| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 27 / 5 / 2019 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
عادل عبد المهدي ...ماذا حقق وأين أخفق...؟
موسى فرج *
(موقع الناس)شهدت المرحلة التي سبقت اختيار رئيس الوزراء الحالي اجماع واضح بين الأطراف الأساسية الثلاثة : الشارع العراقي والمرجعية الدينية وعدد من الكتل السياسية بشأن اشتراطاتها على من يتم اختياره لتولي رئاسة الحكومة فكانت ثلاثة شروط واضحة ومعلنة بأفصح العبارات وبالبنط العريض وهي الاتي:
1. أن يكون سلوك رئاسة الحكومة مستقل وغير خاضع لإملاءات الأطراف السياسية ورغباتها وان يقوم رئيس الحكومة باختيار كابينته الوزارية من خارج أطر المحاصصة التي يلعنها الكل في العلن ويسارع الجميع الى حانتها بين صلاة التراويح...
2. ان تكون الحكومة حكومة خدمات وليست حكومة سياسه...
3. وأن تنبش الفساد نبشاً وتذيق الفاسدين عذابا لم يروا مثله في عهد الأسلاف...
هذه هي المهام المركزية التي تم اختيار السيد عادل عبد المهدي على أساسها... فما الذي تحقق منها بعد مضي ستة أشهر على البيعة الميمونة وما هي الجوانب التي أخفق في تحقيقها...؟
أولا: أما عن المنهج والسلوك المستقل والنأي عن المحاصصة فليس أدل على النكوص عن ذلك والإخفاق فيه من الفشل ولغاية تاريخه في حسم اشغال 4 حقائب وزارية تشكل المواقع الأهم والأكثر حساسية ليس في الحكومات المعاصرة فقط بل في حكومات ايام زمان على عهد المأمون والمستنصر بالله يوم كانت كابيناتها الوزارية تنحصر في الجيش والشرطة والعدل والتعليم والجباية... هذا بالنسبة لواقع تحقيق السيد عادل عبد المهدي للمهمة الأولى...
ثانيا: أما فيما يتعلق بتحقيقه للمهمة الثانية أعني حكومة الخدمات فقد بدأها السيد عادل عبد المهدي بزيارته اليتيمة والشهيرة لعلوة الرشيد في يوم ممطر وموحل ويومها استقطب اهتمام الناس وسلب ألبابها فقد كانت الكَاع يومها زلكَ ومركز الثقل في جسده لم يكن ملائماً لممارسة رياضة التزحلق على الجليد والناس خائفه على رئيس حكومتها يزلكَ ويتم تسمية ذلك اليوم بـ يوم الزلكَ العراقي لكن الزياره عدت على خير ولم يقع المحذور...
غير أن السيد عادل عبد المهدي استثمر تلك الزيارة لعلوة الرشيد ليعلن في أول ايجاز اسبوعي له وبعد شهر واحد من تاريخ البيعة أنه قد أتم البرنامج الوزاري وفقاً لتوقيتاته المقررة وان مدة العدة قد انتهت ويا محلى السفر بعون الله فكانت السجاجيد تطوى وتمد تحت اقدامه المباركة من عمان لتطوان ومن طهران الى الرياض فأنقره ، والخيل تتقافز مطهمة أمام دولته في شوارع فارس وبلاد الأناضول فتحولت الحكومة من حكومة خدمات مطلوب منها معالجة ملفات الفقر والبطالة والخدمات الى حكومة علاقات عامه...
ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن فخامة رئيس الجمهورية أيضاً بدأ مشواره بزيارة يتيمة رفقة عقيلته الى شارع المتنبي وذاك يوم وهذا يوم فقد وجد فخامته في الصور التذكارية مع الملوك والرؤساء متعة أعمق عبقاً من صور السيلفي مع مواطنيه...
أما عن توظيف عمل رئيس الحكومة لصالح قضية معيشة الشعب ومصلحة العراق بعيداً عن المنطلقات السياسية فلا أدل عن الإخفاق في ذلك من توظيف الموازنة لترضية السيد مسعود برزاني واطلاق المليارات من دون أن يراعي حليفه اخلاقيات الالتزام بالقانون فقد رفض تسليم برميل نفط واحد الى سومو مثلما رفض تسديد دينار واحد من قيمة النفط المهرب من الإقليم الأمر الذي لم يؤثر مباشرة على التفاوت الفاضح بين نسب الفقر السائدة في محافظات الإقليم والتي تتراوح بين 2% و9% وبين تلك السائدة في محافظات الوسط والجنوب التي تصل في بعض المحافظات الى 51% انما ألهب مشاعر المحافظات التي تصاعدت أصواتها بالمطالبة بأقاليم على غرار إقليم كردستان...
وفيما يتعلق بالعلاقة مع دول الجوار فإننا لم نسمع من دولته عبارة يقولها لملك الأردن مثلاً بأن الرأي العام العراقي مستاء من احتضان عاصمة جلالته لكل المناهضين للنظام السياسي في العراق ولم نسمع منه إشارة الى حقيقة استياء العراقيين من جراء التعامل الطائفي للسلطات الأردنية مع الزائرين منهم للأردن أو العابرين لها عندما تسألهم تلك السلطات عن كون المسافر شيعي أم سني ... مقابل مد العراق لأنبوب النفط عبر الأردن والذي تبلغ كلفته 18 مليار دولار الى جانب إقامة المنطقة الحرة على حدوده...
وحصل مثل ذلك أيضاً مع روحاني فعندما طلب بلهجة آمرة أن يرفع العراق رقم التبادل التجاري مع ايران الى 20 مليار دولار كنا نتوقع من رئيس الحكومة أن يقول له ولكن على ايران مراعاة مصلحة العراق في معالجة توجيه مخلفات نهر كارونها الى العراق الذي أحال شط العرب الى مستنقع آسن وخرب الأراضي الزراعية وأيضا مطلوب من الجانب الإيراني ان يتحول بتصديره للبضائع للعراق من أجبان كَاله الى بضائع إنتاجية تخدم الزراعة والصناعة... ومثل ذلك بالضبط حصل بشأن العلاقة بالجارة تركيا فعندما وجه الرئيس التركي وبلهجة آمرة الكلام الى رئيس حكومتنا أثناء المؤتمر الصحفي بأن يكون حجم التبادل التجاري 20 مليار دولار لم يطلب رئيس حكومة العراق معالجة جدية لقضية المياه ولم يطلب توجيه التبادل التجاري مع تركيا لبناء السدود ومشاريع الإسكان بدلا من تصدير كَيمر العرب المنتج في المصانع التركية ...
ثالثاً: وفيما يتعلق بقضية مكافحة الفساد التي كان يُنظر إليها باعتبارها المهمة الأولى لإدارة السيد عادل عبد المهدي لتحقيق الأفضلية في هذا المجال على سلوك سلفيه المالكي والعبادي اللذين اكتفيا بشجب الفساد دون فعل مؤثر في مواجهته لكن واقع الحال أكد حقيقة واضحة مفادها أن السيد عادل عبد المهدي لم يكتف بما درج عليه اسلافه من تسويف في هذه القضية بل زاد عليها تسفيه لعملية مكافحة الفساد ومن خلال الآتي:
1. مجلس مكافحة الفساد الذي اُريد له أن يكون دافعاً ومفعلاً لإجراءات القضاء وهيئة النزاهة بحسم ملفات الفساد الكبيرة والزج بكبار الفاسدين بالسجن تحوّل الى عنق الزجاجة وكاتم الصوت لهيئة النزاهة حتى أننا افتقدنا صيحاتها المتكررة قبل حقبة السيد عادل عبد المهدي بالإعلان عن مئات المشاريع الوهمية والمتلكئة والتي تبلغ أقيامها مئات المليارات من الدولارات ومئات التريليونات من الدنانير وبتنا نسمع بدلاً من ذلك تحويل ملف التهريب في سعات الأنترنت الى مستشارية الأمن الوطني وحسب العائدية في حين يكون الصحيح هو تشكيل فريق تحر مشترك من هيئة النزاهة والأمن الوطني والتحقيق فيه من قبل هيئة النزاهة أما عن التوجيه بسحب يد من يواجه قضايا فساد فإنها ممارسة ليست بالجديدة فقد كانت متبعه منذ عام 2004 لكنها تطبق على صغار الفاسدين ويفلت منها كبارهم ...
2. وبلغت قضية تسفيه مهمة مكافحة الفساد غايتها عندما أصدر مجلس مكافحة الفساد توجيه ينطوي على التهديد باتخاذ الاجراءات القانونية ضد كل من يتهم مسؤول حكومي بقضايا فساد ما لم يقدم ادلة الإثبات المعتبره وفي هذا الصدد لابد من بيان الآتي:
- من أصدر التوجيه آنف الذكر تناسى أن الآلاف من ملفات الفساد مدققه من قبل ديوان الرقابة المالية ومحقق فيها من قبل هيئة النزاهة مركونة في أدراج تلك الأجهزة أو أدراج أجهزة القضاء والناس كانت تنتظر من المجلس أن يفعل جهود أجهزة القضاء لاستصدار قرارات حكم ضد مرتكبيها ولكن كانت النتيجة أنه وبدلاً من ذلك تم اغتيال رئيس هيئة النزاهة ورغم وجود أصوات قالت بأن اغتياله تم بدم بارد ولكن لم يتم الكشف عن نتائج التحقيق...
- ومن أصدر التوجيه بالتهديد تناسى أيضاً أن الاتهامات الشائعة مصدرها كبار المسؤولون الحكوميون والنواب والساسة أنفسهم يستخدمونها في سياق الحرب البينية الطاحنة بينهم وليس المواطن البسيط وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- فساد البنك المركزي بما يتجاوز 300 مليار دولار جاءت على لسان رئيس الحكومة العبادي أمام الشعب ومئات الألاف من الفضائيين هو من صرح بشأنها ...
- عقارات الدولة المنهوبة تبلغ 100ألف عقار عن لسان مدير عقارات الدولة نفسه ...
- وجود 40 ملف فساد كبير رئيس الحكومة الحالي هو من صرح بوجودها وليس غيره ...
- وزير الصحة الحالي قدم استقالته بسبب وجود مستشفيات وهمية تستولي على الأدوية ومدير صحة النجف السابق علي الشمري يقول على رؤوس الأشهاد ان التخصيصات المالية لشركة استيراد الأدوية تبلغ سنوياً ملياري دولار ولكن لم يتم التعاقد على أكثر من 140 مليون دولار لأن الاحزاب لا تسمح بتمرير اي عقد مالم تقبض كومشناتها ...
- وإذا كان من أصدر تلك التوجيهات قد تغافل عن حق المواطن في ممارسة حكومته للشفافية واطلاعه عن كيفية تصرفها بأموال ومقدرات البلد فهل تناسى أيضاً ان القانون العراقي يلزم أي عراقي بالإخبار عن جريمة وقعت بحق الاشخاص أو ممتلكات الدولة وأموالها وقد تناهت للمواطن معلومات بشأنها وفي حال عدم قيامه بإخبار السلطات الرسمية عنها يعد شريكاً فيها ويقع تحت طائلة القانون ...؟
- ولكن القضية تتعلق بسلوك الأجهزة التي تتلقى المعلومات عن الفساد فهي لا تملك حق اهمال تلك المعلومات وفي نفس الوقت لا تصلح تلك الإخبارات لاعتمادها أساساً في توجيه التهمة بالفساد كما لا تصلح لاعتمادها في استصدار قرارات حكم قضائية انما ينبغي التصرف بها باعتبارها معلومة خام يجب استتباعها بالتحري والتدقيق والتحقيق ... ومثال ذلك أنه عندما يقوم مواطن بإخبار ضابط الشرطة بوجود معمل لصنع المفخخات في الدار الفلانية في الشارع الفلاني فإن الضابط المذكور يكون احمق عندما يضبط مدافع الهاون باتجاه الدار المذكورة ويقوم بقصفها ويكون اشد حمقاً عندما ينهر المواطن ويقذف الاخبار بوجهه تحت ذريعة وجود اخبارات كاذبة كثيره لأن التهاون في اخبار دقيق واحد من بين 999 إخبار كاذب يعني ازهاق أرواح كثيره أما الضابط الكفوء والمتسم بقدر عال من الشعور بالمسؤولية فهو ذلك الذي يعبر للمواطن المخبر عن تقديره ويحرك فوراً فريقاً من معيته للتحري والتحقق...
- وبشأن البيان الذي أصدره مكتب رئيس الوزراء والذي ينفي علمه أو تدخله بشأن قضية القبض من قبل فرع الانتربول الدولي في لبنان على محافظ كركوك فإن النفي كان من الأنسب ان يعلن في اليوم الأول لانتشار ذلك الخبر في وسائل الاعلام وليس بعد مرور 3 أيام خصوصاً أن فطنة الفريق المحيط بالسيد رئيس الوزراء عجزت عن أن تستبعد محافظ كركوك من اللقاء بالسيد رئيس الوزراء ضمن الوفد المفاوض الذي قابل رئيس الوزراء قبل أيام ما دام المحافظ المذكور مطلوباً للقضاء العراقي ... مع ذلك فإن ردود الفعل الغاضبة التي واجهها التدخل المزعوم لصالح المحافظ المذكور لا تخلو من فائدة لتذكير السيد رئيس الوزراء بحقيقة مفادها التالي: الصراع بين الفساد والاستقامة سبقت اقصاء آدم من الجنة ونفيه الى الأرض كما تنص الكتب السماوية الا ان تطبيع العلاقة بين الانسان والفساد أمر مستحيل فليوجه السيد عادل عبد المهدي مجلس مكافحة الفساد باتجاه تفعيل تلك المكافحة بدلاً من خنقها ذلكم أدعى وأكثر صوابا...
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).