يدرك حجم الخطورة في حين أن دراسات دولية مهمة أشارت الى ان فشل الدولة إذا ما رافقته عوامل ضاغطة فإنه يفضي الى انهيارها وتفكك العراق بات اليوم يطرق بشدة على بواباته..
3. وجود تلك العوامل ليس قدراً أو خارج نطاق التحكم لكن السبب طبقة سياسية فاسدة لا تتوفر فيها أدنى مواصفات الوطنية والشعور بالمسؤولية .. الأمر الذي يُحّمل المثقف العراقي مسؤولية استثنائية في التصدي لعوامل الفشل والتبصير بعواقب ذلك والارتقاء بالوعي الجمعي وحشده لمنع تفاقمها..
وفي معرض البحث فيها ودراسة العلاقة بين الفساد وتجنب مبادئ الحكم الصالح وبين فشل الدولة فقد تم دراسة 3 تقارير دولية تصدر سنويا عن جهات دولية معروفة هي :
1. مؤشرات الحكم الرشيد في دول العالم الذي يصدره سنوياً البنك الدولي ..
2. تقرير الفساد العالمي الذي تصدره سنويا منظمة الشفافية الدولية ..
3. تقرير الدول الفاشلة العالمي الذي يصدره صندوق دعم السلام الأمريكي بالتعاون مع صحيفة Foreign Policy الأمريكية ومعهد بروكجنز ..
فتبين الآتي :
1. الدول العشر التي حصلت على أدنى درجات في مؤشرات الحكم الرشيد التي يصدرها البنك الدولي وهي : الصومال وجنوب السودان وليبيا وأفغانستان والسودان وكوريا الشمالية والكونغو والعراق واليمن وسوريا، 9 منها كانت من بين الدول العشر الأكثر فساداً في العالم وفقاً لتقرير منظمة الشفافية الدولية .. أما الدول العشر التي حصلت على اعلى الدرجات في مؤشرات الحكم الرشيد وهي : نيوزلندا وفنلندة وسويسرا والدنمارك وهولندا ولوكسمبورغ وكندا واستراليا والمانيا وبريطانيا.. فإن 7 منها كانت تحتل المراتب الأولى في النظافة من الفساد (النزاهة) اما الثلاث الأخرى فلم تبتعد كثيراً واحتلت مكانها بين الدول الأربع اللاحقة (11, 12, 14.). مما يؤكد أن العلاقة شبه تامة بين تبني وتطبيق مبادئ الحكم الصالح والرشيد وبين النظافة من الفساد. .
2. نفس الدول في الفئتين تم اختبارها على قائمة الدول الفاشلة التي تصدرها جهة بحثية ثالثة هي صندوق السلام الأمريكي، فوجد أن : من بين الدول العشر الأدنى في مؤشرات الحكم الرشيد والأكثر فساد، ست من بين الدول العشر الأكثر فشلاً في العالم و3 لم تبتعد كثيراً فقد احتلت المراكز(13، 15، 26) ، في حين أن الدول العشر التي حصلت على اعلى الدرجات في مؤشرات الحكم الرشيد والنظافة من الفساد 7 منها كانت من بين الدول العشر الأولى المتصدرة للنجاح والثلاث الباقية لم تبعد فقد احتلت المراتب اللاحقة مباشرة (11، 12، 16) ، مما يؤكد أيضاً على أن العلاقة كبيرة بين تطبيق مبادئ الحكم الصالح وبين الدولة الناجحة.
خلاصة القول: ان الدول التي تأخذ بالحكم الصالح والرشيد كانت الأنظف من الفساد والأبعد من الفشل ..
أما عن ماهية مؤشرات الحكم الصالح والرشيد فهي : سيادة القانون والمساءلة والشفافية والمشاركة وفاعلية الحكومة والاستقرار السياسي ومكافحة الفساد ..
في الحلقة القادمة سيتبين ان المحاصصة في العراق هي رأس الحربة في تجنب الطبقة السياسية لمبادئ الحكم الصالح والرشيد وهي القاطرة التي تسحب قطار الفساد والفشل عندنا .. ومن هذا المنطلق أقول .. أن تداعيات استشراء الفساد في العراق كارثية والحراك المدني والناشطون في مواجهة الفساد برهنوا عن وطنيتهم التي تفتقر إليها الطبقة السياسية وبطاناتها ولكن فشل الدولة يهدد بانهيارها فليكن الكفاح أشمل وأعمق.. ومع أننا لا ننتظر من الطبقة السياسية الحاكمة أن ترعوى لكن الأخذ بمبادئ الحكم الصالح والرشيد هو السبيل للانعتاق من الفساد والفشل ومن باب أولى دحر المحاصصة فهي رأس الأفعى ..
نحو دراسة علمية للفساد السياسي في العراق (2)
نحو دراسة علمية للفساد السياسي في العراق (1)