| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 28/2/ 2013 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
الإعلام وقضية الفساد في العراق .. البغدادية نموذجاً...موسى فرج
لا شك إن الفساد في العراق يقف خلف كل المشاكل والصعوبات التي تواجه المواطن العراقي وأيضاً خلف فوضى الحكم في العراق.. ولكن في نفس الوقت فان للفساد في العراق أشكال مختلفة ووجوه متعددة وكل منها يتسبب قي آثار مباشرة مختلفة عن الآخر مع أنها تصب في المحصلة النهائية في مجرى عام يتهدد كيان العراق ووحدة شعبه وقبل ذلك يتسبب في إفقار الشعب العراقي برغم الموارد المالية الضخمة والإمكانات الاقتصادية الهائلة ..
فالفساد المالي مثلا.. تسبب في تبديد المال العام وأيضا السطو على جيوب الناس وابتزازهم وانتهاك كرامتهم ..
والفساد الإداري تسبب في فشل الأداء الحكومي وعدم تحقيق نتائج مقابل الموازنات السنوية التي تفوق موازنات خمس دول مجاورة للعراق مجتمعة ..
والفساد السياسي دفع بالأمور في العراق إلى مشارف الحرب الأهلية وتمزيق كيان العراق إلى دويلات متطاحنة مبنية على العداء لبعضها ومجندة كل ما تستطيعه من إمكانات داخلية في تلك الحرب والتي ستكون طويلة الأمد لأن أسباب التطاحن ستكون اعتقاد كل منها بان الآخر مغتصب لأرضه والذي يستميت من أجل استرجاعها وتحريرها وفوق ذلك العداء الطائفي والعرقي الذي يشكل الأساس التي تقوم عليه تلك الكيانات والباعث على وجودها..
وفوق ذلك فان خطورة الأمر تكمن في تراجع بل انعدام الوطنية اوالتمسك بالشعور الوطني لدى المشتغلين في السياسة في العراق وفسادهم إلى الحد الذي يجعل منهم مجرد سماسرة وقوادين للقوى الاقليمية المحيطة بالعراق والمتطاحنة لذات الأسباب والدوافع التي يقف على أرضيتها الساسة الفاسدون في العراق مما يجعل من تلك الكيانات المتوقع قيامها بعد تهشيم كيان العراق مجرد مواخير للقوى الإقليمية المتطاحنة ومجرد ساحة لحروبها التي تمارسها الكيانات المنسلخة من الجسد العراقي بالإنابة عن المحيط الإقليمي المتطاحن .. طبعا إلى جانب اشتغال الساسة الفاسدون وتبعاً لذلك توظيف الكيانات الناشئة من تقسيم العراق لمصلحة القوى الدولية في حروب النفوذ المستدامة بينها ...
الإعلام العراقي سواء كان الداخلي منه أو الذي يبث من خارج العراق وموّجه للداخل وتحديدا الفضائيات حسم أمره مبكراً ومنذ سقوط نظام صدام في عام 2003 لأن يكون خارج خندق الشعب والوطن وانزلق في خندق الفساد وان أنكر ذلك ولم يشذ عن هذا المنهج إلا الاستثناء من تلك الفضائيات ..
كما الأشخاص فان الفيصل في تحديد هوية أو منهج هذه الفضائية وتلك إن كان وطنياً أو نقيضه هو معيار واضح ومعروف ولا جدال بشأنه وهو تبني المواطنة في ما تقول أو تعرض ليس غير ذلك ، أما أن تتبنى الطائفية أو العرقية وتلتزم طروحات هذا الفصيل دون الآخر من الفصائل والشرائح العراقية أو تتبنى إن بشكل مباشر أو غير مباشر قضية البعث أو عودته إلى الحكم في العراق .. فذاك يعني إن الفضائية في الخندق الآخر للوطنية والمهنية والنزاهة والشرف وان أدّعت أو صوّرت للناس أنها تلتزم هذا الطرف بالذات أو تلك الشريحة بعينها لأنها على حق أو لأنها مظلومة ، فالظلم الحقيقي اليوم في العراق هو أن تغلب أية قضية أخرى على وحدة الشعب وسلامة كيان العراق .. والمظلوم الحقيقي اليوم في العراق هو المواطنة .. والسبيل الوحيد للتأكيد على نبل المقصد وسلامة النوايا ومصداقية الأفعال والسلوك في العراق اليوم هو مواجهة فلسفة تغليب الهويات الثانوية على الهوية الوطنية ...
بعض الفضائيات ومنذ سنوات ركبت موضوعة استشراء الفساد في العراق كموجة للإيحاء للمتلقي أن نظام صدام كان الأفضل .. وقلنا لهم وبنبرة متماسكة : انه إذا كانت موبقات النظام الجديد تشكل حمى فان نظام صدام هو الطاعون بعينه ..وبينّا لهم وبلغة مفهومة أننا نقول بفساد النظام الحالي سعياً لإصلاحه أو بديل أفضل ، والبعث ونظام صدام بالطبع ليس هو المقصود بالأفضل ...
فضائية البغدادية وفضائية الشرقية تبنيتا ومنذ وقت مبكر منهج انتقاد النظام الجديد وشخوصه وممارساته ومناهجه بشكل ممنهج وعنيف ومستمر بدعوى الدفاع عن مصالح الشعب وحقوقه ومن بين ما ركزتا عليه هو فضح ملفات الفساد في العراق .. لكننا وأنا شخصياً من بين العراقيين الذين قالوا لهاتين القناتين : صحيح إن الغاية نبيلة وهي السعي لوضع حد لاستشراء الفساد في العراق ولكن عندما تكون الوسيلة غير نبيلة فإنها تنعكس على الغاية فتلوثها وتفقدها نبلها ، والباعث إذا كان غير نبيل فانه يؤدي إلى الحال ذاته ٍ.. ولا يجوز بل ولا يمكن إن تواجه الفساد بفساد لأنهما يسعيان إلى ذات المآل وينتميان إلى ذات الفصيلة ...
في الأيام الأخيرة الماضية اتصل بي الإعلامي من قناة البغدادية السيد أنور الحمداني لإجراء لقاءات ضمن برنامجه ( برنامج الساعة 9 ) الذي تعرضه البغدادية بشأن الفساد في العراق .. وقد قلت له صراحة وقبل إجراء اللقاء بأني عندما أتكلم عن الفساد في العراق فان كلامي سيكون مثل الاقتصادي عندما يتكلم عن الاقتصاد فهناك الاقتصاد الكلي وهو ما يتعلق باقتصاد البلد ككل وبالقطاعات الاقتصادية الرئيسية وهناك الاقتصاد الجزئي الذي يبحث في الجوانب التفصيلية للقطاعات الاقتصادية وحديثي سيكون عن الفساد الكلي ، يعني الفساد في العراق ككل واهم مفاصل الفساد في كل وزارة وليس مهمتي عرض حالات جزئية للفساد أو عرض وثائق تفصيلية وللأسباب التالية :
1. لأن ملفات الفساد كتفاصيل من الكثرة والتشعب بحيث لا يمكن حصرها لا في حلقه ولا 10 حلقات..
2. الوثائق عن الفساد كتفاصيل باتت متاحة في العراق للداني والقاصي من جراء حرب الملفات القائمة بين الأطراف السياسية ، فالكل يسرب الوثائق عن الكل للإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي .. وكتفاصيل لن أأتي بجديد لأن تفاصيل الفساد باتت معروفة للمواطن وامتلأ دماغه بها وهو لا يسعى لتكرار عرضها بقدر ما يتمنى وقف الفساد في العراق وتوظيف المال والإمكانات العراقية لخدمة الشعب ... وهذا يتطلب :
ـ بحث الملفات الرئيسية وهي أربعه وتحديد الرؤوس الكبيرة وهي ثلاثه .. فأما عن الملفات الرئيسية الأربعة فهي :
الملف الأول : تبديد أموال الموازنات في رواتب وامتيازات خرافية للمسؤولين الكبار وبطاناتهم ، وتخصيص 70% من الموازنات السنوية للنفقات التشغيلية والتي لا تتعدى الرواتب ونفقات الإيفاد والبذخ اليومي .. في حين إن ما يعالج البطالة والخدمات هي النفقات الاستثمارية يعني المشاريع ، وأيضا ضربت له مثلاً إن رواتب كبار المسؤولين في العراق الشهرية تفوق رواتب الرئيس الصيني لمدة 16 عام إلى جانب الرشاوي والاختلاسات أو ما يسمى بالفساد المعاقب عليه جنائياً..
الملف الثاني : فشل الأداء الحكومي فموازنات العراق من الضخامة بحيث تفوق موازنات 6 دول مجاورة للعراق لكنها لم تحقق ما يناظرها من نتائج والسبب هو عدم اعتماد المواطنة في تعيين المسؤولين على أساس الكفاءة والنزاهة وإنما على أساس الولاء الحزبي..
الملف الثالث : هو السياسات الحكومية التي تتسبب في إفقار الناس ومن بينها إهمال معالجة القطاعات الاقتصادية الإنتاجية واهراق أموال الموازنة وأموال الشعب في استيراد احتياجات السوق من قبل الحكومة أو القطاع الخاص من الخارج و إلغاء دعم المحروقات والذي أفقر الناس إلى جانب عدم اعتماد منهج اقتصادي واضح ..
الملف الرابع : هو الفساد السياسي المتمثل بالتطاحن على الحكم كغاية وليس وسيلة وتجييش الطائفية وإشاعة العداء بين الشعب العراقي والاستقواء بالأجنبي والابتعاد كلياً عن الوطنية والمواطنة الأمر الذي يدفع إلى الحرب الأهلية وتقسيم العراق ..
ـ أما رؤوس الفساد الثلاثة الكبيرة في العراق فهي : الحكومة والبرلمان والأحزاب القابضة على السلطة ..
ـ في نفس الوقت فان التركيز على تلك الملفات وتلكم الرؤوس يمكن إن تتحقق من خلاله نتائج ، فتحريك الشارع ضد استيلاء المسؤولين الكبار على أموال الشعب ممكن وجريمة الفساد واضحة ولا تحتمل الإنكار وعندما تتحقق نتائج في هذا الجانب فان انعكاساتها على المال العام كبيرة ، وعندما يقف الشارع مصراً على إن تكون حصة المشاريع من الموازنة 70% بدلاً من 30% بعد إن يفهم بان ذلك هو من يقف وراء البطالة والفقر وسوء الخدمات وعندما ينجح في ذلك فان نتائج القرار في غاية التأثير على حياة الناس ، وعندما يقف الشارع مطالباً إن يكون مجلس خدمة عامة يتولى تعيين الأشخاص حسب الكفاءة والمقدرة وليس حسب الولاء الحزبي تتحقق نتائج كبيرة في مواجهة الفساد الإداري وتحسين أداء أجهزة الدولة ، وعندما يخرج الشارع العراقي ضد تبعية الساسة لدول المحيط الإقليمي فان مشروعية وعقلانية ذلك واضحة ومطلوبة وموضوعية لوقف احتمالات تهديم الكيان العراقي وتقسيمه ومنع قيام الحرب الأهلية .
3. الذي حصل معي من قبل المذيع السيد أنور الحمداني هو الإلحاح على قضايا فساد مجهرية والإلحاح على أسماء مرتكبيها .. وعندما أقول له : ليست مهمتي الإعلام الفضائحي التشهيري التسقيطي .. يقول لك : مهمتنا أن نفضح الفاسدين وان رئيس الوزراء قال ذلك ..
طيب : هو ينبغي أن يفهم باني كنت في يوم ما مسؤول عن هيئة النزاهة واحتفاظي بوثائق بعد مغادرتي الهيئة كي اعرضها عليه أو على غيره أمر غير مشروع أخلاقيا وقانونياً.. ولكن عندما يتطلب الأمر عرضها على جهة من صلاحيتها اتخاذ قرار مثل مجلس النواب أو القضاء هذا ممكن وان لم تكن عندي فانا قادر على الحصول عليها بكل سهولة ..
وينبغي أن يفهم بان الإعلام المحترم والمسؤول شيء والإعلام الفضائحي والممارسات الصبيانية الفضائحية شيء آخر .. ويكفي إن أشيره وغيره إلى إن عضو مجلس النواب صباح الساعدي الذي يصفق له هو وغيره اليوم له صورة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا أدري مدى دقتها أهي حقيقية أم مفبركة .. لكنها مسخره وأنا لن أكون مسخره.. وحتى وان كان ما يؤدي إلى ذلك يعجب البعض ..
وينبغي إن يرتقي الإعلام في العراق إلى مستوى الخطر الجسيم الذي يهدد وحدة البلد وحياة الشعب من خلال طرح البديل الصحيح وهو الخروج على بدعة حكم المكونات واعتماد المواطنة وحدها وإزاحة ما علق من بلاوي الطائفية والعرقية والمحاصصة وتلك هي الأب الشرعي للفساد والفقر والبطالة وانعدام الخدمات وهذا هو رابط اللقاء بالبغدادية ليكون القارئ حكما بين ما أريده وما تريده البغدادية ..
( http://www.albaghdadia.com /)
وهذا:( http://www.albaghdadia.com /) ...
.