| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الخميس 23 / 4 / 2020 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
قضية مكافحة الفساد في العراق...ثمة خطأ شائع
موسى فرج *
(موقع الناس)في الشارع، في الاعلام، بين أوساط المثقفين، في اوساط الحكومة، عند البرلمانيين لو سألت أي شخص من هي الجهة المسؤولة عن مكافحة الفساد...؟ لقال لك هيئة النزاهة ...ولو سألت لماذا تعثرت قضية محاربة الفساد والفاسدين في العراق ...؟ لتعثرت الإجابة وتموجت الصورة بين من يلقي اللوم على الأحزاب وبين من يلقي اللوم على الحكومة وبين من يلقي اللوم على هيئة النزاهة، وبمناسبة تصاعد الأصوات من جديد ضد الفساد بسبب دخول عامل إضافي مستحدث وهو انهيار اسعار النفط وقعود الحكومة ع الحديدة وعجزها المتوقع عن تدبير رواتب موظفيها فإن ثمة خطأ شائع في قضية مكافحة الفساد في العراق من الضروري بمكان الانتباه اليه في هذا الوقت بالذات أكثر من أي وقت مضى...
فإلى جانب مهام هيئة النزاهة المتعلقة بإشاعة ثقافة النزاهة ونشر سبل الوقاية من الفساد ومهام أخرى تتعلق باقتراح القوانين التي تساهم في مكافحة الفساد والتنسيق مع المنظمات غير الحكومية فإن مهمتها الجوهرية التي تستقطب اهتمام المواطن ويرى فيها صلب عمل الهيئة والغاية من وجودها هي قضية معاقبة الفاسدين واسترجاع الأموال المسروقة منهم...وغني عن القول إن الهيئة:
1. تمارس مهمتها لتحقيق هذا الهدف ضمن حدود القانون ولا يحق لها تجاوز صلاحياتها بأي حال من الأحوال...
2. إن ساحة عمل هيئة النزاهة هي السلطة التنفيذية وليست السلطة القضائية أو التشريعية الا ما ندر...
ولو تتبعنا اجراءات التعامل مع أية قضية فساد لوجدناها تمر بالمراحل التالية:
المرحلة الأولى: التحري والتدقيق والتحقيق:
وما دامت ساحة عمل الهيئة بالأساس هي السلطة التنفيذية فإذا كان رأس السلطة التنفيذية وهو في العراق رئيس الحكومة، إذا كان خارج منظومة الفساد ومؤمن بمحاربته فرض أرادته على معيته ضمن السلطة التنفيذية وأجبرهم على تزويد الهيئة بالملفات والامتثال لطلبها في اجراء التحقيق الأصولي مع من ترى أن له علاقة بقضية فساد...واذا كان رأس السلطة التنفيذية وهو رئيس الحكومة غير مؤمن بقضية مكافحة الفساد أو كان هو أو المقربين منه مشاركين فيه، أو انه لا يريد من مكافحة الفساد أن تطال شخص او مجموعة أو دائرة أو نوع معين من النشاط استقوى به الشخص أو المجموعة أو الدائرة أو النشاط وأعاق حصول الهيئة على الملفات أو امتثال الأشخاص لطلب الهيئة في التحقيق...وعند حصول هذه الحالة عادت الهيئة بخفي حنين من المرحلة الأولى وقبل أن تتقدم الى المرحلة الثانية، وطيلة عملها في السنوات الفائتة كانت الهيئة تصطدم بهذه العقبة الكأداء من لدن رؤساء الحكومات وبطانتهم، هذا يعني أن اجتياز المرحلة الأولى بنجاح انما يتوقف على مدى أيمان رأس السلطة التنفيذية بقضية مكافحة الفساد وتجاوبه في ذلك...
المرحلة الثانية: التقاضي والمحاكمة:
إذا كان رأس السلطة التنفيذية يعني رئيس الحكومة لا ضلع له أو المقربين منه في الفساد ومؤمناً بقضية محاربته وقادراً على فرض ارادته على معيته عندها تتمكن الهيئة من المضي بإنجاز المرحلة الأولى بنجاح لتنتقل الى المرحلة الثانية وهي مرحلة التقاضي واصدار قرار الحكم... وفي هذه المرحلة فإنه وبموجب مبدأ فصل السلطات فإن قضية اصدار قرارات الحكم تقع ضمن اختصاص السلطة القضائية حصراً...وهيئة النزاهة ليس من اختصاصها أن تصدر امراً بالقبض أو أن تصدر قرارا بالحكم...فاذا كانت السلطة القضائية مؤمنة بقضية مكافحة الفساد ومستقلة قولاً وفعلاً ولا تمارس عليها السلطة التنفيذية سطوةً أو نفوذا أصدرت قرارات الحكم بالبراءة أو الإدانة...وهنا تكون المرحلة الثانية قد انجزت بنجاح ، ولكن ان كانت السلطة التنفيذية مشاركة في الفساد وغير مؤمنة بقضية محاربته ومارست هيمنتها أو سطوتها على جهاز القضاء أو القاضي ، عادت هيئة النزاهة بخفي حنين ايضاً دون أن تعبر المرحلة الثانية الى المرحلة الثالثة، ومعروف كم هو الكم الهائل من الضغوط الذي مارسته ادارة المالكي وبطانته على القضاء وايضاً الكم الهائل من الرضوخ من قبل رأس السلطة التنفيذية رئيس الحكومة للمقربين منه والكتل السياسية من اجل تجنيب اتباعها المساءلة والعقاب وفتح الأبواب مشرعة لهم ليمارسوا حلب مخرجات الدولة ونهب المال العام...
المرحلة الثالثة: مرحلة تنفيذ قرارات القضاء:
على افتراض ان السلطة التنفيذية بشخص رئيس الحكومة ليس له أو المقربين منه ضلع في الفساد ومؤمن بقضية محاربة الفساد والفاسدين ويفرض ارادته على معيته بالامتثال لإجراءات محاربة الفساد ولا يمارس هو أو أي شخص آخر نفوذاً أو سطوة للتأثير على استقلال القضاء أو القاضي والقضاء نظيف ومتمكن وصدرت قرارات الادانة بسلاسة متناهية فإن تنفيذها يقع ضمن اختصاص السلطة التنفيذية أيضاً فهي التي تنفذ أوامر القبض والحبس ومصادرة أموال المدانين ممن هم في الداخل والسعي لاسترداد المطلوبين أو الأموال المسروقة ممن هم في الخارج من خلال أطراف في السلطة التنفيذية وتحديداً وزارات الداخلية والخارجية بالتنسيق مع القضاء وهيئة النزاهة.
المرحلة الرابعة: مرحلة نسف قضية مكافحة الفساد:
اذا كانت السلطة التنفيذية بشخص رئيسها مؤمن ومصمم على محاربة الفساد والفاسدين فإنه يكبح ويمنع أية محاولة على الالتفاف على جهود هيئة النزاهة وأجهزة القضاء لإخراج الفاسدين من شباك العقاب بعد إن دخلوه من الباب من خلال قيام الدائرة المقربة من رئيس الحكومة بدبلجة مشروع قانون للعفو العام تحت حجج شتى يشمل المدانين بقضايا فساد ليدفعوه الى البرلمان ليصادق عليه تلبية لطلب كتل السياسية لاستنقاذ أتباعهم وفتح الأبواب مشرعة لهم ليعاودا نهب أموال الشعب وبذلك تكون السلطة التنفيذية بشخص رئيسها ورضوخاً لرغبات المتنفذين من الكتل السياسية قد نسف جهود هيئة النزاهة وجهود جهاز القضاء من الأساس لأن القضاء ملزم بتنفيذ القوانين الصادرة عن مجلس النواب الذي يحكمه الساسة ورؤساء الكتل.
من هذا يتضح أن قضية مكافحة الفساد يقع 75% أو أكثر من خيوطها في جعبة السلطة التنفيذية ورئيسها بالذات بالتعاون مع الكتل الحزبية أو رضوخاً لمشيئتها ، وليس لهيئة النزاهة من دور في مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين إلا نصيب في المهمة لا تتعدى مساحته أكثر من 25% في أفضل الأحوال وهذه الـ 25% ايضاً يتحكم فيها رأس السلطة التنفيذية لأنه وبطانته هم من يختارون رئيس الهيئة وهم من يقررون إقالته...وعليه فإنه ليس الأمر كما هو شائع خطأً من أن المتحكم الوحيد بنجاح أو فشل قضية محاربة الفساد والفاسدين هي هيئة النزاهة...
ومن يقول غير ذلك أقول له راجع المراحل من جديد لتقف على هذه الحقيقة:
1. هل أتاحت الحكومة من 2003 لغاية تاريخه حصول هيئة النزاهة على الملفات والوثائق لتلبية متطلبات الشفافية ومن دون استثناء...؟ لا.
2. هل مكنت الحكومة هيئة النزاهة من القيام بواجبها في التحقيق مع المثارة ضدهم شبهات فساد وفي مختلف القضايا من دون استثناء...؟ لا.
3. هل تجنبت الحكومة ممارسة الضغوط على القضاء وفي كافة الحالات دون استثناء...؟ لا.
4. هل كانت الحكومة جاده في القيام بواجبها في تنفيذ قرارات القضاء ودون استثناء...؟ لا. وإليك الدليل:
أصدرت المحكمة الاتحادية بتاريخ 4/ 11 /2019 قرارها بعدم وجود نص دستوري يلزم التعيين وفق مبدأ المحاصصة، هذا يعني بأن كافة التعيينات على اساس المحاصصة وفي كافة السلطات التنفيذية والبرلمانية والقضائية باطلة دستورياً ويتوجب إلغاءها، هل التزمت السلطة التنفيذية بحكم المحكمة الاتحادية البات والملزم لكافة السلطات بموجب الدستور...؟ لا.
5. هل أن الحكومة تجنبت بالفعل نسف جهود هيئة النزاهة وأجهزة القضاء ولم تسمح بخروج المدانين من الشباك بعد دخولهم من الباب...؟ لا. وإليك الدليل:
كم قانون عفو أعدته السلطة التنفيذية شمل المدانين بقضايا فساد وأقره مجلس النواب بسلاسة تامة واريحية مشهود لها وبمباركة رؤوس الكتل السياسية...؟
ولهذا نقول: إن التي ترتكب الفساد هي السلطة التنفيذية والتي تمنع مكافحة الفساد هي الحكومة بشخص رئيسها وبطانته من 2004 لليوم...
وعندما يطلق رئيس الجمهورية عبارات من قبيل أن مكافحة الفساد مهمة الجميع فأعلموا انه انما يريد من وراء ذلك تعويم قضية الفساد وقيدها ضد مجهول، وعندما يطلق رئيس الحكومة دعوات من قبيل أن مكافحة الفساد انما هي مهمة وطنية فأعلموا انه انما يريد بقوله عدم إلزام نفسه هو بالذات بوصفه راس السلطة التنفيذية التي تمارس الفساد والذي يقع على عاتقه هو بالذات 75% من مهمة مكافحة الفساد.
من هنا تأتي أهمية ان يكون راس السلطة التنفيذية رئيس الحكومة غير مشارك هو والمقربين منه في الفساد، مؤمن بقضية مكافحته وقادر على فرض ارادته على معيته، مؤمن بسلطة القانون واحترام استقلال القضاء واستقلال هيئة النزاهة، وعدم الخضوع لسطوة الكتل السياسية، الى جانب المواصفات الأخرى المتعلقة بالسياسة وحرصه على سيادة العراق واحترام ارادة وحقوق الشعب.
* رئيس هيئة النزاهة في العراق (سابقاً).