موسى فرج
رأي في الأزمة السياسية الحالية...
(1)موسى فرج
1 : مقدمه :
رغم أن تاريخ العراق سواءً منه الذي سبق عام 2003 أو الذي تلاه عبارة عن دوامه من الأزمات ، إلا أن التغيير الذي حصل في هذا الجانب هو أن الحال قبل عام 2003 كان عبارة عن أزمة مستدامة متصلة مستوطنة وفصول المناخ العراقي مختزلة في فصل واحد طيلة السنة..
وقد تعودنا على ذلك ووطنا الأنفس فلم نكن نميز بين الطقس والمناخ .. بعد عام 2003 تغير الأمر وانعكست الآية فقد بات المناخ عندنا طقسا وفي اليوم الواحد تتكرر علينا فصول السنة كلها ولكن تراتبيتها عشوائية فلا ندري الخريف قبل الصيف أم الشتاء بعد الخريف مع خلوها طبعاً من فصل الربيع .. .
هكذا هي الأزمات في العراق حاليا ، فقد بات تكرارها عندنا مساو لعدد فروض الصلاة على طريقة أهل السنّة خمس مرات في اليوم.. والمفارقة هي أن ساستنا لم يتموا أو ينهوا أزمة واحدة فما أن يشرفوا على انتهاء الفرض حتى يُحدِث احدهم فتبطل الصلاة ويتوجب إعادة أداءها من جديد .. مع أنهم أصحاب اختصاص .. وبقيت كلها معلقة وديون واجبة السداد وتعال يا شعب سدد .. وشعبنا مسكين .. لم يحصل إن قال لهم يوماً : يابه تعالوا: الفروض أفتهمنا واجب .. بس أنت تُحدِث وآنا أسدد عنك ..؟ هاي على يا مذهب ..؟.. وهاهم في أزماتهم قوامون أناء الليل وأطراف النهار.. ولكن ليس قربة لوجه الله إنما قربة لطموحاتهم في الحكم وتدافعهم على السلطة والثروة والنفوذ ..
فالأزمات أزماتهم والمعارك معاركهم والشعب يدفع الفواتير فقراً وبطالةً وشح في الخدمات وإملاقا في الكهرباء وغرقاً في الفوضى.. وإلا فاسألوهم .. هل أن احتدام أزماتكم بسبب الاختلاف على خطة اقتصادية ..؟ أم بسبب تباين وجهات النظر بشأن توفير الكهرباء ..؟ هل أن من بين أسباب أزماتكم : البطالة..؟ أم الفقر ..؟ أم الفساد ..؟ أم مغادرة الطائفية والعرقية والعشائرية والمحاصصة ؟.. لا هذا ولا ذاك .. إنما التدافع على السلطة والنفوذ والمناصب.. ولأن الغايات غير شريفه فان الوسائل من نفس الصنف غير شريفة أيضا فبدلا من الاحتكام إلى الدستور أو العودة إلى الشعب.. ينقلون المعارك إلى الشارع ويهيجون الناس ضد بعضها ويشيعون الكراهية ويقوضون السلم الأهلي.. ويعرضون مستقبل العراق ومصيره في سوق النخاسة لكل من هب ودب ابتغاء دعم منه وإسناد على بعضهم .. ثم هلا يبينون لنا أفضليات بعضهم على بعض أم أنهم جميعا باميا بترا..؟..
مع ذلك فان الأزمة الحالية تمثل نموذج للأزمة السياسية.. من حيث : تخندق أطراف الأزمة ، تحديد ووضوح المشكلة ، اتجاه بوصلتها إلى التصعيد... وكما يلي :
أولا : الأزمات السابقة لم تكن بهذه السعة فلم تشمل جميع الأطراف السياسية ولم يحصل إن انخرط الجميع في أزمة كما هو حاصل اليوم.. فقد حصلت أزمة عنيفة بين بريمر والتيار الصدري ومن ثم بين علاوي وبين التيار الصدري تلتها أزمة بين المجلس الأعلى وبين التيار الصدري ومن ثم بين التيار الصدري وبين المالكي لتبدأ ومنذ انتخابات 2010 أزمة السجال الوطني والأزمة المستدامة بين المالكي و علاوي والتي اتخذت طابع حرب الاستنزاف .. وقد شهدت حرب علاوي ـ المالكي فتح جبهات ثانوية على هامش المعركة الأم بين المالكي ومحافظة صلاح الدين وبين المالكي وبين محافظة ديالى وبين المالكي و طارق الهاشمي ومن ثم استقطبت مسعود برزاني إلى إن تبلورت أخيراً بدخول التيار الصدري الحرب إلى جانب الحلفاء ضد محور المالكي .. رافق التوسع في عدد وثقل الأطراف التي انخرطت في الأزمة وضوح التخندق فقد انتظموا في خندقين رئيسيين واضحين .. خندق يسعى لأبعاد المالكي وآخر يسعى إلى استبقاءه.. الساعون إلى إقصاءه هم : علاوي والبرزاني ومقتدى الصدر والساعون إلى استبقاءه هم تحالف دولة القانون وهو جناح المالكي من التحالف الوطني ...
ثانيا : في هذه الأزمة بالذات وخلافاً لما سبقها من أزمات .. الهدف واضح ومحدد وجلي وهو إبعاد المالكي عن الحكم هذا هو المعلن ولكن غير المعلن مآرب أخرى يتعين على من يخلف المالكي الانصياع لها .. فالأزمة الحالية ليست أزمة حكومية يمكن معالجتها بإقالة وزير أو سحب الثقة من الحكومة لتستقيل ومن ثم يعاد تشكيلها وقد يتم تكليف رئيس الحكومة المقالة نفسه بإعادة تشكيل الحكومة الجديدة.. على غرار ما كان معمول به في تاريخ الحكومات العراقية البرلمانية في الحقبة التي سبقت عام 1958 أو في دول المحيط الإقليمي حالياً .. المطلوب هذه المرة رأس المالكي بالذات وقد أعلن تحالف القوى الساعية لإقصاء المالكي أنها لا تمانع في استبداله بآخر من كتلة التحالف الوطني ذاتها .. فإذن المالكي وليس التحالف الوطني ..
ثالثا : اتجاه بوصلة الأزمة إلى التصعيد .. فعلاوي لا يحتاج إلى تصعيد فهو مصعّد من الأساس ، ومسعود برزاني قطع كل الجسور في طريق التراجع ، أما سيد مقتدى فقد سبق السيف العذل فقد أدى الرجل ما عليه فهو أصلا لم يكن موافقاً على تولي المالكي للحكم لكنه اجبر أو مورست ضغوط عليه من قبل الطرف الإيراني فوافق مضطراً وعندما أطلق المالكي وعود المائة يوم لمعالجة ضعف الأداء الحكومي منحه سيد مقتدى 6 أشهر وانتهت العطوه .. وعندما ذهب إليهم إلى أربيل باتت الرجعة صعبة للغاية عليه.. صحيح أنهم ( علاوي والبرزاني ) استغلوا موضوع التحاقه بهم إلى أربيل وإعلان موقفه بمعزل عن أطراف التحالف الوطني ومارسوا ليّ الذراع ضده فاشترطوا عليه لحضورهم إلى النجف أن يعلنوا سوية ومن خلال مؤتمر صحفي علني سحب الثقة من المالكي ( وهو استخفاف بالبرلمان ولكن هذا هو واقع الأمور ) .. وعندما لم يوافق أرسلوا ممثليهم وهم يحملون قرارات جاهزة كتبوها هم ووقعوا عليها في أربيل فأضاف سيد مقتدى توقيعه عليها في النجف .. وبعد تصريحاته العلنية وتوجيهاته بات طريق الرجوع عن مسعاه لإقصاء المالكي وعراً ومليئاً بالأشواك ..
رابعا : العامل الذي ساهم بتصعيد الأزمة هو طبيعة المعالجة التي اعتمدها المالكي والتي لا تخرج عن الأسلوب التقليدي في مواجهة الأزمات والذي يستخدم عادة من قبل الأنظمة الدكتاتورية والتي ترفض الاعتراف بوجود أي خلل في كيانها أو منهجها أو سلوكها .. تلك المعالجات لا تخرج عن الآتي :
1 . كبت الأزمة : بمعنى تأجيل ظهور الأزمة ..
2 . بخس الأزمة : ويعني التقليل من شأنها من حيث التأثير والنتائج..
3 . إخماد الأزمة : من خلال الصدام والعنف ..
4 . تنفيس الأزمة : من خلال إحداث فسح المجال إلى تنفيس الضغوط للتخفيف من حالة الغليان والغضب عند الطرف الآخر ..
5 . تفريغ الأزمة : إيجاد مسارات بديلة للتحول إلى مسارات فرعية عديدة تستوعب جهد قوة الدفع الرئيسية المولدة لتيار الأزمة وتقلل من خطورتها ، ومن ثم الصدام ، ومرحلة وضع البدائل لكل فرقة انبثقت من الصدام إن ترغيباً أو تهديداً .. ومرحلة التفاوض مع أصحاب كل فرع أو بديل.. .
في حين أن الطرق الحديثة لمعالجة الأزمات تقوم على الآتي :
1 . طريقة فرق العمل .. حيث يتطلب الأمر وجود فريق عمل من خبراء متخصصون في مجالات مختلفة يقوم كل منهم باحتساب كل عامل من العوامل وتحديد التصرف المطلوب ..
2 . طريقة الاحتياطي التعبوي للتعامل مع الأزمات فيتم تحديد مواطن الضعف والأزمات المحتملة لتهيئة احتياطي تعبوي وقائي لمواجهتها ..
3 . طريقة المشاركة الديمقراطية للتعامل مع الأزمات : وتعني التعامل الشفاف بين أطراف الأزمة لتهيئة الأرضية لمعالجتها بشكل تفاعلي وتعاوني ..
4 . طريقة الاحتواء : أي محاصرة الأزمة في نطاق ضيق بمعزل عن العوامل الأخرى وحلها عن طريق الحوار والتفاهم مع قيادات الأزمة ..
5 . طريقة تفريغ الأزمة من مضمونها : فلكل أزمة مضمون سياسي اجتماعي ديني ثقافي إداري .. ومعالجتها وفق هذه الطريقة هي من خلال إفقاد الأزمة لهويتها ومضمونها وعندها تفقد قوة الضغط لدى الطرف الآخر ..
هذه الطرق الأكاديمية لمعالجة الأزمات ولكن من وجهة نظري فان أمضى سلاح لمواجهة الأزمات هو أن تكون مخلصا أمينا صادقا مع الناس فإنهم الظهير المضمون وقت الشدائد وبصرف النظر عن النتائج الميدانية والأمثلة في التاريخ كثيرة وأسطعها قضية الحسين عليه السلام .. وقضايا أخرى مثل قضية غاندي التي رسخته قضية اغتياله بدلا من أن تمحقه ، وقضية عبد الكريم قاسم الذي صنع الفقراء سدا كاد يمنع من الوصول إليه ، وقضية سلفادور الليندي الذي شكلت قضية قتله انعطافة جذرية في نفوس شعبه .. ولكن أن ينشغل الحاكم بطموحاته ومصالحه هو وبطانته دون الشعب فان التدحرج من السفح سيكون قاسياً.. فمواجهة الشعب لا تختلف عن مواجهة الخالق .. محظوظ الذي يواجهه بقلب سليم ..
وفوق ذلك فان خندق المالكي ( اعني التحالف الوطني ) هشاً فاغلب أطرافه تتذكر أن القاسم المشترك الذي جمعهم بعد انتخابات عام 2010 هو : أن يكون رئيس الوزراء شيعيا والذي اعتبروه خطاً احمر تتوقف على أعتابه كل الاعتبارات وعندما شكلوا التكتل الأكبر لبلوغ هذه الغاية فإنهم بذلك قد انشأوا كيانا جديدا ذا شخصية معنوية يختلف عن أي من الأطراف المكونة له وفي هذه الحالة فان رئاسة الحكومة حصة التشكيل المستحدث.. ورئيس الحكومة يتم اختياره بالتصويت.. لكن المالكي باغتهم بأن رئاسة الحكومة من حصة تشكيله هو ( قائمة دولة القانون ) باعتبارها الأكبر نسبياً وإلا تحالف مع غيرهم..
في حين أنه يعرف أنهم متمسكون بنظرية حكم المكون.. وبهذا فهو أول من خرج على نظرية المكون المذهبي لصالح الحكم .. وفي هذه الحالة مارس صيغة لي الأذرع مع ضد الكتل المتنافسة باعتبار أنه بات ينتمي إلى الكتلة الأكبر فخطف رئاسة الحكومة منها تحت لافتة التحالف الوطني .. في نفس الوقت مارس ذات الصيغة مع مكونه الشيعي فخطف رئاسة الحكومة منهم تحت لافتة دولة القانون .. وفي هذه الحالة بات في صدر كل منهم ضغينة ضده عبروا عنها بصيغ مختلفة حتى جاءت هذه الأزمة.. وبدلا من أن يقول لهم هذه أمانتكم ردت أليكم فانه واجههم بمنطق : حتى وان أرادوا بديلا .. فالبديل من دولة القانون وليس من التحالف الوطني .. في هذه الحالة ليس في كل مره تسلم ألجره .. فأبقوه وحيدا في الخندق وكل الدلائل تشير إلى انه سيواجه أحد أمرين إما أنهم يلتحقون بالخندق الخصم للحفاظ على عدم خروج رئاسة الحكومة من المكون وعندها يتعين على البديل ممارسة استسلام الفرسان فيذعن لمطالب البرزاني علاوي .. أو يمتنعون عن التصويت على إقصاء المالكي ولن يغير ذلك في الأمر شيئاً.. يبقى أمام المالكي خياران إما استسلام الفرسان وربما بات الوقت متأخرا .. أو الانتخابات المبكرة وتشير الدلائل على أنه سائراً في هذا الاتجاه ... ولكن ولكن ولكن .. تبقى الحقيقة قائمة وهي أنها معركتهم وليست معركة المواطن العراقي .. وهي أزمة منهج حكم ونظام سياسي وليست أزمة حكومية عابرة .. هذا ما أحاول قوله في الحلقة القادمة ..
قبل أن أنسى : ليس مستنكراً أن تعتز بقوميتك أو دينك أو مذهبك ولكن .. اجعل المواطنة أكليلاً.. والمتعصب هو من يرى شرار قومه أفضل من خيار الآخرين .. فكيف بالذي يرى شرار بطانته والفاسدين منهم أفضل من خيار قومه ..؟؟..