| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الجمعة 27 / 2 / 2015 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
صفحات من كتاب تحت الطبع
سنوات الفساد ..التي أضاعت كل شيء (2)
تاريخ الفساد في العراق ..القُدوَه ...
الذي تنكرت له عشيرته وأتباعه...موسى فرج
كان عمر أبن الخطاب في مجلسه مع الصحابة وجاءه مال من عامله على فارس ومن بين المال بساط مرصع بالمجوهرات ، فأمر عمر بإحصاء مجوهرات البساط (لعلم سابق بعددها)، فلما وجدها كاملة لم يأخذ منها حاملها أو غيره شيئاً، حمد الله وتبسم، فقال علي بن أبي طالب: (عففت فعفّوا، ولو رتعت لرتعوا)..
فإذن إن عف الحاكم عفت المعيه ولو رتع رتعوا.. فالحاكم يتخذه ما دونه في هرم السلطة مثلاً يتبعونه في سلوكهم الوظيفي وهو أكثر تأثيرا عليهم من النصوص سماوية كانت ، وإلا لقال: قد منعتهم من ذلك نصوص القرآن.. أو وضعيه لأن المحكومون عندما يفطنون بأن الأعلى لا يتقيد بالقانون الذي ينادي بتطبيقه هو فإن القانون يفقد فاعليته في تنظيم سلوكهم وعندما يجد الناس عدم تطابق فعل الحاكم مع قوله يكون تأثير توجيهاته وخطبه عليهم معكوساً ـ فالسيف أصدق إنباءً من الكتب ـ والناس يقينها بالمرئي أكثر من يقينها بالمسموع .. فالحاكم بإمكانه أن يكون قدوة يرتقي بما دونه الى العفة والإستقامة وبإمكانه أن يكون لهم مفسداً فينحدر بهم الى هاوية الرذيلة ، تلك قاعدة عامة ولكن غني عن القول أن لكل قاعدة إستثناء فهناك الذين لا يمكن إفسادهم وأولائك الذين لا يمكن إصلاحهم .
في زمان آخر وموضع آخر عبّر الشاعر عن تأثير سلوك الرأس فقال:
إذا كان رب البيت بالدف ناقراً... فشيمة أهل البيت كلهمُ رقصُ.
فسلوك الحاكم يُتخذ منهجاً وتُعتمد أفعاله سوابق وسنن ، فإن كان نزيهاً صار قدوه وإن كان فاسداً بات فوق فساده مفسداً...
في البيئات المجتمعية المتحضرة يتصاغر دور الحاكم لصالح سيادة القانون وحكم المؤسسات ويضيق دور القدوة في التأثير لينحصر في سد بعض الثغور الخالية في جدار القيم المترسخة في وجدان المجتمع وينصب في تأكيد الإلتزام بالقائم منها وإجراء عمليات الإدامة والتجديد عليها ، يحصل ذلك بسبب إكتمال البناء التراكمي للثقافة والسلوك ، فظاهرة ( كل أمة تأتي تلعن سابقتها ) غير موجودة في تلك المجتمعات انما يكملون ما بدأه المؤسسون ، ولكن في المجتمعات المتخلفة ذات الطابع العشائري البدوي فإن مفردات القيم عندهم محل نظر تبعاً لتقلبات سلوك المتنفذين منهم لتلبية حاجاتهم هم ، والسائد في ثقافتهم لا يتسق مع عمومية وثبات القانون المنظم لسلوك المحكومين فهم يقاومونه بحجة أنه وضعي وليس إلهي في نفس الوقت تمرق ثقافتهم من القيم والنصوص الدينية تحت ذريعة أن القائمين عليها ذو غفلة ويقبعون في منعزلاتهم بعيداً عن الحركة المتجددة في الحياة اليومية وميدان السلوك، وهم دائمو السخرية منهم لأنهم إستأثروا بما وصفِوا به خاصه :( إنما الأعراب أشد كفراً ) ، كل ذلك ليحتكموا الى المتراكم والمستجد والمنتقى من عاداتهم هم .. وهي في مجملها تتبنى سلوك وأفعال المتنفذين منهم..
الأوضاع التي كانت سائدة يومذاك ..؟
المسلمون وبمجرد إنتقال النبي (ص) الى الرفيق الأعلى تحركت في صدورهم قيمهم السابقة التي تحقق مصالح المتنفذين منهم فقالوا بالعشيرة وقرروا الحكم حكراً بقريش وجعلوه شرطاً يتعالى على الإستقامة والمقدرة وقالوا بأفضلية المهاجرين على الأنصار وقالوا بتبجيل (السابقون السابقون) على غيرهم.. ومارسوا الضغوط على الحكم حتى تطور الحال لأن يطلق عمر مقولته الشهيرة : ( لا أجعل من قاتل رسول الله كمن قاتل معه ).. فأسس بذلك سنّة تتعارض مع منهج النبي الذي قال بالمساوة في العطاء بين الأَمَةِ والسيد وسار عليها أبو بكر خليفته الأول ، وكان من نتيجة ذلك نشوء طبقة جديدة إستأثرت وإغتنت وباتت تهدد البناء القيمي والسياسي .. حتى أن عمر نفسه ندم على ذلك وقال في أواخر أيام حكمه: (والله لئن بقيت الى العام المقبل لألحقن آخر الناس بأولهم ، ولأجعلنهم رجلاً واحداً).. فكان بذلك يريد ضرب الطبقة الجديدة وإحلال المساواة الإجتماعية بينهم ، زاد من تفاقم الحالة تكدس الأموال عند بعضهم بسبب ما أفاءت به الفتوحات ومغانمها من مكاسب ومزايا مالية ومادية وأملاك ...
وحصل التمادي في تقريب للخاصة والعشيرة والأقارب وتوزيع المناصب والثروة عليهم في عهد عثمان حتى أن الأمر إنتهى بالثورة على حكمه ومقتل الخليفة نفسه وقد وصف عباس محمود العقاد (في كتابه ـ عبقرية علي ، الصفحة: 63) تراكم الثروة عند بعضهم بالآتي : (في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال فكان لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار وألف ألف درهم ، وقيمة ضياعه بوادي القرى وحنين وغيرها مائة ألف دينار وخلف إبلا وخيلاً كثيرة ، وبلغ الثمن الواحد من مَترُوك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار ، وخلف ألف فرس وألف أمة ، وكانت غلة طلحه من العراق ألف دينار كل يوم ومن ناحية السراة أكثر من ذلك ، وكان على مربط عبد الرحمن بن عوف ألف فرس وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم ، وبلغ الربع من مَترُوكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفا ، وخلف زيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كان يُكسَّر بالفئُوس غير ما خلف من الأموال والضياع ، وبنى الزبير داره بالبصرة وبنى أيضاً بمصر والكوفة والاسكندرية .. وكذلك بنى طلحة داره بالكوفة وشيَّد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج ، وبنى سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق ورفع سمكها وأوسع فضاءها وجعل على أعلاها شرفات، وبنى المقداد داره بالمدينة وجعلها مجصصة الظاهر والباطن ، وخلف يعلى بن منبه خمسين ألف دينار وعقارا وغير ذلك ما قيمته ثلاثمئة ألف درهم).
فكان عهد علي ثورة على قيم الفساد السائدة حينذاك.. لم يخطها في صومعة بل كانت مضمخة بسلوكه في الميدان :
أولاً: خطب في اليوم التالي لبيعته ( معلناً عن برنامجه الحكومي ) وجاء فيه :
1ـ (أيها الناس إنما أنا رجل منكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم وإني حاملكم على منهج نبيكم ومنفذ فيكم ما أُمرت به) .. . (لا دولته ولا فخامته.. إنما واحد منكم ، وأطبق عليكم الدستور). .
2ـ (المال مال الله يُقسّم بينكم بالسوية ولا فضل فيه لأحد على أحد)..
(لا عشيرة ولا حزب ولا بطانه ولا أقربون .. الكل سواء ..) . .3ـ (كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فإن الحق لا يبطله شيء)..
(لا إمتيازات ولا منافع إجتماعيه ولا تقاسم لشواطئ دجله ولا تمليك لعقارات الدولة الدولة خلافاً للدستور ولا فرهود تحت جنح هيئة منازعات الملكية أو هيئة المساءلة والعداله ..).4ـ (ولو وجدته قد تزوج به النساء .. وملك به الإماء ، وفُرق في البلدان لرددته ، فإن في العدل سعة ، ومن جار عليه الحق فالجور عليه أضيق ..) .
(إسترداد المال العام حتى لو كان مهراً لعروس أو برج في دبي.. أو سيارات البورش للصبيان ، أو ملاعب في قلب لندن للفتيان، أو جوازات دبلوماسية للنسوان ...). .5ـ (أيها الناس .. ألا يقولن رجال منكم غداً ـ قد غمرتهم الدنيا فإمتلكوا العقار وفجروا الأنهار وركبوا الخيل وإتخذوا الوصائف المرققة ـ إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه واصرتهم على حقوقهم التي يعلمون (حرمنا أبن أبي طالب حقوقنا) .. ألا وأيما رجل من الهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله يرى أن الفضل على سواه بصحبته فإن الفضل غداً عند الله وثوابه وأجره على الله)
(الخدمه الجهاديه والصحبه ثوابها عند الله في الدار الآخرة وليس من موازنة الشعب..). .6ـ (إبدأ بالمهاجرين يا عُبيد الله)..
(المباشرة بالتنفيذ ودون إبطاء والبدء بأكثرهم نفوذاً...).ثانياً: السياسات والقرارات الرسمية لا تكون ذات قيمه ما لم ترافقها إجراءات في الميدان تعزز مصداقيتها .. فكانت الإجراءات الآتية : .
1ـ كشف الذمة المالية :
ـ خاطب أهل البصرة قائلاً: (يا أهل البصرة : ما تنقمون مني ..؟ هذا لمن غزل أهلي ..! وأشار الى قميصه ..).
ـ وخاطب أهل الكوفة بقوله : (يا اهل الكوفة .. إذا أنا خرجت من عندكم بغير راحلتي ورحلي وغلامي فأنا خائن ..).
ـ وفي نهاية الخدمة كان كشف الذمة المالية مدون فيه الآتي:
(أن أحداً من رعاياه لم يمت عن نصيب اقل من النصيب الذي مات عنه وهو خليفة المسلمين). (طبعاً في تلك العصور لا توجد حسابات بنكيه ولا غسيل للأموال ولا وول ستريت ..).2ـ عند قدومه الى الكوفة التي أصبحت عاصمة الدولة كان يوجد فيها قصر الإمارة فهيئوه له لينزل فيها .. قال لهم : (قصر الخبال لا تنزلونيه ..!.).
ـ تناهى الى علمي أن أحد أتباعه في عراق المحاصصة رفض الخروج من القصر الحكومي الخاص برئيس الوزراء وتسليمه للجديد مع أنه من حزبه .. وليومك.
ـ وآخر كان زمان يلهج من فوق المنابر بمناقب وسجايا علي لكنه ـ حرّم ما يسلم ـ الدار للذي آل اليه المنصب .
ـ وعندما إنتقلت حقيبة النفط من وزير (تابع لأحد الأحزاب) الى الشهرستاني رفض بعض منتسبو الحزب وهم من أتباع علي.. أداء الصلاة في مبنى وزارة النفط بدعوى أن الوزارة مغصوبه .. وكأنهم لا يقرون بالتداول السلمي للسلطه...!.
ثالثاً: ثوابته العامه :
ـ نظرته للشعب : (الناس صنفان : إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق ..).
ـ لا طائفيه ولا عرقيه ولا حزبيه ولا عشائريه ولا مناطقيه ..
ـ نظرته للسلطة : (ليس لي أن أحملكم ما تكرهون).
ـ نظرته للحكم : (إمرتكم هذه ما لم أقيم بها عدلاً وأدحر باطلاً لا تساوي شسع نعلي ..).
ـ نظرته لتحقيق العدالة: (فإنّ الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والأخذ للضعيف من القويّ غير مُتعتع فإنّي سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن : لن تقدّس أُمّة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القويّ غير متعتع..) .
ـ نظرته للطبقية: (الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض ..)
ـ نظرته للأوساط الشعبية: (أهل العامّة من الأُمّة ( الأوساط الشعبية ) عمود الدين وجماع المسلمين والعدّة للأعداء فليكن لهم صَغوك واعمد لأعمّ الأُمور منفعة وخيرها عاقبة... وليكن أحبّ الأُمور إليك أوسطها في الحقّ وأعمّها في العدل وأجمعها للرعية فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة..).
ـ موقفه من الخاصة : (ليس أحد من الرعيّة أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقلّ له معونة في البلاء وأكره للإنصاف وأسأل بالإلحاف وأقلّ شكراً عند الإعطاء وأبطأ عذراً عند المنع وأضعف صبراً عند ملمّات الأُمور من الخاصّة..).
ـ شرائح المجتمع عنده :
ـ (ثمّ التجّار وذوي الصناعات فاستوص وأوص بهم خيراً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفّق بيده فإنّهم موادّ للمنافع وجلاّبها في البلاد في برّك وبحرك وسهلك وجبلك..)
ـ (وأهل الصناعات التي أجرى الله الرفق منها على أيديهم فاحفظ حرمتهم وآمن سبلهم وخذ لهم بحقوقهم فإنّهم سلم لا تُخاف بائقته وصلح لا تُحذر غائلته .. فتفقّد أُمورهم بحضرتك وفي حواشي بلادك..).
ـ (ثمّ الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم والمساكين والمحتاجين وذوي البؤس والزمنى فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً فاحفظ الله ما استحفظك من حقّه فيها واجعل لهم قسماً من غلاّت صوافي الإسلام في كلّ بلد فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى..).
ـ (وتعهّد أهل اليُتم والزمانة والرقّة في السنّ ممّن لا حيلة ولا ينصب للمسألة نفسه فأجرِ لهم أرزاقاً فإنّهم عباد الله فتقرّب إلى الله بتخلّصهم ووضعهم مواضعهم في أقواتهم وحقوقهم فإنّ الأعمال تخلص بصدق النيّات..) .ـ (واجعل لذوي الحاجات منك قسماً تفرغ لهم فيه شخصك وذهنك من كلّ شغل ثمّ تأذن لهم عليك وتجلس لهم مجلساً تتواضع فيه لله ..).
ـ (ثمّ احتمل الخرق منهم والعيّ ونحِّ عنك الضيق والأنف ..).
ـ (وإن ظنّت الرعية بك حيفاً فأصحِر(أفصح) لهم بعذرك وأعدل عنك ظنونهم بإصحارك ( بمصارحتك لهم ) فإنّ في تلك رياضة منك لنفسك ورفقاً منك برعيّتك ..).
ـ تعظيم الوفاء بالعهود: (فلا تغدرنّ بذمّتك ولا تخفر بعهدك ولا تختلنّ عدوّك فإنّه، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه ، ولا يدعونّك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه فإنّ صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته..).
ـ (إيّاك والدماء وسفكها بغير حلّها فإنّه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدّة من سفك الدماء بغير الحقّ ..).
ـ (ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد لأنّ فيه قود البدن..).ـ (فإن ابتليت بخطأ وأفرط عليه سوطك أو يدك فلا تطمحنّ بك نخوة سلطانك عن أن تؤدّي إلى أهل المقتول حقّهم ديّة مسلّمة يتقرّب بها إلى الله زلفى..).
ـ (إيّاك والمنّ على رعيّتك بإحسان أو التزيّد فيما كان من فعلك أو تعِدهم فتتبع موعدك بخُلفك أو التسرّع إلى الرعية بلسانك فإنّ المنّ يبطل الإحسان والخُلف يوجب المقت ..).
ـ أحد الحكام يعيّر العراقيين فيقول لهم كنتم حفاة فألبستكم نعُلا..!، وآخر يقول لهم كنتم لا تخرجون الى الشارع بعد الرابعة عصرا فأصبحتم بنعمتي تخرجون للدربونه..!.
ـ (ثمّ املك حميّة أنفك وسورة حِدّتك وسطوة يدك وغرب لسانك .. واحترس كلّ ذلك بكفّ البادرة وتأخير السطوة .. وارفع بصرك إلى السماء عندما يحضرك منه حتّى يسكن غضبك فتملك الاختيار..).
ـ يعني حتى لو شتموك وجاهة (وليس بالفيسبوك) وغضبت فإياك وسوطك ويدك ولسانك بدلاً من ذلك إرفع بصرك للسماء حتى يسكن غضبك وتتمالك نفسك ..
ـ نظرته للناس فرادى : (لا يكوننّ المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء فإنّ ذلك تزهيد لأهل الإحسان في الإحسان وتدريب لأهل الإساءة على الإساءة فالزم كلاًّ منهم ما ألزم نفسه..
ـ تقييمه للناس : قيمة المرء ما يحسنه ..).
فالجندي الجيد خير من الضابط السيء والممرضة الجيدة خير من الطبيب السيء والحداد الجيد خير من المهندس السيء والفلاح الجيد خير من وزير الزراعة السيء والمواطن الجيد خير من رئيس الجمهورية السيء ..ـ لا مجامله ولا إستصغار: ( ولا يدعونّك شرف امرئ إلى أن تعظّم من بلائه ما كان صغيراً ولا ضِعة امرئ على أن تصغّر من بلائه ما كان عظيماً ).
رابعاً: موقفه من التحزب :
ـ (فان الوالي إذا اختلف هواه منعه ذلك كثيراً من العدل فليكن أمر الناس عندك في الحق سواء ، فانه ليس في الجور عوض من العدل ).
خامساً: موقفه من المال العام :
(وليكن نظرك في عمارة الأرض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة ، ومن يجلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم أمره إلا قليلا..)
ـ عمارة الأرض يعني المشاريع وليس التشغيلية ولا الهبات ولا الفضائيات ولا المنافع الإجتماعية ..
سادساً: موقفه من الضرائب :
(فإن كانوا شكوا ثقلا أو علّة من انقطاع شرب أو إحالة أرض اغتمرها غرق أو أجحف بهم العطش أو آفة خفّفت عنهم ما ترجو أن يصلح الله به أمرهم ، وإن سألوا معه معونة على إصلاح ما يقدرون عليه بأموالهم فاكفهم مؤونته فإنّ في عاقبة كفايتك إيّاهم صلاحاً فلا يثقلنّ عليك شيء خفّفت به عنهم المؤونات فإنّه ذخر يعودون به عليك لعمارة بلادك..).
ـ (العمران محتمل ما حمّلته وإنّما يؤتى خراب الأرض لإعواز أهلها وإنّما يعوز أهلها لإسراف الولاة وسوء ظنّهم بالبقاء وقلّة انتفاعهم بالعبر ..).
سابعاً: إشغال الوظائف :
(الإلتزام بقول النبي : من ولى امر المسلمين شيئا فأمّر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتى يدخله جهنم..).
ـ (لا يكن اختيارك إيّاهم (موظفيك) على فراستك واستنامتك وحسن الظنّ بهم فإنّ الرجال يعرفون فراسات الولاة بتصنّعهم وخدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة ولكن اختبرهم بما ولّوا للصالحين قبلك فاعمد لأحسنهم كان في العامّة أثراً وأعرفهم فيها بالنبل والأمانة .. واجعل لرأس كلّ أمر من أُمورك رأساً منهم لا يقهره كبيرها ولا يتشتّت عليه كثيرها . ثمّ تفقّد ما غاب عنك من حالاتهم ..).
ـ إختيار المدراء : (استعملهم اختباراً ولا تولهم محاباة وأثره فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة)..
ـ مواصفات القادة عنده: (وتوخ منهم أهل التجربة والحياء..).
ـ يعني (تكنوقراط ونزيه)..
ـ بلغني قبل يومين أن أحد أصدقائي الثقاة كتب يقول: نزل ضابط شرطة تحيطه ثلة من حماياته ودلف المركز الامتحاني المخصص للدراسة الابتدائية وقد تصورته زائراً أو متابعاً لشؤون الطلبة فباشرت بشرح الظروف المحيطة بنا ، لكنه سألني عن مكانه في القاعة فسألته.. لم ذاك يا أخا الشرطة..؟ فقال : كي أمتحن ..! فتبين أن السيد المقدم أو ربما قال العميد لم ينه دراسته الإبتدائية بعدُ..!.
ـ السجل النظيف: (إن شر وزراءك من كان للأشرار قبلك وزيرا ، ومن شاركهم في الآثام فلا يكون لك بطانة فإنهم أعوان الآثمة وإخوان ألظلمه..).
ـ قرأت أمس أمراً وزارياً مذيل بتوقيع وزير الثقافة يعيد النظر فيه بالمدراء العامين في وزارته .. كان الأمر يشبه الى حد بعيد تدوير القطع في بيوت النرد ( خانات الطاولي ) لم يغادر قديم ولم يُستقدم جديد .. ولم يتم تجديد الهواء لدرء الإختناق ..
ـ مراقبة المسؤولين: (وقد كان يحاسب ولاته حتى على حضورهم الولائم التي لا يجمل بهم حضورها .. فكتب إلى عثمان بن حنيف عامله على البصرة يلومه : ما ظننت انك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو..).
ـ كتبت أكثر من مرة وغيري كثيرون كتبوا منتقدين ظاهرة وجود المأكولات والفواكه والعصائر على طاولات الإجتماعات الرسمية للكبار ، وحتى أني قلت ذلك على قناة الفيحاء الفضائية لكنهم لم يقلعوا عن هذه العادة والمشكلة أنهم يناقشون الضائقة المالية التي يمر بها البلد من جراء تدهور اسعار النفط والطاولات تضيق بما فوقها حتى لا يجدون مكاناً لقصاصات الورق التي يستخدمونها لتدوين ملاحظاتهم.. لكنهم والحق يقال يشمرون عن سواعدهم في ليلة العاشر لتوزيع المأكولات على المارة.. وولائمهم عامرة في يوم الاحتفاء بعلي .. وهو الذي كأن يستعين بركبته كي يكسر رغيف الشعير ، حتى أن أحد أصحابه أنّب فضه خادمته قائلا: يا فضه أما تتقون الله في هذا الشيخ فتنخلون دقيقه ..؟ قالت له فضه : إنا نكره أن نؤجر ويأثم .. فقد أخذ علينا ألا ننخل له دقيقاً ما صحبناه ..!.
ـ الخضوع للمساءلة.. (من أين لك هذا..؟): (حاسب شريح قاضيه عندما وجده قد بنى دارا بثمانين دينارا في حين أن دخله 500 درهم ..).
ـ نحن في زمان غير زمان شريح ومئات الدراهم والدنانير لا تستحق التوقف عندها نحن نتكلم عن المليارات والترليونات .. والمشكلة أنك ما إن تقول لأحدهم ذلك حتى يقول لك : كانت لي مناجم ذهب وشركات سك النقود أنفقتها على حبه أثناء إشغالي المنصب..!.
ـ لجم البطانة : (أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنّك إلاّ تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان خصمه..).
ـ في الانتخابات الأخيرة إنتصبت لافتات تقول : مكرمة الحاج فلان سكرتير فخامة فلان في حين أن المال مال الخزينة يوظفه الأفخم فلان ليفوز به الحاج فلان..
ـ الشدة في محلها : (وأني أقسم قسماً صادقاً لئن بلغني انك خنت شيئاً من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدن عليك شدة تدعك قليل الوفر ثقيل الظهر ضئيل الأمر ، والسلام
ثامناً ـ معايير السلوك عنده:
يوصي ابنه الحسن فيقول :(يا بني : اجعل من نفسك ميزاناً بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تتمنى أن تُظلم ، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك..).
ـ موقفه من الرأي الآخر: كتب إلى واليه يوصيه قائلاً: (ليكن أقربهم إليك أمرّهم في قول الحق في حضرتك..).
ـ في بداية عهدي بالديمقراطية تورطت فقلت لأحدهم نص هذا الكلام فكاد يغمى عليه وشارف أن يجهش بالبكاء ..! سألته ما ألأمر..؟ تبين أن الرجل يستكثر أن يقال له ثلث الثلاثة واحد.. ويعجب أن يقال له على عينك حاجب ..!.
تاسعاً : القدوة في منظوره :
(إنما فرض الله على ولاة الأمر أن يتأسوا بأدنى رعيتهم ..).
ـ طبعاً يقصد من حيث المعاش .. .
ـ قوله في النزاهة : (النزاهة من شيم النفوس الطاهرة . )
ـ فالنزاهة ليست صنعه وليست لقب عشائري ، إنما هي إنعكاس لما تحمله النفوس النبيلة من قيم نبيله.. . وقوله أيضاً: (النزاهة آية العفه ..).
عاشراً : المسؤولية التضامنية بين الحاكم والمحكوم في بناء الحكم الصالح:
(لا تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية )..
ـ وليس كما هو شائع عندنا حيث ينتخبون الفاسد والفاشل ويمدونهما بكل أسباب الفرعنة ويلومون السماء لأنها سلطت عليهم النطيحة والمتجبر..! .
التوجع من الفساد :
ـ لقد كتب الى أبن عمه (ابن عباس الذي) كان واليا على البصرة فسرق بيت المال وهرب الى مكة قائلاً:
(أما بعد فإني أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ، ولم يكن من أهلي رجلاً أوثق منك في نفسي لمواساتي ومؤازرتي وأداء الأمانة إلي ، فلما رأيت الزمان على أبن عمك قد كَلِبَ ، والعدو قد حَرِبَ وأمانة الله قد خزيت ، وهذه الأمة قد فتنت (أُخذت أمورها بالهزل) وشُفرت (لم يبق فيها من يحميها) ن قلبت لأبن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين ، فلا أبن عمك آسيت ولا الأمانة أديت ، وكأنك لم الله تريد بجهادك ، وكأنك لم تكن على بينة من ربك ، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم وتنوي غرتهم عن فيئهم ، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة ، أسرعت الكرة ، وعاجلت الوثبة ، وإختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم ، إختطاف الذئب الأزل (السريع) دامية المعزى الكسيرة(المكسوره) ، فحملته الى الحجاز رحيب الصدر بحمله ، غير متأثم من أخذه كأنك ـ لا أباً لغيرك ـ حدرت الى أهلك تراثك من أبيك وأمك ، فسبحان الله ..! أما تؤمن بالمعاد ..؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ..؟! أيها المعدود ـ كان ـ عندنا من ذوي الألباب ، كيف تسيغ شراباً وطعاماً وانت تلعم أنك تشرب حراماً وتأكل حراماً، وتبتاع الإماء ونكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين ، الذين أفاء الله عليهم بهذه الأموال ، وأحرز بهم هذه البلاد ..؟ فغتق الله وأردد الى هؤلاء القوم أموالهم ، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن الى الله فيك ، ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار ! ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت ، ما كان لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى أخذ الحق منهما وأزيح الباطل عن مظلمتهما ، وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثاً من بعدي ، فضحَّ رويداً فكأنك قد بلغت المدى ، ودفنت تحت الثرى ، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي في الظالم بالحسرة ،ويتمنى المضيع فيه الرجعة ولات حين مناص والسلام ..).من جاء بعد علي ..؟.
ـ عبد الملك بن مروان الذي اعتلى المنبر ليخاطب الشعب بما قاله معاوية : (انما المال مالنا والفيء فيئنا فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا حرمناه )..!.
ـ وأبو جعفر المنصور الذي يقول : إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده وحارسه على ماله أعمل فيه بمشيئته وإرادته وأعطيه بإذنه فقد جعلني الله عليه قفلا إن شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم وقسم أرزاقكم وإن شاء أن يقفلني عليها أقفلني ..! .
ـ وهرون الرشيد: الذي يخاطب السحابة بقوله : سيري فإنك أنى ذهبت فخراجك لي .. هو يأذن للسحابة أن تجري على هواها فهي أنّى ذهبت فبملكه.. وكان عند هرون 2000 جاريه ، وعند المتوكل أكثر من ذلك غلمان ..
ـ وكانوا يدرسوننا في المتوسطة التاريخ العربي: ومن درره أن الخلفاء كان تصنع لهم أشجار من ذهب عليها بلابل تزقزق من زمرد وياقوت ويأكلون بملاعق من ذهب لمرة واحدة تستبدل بغيرها في كل وجبة..
ـ والحجاج الذي خاطب العراقيين بقوله : إني أرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها وأني لصاحبها..!. .. هؤلاء من حكموا قبله ومن حكموا بعده وتاريخهم موغل بالفساد .
لهذه الأسباب .. قال عنه محمود عباس العقاد : كان عليٌ عبئاً على من سبقه وعلى من جاء من بعده من الحكام .. فقد كان الناس يقارنون بينهم وبينه ..
قرأت أمس أن سلفيون في السعودية يحتجون على وجود كتاب عن الامام علي في معرض للكتاب في السعودية (مسقط رأسه) فالعشيرة مذ ذاك تنكرت له ولا تريده .. أما الأتباع فقد تنكروا له قدوةً ومنهج وإحتضنوه أسماً ومكانا .. فدولة المسلمين على إمتداد تاريخها ـ بإستثناء القدوة ـ كانت مخترقة من قبل الفساد والفاسدين ..
المدنيون والمدنيون فقط وبعضٍ من الآخرين كانوا أقرب الجميع الى منهجه وسلوكه وفعله وهم أحق من غيرهم بعلي فــ : حاشا أن يكون علي إماماً للفاسدين.. وكل الإدعاءات الأخرى باطله ببطلان الفساد ذاته ..