|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

الأثنين  23  / 12 / 2019                               موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

حال البرلماني الفائز وفق الدوائر المتعددة...

موسى فرج *
(موقع الناس)


في الدول الديمقراطية توجد عدة مستويات للتمثيل النيابي تبدأ من المجالس البلدية على مستوى المدن والقصبات الى المجالس المحلية على مستوى المحافظات لتصل الى المجالس النيابية على مستوى الدولة او الإقليم وأحيانا إن لم يكن في الغالب توجد مجالس أعلى من المجلس النيابي تدعى مجلس الشيوخ في بعض الدول ومجلس لوردات في أخرى وتسميات أخرى في دول أخرى...

ولكل مستوى من المجالس المذكورة طبيعة مهام تختلف عن مهام المستوى الأعلى وتبعاً لذلك فإن المهام المتوقع تحقيقها من النائب أو العضو في تلك المجالس تختلف باختلاف مستوى وطبيعة المجلس الذي ينضوي في عضويته فالمجلس البلدي أو المحلي ذا صفة خدمية مطلوب منه تحقيق أعلى مستوى ممكن من الخدمات وسبل العيش للسكان المحليين ضمن حدوده الإدارية واسعاف الطلبات الخاصة لأفراد المجموعة المحلية مع تحقيق العدالة بينهم وتبعاً لذلك فإن عضو المجلس البلدي أو المحلي معني بتحقيق ذلك وهو على تماس مباشر بمن انتخبه فإن وجد فيه قدرة على تلبية احتياجاته أعاد انتخابه والا عافه في الانتخابات القادمة وأختار مرشح آخر...

أما المجالس النيابية فمهمتها تشريع القوانين والرقابة على أداء الحكومة جمعاً وفرادى لتحقيق متطلبات أمن واستقرار وسيادة وازدهار البلاد وتبعاً لذلك فإن مهمة عضو مجلس النواب مختلفة كلياً عن مهام عضو المجلس البلدي أو المحلي فهو معني بالسعي لتحقيق مصلحة المجتمع جمعاً وليس فرادى وأيضاً الاشتراطات لقبوله أو رفضه مختلفة عن زميله المحلي...

أما عن مجلس الشيوخ أو اللوردات أو ما ماثلهما من مستوى فإن اختصاصه فلترة القوانين المشرعة من قبل مجلس النواب وممارسة الرقابة عليه...

- في العراق وبسبب حداثة التجربة وانعدام الاستقرار السياسي وأيضاً بسبب بناء البرلمان على أسس الطائفية والعرقية والمناطقية وتغوّل المحاصصة الحزبية على ما سواها من مسميات فإن الطبقة السياسية قد جيّرت البرلمان لخدمتها بدلاً من خدمة الشعب وجعلت من مشروعية البرلماني مستمدة من رضا الحزب ورئيس الحزب وبات البرلماني مندوباً بل قناً عند رئيس الحزب أو الكتلة بدلاً من أن يكون ممثلاً لمصالح الناخبين...
 
-
هذه الحال تسببت بردود فعل عنيفة عند الشعب والناخبين لأنهم وجدوا البرلماني في ممارسته لعمله انما يخدم حزبه وكتلته دون إيلاء أي اهتمام بمصلحة الشعب أو الناخبين ... في نفس الوقت فإن أعضاء مجالس المحافظات باتوا خداماً خصوصيين للأحزاب والكتل الحزبية وبدلاً من أن يقوموا بواجباتهم تجاه السكان المحليين فإنهم :

1. لبسوا أحذية تفوق مقاسات أقدامهم كثيراً عندما أطلقوا على أنفسهم مسمى مشرعين وذاك ليس اختصاصهم...
2. وفي نفس الوقت تقاسموا المغانم بين أنفسهم وعوائلهم وحواشيهم من جهة وبين احزابهم وأولياء نعمتهم من ساسة المحاصصة من ناحية أخرى وتركوا محافظاتهم تغرق في الفقر والبطالة وانعدام الخدمات الى جانب استشراء الفساد ليصل الى مديات لا تطاق ...

-
من جراء ذلك تصاعدت دعوات لأن يكون مجلس النواب مجلس خدمات وليس مجلس سياسة وطبعاً المقصود من ذلك أن يتوجه البرلمان للبناء وتأمين سبل العيش الكريم والخدمات للشعب بدلاً من الانغماس في المماحكة السياسية والطائفية والولاءات للأجنبي...
 
-
لكن الجمهور ومع تشخيصه الواعي والموضوعي بأهمية تحويل البرلمان من ممثل لأقطاب المحاصصة والفساد من الساسة الى ممثل للشعب فإن فهمه للأمر صاحبه خطأ في الوسيلة فنادى بإلغاء مجالس المحافظات والمجالس البلدية في حين كان الأجدى أن يسعى لفك ارتباطها بالأحزاب المهيمنة على السلطة في بغداد وحسن اختيار اعضاءها ومساءلتهم عن النتائج الميدانية ليجعلهم في خدمته هو وليس في خدمة أحزاب الفساد والمحاصصه أو أن يطالب باستبدال تلك المجالس بمجالس مهنية مختصرة تراقب أداء الدوائر والمسؤولين المحليين ...
 
-
وفي نفس الوقت التوجه لأسلوب جديد في اختيار البرلمانيين يحقق غرضين في آن واحد:

الأول: أن يكونوا نواباً للشعب وليس وكلاء لرؤساء الكتل والأحزاب.
والثاني: أن يحقق من خلالهم معالجة المعضلات الجوهرية التي يعاني منها العراق وهي استشراء الطائفية والعرقية والمناطقية وتعدد الولاءات للأجنبي الى جانب السعي لتحقيق البناء والنمو والازدهار للبلاد والتنمية المتوازنة بين مناطقه المختلفة تحقيقاً للعدالة الاجتماعية بين أبناء الشعب الواحد..
 
-
لكنه أخطأ الوسيلة هذه المرة أيضاً فبسبب ما يعاني منه المواطن من ضنك خانق في حياته اليومية من فقر وبطالة وشح الخدمات وانعدام العدالة في توزيع مخرجات الدولة والفساد الذي يتركز في سرقة أموالها ومواردها من قبل الأحزاب والكتل الحزبية وعتاة السراق من قادتها وبطاناتها...
 
-
وبسبب الفضاء المفتوح للمظاهرات وتسلل الطروحات والشعارات المنتجة بعضها في ورش احزاب الفساد والمحاصصة واعضاء مجالس النواب التابعين لها أو أن بعضها كانت رؤى لبعض الناشطين تخمرت في أذهانهم بسلامة نية وتم تسويقها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لساحات الاحتجاج حتى باتت شعارات تتبناها سوح المظاهرات ومن بين أهمها الآتي:

أولا: الانتخابات المبكرة: فهي مصيدة يستخدمها ساسة الفساد ليوظفوا كل إمكاناتهم ونفوذهم وأموالهم لتفويز مرشحيهم الذين ينزلون فردياً ولا يمكن ضمان انتخابات عادله ما لم يستأصل نفوذ الأحزاب وهيمنهتا ودون أن تمر مدة كافية بين حل مجلس النواب الحالي وبين اجراء الانتخابات...

ثانيا: ليس صحيحاً أن الترشيح الفردي لا تكون جل مخرجاته من الأحزاب النافذة كما يتصورها ويصورها البعض لأن الأحزاب ستدفع ممثليها للترشيح الفردي وتوظف كل نفوذها لخدمتهم وتضع كل ثقلها خلف كل واحد منهم ماليا ودعائيا واجتماعيا لتفوّزه على غيره مثلما فعلت أم موسى وهي تواكب وليدها الذي وضعته في اليم بعيونها وأنفاسها ودعاءها...
وبعد فوز المرشح يعود لحضن أمه وينقلب على فرعون مثل كليم الله ...

ولذلك قلنا ما لم يتم تعديل قانون الأحزاب وتمضي مدة بين حل البرلمان واجراء الانتخابات القادمة تكفي لاستئصال نفوذ أحزاب السلطة فإن التغيير ليس بمتناول اليد كما يظن المتوهمون...

ثالثاً: الترشيح على اساس المناطق المتعددة وصولاً الى مستوى القضاء والناحيه في حين أنه:
1- يتعارض مع شعار الانتفاضة المركزي "نريد وطن" لأنه بالعكس سيؤدي لا لتكريس الطائفية والعرقية والمناطقية فقط وانما يذهب بعيداً باتجاه العشيرة والمحلة والزقاق ...

2- الناخب في هذه الحالة سيضيق على خياراته بأشد ما تكون عليه الحال فهو إن كان مقتنعاً بزيد أو عمر سيصرف النظر عن زيد أو عمر لأنهم ليسوا من أبناء القضاء أو الناحية وسيُجبر على أما التصويت لفلان لأنه بلدياته "بالمصري" يعني أبن محلته أو القضاء الذي يسكنه أو يحجم عن المشاركة في الانتخابات ...

3- يا ويل البرلماني الذي يفوز بالعضوية وفقاً للمناطق المتعددة فبحكم الحاجة الملجئة للناخب وخصوصاً في الجوانب المطلبية المعيشية من طلب للتعيين في الوظائف أو تمكينه من الحصول على الخدمات أو رفع الظلم عنه فإن البرلماني في هذه الحالة إن توانى في تعيين ابن الناخب أو عدم ايصال التبليط لبيته ولو خلافاً لتعليمات البلدية أو فشل في تأمين الحج للناخب أو زوجته ولو على حساب القرعة أو فشل في اخراج ابنه الموقوف في مركز الشرطة على ذمة قضية دهس او تجاوز لإشارة المرور فإن البرلماني في هذه الحالة لا يجد في صباح اليوم التالي علامة كروس مرسومة على باب داره وانما ربما عبوه صوتية مزروعة قرب عتبة الباب ... طبعاً الى جانب البلاوي التي سيجدها منشورة ضده في وسائل التواصل الاجتماعي ...في حين أن كل تلك الأمور يفترض أن يختص بها عضو المجلس البلدي وليس البرلماني ...


 


*
رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).







 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter