| الناس | المقالات | الثقافية | ذكريات | المكتبة | كتّاب الناس |
الأحد 1 / 3 / 2015 موسى فرج كتابات أخرى للكاتب على موقع الناس
صفحات من كتاب تحت الطبع
سنوات الفساد ..التي أضاعت كل شيء (1)
تاريخ الفساد في العراق ..سنوات الفساد ..التي أضاعت كل شيء (1)
موسى فرج
مدخل :
• لنتحدث في البداية عن تجربتك في هيئة النزاهة... كيف كانت المدة التي عملت فيها؟ وما الذي حدث حينها ليتم استبعادك والبحث عن بديل صامت عن الفساد؟. *ج : قبل عام 2003 لم تكن مفردة الفساد مسموح بتداولها في العراق لا على الصعيد الرسمي ولا على الصعيد الشعبي .. بعد عام 2003 نشرت مقالتين في صحيفتي الزمان والمؤتمر بتاريخ 14و15/9/2003 حول واقع الفساد في دوائر الدولة وأهمية مواجهته و تم تشكيل لجنة من أعضاء مجلس الحكم سميت بلجنة محاربة الفساد في دوائر الدولة وكنت أحد أعضاءها (طبعاً لم أكن عضواً في مجلس الحكم)، ومن ثم عُينت مفتشاً عاماً في احدى الوزارات ومن ثم نائباً لرئيس هيئة النزاهة ورئيساً للهيئة وقد واجهتني جملة من التحديات :
- السفارة الأمريكية : تريد من الهيئة حديقة خلفية لها وللـمخابرات الأمريكية لتمارس من خلالها الضغوط على الساسة وإسقاط من لا يعجبها منهم ..
- رئيس الحكومة نوري المالكي والمحيطون به : يريدون هيئة النزاهة جهة تدور في فلكهم وتزكي أفعالهم ..
- والمتواطئون في البرلمان مع عصابات سرقة وتهريب النفط : يسعون لإيقاف ملاحقة الهيئة لأقاربهم وحواشيهم الذين يمارسون سرقة النفط من انابيب الضخ في البصرة على نطاق واسع وتهريبه عبر الفجيره الى دول عديده ..
ولأن القضاء كانت رئاسة الحكومة قد فرضت سطوتها عليه ، والبرلمان أضعف من أن يواجه الحكومة بسبب تشرذمه .. لم يكن أمامي إلا أحد خيارين : ان أكون جسراً يمر عليه الفساد أو مغادرة الهيئة ..
وفي حينه كانت البيانات التي تصدرها الهيئة (وهي موثقة) ومن بينها مقابلة مباشرة مع صحيفة الحياة اللندنية قلت: أن الوزارة الأولى في الفساد هي وزارة الدفاع والثانية هي الداخلية تليهما النفط ثم الكهرباء فالتجارة فالصحة وآلاف الرواتب الوهمية (لاحقا سميت بالفضائيين) من بينها 50 ألف في وزارة الداخلية ، اما الأمانة العامة لمجلس الوزراء فقد وصفتها بـ بؤرة الفساد في الحكومة .. إستخلفوا رئيساً للهيئة كانت باكورة أعماله نفي أي وجود للفساد في الجهات المشار إليها ونفي أي ضغوط تمارسها رئاسة الحكومة على الهيئة..! ، ومن يومه تحوّلت وظيفة هيئة النزاهة لملاحقة الرشوة في حافات الجهاز الحكومي وهو ما يطلق عليه : الفساد الصغير ، وباتت وظيفتها تنحصر بإعداد استطلاعات صحفية شهرية لبيان فيما إذا كانت الرشوة في هذه الدائرة أعلى أم في تلك من الدوائر الفرعية، وهذا هو بالضبط ما تريده رئاسة الحكومة للهيئة ..
في الأشهر والأسابيع الأخيرة الماضية تفجر الوضع وتبين الحصاد المر للفساد : إحتلال داعش للموصل ومحافظات عراقية أخرى، والفساد يقف في مقدمة الأسباب ، عشرات الآلاف من الفضائيين في وزارتي الدفاع والداخلية وفي معظم أجهزة الدولة ، تبديد 245 مليار دولار في مشاريع وهمية ورواتب الفضائيين خلال السنوات السابقة ، ضياع 150 مليار دولار تمثل مرتجعات الموازنات خلال السنوات السابقة ، عدم معرفة مصير 95 مليار دولار أرصدة نقدية في وزارة المالية (بحسب اللجنة المالية في مجلس النواب) .. وفي ظل تدني اسعار بيع النفط فكانت الأزمة .. هذه هي تجربتي في مواجهة الفساد والتي مازالت مستمرة وإن من خارج الوظيفة الرسمية.
• كيف بدأت قصة الفساد في العراق..؟ ومن المسؤول الأول عنه في ظل وجود أكثر من قوة حينها، منها داخلية، كالقوات الأميركية، أو خارجية، كالدول المجاورة الداعمة للأحزاب العراقية؟.ج : الفساد في العراق لم يبدأ في عام 2003 ومن يقرأ ما نشره السيد عبد الجبار محسن (مدير التوجيه المعنوي للقوات المسلحة في عهد صدام) والذي نشره قُبيل وفاته في عمان في العام الفائت يقف على حقيقة الأمر .. لكنه إستشرى بعد ذلك بسبب الفوضى التي إجتاحت العراق وبسبب الإفتقار الى القدوة النزيه حكومي كان أو سياسي .. اما عن الأمريكان فأمر غريب أن يظن بهم العفه ..! صحيح هم يتقيدون بالقانون في بلدهم ولكنهم عندما يكونون محتلون فإنهم أقرب الى منظمات للتعذيب ودونكم ما حصل في (ابو غريب) ، وللقتل (مذبحة ساحة النسور) ، وللسرقة (عقود شركات دك تشيني) .. ويكفي الإشارة الى أنهم خصخصوا إحتلالهم للعراق فتعاقدوا مع شركات أمنية مثل بلاك ووتر التي إستقطبت المرتزقة من كل بقاع العالم .. أما عن الدول المجاورة فالغريب انها تنكرت لكل أصناف الدم التي تربطها بالعراق فلم تتذكر القومي ولا الديني ولا الجوار .. الذي ترسخ في عقولهم الباطنة هو صنف واحد فقط : الثأر من العراق ... وباتت عواصم تلك الدول مستودعات لغسيل الأموال المسروقة وتأمين سلامتها، واسواقاً عامرة لإستثمارها...
• هل يمكن إحصاء أنواع الفساد في الدوائر والحكومة العراقية؟ وما الذي يسمح لكل نوع من الاستفحال في الوقت الذي يدّعي الجميع فيه أن الآخر فاسداً مقارنة بكتلته وحزبه الذي ينتمي إليه؟. .ج : في الدول المتمدنة فإن الشائع من الفساد هو الرشى وتحديداً الكوموشنات ومجاله قطاع الأعمال وتحديدا في مجال إحالة المقاولات وإبرام العقود حيث يحصل المرتشي على المال ويحصل الراشي بالمقابل على مزايا وأفضليات سواء في الإحالة أو في التنفيذ ، ولكن في الدول المتخلفة يبدأ الأمر بالفساد السياسي حيث تحتكر الطبقة الحاكمة الوظائف والمخرجات الإقتصادية ومن ثم الفساد الإداري حيث يتم وخلافاً لأسس المواطنة الإستئثار بكل شئ في المناصب والوظائف دون مراعاة توفر عنصري النزاهة والمقدرة ، بعد ذلك تأتي مرحلة الفساد المالي حيث تُطلق أيادي الفاسدين لسرقة أموال الشعب.. وفي كل هذه المراحل يقف خلفها الساسة حيث يمارس القادة الحكوميون والسياسيون حماية الفاسدين وإعاقة جهود مكافحة الفساد وصنع العوائق في وجه أجهزة مكافحته ، وزملائهم في البرلمان يسنون القوانين التي من شأنها تغليف ممارسات الفساد بغطاء قانوني تقف أجهزة مواجهة الفساد عاجزة أمامه .. كلهم يمارسون الفساد وكلهم ينشر غسيله على سطح بعضهم .. والسبب الأساسي وراء ذلك هو أنهم جميعاً ينظرون الى موضوعة الحكم بإعتبارها تقاسم مغانم وليس بناء دوله ..
طبعاً الحكومات لا يضيرها مطلقا التوقيع على إتفاقات أممية ومعاهدات دولية ترمي لمحاربة الفساد لأن ذلك لا يكلفها سوى سويعات محدودة لممثليها بالحضور في المؤتمرات الدولية لكنها في حقيقة الأمر توظف توقيعها على تلك المعاهدات من أجل الظهور بمظهر المناهض للفساد ومحاربته ، يحصل هذا لأن كل المعاهدات الدولية باستثناء معاهدت تحريم أسلحة الدمار الشامل لا يتم متابعة تنفيذ بنودها ومضامينها لأن المتابعة هنا تنطلق من وجود مصلحة للدول الكبرى او صنائعها في إجبار الدول على الإلتزام بها وتلك المصلحة غير قائمة إلا في معاهدة الحد من الانتشار النووي لتحتكره هي .. أما المعاهدات الدولية بشأن الحد من الفقر أو التعذيب أو العنصرية أو الاحتباس الحراري أو حماية الطفل وحماية البيئة وحماية المرأة فإنها أسماء دون مسميات ...
• ما التأثيرات التي يمكن تلمسها من قضايا الفساد في العراق على الأجيال الجديدة..؟ وما الذي يمكن فعله لترسيم خطوط مستقبل لأجيال بعيدة عن آليات هذا الفساد..؟. .ج : إذا كنا قد فشلنا خلال السنوات الماضية من وضع حد للفساد في العراق لأسباب خارجة عن قدرتنا فقد نجحنا بأمر أخر مهم فقد خلقنا عند الجميع رؤية حقيقية لما ينطوي عليه الفساد من أخطار وأضرار ونجحنا في تعرية قبح الفساد والفاسدين الى الحد الذي بات فيه معياراً شعبياً للحكم على المسؤول الحكومي والسياسي والى الحد الذي بات الفساد فيه يسقط الحكام ويستخلف آخرين .. هذا بالنسبة للحاضر أما للأجيال القادمة فإننا نحاول أن نرسخ في معتقداتهم بأن المواطنة والمواطنة وحدها هي البيئة المثلى لمواجهة الفساد ووضع حد له أما الطائفية والمحاصصة فبيئات صانعة للفساد وحامية للفاسدين وحاضنة مستدامة له...
• في كتابك (الفساد في العراق.. خراب القدوة وفوضى الحكم)، أكدت على أن الفساد ليس خارجاً عن الطبقة الحاكمة، بل هم الذين يشرعنوه بقوانين يتفقون عليها، مستبعدين شمولهم بالعقوبات... كيف يمكن أن نعيد تشريع العقوبات التي تطال المسؤول كما تطال المواطن العادي الذي لا يقف وراءه حزب أو كيان سياسي..؟. .ج : الفساد كان في أول الأمر يحتمي بقوة السلطة وليس بقوة القانون لأن الحكومة كانت تعيق ملاحقة الفاسدين وتعيق تطبيق القانون وتعيق تنفيذ قرارات المحاكم ومن ثم تم التحوّل لجعل هذا التوجه قانوني من خلال تقديم مشروعات قوانين الى مجلس النواب يصوّت عليها وتتحول الى قوانين لا يمكن المروق من بين ثناياها لمواجهة الفساد..
على سبيل المثال : هيئة النزاهة المكلفة أصلا بمواجهة الفساد إن لم تكن مستقلة في أداءها تتحول الى سوط بيد الحكومة ضد مناوئيها فقط ، أو تُدفع لممارسة وظيفتها في حافات الجهاز الحكومي دون غيرها في حين أن الفساد الكبير لا يكون في حافات الجهاز الحكومي وإنما في قمة الهرم فضخامة الفساد إنما ترتبط موضوعيا بحجم الصلاحية المناطة بالموظف وضخامة المقدرات الموجودة تحت سلطته ..ماذا حصل في النهاية ..؟ تم ربط هيئة النزاهة برئاسة الحكومة رغم أن الدستور ينص على أنها هيئة مستقلة فأُضعفت فاعليتها .. صدرت قرارات حكومية باعاقة الهيئة بالوقوف على وثائق وزارة الدفاع ، منعت الهيئة من ممارسة واجباتها في الهيئات الرئاسية الا من خلال الحكومة ، تم التعامل مع الهيئة من قبل القضاء بإعتبارها مجرد مخبر عن الفساد وليست ممثلة للحق العام في مجال محاربة الفساد ،وأثقلت بمسؤولين تم إنتقائهم من الموالين للدائرة المحيطة برئاسة الحكومة.
• يرى أغلب المتابعين أن الفساد يعد الممول الأول للإرهاب، كيف هذا؟ وكيف يمكن إيقاف هذا الدعم والتمويل لوقف الإرهاب، إن كان ذلك ممكناً..؟. .ج : الفاسد الصغير القابع في حافات هرم الدولة يمارس أفعال الفساد من أجل أن يحصل على أموال لم تكن من حقه للتمتع بإنفاقها بقصد تحسين وضعه المعاشي أو الحصول على مقتنيات يعجز عن تحقيقها براتبه المستحق له وفقاً للقانون.. تلك الممارسات هي أفعال فساد ولاريب في ذلك، لكنها في الوقت الذي تؤذي فيه المواطن لأنها تغتصب من جيبه مباشرة لكنها لن تقصم ظهر المال العام ولن تتسبب في إفلاس الحكومة ولذلك يطلق عليها الفساد الصغير .. لكن الفساد الكبير هو ما يمارسه الفاسدون الكبار.. وفي جو الصراع والإقتتال على السلطة فإنهم يمارسون الفساد لضمان حسم نتائج الصراع لمصلحتهم وأدوات الوصول الى تلك الغاية تبدأ بالاعلام ولا تنتهي بالسعي لإسقاط النظام برمته من خلال مد العناصر والجهات الارهابية بما يتطلبه نشاطها من أموال هائله .. بالنسبة لأطراف السياسة في العراق ليس لديهم في صراعهم على السلطة خط أحمر فتراه يوماً يقاتل الأمريكان وفي اليوم الآخر يحل في سفارتها أو في عاصمتها ضيفاً ، وتراه يشتم القاعدة يوما وفي اليوم التالي يسرّب لها اسلحة الدولة وملياراتها لتكسر له عضد الخصم ، وتراه يوما يغير على المليشيات بوصفها جهات خارجة على القانون وفي اليوم التالي يضع مقدرات الدولة تحت تصرفها .. فعلاقة الفساد بالارهاب في العراق ليست بالصورة التي تسمع عنها في الغرب والتي تنحصر في تبييض الأموال وجمع التبرعات وتسهيل السفر ..
في العراق اللعب على الطاولة ومكشوف .. حتى أن بعض الأطراف تسوّق النفط الذي تستولي عليه داعش وتبيعه لحسابها بل أن البعض من تلك الأطراف تستغل عقود الدولة لتتعاقد مع دول مجهزة للسلاح لاستيراد الأسلحة باسمها وإيصالها لداعش .. أفبعد ذلك تسألني عن العلاقة بين الفساد والإرهاب في العراق ..؟.
• على الرغم من انتماء أغلب الكيانات السياسية في العراق إلى مؤسسات دينية، إن كانت مرتبطة بمراجع دينية أو أنشأت لنفسها قوانينها الخاصة المرتبطة بالدين أيضاً، غير أن هذه الكيانات لم تكن نزيهة رغم هذه الإنتماءات... هل تعتقد أن المؤسسة الدينية؛ بشقيها السني والشيعي، متورطة في قضايا الفساد..؟ وإذا لم تكن كذلك، فلماذا هذا الصمت تجاه الفاسدين والمفسدين؟. .ج : الفساد موجود على إمتداد التاريخ وأيضاً على إمتداد الجغرافيا ولكن استشراءه أو تحجيمه يتوقف على البيئة التي يمارس فيها والثقافة المجتمعية السائدة ، ففي المجتمعات المتحضرة تتقلص مساحة الفساد الى حدوده الدنيا في حين تتسع تلك الحدود لتغطي معظم المساحة في المجتمعات المتخلفة .. لاحظ أني قلت معظم ولم أقل كل ففي دراسة ميدانية أجريت في بريطانيا وجدوا أن 10% من موظفي الدولة ، أية دولة فاسدون لا يمكن إصلاحهم و10% نزيهون لا يمكن إفسادهم و80 % بين بين .. فإن كانت الثقافة الجمعية تشجع على الفساد والبيئة المجتمعية توفر الغطاء لممارسته فإن معظم الـ 80 % ينخرطون في لعبة الفساد ، هذا الحال يحصل في حالة الفوضى السياسية والقيمية وفساد الأعلى .. ولكن الحال لن يتمدد الى الـ 10% الذين وصفتهم بـ نزيهون لا يمكن إفسادهم وفي حالة النقيض يحصل العكس فالنزاهة والفساد خصال فردية تتوقف على ما هو أصيل عند الفرد وعلى ما هو مكتسب فالأصيل لا يمكن زحزحته ولكن المكتسب يمكن التأثير فيه سلباً أو إيجاباً ..
الدين رادع للفساد هذا ثابت ولكن الخطير في الأمر أن البيانات التفسيرية للدين تصدر عن أشخاص وهؤلاء تنطبق عليهم موضوعة الـ 10% و10% و80 % أيضاً ، وحكومة المسلمين تسرّب لها الفساد بالمعنى الذي نقصده اليوم ، أعني فساد الذمم والجيوب ولا أعني فساد ما بين الوركين ، بعد غياب النبي (ص) مباشرة عندما قالوا ان الحكم ترثه العشيرة والسابقون وليس العادل والكفوء.. وعندما تم تمييز الناس في موارد الدولة وعندما إتسعت بطانة الحاكم .. وهناك حالة يتيمة في تاريخ الحكم الإسلامي كانت استنقاذا لروحه من الفساد ، كان علي أبن أبي طالب القدوه الذي تنكر له أتباعه ، وليس بعيداً عن منهجها عمر بن عبدالعزيز.. .
• منذ أن تسلم الدكتور حيدر العبادي قيادة الحكومة وهو ينادي بتجريم المفسدين وتنظيف دوائر الدولة منهم... ما الآليات والطرائق التي يتمكن من خلالها إنجاح مهماته..؟ وكيف سيتمكن من تنفيذ وعوده رغم أنه ليس بعيداً عن الكيانات التي يطالب بمعاقبتها؟. .
ج : مهمة السيد حيدر العبادي في غاية التعقيد فمواجهة الفساد تعني مناهضة سلوك الفاسدين ، والفاسدون الكبار هم من يطبقون على النظام السياسي اليوم ومشكلة العبادي أنه ليس فقط ابن النظام السياسي المنتج للفساد ، انما هو أبن المحاصصة التي تشكل بيئة الفساد وحاضنته وحاميته ، وقد أحكمت آلياتها بحيث لا تحتاج الى إذاعة إعلان دستوري للإنقلاب على من ترى فيه تهديداً حقيقياً عليها فجلسة واحدة لسحب الثقة تكفي ..
وفي نفس الوقت فإن مواجهته للفساد باتت مطلباً شعبياً وهو قد تعهد للشعب بذلك والشعب يضغط حالياً بشده .. والأيدلوجيات والمبادئ والسجايا الشخصية والتي يطلق عليها في عالم السياسة : شعارات.. تتحول الى كمبيالات واجبة السداد وصكوك ملزمة الدفع حال بلوغ حاملها السلطه وإلا سُمي (مقرباز) وهي مفردة من مخلفات العصملي في العراق تعني الشخص الذي يماطل في تسديده لديونه وهي مفردة موجعه .. ولذلك فإن الأمر يتطلب إصرار وحنكه من قبل السيد العبادي فالنوايا الخيرة لا تكفي.. وليس من المنطق أن ينتظر تطبيقاً لمسعاه والحلقة الضيقة المحيطة به هم من تسببوا بتبديد موازنات العراق ، ولا من المنطقي أن ينتظر وضع حد لنزيف العملة الصعبة من خلال غسيل الأموال واسع النطاق والمسؤولون عن ذلك يتربعون اليوم في البنك المركزي ، ولا من المنطق أن ترتجي مواجهة حقيقية للفساد وجهاز القضاء مسيطر عليه من نفس المجموعة التي سّفهت جهود مواجهة الفساد ومحقت استقلالية أجهزة مواجهته ..
وفي هذه الحالة فإن أمامه سبيلين لا ثالث لهما :
ـ فإما الاستسلام أمام الفساد والنكوص عن تعهداته للشعب وفي هذه الحالة فإنه سيواجه برد فعل قاسٍ من قبل الأوساط الشعبية وستنظر اليه بوصفه إستمراراً لمن سبقه ، وأنا شخصياً لا أتمنى له ذلك ، فقد حظي بما لم يحظَ به من سبقوه من تجاوب شعبي رغم أنه ينتمي لذات الطبقة السياسية ولنفس المحاصصة ولنفس الكتلة بل نفس الحزب ، إلا أن الرهان كان ينصب على خصاله الشخصية وتعهده في مواجهة الفساد ولو نكص عن ذلك سيفقد الكثير حتى على المستوى الشخصي..
ـ أو أنه مصر على الوفاء بوعوده والطريق السليم لتحقيق ذلك ينطوي على سلوك طريق مركب يتم من خلاله إتخاذ الإجراءات التالية :
1. العودة للدستور بإعلان إستقلالية هيئة النزاهة عن رئاسة الحكومة. .
2. إختيار رئيس للهيئة قوي ومهني ومستقل في قراراته ولا يخضع لغير القانون . .
3. تشكيل لجنة قضائية من خارج مجلس القضاء الحالي وعلى غرار محكمة رموز النظام السابق تتولى البت في قضايا الفساد ..
4. نقل مسؤولية مواجهة الفساد في العراق الى هيئة النزاهة والجهة القضائية المشار إليهما بالمواصفات المذكورة وجعلهما في مواجهة مباشرة مع الشعب والإكتفاء بمراقبتها وتقويم إجراءاتها ..5. في هذه الحالة فإن القيادة الجديدة القوية لهيئة النزاهة تجعل من باكورة أعمالها مواجهة فساد الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الوزراء وبالملفات الضخمة تحديداً والتي لا يختلف عليها إثنان وتحديداً : مصير اموال الموازنات السابقة : التبديد 245 مليار دولار ، فوائض الموازنات 185 مليار دولار ، الكتلة النقدية التائهة 95 مليار ، والفضائيون ، وغسيل الأموال ..
عندما تقوم بذلك فإنه يمنحها المصداقية والموضوعية ويلجم المعترضين وفي نفس الوقت يبعد العبادي عن المواجهة المباشرة مع كبار الفاسدين من كتلته ومن حزبه..ولو كنت مسؤولاً عن هيئة النزاهة اليوم لفعلت هذا شرط أن لا يقيلوني بمجرد الهمهمة بذلك ...
في حال عدم مواجهة الفساد ومعاقبة كبار الفاسدين فإن المغفل فقط من العراقيين هو فقط من يسكت لأن موازنة العراق لهذا العام ورغم تدني اسعار النفط فإنها تفوق موازنات نصف عدد الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية مجتمعة بالتمام والكمال ..
وتفضل أنظر :
الأمارات العربية : 13,4 مليار دولار
الأردن : 11,4 مليار
سوريا : 7,5 مليار
لبنان : 13 مليار
تونس : 15,7 مليار
السودان : 9,1 مليار
فلسطين : 5 مليار
اليمن : 12 مليار
البحرين: 3,7 مليار
موريتانيا: 2,4 مليار
الصومال : 748 مليون
جزر القمر : 56 مليون ..(94 مليار دولار) هذا هو مجموع موازنات 12 دولة كاملة السيادة والعضوية في جامعة الدول العربية لعام 2015 في حين أن حجم موازنة العراق بلغ 103 مليار دولار وهي ثاني أضخم موازنة عربية بعد السعودية ..
أحد العراقيون كتب مازحاً : أن موازنة جزر القمر البالغة 56 مليون دولار لا تكفي لتغطية عملية بواسير(؟؟؟),(اتحفظ على ذكر الإسم تلافياً للوقوع تحت طائلة القانون الذي يعاقب على القذف والشتم .. بس هو معمم ومن دولة القانون واسمه يبدأ بحرف سيف الله المسلول..)، وللعلم أيضاً فقد تجاوز برنت سقف الستين دولار للبرميل يوم الجمعه الفائت..
* مقابلة مع السيد صفاء ذياب مراسل القدس العربي اللندنية ...