|  الناس  |  المقالات  |  الثقافية  |  ذكريات  |  المكتبة  |  كتّاب الناس  |
 

     
 

 الاثنين 21/1/ 2013                                 موسى فرج                                   كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس

 
 

 

شهادة أرجو أن تكون متأخرة بحق الدكتور مظهر محمد صالح

موسى فرج

واجهت في الأيام الأخيرة حرجا مزدوجا بشأن الكلام عن قضية الدكتور مظهر محمد صالح أو تجنب ذلك .. ومرد ذلك الحرج هو الآتي :

أولاً: أنا سبق وان شغلت موقعاً في هيئة النزاهة وهو أمر يفرض عليّ أن لا أقول رأيا بشأن فساد هذا أو ذاك دون إن أقف على التهمة الموجهة والأسانيد والدلائل والقرائن التي تثبت ارتكابه فعل الفساد ..

ثانياً : ومن نفس المنطلق فانه ليس بمقدوري أن أقول بعدم ارتكابه فساد أو براءته مما نسب إليه .. لأني لم أطلع على ماهية التهمة الموجهة للدكتور مظهر محمد صالح ولا على الأدلة والقرائن المتعلقة بالقضية .. ومن غير الممكن أن أجزم بارتكاب الرجل فعلا من هذا القبيل .. أو اجزم بخلاف ذلك ..

ولكن توجد في ذاكرتي قرائن عشتها عن هيئة النزاهة والقضاء العراقي عشتها شخصيا أثناء اشتغالي في هيئة النزاهة تشجع على اعتقادي بمظلومية الرجل من بين تلك القرائن الآتي :

1. في عام 2005 وقفت على قضية فساد مثارة ضد المرحوم علي العضاض وكان يشغل منصب مدير عام في وزارة البيئة (كما أعتقد).. التهمة الموجهة له كانت تزوير شهادة دكتوراه وصدر أمر قبض بحق الرجل .. تهمة التزوير ينبغي أن تتوفر فيها ثلاثة أركان : تزوير محرر أو وثيقة ، توفر القصد الجنائي ، تحقيق مصلحة غير مشروعة من التزوير.. في قضية المرحوم العضاض لا توجد شهادة دكتوراه مزوره ولم يقم بتقديم شهادة دكتوراه مزورة ، ولم يحقق مصلحة من تزوير مزعوم لأن منصب مدير عام والدرجات الخاصة عموما ( مدير عام أو رئيس جمهورية ) ، يتطلب من شاغلها أن يكون حاصلا على الشهادة الجامعية (بكالوريوس) وفي حالة وجود شهادة أعلى من البكالوريوس فان ذلك لا يغير من الأمر شيئاً ولا يزاد راتبه دينار واحد .. ولا توجد مخصصات باسم مخصصات شهادة ماجستير أو دكتوراه ..

قضية المرحوم علي العضاض هي أنه كان يوقع كتباً رسمية مذيلة بـ الدكتور علي العضاض .. هذا كل ما في الأمر ، والمصلحة المتحققة من وراء ذلك هي الوجاهة الاجتماعية فقط.. مبرر المرحوم علي العضاض في ذلك كما فهمت هو أنه كان وزميله السيد عادل عبد المهدي يدرسان الدكتوراه في فرنسا وحصل سقوط صدام فتركا الدراسة وهما في المرحلة الأخيرة ( مرحلة مناقشة البحث ).. في هذه الحالة لا توجد قضية تزوير شهادة ولا توجد قضية فساد .. لماذا بهذلتم الرجل..؟ وأمر قبض وتشويه سمعه ..؟ قالوا : صارت بعد .. ولا يمكن معالجة الموضوع لأنه منظور من قبل القضاء ...

الذي حصل لاحقا أن الرجل وزوجته قد تم اغتيالهما من قبل الإرهابيين أثناء خروجه من البيت في منطقة المأمون متوجهاً للمستشفى (أعتقد للولادة ).. وذهب الرجل إلى دار حقه وهو مظلوم ومجروح الكرامة ، ولم تفارقني ذكراه طيلة السنوات الماضية ولن تفارقني لأني وجدته مظلوما دون أن أستطيع فعل شيء رغم محاولتي ذلك.. فقد كانت القضية قد سبقتني ومنظورة من قبل القضاء .. ورغم أني من يومها قد أصدرت أوامر رسمية خطية تقضي بتغيير منهجية تعامل هيئة النزاهة مع قضايا الفساد .. بعدم إحالة أية قضية إلى المحكمة دون إجراء ثلاث مراحل متكاملة عليها : التحري ، التدقيق ومن ثم التحقيق ..

2 . في نفس الفترة وفي ذات الأيام يعني أواخر عام 2005 وكنت نائب رئيس هيئة النزاهة دخل عليّ رجل في حالة يرثى لها وقدم نفسه وهو يكاد يجهش بالبكاء صائحا : . أستاذ أبختك .. على رسلك يا رجل .. ما قضيتك ..؟ قال : أنا فالح الفياض نائب محافظ البنك المركزي وخدمتي في دوائر الدولة 40 سنه ، أصدرتم أمر قبض بحقي وأبرأتني المحكمة واليوم صدر أمر قبض آخر بحقي .. ماذا أقول لبناتي وأبنائي موظفو البنك المركزي وأنا مثلهم الأعلى ...؟.. قلت له : اطمئن ولن يصح إلا الصحيح .. طلبت ملف القضية والمحقق الذي كتب إلى المحكمة والذي في ضوء كتابه صدر أمر القبض بحق الرجل .. سألته : ما قضية الرجل ..؟ قال : .. في الأسبوع الأول بعد سقوط النظام قام الجنرال الأمريكي بتسليف لجنة من ثلاثة هم : السيد فالح الفياض نائب محافظ البنك المركزي ورئيس جمعية الاقتصاديين العراقيين في العراق والأستاذ اعتقد فليفل مبلغ مقداره 300 مليون دينار من موجودات البنك المركزي الغرض من السلفة تأمين الإنارة بحدها الأدنى في بغداد .. الذي حصل أن المبلغ بعهدة أحد أعضاء اللجنة وتم اغتياله من قبل الإرهابيين فتبين بعد اغتياله وجود وصولات وقوائم شراء بمبلغ 130 مليون دينار ، تلك الوصولات وجدوها في مكتبه ، ولم يجدوا المبلغ المتبقي ومقداره 170 مليون دينار وفقد المبلغ .. طيب : ما هي تهمة هذا الرجل سألته ..؟ قال : من يقول أن لديه صلاحية بصرف مبلغ السلفة الـ300مليون ..؟ قلت للرجل : ما قولك ..؟ قال : في الأسبوع الأول بعد سقوط صدام وقبل أن يلتئم شمل العراقيين الديمقراطيين من يحكم العراق ..؟ قلت له : كارنر ومن يخوله .. قال : تفضل هذا أمر مكتوب وموّقع من قبل الجنرال الأمريكي يأمرني بصرف المبلغ .. استخرجت الأمر من الاضبارة وعرضته على المحقق وسألته : هل اطلعت على هذا ..؟ قال : نعم أستاذ ولكن من يقول انه فعلا توقيع الجنرال الأمريكي ..؟ ( كان مقر هيئة النزاهة في مبنى ملحق ببوابة القصر الجمهوري وكان القصر الجمهوري تشغله السفارة الأمريكية والحاكم الإداري والأمريكان .. يعني أن المسافة بين هيئة النزاهة والأمريكان لا تتجاوز 100 متر .. دون أن أتكلم كتبت على الكتاب عبارة : ( تفاتح السفارة الأمريكية لتأكيد صحة صدوره ..) وسلمت الكتاب للمحقق وأنا أقول له : عمت عينك .. قبل أن يغادر الباب صحت خلفه : ما هو عملك السابق ..؟ قال : ضابط بالأمن ..! صحت بكل ما أوتيت : الله لا يوفقك راضي الراضي ( رئيس هيئة النزاهة في حينه ) ..

في اليوم التالي وصلني الجواب من السفارة الأمريكية يصف الرجل بفخامته ويقول : أن الكتاب صحيح وان الضابط الذي وقع الكتاب لفخامة السيد فالح الفياض نائب محافظ البنك المركزي موجود حاليا في السفارة ومستعد للحضور إليكم إن طلبتموه ... انتهت قصة السيد فالح الفياض وعلمت انه سارع إلى طلب الإحالة على التقاعد وغادر البنك المركزي سالماً على كرامته ...

3 . في عام 2006 وقد كنت مفصولا من وظيفتي في هيئة النزاهة بقرار مخالف للقانون أصدره ضدي رئيس الهيئة راضي الراضي.. ليس ذلك فحسب بل كان قد اصدر ضدي أوامر بالقبض كي يمنعني من مراجعة دوائر القضاء لإلغاء أمره المخالف للقانون .. وعلمت في حينه بأنه اصدر أمر قبض بحق وزير العدل في حينه السيد مالك دوهان الحسن ( كما أعتقد ) .. بقضية فساد .. سألت عن تهمة الفساد الموجهة للوزير فقيل لي هي الآتي : أن الأمريكان قد أهدوا إلى الوزير 50 مسدس فقام الوزير وبحضور الأمريكان بتوزيع المسدسات على كادر الوزارة كي يستخدموها في الدفاع عن أنفسهم ... هذا كل ما فعله الوزير ..

طبعا السياقات المالية الصحيحة تقول بان الإجراء الصحيح هو إدخال المسدسات في المخازن بطرق أصولية وبموجب مستند استلام مخزني ومن ثم الأمر بصرفها وإخراجها بمستندات صادر مخزني وتأشير ذلك في بطاقة المخزن .. هذه هي الإجراءات النمطية لكن السيد الوزير وهو وزير عدل ووزير مخضرم ويفرق بين أفعال الفساد وتلك التي غيرها ، لم يرى داع لذلك باعتبار أن المسدسات لم تشترى بأموال من الدولة وإنما جاءت هدية له وليس للوزارة .. على أية حال .. الذي يريد فلسفة الشغلة بإمكانه أن يقول للسيد الوزير المخضرم إنها أهديت لمنصبك وليس لشخصك ومنصبك ملك الدولة وبالتالي فان الهدية تعتبر من أموال الدولة .. المهم السيد الوزير بات بالقللق.. وطالت المدة .. صاح : عمي أخسرهن .. ما فاد .. أعاد المُهدى إليهم المسدسات ما فاد .. زين .. السيد مالك دوهان الحسن مريض ومرضه خطير ويحتاج أن يتعاطى 3 أبر شهريا وهي غير موجودة في العراق وكان يذهب إلى عمان للحصول عليها وزرقها 3 مرات في الشهر .. مالك دوهان الحسن يرسل الاستغاثات من غياهب مركز شرطة المنطقة الخضراء (الكرادة) وما من مغيث ، كانت علاقتي في حينه وطيدة بمكتب السيد المالكي كلفت مدير مكتبه إن أنجدوا الرجل .. لكن راضي الراضي معاند احتمال لثأر قديم أو عداوة مذهب ..

بعد مرور أكثر من سنة عدت إلى هيئة النزاهة وهرب الراضي إلى واشنطن وصرت رئيساً لهيئة النزاهة .. أول يوم باشرت سألت عن موضوع وزير العدل السابق السيد مالك دوهان الحسن .. فقالوا : أفرج عنه اعتقد لعدم ثبوت الأدلة ..

الدكتور مظهر محمد صالح لم أكن أعرفه سابقا ولكن بعد مغادرتي هيئة النزاهة عرفته من بعيد كمستشار في البنك المركزي وكان نائب البنك المركزي الدكتور احمد بريهي العلي .. قبل أكثر من سنة من الآن اتصلوا بي من معهد الإصلاح الاقتصادي الذي يرأسه السيد كمال البصري وكيل وزارة المالية السابق لمناقشة موازنة عام 2011 فحضرت ووجدت من بين الحضور أمين عام مجلس الوزراء والدكتور مهدي الحافظ وزير التخطيط السابق والدكتور مظهر محمد صالح بوصفه مستشارا في البنك المركزي وأعضاء سابقون في مجلس النواب وأكاديميون وأساتذة جامعات .. تكلم الدكتور مظهر قبلي ومن بين ما أشار إليه هو أنه توجد حوالي 43 تريليون دينار عراقي في البنك المركزي تايهه .. لقد لفظ مفردة (تايهه) صراحة وليس مجازا.. أعرف أنه لا يقصد بأنها عرضة للسرقة ولكنه يقصد أنها ليست من احتياطيات ثبات العملة ولا تخص وزارة محددة بالذات .. لم أتكلم .. بعد ذلك حلت الاستراحة واقتربت منه وقلت له ونحن نشرب الشاي : دكتور هل تتذكر حكمت العزاوي محافظ البنك المركزي في عهد صدام ..؟ قال : طبعاً .. قلت له : أفرض أن صدام بلغه أمر وجود 43 تريليون دينار في البنك المركزي تايهه .. من وجهة نظرك ماذا تظن انه يفعل بحكمت العزاوي .. قرب الدكتور مظهر محمد صالح فمه من أذني وقال : أيصكه .. قلت له : خوش.. وكان يظن أني أحفظ السر ..

بعد الشاي عدنا إلى القاعة وعندما بلغني الدور في الكلام قلت أمورا على أثرها حلف المسؤولون في معهد الإصلاح الاقتصادي بعدم دعوتي مستقبلا .. ومن بينها انه وفي ضوء ما قاله الدكتور مظهر محمد صالح من وجود 43 تريليون دينار تايهه فان كل الحكومة يلزمها صكه ..

وطالبت في حينه بتشكيل مجلس اقتصاد أعلى من خبراء اقتصاد ونواب سابقين يتولى رسم إستراتيجية الاقتصاد العراقي وسياسات تفصيلية .. ولو كان هذا المجلس قائما لكان هو الذي يبت بصواب إجراءات البنك المركزي من عدمه ولما حصلت التطورات الأخيرة في البنك المركزي طبعا إلى جانب أهمية كبيرة للمجلس في جوانب أخرى ..

أتمنى أن تكون مقالتي قد نشرت بعد الإفراج عن الدكتور مظهر محمد صالح ...فأنا اعتقد أن قضيته لا تختلف عن قضية السيد فالح الفياض سلفه في منصب محافظ البنك المركزي وأيضا لا تختلف عن قضية وزير العدل السابق مالك دوهان الحسن .. ولكن عندما أقول بأنه بريْ من الفساد يقال لي : هل اطلعت على الحيثيات ..؟.. وعندها أدخل في منطقة المدافع عن الفساد ...

كل التحايا للدكتور مظهر محمد صالح ولكل الذين وقفوا إلى جانبه .. وفي مثل هذه القضية بالذات ينطبق حرفيا القول الشائع (الضربة التي لا تقتلك تقويك ..).. أتمنى أن لا تتكرر مثل هذه القضايا وأن يتم مواجهة الفساد الفساد ..
 

 

 

 

 Since 17/01/05. 
free web counter
web counter