| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأثنين 20 / 11 / 2017 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
هل أن العبادي غير قادر على مواجهة الفساد ام انه غير جاد في ذلك..؟
موسى فرج
(موقع الناس)يوجد رأيان في تفسير موقف العبادي من الفساد ...
الرأي الأول يقول: ان العبادي غير قادر على التصدي للفساد في العراق. واصحاب هذا الرأي يبنون اعتقادهم على الآتي:
1. ضخامة حجم الفساد وانخراط كبار المسؤولين والساسة فيه.
2. سيطرة رؤوس الفساد على القضاء وأجهزة تطبيق القانون في ظل غياب دولة المؤسسات وغياب سيادة القانون.
3. حماية مجلس النواب لكبار الفاسدين بسبب خضوع اعضاءه لرؤساء الكتل والولاء لهم بدلاً من الالتزام بالدستور والمصلحة العليا للبلاد في الوقت الذي تتجه فيه اصابع الاتهام بالفساد لرؤساء تلك الكتل بعينهم .
4. سيطرة رؤوس الفساد على الانتخابات من حيث الجهة المنظمة وقانونها وحسم نتائج الانتخابات مقدماً لصالح تلك الرؤوس .
5. ارتباط رؤوس الفساد بمواقع التأثير الإقليمي والدولي على القرار العراقي .
ويخلص اصحاب هذا الرأي الى نتيجة مفادها : أنه من المستحيل مواجهة تلك الرؤوس واتخاذ قرارات صارمة بحقها وإقصاءها عن المشاركة في الحكم على أقل تقدير...
الرأي الثاني يقول: العبادي غير جاد في محاربة الفساد لأنه منهم فكيف ينقلب عليهم...؟. واصحاب هذا الرأي تدعمهم الوقائع الآتية:
1. رغم ما يقال عن المحاصصة واشتراك معظم أطراف الطبقة السياسية في الحكم وهذا يعني أن كل تلك الأطراف مارست الفساد لكن أمران ينبغي الالتفات إليهما في هذا الجانب الأول: هو ان الفساد يرتبط بالسلطة وهذا يعني ان حجم الفساد المرتكب من قبل كل طرف يعتمد في الحقيقة على مساحة وطبيعة المقطع الذي تمتد عليه سلطته من الجهاز الحكومي فالذي يحصل على مناصب أكثر يجني فساد اكبر ومن يظفر بمنصب على جهة ادسم تكون حصته في الفساد اكبر حتى بات من بين المتداولات في اوساط الطبقة السياسية في موسم تقاسم السلطة كلام يقول : ما فائدة وزارة "س" لنا وهي ليس فيها عقود ومناقصات وتخصيصاتها متواضعه..؟ صحيح ان من يظفر منهم بجهاز حكومي يطلق يده وحزبه فيه فساداً واستغلالاً إن بالمال او المناقصات أو التعيينات ومن ينجح في تولي فعالية تخصص لها اموال ضخمه مثل فعالية النازحين يجني من وراء ذلك ثروة كبيرة الا ان الأمر يبقى مرتبطاً بمساحة ونوع مقطع السلطة الذي يحصل عليه كل طرف من أطراف المحاصصة ..
2. وهنا يأتي الأمر الثاني الذي ينبغي الالتفات إليه في مناقشة قضية الفساد في العراق وموقف العبادي منه وهو أن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه العبادي نفسه في واقع الحال بسط سيطرته على معظم أجهزة الدولة الفاعلة وبدأ ذلك مع بداية وصول المالكي لمنصب رئيس الوزراء من خلال استغلاله واتباعه لمكتب رئيس الوزراء والأمانة العامة لمجلس الوزراء للسيطرة على معظم قرارات الحكومة طيلة السنوات السابقة وبالكيفية التالية:
- على غرار ما كان يفعله صدام بنقل السلطة من الوزارات الى لجان ديوان الرئاسة وتهميش دور الوزراء وجعلهم مجرد واجهات للفعاليات النمطية والروتينية فقد حصل الأمر نفسه خلال حقبة حكم المالكي التي استمرت ثمان سنوات فقد حصر معظم القرارات الحكومية المتعلقة بالمال والعقود والتعيينات بالأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد إن حصر الأخيرة بأتباعه والموالين له ..وقد حصل في عام 2005 ومن جراء استشراء الفساد في العقود والمناقصات التي تبرمها الوزارات إن عرض المرحوم أحمد الجلبي وكان يشغل في حينه منصب نائب رئيس مجلس الوزراء تشكيل اللجنة الاقتصادية التابعة لمجلس الوزراء والتي باتت تحال اليها العقود والمناقصات التي يتجاوز حجمها 500 ألف دولار أمريكي من الوزارات لدراستها والبت فيها وكانت الخطوة موفقة في حينه باعتبار أن اللجنة يشارك فيها مختصون ورقابيون من ديوان الرقابة المالية لكن اللجنة ومنذ تسنم المالكي لمنصب رئاسة الوزراء عام 2006 باتت تحت سطوة أمانة مجلس الوزراء التي يحكم السيطرة عليها أتباعه من اعضاء حزبه وبالتالي باتت العقود الضخمة وعقود التسليح تخضع لمشيئتهم بالذات " الأمر الذي جعلني أطلق تحذيري في عام 2008 من أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء باتت تشكل بؤرة الفساد في الحكومة "...
- وايضاً على غرار ما كان يفعله صدام عندما كان يصدر قرارات مجلس قيادة الثورة دون ان تمر تلك القرارات على المجلس وانما من قبله وسكرتيره عبد حمود فقط فقد كانت قرارات كثيره تصدر في زمن المالكي من مكتب رئيس الوزراء في حين انها من اختصاص مجلس الوزراء .
- سيطرة المالكي وحزبه على الأجهزة المفصلية المتعلقة بالمال والقرار وخصوصاً البنك المركزي بعد إن تم إقصاء الشبيبي وتعيين علي العلاق "أمين عام مجلس الوزراء السابق" محافظاً للبنك المركزي ..في نفس الوقت بات أخوه أميناً عاما لمجلس الوزراء وتغلغل افراد عائلة العلاق في معظم الأجهزة الحساسة في مراكز اتخاذ القرار ..هذه الحال استمرت وتعمقت في حقبة العبادي الى جانب كون عضو مجلس النواب علي العلاق هو الذي بات يتزعم جناح حزب الدعوة الحاضن للعبادي بعد خلافه مع المالكي حتى باتت عائلة العلاق تُشبّه بعائلة البرامكة في عهد هرون الرشيد .
- امانة مجلس الوزراء المحكومة من قبل حزب الدعوة سيطرت تماما على جهات مكافحة الفساد فبعد إن تم لي عنق الدستور بجعل هيئة النزاهة "المستقلة بموجب احكام الدستور" مرتبطة بمجلس الوزراء بات من لا يخضع لمشيئة الامانة العامة لمجلس الوزراء فيها تتم إقالته وملاحقته أما المفتشون العموميون فقد تم إقصائهم جميعاً واستبدالهم بآخرين من حزب الدعوة أو الموالين له
- آلية مكافحة الفساد في العراق آلية معقدة وغير فعاله بسبب تشتتها على اجهزة عديدة فالمفتش العام وديوان الرقابة المالية يتوقف دورهما عند مرحلة كشف قضايا الفساد ولا تتجاوز مهمتهما تلك المرحلة وهيئة النزاهة محدد دورها بالتحقيق بقضايا الفساد والإحالة للقضاء ولا تذهب ابعد من ذلك والجهات الحكومية التي حصل فيها الفساد يكون لها دور الجهة المشتكية "وعندما لا تحضر جلسات المحكمة أو لا تقوم بما عليها محاباة لمرتكبي قضايا الفساد وهم المسؤولين فيها تتعرقل مجريات التقاضي" والقضاء يصدر الأحكام في قضايا الفساد ولا يمتد دوره ابعد من ذلك واجهزة وزارة الداخلية تنفذ اوامر القبض وقرارات المحاكم.. وطبعاً أي إخفاق أو ضعف أو ممالأة أو خضوع أي من تلك الأجهزة لسطوة المتنفذين يعني عدم محاسبة مرتكب الفساد وفشل مهمة محاربة الفساد .. وبما أن كل تلك الأجهزة كانت تخضع لسطوة المالكي والمقربين منه فإن ملفات الفساد التي لها علاقة بالمالكي وبإدارته والمقربين منه خارج الفعل في واقع الأمور .. يضاف الى ذلك المقاصة الضمنية الحاصلة في قضايا الفساد والقائمة على أساس: انت أسكت وانا أسكت..
- وما يصدق على الأجهزة المشار إليها يصدق على الجهات الأجنبية التي تمت الاستعانة بها ..لأن تلك الجهات ينتهي دورها في مرحلة كشف الفساد والتدقيق فيه ولكن ليس من صلاحيتها أن تكون بديلاً عن القضاء العراقي في قيامه بمهمته ولا بدور أجهزة تطبيق القانون بالتالي كي تفعل جهود الجهات الأجنبية يجب تفعيل إجراءات الجهات الأخرى...
3. العبادي أحد عضاء حزب الدعوة ومن القياديين فيه وما زال وهو لم يجر تغييرات جوهرية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء والبنك المركزي واجهزة مكافحة الفساد ومازالت نفس المجموعة التي كانت في زمن المالكي تسيطر على تلك الأجهزة وتشكل الحاضنة له هي ذاتها مهيمنة وتشكل اليوم الحاضنة للعبادي ...
وهو ما يدعم الرأي القائل بعدم جدية العبادي في الإطاحة برؤوس الفساد.
من جانب آخر فإن مرحلة العبادي شهدت القضاء عسكرياً على داعش واسترداد الأراضي التي احتلها التنظيم الإرهابي خلال حكم المالكي..
فهل يعول العبادي على ذلك كمنجز يجبُّ ما قبله وما بعده...؟
1. توجد قناعه لدى أغلبية الشعب العراقي أن العبادي لو حرر فلسطين واسترد القدس – دون الإطاحة برؤوس الفساد – فإن ذلك لا يجديه فتيلا.
2. صحيح أن الشائع في حالة الإطاحة برؤوس الفساد قد يفسر بأنه سبيل لإقصاء الخصوم والانفراد بالسلطة كما هو شائع في الدول المتخلفة واقرب مثال لذلك هو ما يحصل هذه الأيام في السعودية لكن الحالة العراقية مختلفة جوهرياً فالفساد في العراق لم ينجم عنه تكدس الثروة لدى بضعة رؤوس كما في السعودية فقط بل إفقار معظم شرائح الشعب العراقي و"إقعادهم على الحديده" فلا غذاء ولا علاج ولا سكن ولا خدمات ولا مدارس ولا طرق ولا فرص عمل ولا فرص للرزق ولا خدمات ولا تنميه ولا اعمار ولا إصلاح ولا حكم رشيد ولا قوانين ولا أمن. خلاصة القول أن الإنسان في العراق حقيقة وليس مجازاً قاعد على الحديده.
3. وهذا ما وفر ويوفر للعبادي التفاف شعبي قل نظيره فيما لو أطاح بأبرز رؤوس الفساد كما يوفر له الدعم الدولي في مواجهة تحرك الجهات الداعم لرؤوس الفساد ضده ..
4. أما أن يعول في هذا على الانتخابات فإن الأمر شبه مستحيل بسبب تدني الوعي الجمعي لدى الناخبين واستفحال الانقسام المجتمعي والفساد في الانتخابات..
الفيصل في الحكم على أن العبادي غير قادر على مواجهة الفساد في العراق أم انه غير جاد في ذلك إنما يتوقف عليه بالذات وعلى مدى تأثير المثقفين في الدفع باتجاه تكوين رأي عام ضاغط وعلى مدى اسناد الأمريكان له بمواجهة ضغوط شركائه....